تمثلت التوجهات السائدة والتحركات الحاكمة لسياسة التشيك إزاء الإقليم، خلال السنوات القليلة الماضية، في تسوية سلمية للأزمة السورية، ودعم الشرعية اليمنية في مواجهة الميلشيات الانقلابية، وتقديم مساعدات إنسانية إلى بؤر الصراعات العربية، ومواجهة الإرهاب العابر للحدود، ووقف تدفقات اللاجئين، والحد من الهجرة غير الشرعية، ومعارضة السياسات الإقليمية التركية، والمساهمة بجهود إعادة إعمار المناطق المنهارة داخل الدول، وتأييد السياسات الداعمة لإسرائيل، ودعم بعثة حلف الناتو في أفغانستان، على نحو يشير إلى تباعدها، إلى حد ما، عن سياسات دول الاتحاد الأوروبي في بعض القضايا، وتطابقها مع مصالح الولايات المتحدة وإسرائيل، وتوافقها مع سياسات بعض الدول العربية في قضايا أخرى.
وبوجه عام، يمكن تناول سياسات ومواقف حكومة براغ تجاه تفاعلات الشرق الأوسط فيما يلي:
دعم الأسد:
1- تسوية سلمية للأزمة السورية: تتبنى التشيك رؤية مفادها تكثيف السعى نحو الوصول إلى حل سياسي للصراع في سوريا، يقوم على الحفاظ على سيادتها واستقلالها ووحدتها وعبر حوار سوري- سوري دون أى تدخل أجنبي. إذ ترى أن هذا الصراع لا يمكن حسمه عسكريًا بعد مرور ما يقرب من ثماني سنوات على اندلاعه، وإن كانت المؤشرات توحي بقدرة نظام الأسد على استعادة مزيد من المناطق التي كانت تسيطر عليها المعارضة المسلحة والتنظيمات الإرهابية دون أن يقود ذلك إلى تحقيق سلام، على نحو يتفق بدرجة كبيرة مع الرؤية الأمريكية، التي ترهن إعمار سوريا بتحولات سياسية ودستورية.
ولعل التشيك هى الدولة الأوروبية الوحيدة التي لم تقطع علاقتها بالنظام السوري، حيث اعتبرت أن الخيار البديل له هو الفوضى والإرهاب، وتقدم التشيك خدمات قنصلية لمواطني الاتحاد الأوروبي وتقوم بالوساطة لدول أخرى. لذا قالت وزارة الخارجية التشيكية، في 9 أغسطس 2018: "إن جمهورية التشيك تفاوضت من أجل إطلاق سراح اثنين من الألمان العاملين في إحدى المنظمات الإنسانية في سوريا"، وأضافت: "إن العاملين انتقلا إلى براغ والتقيا مع ممثلين عن سفارتهما هناك"، بعد زيارة وزير الخارجية يان هاماتشيك إلى دمشق في اليوم نفسه.
ولفت وزير الخارجية التشيكي خلال لقائه وزير الخارجية السوري وليد المعلم، إلى "صواب قرار بلاده إبقاء سفارتها مفتوحة في دمشق بما أسهم في تعزيز التواصل بين البلدين والإطلاع على حقيقة الأوضاع في سوريا بصورة موضوعية"، معربًا عن "أمله في إمكانية التوصل إلى حل سياسي للأزمة في سوريا وإعادة الأمن والاستقرار إلى كل أرجاء سوريا بأقرب وقت ممكن". ومنذ عام 2012، تقوم السفارة التشيكية في دمشق بحماية مصالح واشنطن، كما تفعل السويد في كوريا الشمالية، وسويسرا في إيران.
تسوية في اليمن:
2- دعم الشرعية اليمنية في مواجهة الميلشيات الانقلابية: أشار رئيس لجنة العلاقات الخارجية والدفاع بمجلس النواب التشيكي كارل شفاسنبرغ، خلال لقائه سفير اليمن لدى براغ عمر سبعة في 20 مارس 2017، إلى أن جمهورية التشيك على استعداد لتقديم مزيد من الجهود لدعم الحكومة الشرعية في اليمن والتوصل إلى تسوية سياسية تجنب اليمن مزيدًا من الحرب والدمار الذي تسببت به الميلشيا الانقلابية.
