أجريت الجولة الأولى من الانتخابات الفرنسية في 10 أبريل، والتي كشفت نتائجها عن تصدر الرئيس الفرنسي، إيمانويل، ماكرون، نتائجها، وذلك بحصوله على 27.8% من الأصوات، مقابل حصول مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان على 23.1% من الاصوات، وهو ما يعني أن الجولة الثانية التى ستنعقد يوم 24 أبريل سوف تجري بين ماكرون ولوبان.
قراءة في نتائج الانتخابات:
يلاحظ أن نتائج الجولة الأولى من نتائج الانتخابات الرئاسية الفرنسية تكشف عن عدد من الملامح، والتي يمكن تفصيلها على النحو التالي:
1- تقدم اليمين على اليسار: تكشف نتائج الجولة الأولى عن تقدم مرشحي اليمين على اليسار، إذ إنه من بين أعلى خمسة مرشحين رئاسيين من حيث عدد الأصوات، كان أربعة منهم ينتمون إلى اليمين. ولم ينتم إلى اليسار سوى جان لوك ميلنشون، مرشح اليسار الراديكالي للرئاسة، والذي حل في المرتبة الثالثة بواقع 22%. كما أن إجمالي نسبة التصويت لمرشحي اليمين بصفة عامة بلغت نحو 68.1%، مقابل نحو 31.9% لمرشحي اليسار. وركّزت الحملات الانتخابية التى قادها المرشحون المنتمون لتيار اليمين المتطرف على الشأن الداخلي، خاصة غلاء الأسعار والضرائب التي فرضها ماكرون، والهجرة.
2- تصاعد حظوظ لوبان: حصل اليمين المتطرف على حوالي 34.4%، وذلك عن طريق لوبان التي حصدت 23.1% من الأصوات، وإريك زمور، اليميني المتطرف ذي الأصول اليهودية، الذي حصد 7.1% من الأصوات، كما دعا نيكولا ديبون إينيان، أحد المرشحين الخاسرين في الانتخابات الرئاسية (2.1%) أنصاره للتصويت للوبان.
ويعني ما سبق أن حظوظ مرشحة اليمين المتطرف، مارين لوبان في المنافسة على منصب رئيس الدولة صارت أكبر من أي وقت مضى، في ضوء ضمانها أصوات اليمين المتطرف، بالإضافة إلى إمكانية سعي لوبان لاستمالة أصوات ميلنشون، والذي تمكن من حصد حوالي 22%.
ولن تكون هذه المحاولة سهلة، فقد دعا ميلنشون أنصاره لعدم التصويت لمارين لوبان لكنه أحجم عن دعوتهم لمنح أصواتهم لماكرون، كما أظهر استطلاع داخلي أن غالبية النشطاء المسجلين من أنصار ميلنشون، سيمتنعون عن التصويت، أو يضعون بطاقات بيضاء في صندوق الاقتراع في جولة الإعادة لانتخابات الرئاسة الفرنسية بين ماكرون ولوبان. بينما قال أكثر من 33% بقليل إنهم سيعطون أصواتهم لماكرون. غير أن مشكلة هذا الاستطلاع أنه لم يمنح المشاركين فيه خيار التصويت للوبان، ولذلك يجب التعامل معه بحذر شديد.
3- صعود التوجهات القومية: تشترك الأحزاب اليمينية واليسارية المتطرفة في تبنيها مواقف مناهضة للعولمة والمؤسسات الدولية، على غرار الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، وهو ما كان واضحاً في برامج ماريان لوبان وزمور وميلنشون. وقد حصل مرشحو الأحزاب المتطرفة مجتمعين على نحو 55.4% من إجمالي أصوات الناخبين الفرنسيين، مما يعني أن أكثر من نصف المجتمع تقريباً يتبنى توجهات قومية، كما أن هذا يعني أن بعض الناخبين الذين صوتوا لمرشحي اليسار المتطرف قد يجدون أطروحات لوبان أقرب لهم من برنامج ماكرون.
4- حظوظ قوية لماكرون: أجرى معهد "بي في آي" (BVA) استطلاع رأي حول الانتخابات الرئاسية، وتوقع فيها فوز ماكرون بنسبة 54%، وهي نسبة أقل من انتخابات 2017 التي حظي فيها على 66%، مما يعود إلى سخط بعض الناخبين من سياسات ماكرون الاقتصادية، غير أنها تكشف في الوقت ذاته عن نجاحه في حسم الانتخابات لصالحه.
كما أعلن كل من يانيك جادو، مرشح حزب الخُصر (4.6% من الأصوات)، وآن هيدالغو، مرشحة الحزب الاشتراكي (1.7%) وفابيان روسيل، مرشح الحزب الشيوعي (2.3%)، وفيليب بوتو، مرشح الحزب الجديد لمناهضة الرأسمالية (0.8%)؛ تأييدهم لماكرون في الجولة الثانية.
5- نجاح لوبان في استقطاب العمال: تشير الاستطلاعات إلى أن 36% من فئة العمال صوّتوا لماريان لوبان في مقابل 18% لماكرون، ويمكن تفسير ذلك بسخط الفئة العاملة من سياسات ماكرون الاقتصادية والضرائب التي فرضها. ولذا، فإنهم يتطلعون لتحسين وضعهم المعيشي حال فوز لوبان، خاصة أنها وعدت بخفض الضرائب على الوقود.
