وجه الرئيس الإيراني حسن روحاني إشارات جديدة بأن إيران لن تجر أية تغييرات في سياستها سواء إزاء الاتفاق النووي أو تجاه دورها الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط. فقد أكد، خلال مشاركته في جلسة مجلس الشورى الإسلامي التي عقدت في 29 أكتوبر الجاري لمناقشة أهلية المرشحين لتولي وزارتى العلوم والطاقة، على أن إيران "لن تترد في إنتاج وتخزين أى سلاح تراه ضروريًا للدفاع عن نفسها"، مضيفًا أن "إيران صنعت الصواريخ وستصنعها مستقبلاً أيضًا ولا يتنافى ذلك مع أىٍ من القوانين الدولية"، في إشارة تحديدًا إلى قرار مجلس الأمن رقم 2231 الذي يطالب إيران بعدم إجراء أية أنشطة خاصة بتطوير صواريخ باليستية مصممة لحمل أسلحة نووية لمدة ثماني أعوام.
وفي الواقع، فإن أول ما يلفت الانتباه في تصريحات روحاني هو أنه لم يستثن أسلحة الدمار الشامل من قائمة الأسلحة التي يمكن أن تقوم إيران بإنتاجها وتخزينها للدفاع عن نفسها حسب قوله، وهو ما سوف يحدث، على الأرجح، جدلاً سياسيًا جديدًا، حيث قد تستخدمه قوى وأطراف عديدة لتجديد اتهام إيران بمواصلة مساعيها لتطوير جانب عسكري خفي في برنامجها النووي بعيدًا عن رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
رسائل متناقضة:
ويبدو أن ذلك قد يدفع إيران مرة أخرى إلى إعادة التأكيد على أنها، حسب مزاعمها، لا تسعى إلى امتلاك أسلحة نووية، وربما تحاول من جديد الاستناد إلى الفتوى السابقة التي قيل أن المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي أصدرها في عام 2003 وقضت بتحريم إنتاج أو تخزين الأسلحة النووية، من أجل إضفاء أهمية وزخم خاص على سياستها، رغم أن بعض الاتجاهات تنفي صدور هذه الفتوى من الأساس، فضلاً عن أنها حتى في حالة صدورها لا تفرض التزامات واضحة على السياسة الرسمية للدولة في هذا الإطار تحديدًا.
ومن دون شك، فإن إيران ربما تهدف من خلال ذلك إلى توجيه رسائل متناقضة في وقت واحد، بهدف إرباك حسابات القوى الدولية، خاصة التي بدأت تبدي اهتمامًا أكبر بمخاطر الدور الإقليمي الذي تقوم به، والذي يفرض تداعيات سلبية قوية على أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط، في إطار سياسة "تقسيم الأدوار" التي تتبعها طهران بشكل دائم، لا سيما في حالة ما إذا تعرضت لضغوط دولية قوية، على غرار ما يحدث في المرحلة الحالية.
رد مباشر:
ربما يمكن القول إن روحاني يسعى من خلال تصريحاته الأخيرة إلى الرد على تصديق مجلس النواب الأمريكي، في 26 أكتوبر الجاري، بأغلبية ساحقة، على عقوبات جديدة ضد برنامج إيران للصواريخ الباليستية، حيث أيد مشروع القرار الخاص بتلك العقوبات 423 نائبًا مقابل اعتراض نائبين فقط، ويستهدف هذا القرار الهيئات الإيرانية التي تعمل في مجال تطوير ودعم الصواريخ الباليستية والأسلحة التقليدية، والكيانات الأجنبية التي توفر المواد اللازمة لهذا البرنامج أو تسهلها أو تمولها، والأشخاص الأجانب والوكالات الحكومية الأجنبية التي تستورد أو تصدر أو تعيد تصدير الأسلحة المحظورة أو المواد ذات الصلة من وإلى إيران.
ومن دون شك، فإن ما دفع روحاني إلى الإسراع في الرد على هذا القرار هو أن الأخير يمثل الخطوة الأولى التي تتخذها واشنطن لتفعيل ما جاء في الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 13 أكتوبر الحالي، والذي رفض فيه تأكيد التزام إيران بالاتفاق النووي وأصدر تعليماته لوزارة الخزانة بالبدء في فرض عقوبات على الحرس الثوري.