معونات إغاثية:
3- تقديم مساعدات إنسانية ولوجستية إلى بؤر الصراعات العربية: أقرت الحكومة التشيكية برنامج المساعدات الإنسانية والتنموية لسوريا خلال الفترة بين عامى 2016 و2019، والتي تنقل مباشرة من براغ إلى دمشق من قبل الهلال الأحمر العربي السوري، على نحو ما حدث بالنسبة للأدوات والأجهزة الصحية، فضلاً عن تأهيل المنشآت التعليمية والاجتماعية والبنى التحتية الأخرى. كما عرضت الحكومة التشيكية مساعدتها لترميم الآثار السورية التي تعرضت لاعتداءات نتيجة الأعمال الإرهابية.
محاربة الإرهاب:
4- مواجهة الإرهاب العابر للحدود: تشير وجهة النظر الرسمية التشيكية إلى ضرورة قطع الأسلحة والأموال والمقاتلين عن بؤر الصراعات وخاصة في العراق وسوريا، وتنسيق العمليات العسكرية ضد تنظيم "داعش"، بالتوازي مع مشاركة الطائرات التشيكية في ضرب مواقع "داعش" في مناطق نفوذه الرئيسية، لا سيما أن هناك مقاتلين تشيك مرتبطين بالتنظيم، إلى جانب "جبهة النصرة"، فضلاً عن سائر الجماعات الأخرى المرتبطة بتنظيم "القاعدة".
وفي هذا السياق، قال الرئيس التشيكي ميلوش زيمان، في 26 سبتمبر 2014: "هناك خطر حقيقي نغمض أعيننا عنه ويدعى داعش، فإذا نظرتم إلى خريطة الدولة الإسلامية حتى عام 2020 ستجدون أن الخلافة تحتل نصف أوروبا وكل آسيا الوسطى، ناهيك عن منطقة الشرق الأوسط. ستقولون أن ذلك حالة من الجنون، لكنه يوشك على التحقق، إنه أمر خطير وعلينا مكافحة الإرهاب الدولي معًا".
فالمسألة لا تتعلق بمحاربة إرهاب إقليمي بقدر ما هو إرهاب عالمي، إذ قال رئيس الوزراء التشيكي السابق بوهسلاف سويوتكا، خلال مؤتمر صحفي مع حيدر العبادي في 27 أغسطس 2017، أن "الحرب التي تخوضها القوات العراقية ضد داعش تعد حربًا عالمية ضد الإرهاب وليست حربًا عراقية"، وأضاف: "إن بلاده سعيدة لأن الترسانة العراقية التي حاربت الإرهاب كانت تضم طائرات تشيكية الصنع من طراز (الـ159)، إذ بيعت للعراق في وقت سابق فضلاً عن الأسلحة التي أهدتها بلاده للجيش العراقي من ذخائر وبنادق آلية".
كما سبق أن أكدت التشيك، في 28 نوفمبر 2014، مساندتها للحكومة العراقية في الحرب ضد "داعش"، مع مشاركتها في تدريب القوات الأمنية والعسكرية التابعة للحكومة المركزية، وكذلك ميلشيا "البيشمركة" الكردية. وأكد وزير الخارجية التشيكي السابق لوبومير زاوراليك، في حوار مع وكالة أنباء الشرق الأوسط في 31 يناير 2016، على "دعم التشيك للحكومة المصرية في محاربتها لتنظيم داعش والجماعات المتطرفة الأخرى بغض النظر عن الأسماء التي يستخدمونها".
كما أشار الرئيس ميلوش زيمان لقناة "تي في بليسك"، في 7 يوليو 2016، إلى ضرورة قيام التحالف الدولي المناهض للإرهاب بـ"ضم جهوده إلى جهود الرئيس السوري بشار الأسد لمكافحة تنظيم داعش"، وهو ما يعكس محورية التهديد الأمني للإرهاب على التشيك، ومدى اقترانه بما يسمى "الإسلاموفوبيا". لذا، قال وزير الخارجية التشيكي السابق لوبومير زاوراليك، في 27 يناير 2015: "إن المسلمين أنفسهم يجب أن يعالجوا سرطان الأيديولوجية المتشددة، وإن العرب تحديدًا ينبغي أن يثبتوا أن القتل والإرهاب ليس من تعاليم الإسلام الصحيح".