أما أصحاب المؤهلات العليا والمتعلمون فـ 35% منهم صوّت لماكرون في مقابل 12% للوبان، ويبدو أنهم يخشون من تفشي الأفكار المتطرفة حال فوز لوبان، ويتطلعون إلى استمرار الانفتاح السياسي والاقتصادي خاصة على أوروبا. وسيتعين على ماكرون من أجل حسم الانتخابات الرئاسية لصالحه إقناع الـ 22% الذين صوتوا لميلنشون أن يصوتوا له في الجولة الثانية.
6- تراجع الأحزاب التقليدية: كشفت نتائج الجولة الأولى من الانتخابات عن انتكاسة الأحزاب التقليدية، حيث أصيب الحزبان التاريخيان، أي الجمهوريون والحزب الاشتراكي، بضربة قاضية قد تبعدهما لفترة طويلة عن الحياة السياسية الفرنسية.
طبيعة البرامج الانتخابية:
يمكن تفصيل البرنامج الانتخابي لكل من ماكرون ولوبان بصورة مقارنة على النحو التالي:
1- الموقف من المسلمين: تصر لوبان على محاربة النزعة الإسلامية، وتراهن لوبان على سخط المجتمع ضد الإسلام، وتؤكد أنها في حالة فوزها في الجولة الثانية ستجرّم ارتداء الحجاب، تحت مسمّى مواجهة الفكر الإسلامي المتطرف.
ويلاحظ أن لوبان سوف تواجه مزايدة ومنافسة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول نفس القضية، والذي على الرغم من تأكيده عقب فوزه في انتخابات 2017 بأنه يرغب في أن يكون "رئيساً لجميع الناس الذين يتعاملون مع تهديد القومية"، فإنه انتهج سياسة مختلفة على مدار العامين الماضيين، إذ طوّر برنامجاً لاقتلاع ما أسماه "النزعة الانفصالية الإسلامية"، كما وصف الإسلام بأنه دين في أزمة، مما أثار غضب الجالية المسلمة في فرنسا.
ويرى كثيرون أن ماكرون تبنى بعض ملامح الخطاب اليميني، من أجل الحصول على حصة أكبر من الأصوات. ولا شك أن مثل هذه المواقف قد تدفع العديد من مسلمي فرنسا، والذي يصل حجمهم إلى 10% من عدد السكان، إلى الإحجام عن المشاركة في الانتخابات.
2- قضية الهجرة: تستخدم لوبان، ورقة الهجرة كالمعتاد في هذه الانتخابات، وتسعى إلى استقطاب أصوات الفرنسيين الساخطين من الهجرة، والذين يريدون عودة الوطن للفرنسيين، خاصة مع ادعاء لوبان بأن 95% من الجرائم يقوم بها المهاجرون، كما أكدت لوبان في حال فوزها أنها سوف تجعل الأولوية للفرنسيين فى السكن. وعلى الرغم من هذه السياسات المتطرفة، فقد أعلنت لوبان أنها لن تفرض واقعاً معيناً على الناخبين، فهي ملتزمة بإجراء استفتاء في أول 6 أشهر، للحد من الهجرة، ومن ثم تسعى لتطمين شرائح أكبر من الفرنسيين للتصويت لها.
ويدافع ماكرون، في المقابل، عن التعاون مع دول البحر الأبيض المتوسط، والاستفادة من الهجرة، ولكن مع تنظيمها، وهو ما يضمن له أصوات الفرنسيين الذين ينحدرون من أصول أجنبية.
3- القضايا الاقتصادية: تعهدت لوبان بخفض الضرائب على الوقود من 22% إلى 5%، وإلغاء ضريبة الدخل على كل شخص دون سن الثلاثين، كما أنها رفعت "شعار سأعيد الأموال لجيوبكم"، مما قد يمثل أحد الوسائل لجذب الناخبين، خاصة الفقراء.
وفي المقابل، فإن ماكرون متهم بأن سياساته الاقتصادية تحابي الأغنياء، وهو ما انعكس في مقولة أن "ماكرون رئيس للأغنياء"، حيث قام برفع الضرائب على الطاقة والقيمة المضافة، غير أن هذا لا ينفي إنجازات ماكرون الاقتصادية، خاصة نجاحه في خفض البطالة وزيادة الاستثمارات، فقد استطاع اقتصاد فرنسا أن يصمد أمام جائحة كورونا. كما أن الاقتصاد الفرنسي سجّل أعلى نسبة نمو منذ نحو 52 عاماً، وهو 7% في عام 2021.
4- الصراع الأوكراني: تعرضت لوبان لانتقادات بسبب دعمها لروسيا، غير أنها تعارض فرض عقوبات على واردات فرنسا من النفط أو الغاز، لأن ذلك سوف يرفع تكاليف الطاقة في بلادها، وإن أيدت كل التدابير العقابية الأخرى على روسيا. وفي المقابل، فإن تصريحات ماكرون بشأن وقف واردات الغاز، غير واقعية ويستعملها كورقة انتخابية وذلك لاعتماد باريس على الغاز الروسي لتغطية ما يزيد على 46% من احتياجاتها.
وفي الختام يمكن القول إنه في ضوء العرض السابق، سوف يكون من الصعب توقع نتيجة الجولة الثانية من الانتخابات الفرنسية، فعلى الرغم من أن حظوظ ماكرون تعد أقوى من لوبان، غير أن صعود التوجهات القومية لدى الشعب الفرنسي، وتراجع الأوضاع الاقتصادية بسبب الصراع الأوكراني قد تكون عوامل تصب في صالح لوبان، خاصة أن الخطوط الفاصلة بين ماكرون ولوبان في الموقف من المسلمين قد تراجعت، وهو ما قد يثبط المسلمين عن التصويت لماكرون، وهو ما يصب في صالح لوبان.