أعلنت دمشق تأييدها الكامل للموقف الروسي من الصراع الأوكراني، غير أنه يتوقع أن يكون للحرب الروسية ضد أوكرانيا في 24 فبراير الجاري تداعيات مباشرة على الأزمة السورية، لاسيما فيما يتعلق بالانعكاسات الأمنية والسياسية والاقتصادية.
موقف سوري مؤيد:
تجدر الإشارة إلى أن سوريا تبنت المواقف الروسية نفسها من الصراع الدائر في أوكرانيا، وذلك بخلاف المعارضة، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:
1- اعتراف دمشق بالدونباس: أعلنت الرئاسة السورية الاعتراف بجمهوريتي لوغانسك ودونيتسك عقب توقيع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قرار الاعتراف باستقلالهما عن أوكرانيا في 22 فبراير، كما حملت دمشق الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع، وهو ما جاء متزامناً مع زيارة وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، لموسكو في 21 فبراير.
2- دعم العمليات العسكرية الروسية: كانت سوريا في مقدمة الدول التي دعمت العمليات العسكرية الروسية ضد أوكرانيا، إذ أكد الرئيس السوري، بشار الأسد، خلال محادثة هاتفية مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين أن "مواجهة توسع الناتو هو حق لروسيا لأنه أصبح خطراً شاملاً على العالم".
كما رفضت سوريا مشروع القرار المقدم للجمعية العامة للأمم المتحدة، في 2 مارس، حول أوكرانيا، والذي يدين الحرب الروسية ضد أوكرانيا، فضلاً عن تصريحات وزير الخارجية السوري، فيصل مقداد، بأن هناك تنسيقاً استراتيجياً بين سوريا والاتحاد الروسي.
3- دعم المعارضة السورية لواشنطن: أدانت قـوى المعارضـة في سـوريا العمليـة العسـكرية الروسـية فـي أوكرانيـا، ورأت أن هـذه العمليـة لا تختلـف عما تقوم به روسيا في الداخل السوري منذ 2015، في إطار سعي قوى المعارضة لاستثمار الوضع الراهن، والذي قد يرتب انشغالاً روسياً بأوكرانيا، بصورة تنعكس سلباً على الاهتمام الروسي بسوريا، واستغلال ذلك لدعوة الدول الغربيـة للضغط على دمشق في هذا التوقيت.
ارتدادات على الداخل السوري:
يتوقع أن ينعكس الصراع الروسي – الأمريكي حول أوكرانيا على الأوضاع في الشرق الأوسط، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:
1- تردي الأوضاع الاقتصادية: تعاني الأوضاع الاقتصادية السورية خلال السنوات الأخيرة تردياً واضحاً، خاصة مع تصدرها قائمة الدول الأفقر في العالم، حسب التقديرات الدولية، ومن شأن الحرب الروسية – الأوكرانية أن تترك تداعيات اقتصادية أكبر، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:
أ- ارتفاع أسعار القمح: تعتمد دمشق في استيراد القمح على روسيا وأوكرانيا، خاصة بعد الجفاف الذي ضرب سوريا، وبالتالي فإنه في حال تضرر سلاسل توريد القمح، فإن هذا الأمر سينعكس سلباً على سوريا، مما قد يؤدي إلى ارتفاع أسعاره بصورة كبيرة.
ب- ارتفاع أسعار المشتقات النفطية: أدت الحرب الروسية – الأوكرانية إلى تخطي أسعار النفط حاجز الـ 130 دولاراً لأول مرة في تاريخه، وهو ما قد يدفع الحكومة السورية إلى رفع أسعار المشتقات النفطية، مما يرتبه ذلك من ارتفاع كبير في أسعار السلع كافة، وهو الأمر الذي سوف يزيد من الاعتماد السوري على روسيا، أو إيران.
ج- تدهور سعر صرف الليرة السورية: تراجعت أسعار صرف الليرة السورية أمام الدولار إلى مستوى 3930 ليرة، كما أن محاولة عزل المؤسسات والبنوك الروسية، ولو جزئياً، عن النظام المالي العالمي سيكون له تداعيات مباشرة على التعاملات المالية في سوريا خلال الفترة القادمة.
2- تحوّل سوريا إلى ساحة لتصفية الحسابات: قد ينعكس الصراع الروسي – الأمريكي على الأراضي السورية، وهو ما يمكن إبرازه في التالي:
أ- دعم واشنطن للمعارضة السورية: استضافت الولايات المتحدة في 3 مارس الجاري اجتماعاً موسعاً ضم ممثلين عن عدد من الدول العربية والغربية لبحث الملف السوري، وهو ما يمكن أن يكون رسالة ضغط من واشنطن على روسيا، بإمكانية اتجاه واشنطن لدعم المعارضة المسلحة، مما يمثل ضغطاً مباشراً على روسيا، فضلاً عن نشر السفارة الأمريكية في دمشق، في 1 مارس، تغريدة عبر حسابها الرسمي في تويتر قالت فيها، إن شهر مارس الحالي سيكون شهر المحاسبة، في مؤشر على إمكانية تصعيد هجومها على المسؤولين في سوريا بدعوى ارتكاب جرائم حرب.
ب- تراجع العملية السياسية: أكد مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا جير بيدرسون، خلال إحاطة له في مجلس الأمن، عن قلقه من تأثير الحرب الروسية على جهوده الدبلوماسية، لتسوية الأزمة السورية عبر الحوار بين دمشق والمعارضة السورية.