إيقاف المتسللين:
5- وقف تدفقات اللاجئين من بؤر الصراعات العربية: وخاصة سوريا، لذا، تنشغل الحكومة التشيكية بمواجهة اللاجئين المتسللين عبر الحدود بإجراءات يغلب عليها الاستبعاد. وتشير العديد من الكتابات إلى أن اللاجئين يعانون ظروفًا صعبة، دفعت اليونيسكو إلى التحذير من المخاطر التي قد تصيب أطفالهم نتيجة سياسات التشدد التي تتبعها حكومة التشيك (فضلاً عن المجر وكرواتيا وصربيا وسلوفينيا) إزاء اللاجئين مثل احتجازهم في معسكرات وتجريدهم من ملابسهم. بل إن تقارير مختلفة أشارت إلى أن الشرطة التشيكية عمدت، في سبتمبر 2015، إلى ترقيم المهاجرين بكتابة رقم على يد كل لاجئ في خطوة اعتبرتها منظمات حقوقية أشبه بـ"ممارسات النازية".
وفي السياق ذاته، وصف الرئيس ميلوش زيمان الموجة الحالية للمهاجرين بأنها "اجتياح منظم"، داعيًا الشباب المهاجرين من سوريا أو العراق إلى حمل السلاح وقتال تنظيم "داعش" بدلاً من الهجرة إلى أوروبا.
ولعل ذلك يفسر رفض التشيك استقبال 450 شخصًا من طالبي اللجوء، في 15 يوليو 2018، تم إنقاذهم من قارب صيد في البحر المتوسط، حيث قال رئيس الوزراء أندريه بابيش على موقع "تويتر": "إن قبول بعض الركاب الذين تم إنقاذهم سيكون طريقًا إلى الجحيم، وسيُحفِّز فحسب مهربي البشر على محاولة جلب المزيد من المهاجرين في رحلة بحرية محفوفة بالمخاطر"، وأضاف: "يجب علينا أن نساعد المهاجرين في بلدانهم، خارج الاتحاد الأوروبي".
محاربة عصابات الجريمة:
6- الحد من الهجرة غير الشرعية: تهتم الحكومة التشيكية بتعزيز إجراءات مكافحة الهجرة غير النظامية، إذ استنكرت وزارة الخارجية بحكومة الوفاق الوطني الليبية تصريحات رئيس الحكومة التشيكية أندريه بابيش، في 17 ديسمبر 2017، حول "استعداد بلاده لإرسال قوات تشيكية لحماية الحدود الجنوبية لليبيا"، في إطار المساهمة للحد من الهجرة غير الشرعية من منطقة الصحراء الإفريقية والشرق الأوسط عبر ليبيا إلى دول أوروبا الجنوبية.
وأكدت وزارة خارجية الوفاق "سيادة دولة ليبيا واستقلالها ووحدة أراضيها، وأنه إذا ما كان هناك تعاون في مجال مكافحة الهجرة غير الشرعية مع المجتمع الدولي والدول الصديقة فإنه يقتصر فقط على المساعدة اللوجستية والاستخباراتية وفقًا لما تنص عليه الاتفاقيات الثنائية الموقعة مع تلك الدول والمنظمات، وبما لا يتعارض مع المواثيق والمعاهدات الدولية". وأشارت إلى أن "الحل الجذري ليس حلاً أمنيًا فقط بل تنموي لدول المصدر، وكذلك محاربة عصابات الجريمة المنظمة التي تتخذ من تجارة البشر والهجرة مصدرًا لتمويلها".
انتقاد أنقرة:
7- معارضة السياسات الإقليمية التركية: اعتبر الرئيس التشيكي ميلوش زيمان، وفقًا لوكالة الأنباء التشيكية في 11 ديسمبر 2015، أن "تركيا تتصرف بين الحين والآخر كحليف لتنظيم داعش، أكثر منها حليف ضمن حلف الناتو"، الأمر الذي يفسر الاعتراض التشيكي على دفع مساعدات بمليارات اليورو من الاتحاد الأوروبي لتركيا لدعم رعاية اللاجئين، حيث قال الرئيس ميلوش زيمان في هذا الإطار: "إن تركيا قادرة على الاعتناء بهؤلاء اللاجئين فكلاهما يدين بالديانة نفسها".
