دعت مجموعة من الشخصيات السياسية التونسية (لطفي المرايحي رئيس حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري- محمد عبو القيادي في حزب التيار الديمقراطي - هيكل المكي القيادي في حركة الشعب - الصادق شعبان الوزير السابق في نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي المنضم إلى حركة مشروع تونس) الرئيس قيس سعيِّد إلى إعلان "حالة الاستثناء" في البلاد، وذلك من خلال استخدام صلاحياته التي يخولها له الدستور الوطني بتفعيل المادة "80" التي تتيح له اتخاذ مجموعة من الإجراءات الاستثنائية بسبب تعذر إدارة شئون الدولة، وخاصة في هذا التوقيت الذي تعاني فيه البلاد من عدة أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية تتطلب التدخل الرئاسي على هذا النحو من أجل تسهيل إدارة شئون البلاد على كافة المستويات.
ولكى يقوم الرئيس سعيِّد بإعلان حالة الاستثناء - كما ينص الدستور - ينبغي له استشارة كل من رئيس الحكومة هشام المشيشي ورئيس البرلمان راشد الغنوشي ورئيس المحكمة الدستورية (التي لم يتم تشكيلها حتى الآن)، ويعقب ذلك إصدار بيان رئاسي موجه إلى الشعب يعلمهم فيه بتطبيق هذه الإجراءات الاستثنائية.
دوافع عديدة:
يمكن تفسير الدعوات المطالبة بإعلان حالة الاستثناء في البلاد، من خلال جملة من الأسباب الداخلية، ومن أبرزها ما يلي:
1- اندلاع الاحتجاجات الشعبية: شهدت البلاد خلال الفترة الأخيرة العديد من الاحتجاجات الشعبية في أكثر من ولاية بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية وما لذلك من تداعيات اجتماعية تتعلق بتردي الأوضاع المعيشية للمواطنين وخاصة في الولايات التي تعاني تهميشاً اقتصادياً واجتماعياً، الأمر الذي أدى إلى اتساع النطاق الجغرافي لهذه الاحتجاجات التي تطالب بتحقيق التنمية الاقتصادية وتوفير فرص عمل للشباب العاطل في ظل ارتفاع نسبة البطالة إلى حوالي 16%. وقد صاحب هذه الاحتجاجات قيام بعض المحتجين بالتعطيل المتعمد لمرافق الإنتاج كما حدث في الكامور بولاية تطاوين جنوب البلاد من تعطيل لإنتاج حقول النفط والغاز الطبيعي، وما ترتب على ذلك من التأثير سلباً على سد الاحتياجات اليومية للمواطنين من غاز الطهي، وغيرها من المواد والسلع الاستهلاكية الضرورية.
2 تزايد حدة الخلافات السياسية: تصاعدت حدة الخلافات السياسية بين الأحزاب الليبرالية بقيادة الحزب الدستوري الحر ضد الأحزاب الإسلامية (حركة النهضة - ائتلاف الكرامة) سواء داخل البرلمان أو خارجه، وهو ما انعكس سلباً على أداء البرلمان، وتسبب في اتساع نطاق استياء المواطنين الذين تراجعت ثقتهم في الأحزاب السياسية الرئيسية المتصدرة للمشهد السياسي في البلاد.
3- اتساع نطاق التباينات بين الرئاسيات الثلاث: خاصة بعد أن تجاوز رئيس البرلمان راشد الغنوشي صلاحيات الرئيس سعيِّد فيما يتعلق بملف السياسة الخارجية وعلاقة البلاد بدول الجوار والقوى الإقليمية والدولية، فضلاً عن تفاقم التباين بين الأخير ورئيس الحكومة هشام المشيشي في أكثر من مناسبة وكان من أبرزها انتقاد سعيٍّد لاختيارات المشيشي لبعض المستشارين المنتمين إلى عهد الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي والمتورطين في بعض قضايا الفساد المالي والإداري، الأمر الذي أدى إلى إرباك المشهد السياسي بصفة عامة في ظل عدم الانسجام وعدم التوافق السياسي الواضح بين الرئاسيات الثلاث.
4- التشكيك في استقلالية الحكومة الحالية: وجهت بعض الأحزاب السياسية ( التيار الشعبي - حركة مشروع تونس - حركة الشعب) اتهامات إلى رئيس الحكومة الحالية هشام المشيشي بانصياعه لرؤى وسياسات وأهواء التحالف القائم بين كل من حركة النهضة وائتلاف الكرامة وحزب قلب تونس، وهو ما ينزع عن الحكومة الحالية صفة الاستقلالية في ظل تأثير هذا التحالف الداعم لها على سياساتها وتوجهاتها الحالية.
قيود محتملة:
رغم ذلك، فإن هناك بعض القيود التي يمكن أن تواجه تطبيق الإجراءات الاستثنائية في هذا التوقيت، ويتمثل أبرزها في:
1- تردد الرئيس: فرغم تصريح الرئيس سعيٍّد أكثر من مرة بأنه لن يسمح بانهيار البلاد ومؤسساتها وأنه رئيس لكل التونسيين ولا مجال لأي من القوى السياسية الحالية للذهاب بالبلاد إلى حالة من الفوضى، إلا أنه لم يصدر عنه أي تصريح أو موقف حتى الآن يذهب في اتجاه إمكانية لجوئه إلى تطبيق تلك الإجراءات الاستثنائية وفقاً لما ينص عليه الدستور الوطني، وقد يفهم من ذلك حرصه على عدم تصعيد الأمور سياسياً بشكل قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة الداخلية.
2- تجاوز الصلاحيات: إذ أن إعلان حالة الاستثناء في البلاد يعني امتلاك رئيس الدولة المزيد من الصلاحيات، وفي هذه الحالة قد تظهر دعوات للمطالبة بتعديل النظام السياسي الحالي إلى نظام رئاسي، خاصة وأن المبادرة الأخيرة التي طرحها الاتحاد التونسي العام للشغل تدعو لإجراء استفتاء على النظام السياسي الحالي، وهو ما ستعارضه بعض القوى السياسية الرئيسية.
3- موقف الغنوشي والمشيشي: قد يعترض كل من رئيس الحكومة ورئيس البرلمان على تطبيق الإجراءات الاستثنائية، خاصة وأن ذلك سوف يخصم من صلاحيات كل منهما ويعد تراجعاً لموقعيهما في النظام السياسي بصفة عامة. فرغم موافقة رئيسى الحكومة والبرلمان على إجراء حوار وطني لإخراج البلاد من أزماتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية الراهنة، إلا أنهما لا يتفقان مع رؤية الرئيس الخاصة بالإصلاح والتغيير.
في النهاية، تكشف الدعوات الحالية لتطبيق رئيس الدولة لحالة الاستثناء، عن حجم الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي أصبحت تعاني منها البلاد في الوقت الراهن، وخاصة في ظل تصاعد الخلافات السياسية بين الرئاسيات الثلاث من جهة، واتساع نطاق الخلافات بين الأحزاب والقوى السياسية المتصدرة للمشهد السياسي من جهة أخرى، وعدم قدرة الحكومة الحالية على التعامل مع هذه الأزمات من جهة ثالثة، على نحو يمكن أن يفرض استحقاقات سياسية صعبة أمام تونس خلال المرحلة القادمة.