كما أنه من المتوقع أن تتعنت الحكومة السورية في مفاوضات الحل السياسي، على الرغم من قبولها إرسال الوفد إلى جنيف في 21 مارس المقبل، وذلك بسبب إدراك النظام السوري انشغال الجانب الروسي بالملف الأوكراني بما قد يقلل من ضغوطه عليه فيما يتعلق بالمفاوضات.
ج- تأثر المساعدات الإنسانية: قد يؤثر الصراع الأوكراني على المساعدات الإنسانية بصورة أو باخرى، حيث إنها قد تؤدي لتحويل التمويل والموارد الطارئة للتعاطي مع الأزمة الأوكرانية وتداعياتها الاقتصادية، بدلاً من توجيهها لبرامج المساعدات الإنسانية على اللاجئين، خاصة السوريين في الداخل وفي دول الجوار.
3- التداعيات العسكرية والأمنية: أشارت بعض المصادر إلى تقليص القوات الروسية من أنشطتها العسكرية مع تراجع تحليق مقاتلاتها وتنفيذها لضربات جوية على مواقع تنظيم داعش في البادية السورية، على عكس الوضع قبل بدء الحرب الروسية على أوكرانيا، هذا بالإضافة إلى تراجع تحليق طائرات الاستطلاع التابعة لها في المنطقة نفسها، وتراجع تسيير الدوريات في مناطق شمال شرق سوريا.
كما قد تستغل إيران الانشغال الروسي بالصراع الأوكراني للتحرك وتوسيع نفوذها في سوريا، وهو ما ظهرت بوادره من خلال زيارة مدير مكتب الأمن الوطني، علي مملوك، لإيران في أواخر فبراير المنصرم، وكذلك زيارة رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي، فالح الفياض، إلى دمشق في 2 مارس 2022، ولقائه رئيس النظام السوري بشار الأسد، وكذلك توسيع عمليات نقل الأسلحة ومنظومات الاستطلاع والدفاع الجوي والطائرات المسيرة من العراق إلى سوريا ولبنان خلال فبراير 2022.
كما قد تتجه إيران إلى تصعيد هجماتها ضد الوجود الأمريكي في سوريا، وتصعد من هجماتها ضد إسرائيل، وهو الأمر الذي يثير مخاوف الأخيرة، خاصة بعدما كشفت أن إيران حاولت شن هجوم ضدها باستخدام طائرات مسيرة انطلقت من إيران في مطلع مارس، في مؤشر على اتجاه طهران لتصعيد عملياتها ضد إسرائيل بشكل مباشر، عوضاً عن الاعتماد على الحلفاء. ولا شك أن إسرائيل سوف تحتاج إلى روسيا حتى تسمح لها بحرية استخدام الأجواء السورية لشن هجمات ضد إيران.
انعكاسات إقليمية واسعة:
تشير مجمل التداعيات إلى أن الصراع الأوكراني لن يؤثر على الوضع الداخلي السوري فحسب، بل قد تكون له تداعيات إقليمية، وهو ما يمكن توضيحه في التالي:
1- إمكانية اشتعال الوضع في سوريا: قد تسعى الولايات المتحدة إلى إثارة الاضطرابات الأمنية في سوريا، وذلك عبر دفع تركيا لتوظيف الإرهابيين في إدلب ضد الحكومة السورية، في محاولة للضغط على النفوذ الروسي في سوريا، كما أن إيران قد تتجه، هي الأخرى، لاستغلال الانشغال الأمريكي بأوكرانيا، ومحاولة تعزيز نفوذها في سوريا، وصولاً إلى استهداف القوات الأمريكية هناك، على غرار ما كانت تقوم به خلال فترات سابقة.
2- تغير محتمل في سياسة روسيا: قد تتجه موسكو إلى تقييد حرية إسرائيل في العمل في الأجواء السورية، وذلك إذا ما تبنت الأخيرة مواقف في الأزمة الأوكرانية تغضب موسكو، وهو الأمر الذي سوف يؤدي إلى تعزيز الحضور الإيراني في سوريا.
3- تدابير سورية احترازية غير كافية: أقرت الحكومة السورية مجموعة من الإجراءات للحد من تداعيات الحرب، في ضوء اعتماد دمشق على روسيا في تأمين العديد من السلع الأساسية، ومنها خفض الإنفاق، فضلاً عن وضع خطة لإدارة المخزون المتوافر من المواد الأساسية كالقمح والسكر والزيت والأرز خلال الشهرين المقبلين ومتطلبات تعزيزها والتدقيق في مستويات توزيع هذه المواد وترشيدها ودراسة كافة الخيارات لتوريدها بمختلف الوسائل، كما سيتم توزيع السلع عن قرب والتشدد في الرقابة على توزيعها.
ومع ذلك، فإن هذه الإجراءات لن تكفل تحسين الوضع في دمشق ما لم تتجه الأخيرة إلى الحصول على دعم خارجي، ويتوقع أن تتجه إيران لدعم الاقتصاد السوري خلال هذه الفترة في محاولة لتعزيز تغلغلها في سوريا.
وفي الختام، يمكن القول إن الصراع الأوكراني قد تكون له ارتدادات سلبية على الأوضاع في سوريا، إذ إنه قد يحولها إلى ساحة للصدام بين القوى الدولية والإقليمية المتصارعة في الميدان السوري، فضلاً عن إمكانية سعي طهران لاستغلال الانشغال الروسي بأوكرانيا لتعزيز انخراط إيران في سوريا اقتصادياً وعسكرياً.