وبعبارة أخرى، فإن تصريحات الرئيس الإيراني تشير، على ما يبدو، إلى أن اتجاهات عديدة داخل دوائر صنع القرار في إيران باتت ترى أن واشنطن جادة في تهديداتها بالعمل على مواجهة انتهاكات إيران المستمرة للاتفاق النووي ودورها الإقليمي الذي ساهم في تصاعد حدة الأزمات المختلفة وساعد التنظيمات الإرهابية على التمدد داخل الدول التي اندلعت فيها تلك الأزمات.
وهنا، فإنه لا يمكن فصل تلك التصريحات عن ما جاء على لسان المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي، في 25 أكتوبر الجاري، حيث رفض التفاوض حول الدور الإقليمي الإيراني، معتبرًا أن حضور إيران الإقليمي يمثل عمقًا استراتيجيًا لها، بما يشير إلى أن الاحتمال الذي كان قائمًا خلال عهد إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما والخاص بإجراء مفاوضات بين واشنطن وطهران حول بعض القضايا غير النووية لم يعد يحظى باهتمام من جانب الأخيرة، بسبب السياسة الجديدة التي تبنتها الأولى بعد تولي إدارة الرئيس ترامب مهامها في 20 يناير 2017.
استباق الأوروبيين:
فضلاً عن ذلك، فإن روحاني حرص من خلال تأكيده على مواصلة إنتاج الصواريخ على استباق أية تحركات قد تقوم بها بعض الدول الأوروبية تهدف إلى الوصول لحلول وسط للخلافات المتصاعدة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، خاصة حول بعض البنود التي يتضمنها الاتفاق وتستخدمها إيران في الالتفاف عليه، إلى جانب القضايا المرتبطة بدور إيران في المنطقة.
ففي هذا السياق، أشارت تقارير عديدة إلى أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يدرس القيام بزيارة لطهران من أجل إجراء مباحثات مع المسئولين الإيرانيين، وفي مقدمتهم المرشد علي خامنئي، لإقناعهم بضرورة إبداء مرونة أكبر في التعامل مع المطالب الأمريكية والدولية الخاصة ببرنامج الصواريخ الباليستية والدور الإقليمي، وأنه قد يوفد وزير الخارجية جان ايف لودريان أولاً لاستشراف مدى إمكانية موافقة القيادة الإيرانية على ذلك.
وقد توازى ذلك أيضًا مع تصريحات صدرت عن عواصم أوروبية أخرى كشفت عن اتجاه تلك الدول إلى التماهي، نسبيًا، مع بعض المواقف الأمريكية تجاه إيران، على غرار ألمانيا التي أعربت، في 11 أكتوبر الحالي، عن قلقها من محاولات إيران التحايل على القيود المفروضة على مبيعات المواد ذات الاستخدام المزدوج من أجل برنامجها الصاروخي.
ومن هنا، يبدو أن روحاني يهدف إلى استباق التحرك الفرنسي المحتمل خلال الفترة القادمة، بالتأكيد على أن إيران سوف تواصل الأنشطة نفسها التي تثير قلق القوى الدولية وتدفعها إلى اتهام إيران بعدم التعامل بشفافية مع الأهداف التي كان الاتفاق النووي يسعى إلى تحقيقها.
تداعيات سلبية:
ومن دون شك، فإن هذا الموقف يؤشر إلى أن إيران ما زالت ترى أن الاتفاق النووي وفر لها خيارات متعددة في التعامل مع الاحتمالات الخاصة بوقف العمل به أو استمرار التصعيد مع واشنطن في حالة حدوث ذلك.
لكن ذلك لا ينفي في الوقت نفسه أن تمسك إيران بهذه السياسة المتشددة قد يقلص من هذه الخيارات ويفرض ضغوطًا غير مسبوقة عليها، في الوقت الذي قد تواجه فيه خلال المرحلة القادمة مشكلة جديدة مع القوى الأوروبية، التي باتت تتبنى بعض جوانب السياسة الأمريكية تجاهها، خاصة فيما يتعلق بالآثار السلبية المتعددة التي يفرضها استمرار إيران في إجراء أنشطة خاصة بتطوير صواريخها الباليستية على الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.