وقال نائب رئيس الوزراء التركي بكير بوزداغ، لوكالة أنباء الأناضول في 27 فبراير 2018، إن الحكم الذي أصدرته محكمة تشيكية لإطلاق سراح القيادي الكردي السوري صالح مسلم هو "قرار لدعم الإرهاب"، إذ يعتبر مسلم قائدًا سابقًا بالحزب الكردي في سوريا (حزب الاتحاد الديمقراطي) والذي تعتبره أنقرة جزءًا من حزب العمال الكردستاني، وهو مجموعة وصفتها كل من تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بـ"الإرهابية".
إعادة البناء:
8- تعزيز جهود إعادة الإعمار: تتطلع بعض الشركات الحكومية والخاصة في التشيك للمساهمة في إعادة بناء ما دمرته الصراعات داخل دول الإقليم، إذ أشار وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري، خلال زيارة وزير الخارجية التشيكي السابق لوبومير زاوراليك إلى بغداد في نوفمبر 2014، إلى أن "دولة التشيك لها خبرة واسعة في بناء المدن والإعمار والمجالات الاقتصادية الأخرى". وقال زاوراليك خلال مؤتمر صحفي في 16 مارس 2017: "إن بلاده تمتلك الفرصة للمساهمة في إعادة الإعمار في سوريا والعراق بالنظر إلى استمرار علاقاتها مع هذين البلدين".
كما أعرب رئيس الوزراء التشيكي السابق بوهسلاف سويوتكا، خلال مؤتمر صحفي مع حيدر العبادي في 27 أغسطس 2017، عن أمله بأن تحظى الشركات التشيكية بفرصة للعمل وإعادة الإعمار بالعراق في المرحلة المقبلة، لا سيما الشركات المتخصصة في مجالات بناء المصافي وتطوير الصناعات النفطية والغازية والصناعات الثقيلة الأخرى، خاصة إنتاج الآلات الزراعية وصناعة السيارات وتمهيد الطرق.
وهنا تجدر الإشارة إلى ما قام به أمناء مكتبات التشيك – بالتعاون مع المنظمة الإنسانية للاحتياجات- من جمع تبرعات لإعادة إعمار مكتبة الموصل، بعد أن دمرتها الحرب ضد "داعش"، حيث تعد من أهم المكتبات في الشرق الأوسط، لا سيما أنها تحتوي على أكثر من مليون وثيقة من المخطوطات النادرة والمطبوعات القديمة.
دعم تل أبيب:
9- تأييد السياسات الداعمة لإسرائيل: وهو ما يعكسه تأييد التشيك قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنقل السفارة الأمريكية للقدس في 6 ديسمبر 2017، وإعلان اعتزامها اتخاذ الخطوة نفسها. وبالتوازي مع ذلك، عطلت التشيك، إضافة إلى المجر ورومانيا، تبني إعلان أوروبي ينتقد القرار الأمريكي. وسبق أن أعلنت التشيك، في عام 2012، معارضتها منح فلسطين صفة دولة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة.
تعاون أمني:
10- المشاركة في بعثة حلف الناتو بأفغانستان: أثار مقتل ثلاثة من الجنود التشيك في هجوم انتحاري استهدف بعثة حلف الناتو في أفغانستان، في 7 أغسطس 2018، جدلاً حول أهمية وتداعيات التواجد العسكري للتشيك في الأخيرة. غير أن السفير التشيكي لدى حلف الناتو جيري ساديفي، أكد أن الانسحاب سيقوض مصداقية التشيك كشريك مسئول في التحالف الدفاعي، على نحو يعكس رغبة التشيك في دفع تكلفة بقاء قواتها بما يعزز من دورها في إطار عمل الحلف.
اتجاهات متوازية:
خلاصة القول، إن السياسات العشر التي تتبعها الحكومة التشيكية تبرز السير في اتجاهات متوازية منها المضي قدمًا في التسوية السلمية للصراعات العربية في سوريا واليمن، وتعزيز التنسيق الإقليمي والدولي لمواجهة إرهاب "داعش" وغيره من التنظيمات المتطرفة، ومعارضة السياسات التركية الملتبسة في علاقتها بالتنظيمات السابقة، والحصول على حصة من "كعكة" إعادة إعمار الدول المنهارة، ومواجهة المشكلات التي يعاني منها العمل في النقاط الساخنة على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، والبحث عن خطط بديلة لتقليل عدد المهاجرين إلى أوروبا، ودعم السياسات الأمريكية والإسرائيلية المرتبطة بالقضية الفلسطينية ومحورية القدس فيها، وتأكيد الشراكة مع حلف الناتو في كابول.