أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

أحلام مشروعة

14 أبريل، 2020


هل يجوز في ذروة الأزمة التي يمر بها العالم الآن أن نحلم بمستقبل أفضل؟ أعتقد أن الإجابة بالإيجاب ستكون التعويض الأساسي للمحنة التي يجتازها العالم الآن، وقد سمعت كثيراً أن مفهوم «الأزمة» في اللغة الصينية يحمل معنى مزدوجاً يجمع بين الخطر والفرصة، أما الخطر فيعايشه بنو البشر كافة في هذه اللحظة، فأين تكمن الفرصة؟ لقد كشف الوباء عن عجز جسيم في الاستعدادات الصحية لمواجهته لدى معظم الدول، بما فيها العظمى والكبرى، بل إن الدولة الأقوى في العالم تتصدر حالياً قائمة المتضررين، وهي الدولة الأكثر إنفاقاً على التسلح في العالم، كما تتميز الدول الكبرى الأخرى المبتلاة بالوباء بضخامة إنفاقها العسكري على نحو لا تمكن مقارنته بالإنفاق على الصحة. فهل يمكن الحلم بالتفكير في إعادة توزيع الموارد بين الإنفاق العسكري والإنفاق على مجالات أخرى أساسية لحياة الإنسان، كالصحة والتعليم؟ سيقول البعض إن ما يمر به العالم حالياً أمر استثنائي، فهل نغير أولوياتنا لمواجهة كارثة قد لا تتكرر؟ الواقع أن قولا كهذا سيكون أبعد ما يمكن عن الصواب خاصة أن البعض يربط بين مخاطر الفيروسات المتكررة وبين التطور التكنولوجي. وعلى أي حال، لماذا نذهب بعيداً وثمة تحذيرات من أن فيروس كورونا قد يعاود الهجوم على ضحاياه بعد شفائهم؟ وإذا كان بعض الدول قد تذرع تبريراً لعجزها عن المواجهة الناجحة للفيروس بأن أحداً لم يكن بمقدوره التنبأ بمثل هذه الكارثة، فإن أحداً لا يمكنه أن يغفر للحكومات تكرار العجز حال ظهور تحدٍ جديد مماثل. وثمة فريق آخر يذهب إلى أن الكارثة الراهنة ستمضي وستأتي بعدها كوارث أخرى ستمضي بدورها، لكن حاجة الدول للدفاع عن أمنها باقية في صدارة أولوياتها، فما العمل إذن؟ وهل يعني هذا وأد الحلم بحياة أفضل؟

ينتمي كاتب هذه السطور إلى المدرسة الواقعية في تحليل العلاقات الدولية، ويؤمن بأن منطلقاتها مازالت هي الأصح، لكن من قال إن الواقعية تحول دون الحلم بالأفضل؟ إن واقعية التفكير قد تجعل الحلم أقرب منالا بمعنى أن عدم تجاهل الاعتبارات الواقعية في السعي لتحقيق الحلم يجعله ممكناً، وقد يتعين في هذا السياق الاستشهاد بالزعيم السوفييتي ميخائيل جورباتشوف الذي يُعد سبباً لتفكك الاتحاد السوفييتي، لكني أستشهد هنا بإحدى فكَره شديدة الأهمية في السياق الحالي، وهي مبدأ «الدفاع الكافي» الذي رفعه، وأهمية هذا المبدأ كونه ينطلق من أن الاحتياجات الدفاعية لا يمكن تجاهلها لكن لا تجب المبالغة فيها من دون داعٍ، فما معنى أن تكون الولايات المتحدة قادرة على تدمير الاتحاد السوفييتي مائة وستين مرة وأن يكون هو قادراً على تدميرها سبعين مرة؟ ألا يكفي لكليهما عشر مرات أو عشرين مرة؟ من الفائض يمكن تمويل الحلم، وقد تمكن جورباتشوف بهذه الفكرة من تحقيق اختراق في مباحثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية، إذ كان يقدم تنازلات ضخمة من هامش التسلح «غير الضروري»، فتضطر الولايات المتحدة إلى تقديم تنازلات مماثلة، وهكذا تم إنجاز خطوات يُعتد بها في مجال الحد من الأسلحة الاستراتيجية، وبطبيعة الحال فإن الفكرة ليست بهذه البساطة، كما أن جماعات مصالح الصناعات العسكرية سوف تقاومها بكل ما أوتيت من قوة زاعمة أنها تمثل خطراً داهماً على أمن من يتبعها.

والفكرة هنا أن «درس كورونا» يمكن أن يكون حافزاً للرأي العام، خاصة في الدول المتقدمة التي تدفع الآن ثمناً باهظاً في مواجهة الوباء كان من الممكن تفادي بعضه لو ساد توزيع أكثر رشادة للموارد يحقق الغايات الدفاعية دون مبالغة وينفق أكثر على صحة الإنسان وتعليمه ومتطلبات رفاهيته. ومع اشتداد ساعد الرأي العام المناهض للإنفاق الدفاعي غير المبرر يمكن أن تبرز قوى سياسية تناهض المبالغة في النفقات العسكرية، ناهيك بأهداف التوسع وفرض الهيمنة على الآخرين، وهكذا لا يصبح الحلم مشروعاً فحسب وإنما واقعياً كذلك.

*نقلا عن صحيفة الاتحاد