أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

رد الكرملين:

حدود تصعيد الصراع بعد تنفيذ أوكرانيا هجمات تخريبية ضد موسكو

27 يوليو، 2023


أعلنت وزارة الدفاع الأوكرانية أن جهاز الاستخبارات العسكرية التابع لها نفذ هجوماً بمسيّرتين على موسكو، يوم 24 يوليو 2023، في حين ذكرت وزارة الدفاع الروسية، أن المسيرتين تم إسقاطهما، دون وقوع أي خسائر بشرية. وتعهدت روسيا بتنفيذ "إجراءات انتقامية قاسية"، وقام الجيش الروسي بتنفيذ 65 غارة جوية انتقامية خلال يوم 25 يوليو 2023. 

أبعاد الوضع الميداني:

صار من الواضح أن الهجوم الأوكراني المضاد يواجه تحديات صعبة، وأن أوكرانيا لجأت إلى اتباع أسلوب جديد، وهو تنفيذ عمليات تخريبية ضد أهداف متناثرة في روسيا، وذلك للتغطية على انتكاساتها الميدانية، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي: 

1- تفوق روسي قائم: بدأت الدول الغربية، وكذلك المسؤولون الأوكران، في الاعتراف بانتكاسة الهجوم الأوكراني المضاد. وأرجعت الدول الغربية هذا الإخفاق إلى فشل الوحدات الأوكرانية المدربة من "الناتو" في استيعاب التكتيكات القتالية التي تعلمتها، وبالتالي عجزت عن تطبيقها في المعارك الدائرة ضد الجيش الروسي. 

وفي المقابل، أكد المتحدث باسم القوات الجوية الأوكرانية، يوري إينهات، أن أحد أسباب التفوق الروسي هو الحرب الإلكترونية، والتي تمكن عبرها الجيش الروسي من إسقاط أغلب الطائرات المسيرة الأوكرانية، من دون الحاجة إلى استخدام نُظم الدفاع الجوي، ومن ثم حرم القوات الأوكرانية من توظيفها في الاستطلاع، أو في مهاجمة المدرعات الروسية، وذلك في الوقت الذي تمكنت فيه المروحيات والطائرات المسيرة الروسية، خاصة مسيرة "لانتسيت"، من تدمير أغلب الدبابات والمدرعات الأوكرانية، وكذلك مراكز الاتصال ونُظم الدفاع الجوي الأوكرانية، دون أن يتمكن الجيش الأوكراني من اعتراضها. ويعني ما سبق أنه طالما بقي التفوق الروسي الجوي قائماً في مناطق القتال، فإن القوات الأوكرانية سوف تتكبد خسائر فادحة، وسوف تعجز عن تغيير الوضع الميداني القائم حالياً. 

2- توظيف القنابل العنقودية: أعلنت الولايات المتحدة إمداد أوكرانيا بالقنابل العنقودية، فيما أكدت أوكرانيا بدء استخدامها، وأكدت التقييمات الروسية أن الدول الغربية لجأت إلى توظيف هذه القنابل بسبب تراجع مخزونات الدول الغربية من الذخيرة. وفي المقابل، هددت روسيا بتوظيف نفس هذه النوعية من القنابل رداً على استخدامها.

وفي حين بررت التحليلات الغربية إمداد أوكرانيا بهذه النوعية من القنابل على أساس أنها سوف تساعد الجيش الأوكراني في تجاوز الخطوط الدفاعية الروسية المحكمة على طول الجبهة، إلا أن الواقع يؤكد أن توظيف روسيا لنفس هذه النوعية من القنابل سوف يفقد الجيش الأوكراني أي مزايا عملياتية، نظراً لأن الخسائر التي ستتسبب فيها هذه النوعية من القنابل سوف تكون أكبر بالنسبة للقوات المهاجمة، خاصة وأنها سوف تكون مكشوفة وبلا غطاء جوي، وذلك مقارنة بالقوات الروسية المحصنة.

3- جمود ميداني مع تغيرات محدودة: يلاحظ أنه بعد مرور شهرين تقريباً على الهجوم الأوكراني المضاد، لم تنجح القوات الأوكرانية في تحقيق أي اختراق للدفاعات الروسية على طول الجبهة. وفي حين أعلن الجيش الأوكراني، في 25 يوليو، السيطرة على موقع للقوات الروسية بالقرب من قرية أندرييفكا إلى الجنوب من مدينة باخموت، والتي أكملت روسيا السيطرة عليها قبل بضعة أشهر، فإن الجيش الروسي أعلن تحرير بلدة سيرغيفكا على محور كراسني ليمان في 25 يوليو 2023. كما أشارت وزارة الدفاع إلى أن التقدم الإجمالي للقوات الروسية بلغ ما يصل إلى 4 كيلومترات على طول الجبهة، وما يصل إلى كيلومترين في عمق التشكيلات القتالية للعدو. ولم تؤد هجمات الجيش الأوكراني والروسي إلى تحقيق أي اختراق كبير يساعد أياً من الجانبين على السيطرة على مناطق واسعة في أوكرانيا منذ بدء الأخيرة هجومها المضاد. 

4- تسليم "أف – 16" لأوكرانيا: أكد منسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، جون كيربي، في يوليو 2023، أن الولايات المتحدة تعتزم نقل طائرات "أف – 16" إلى أوكرانيا بحلول نهاية عام 2023، معترفاً بأنها لن تغير مسار الأعمال القتالية. كما قال وزير القوات الجوية، فرانك كيندال، في أواخر مايو، إن نقل المقاتلة "أف – 16" من الغرب إلى أوكرانيا، لن يغير مجرى الأعمال القتالية بشكل أساسي لصالح كييف. ويلاحظ أن هذه التصريحات تكشف عن وجود تقييمات غربية تؤكد قدرة نُظم الدفاع الجوي الروسية على إسقاطها، ومن ثم محاولة خفض سقف التوقعات من السلاح الجديد، حتى لا تقوم موسكو بالتشهير بالأسلحة الغربية، على غرار ما حدث مع المدرعات الأمريكية والأوروبية التي تم تسليمها إلى أوكرانيا، والتي بالغت الصحف الغربية في تصوير قدراتها والرهان على قدرتها على إحداث الفارق في المعارك، وذلك قبل أن يقوم الجيش الروسي بتدمير أغلبها، وشن حملة دعائية للتشكيك في فاعلية الأسلحة الغربية. 

5- لجوء أوكرانيا إلى الهجمات التخريبية: تصاعدت وتيرة الهجمات التخريبية الأوكرانية ضد روسيا، فقد قام الجيش الأوكراني بمهاجمة جسر كيرتش الذي يربط البر الروسي بشبه جزيرة القرم، في 17 يوليو 2023، فضلاً عن إصابة "مستودع ذخائر" في منطقة دجانكوي في شمال القرم في 24 يوليو 2023. وكذلك مهاجمة مبنى قريب من وزارة الدفاع الروسية في موسكو في نفس اليوم، وهو الهجوم الذي تسبب في حدوث خسائر محدودة.  

جمود خياري الحرب والسلام:

تتمثل الأسباب الرئيسية في تصعيد أوكرانيا اللافت لعملياتها التخريبية ضد روسيا في التالي:  

1- إخفاق الهجوم المضاد: صار من الواضح أن كافة التقييمات العسكرية، الروسية والغربية، على حد سواء، تُجمع على إخفاق الهجوم الأوكراني المضاد، وأن مواصلة القتال في ظل المعطيات الميدانية التالية لن يؤدي سوى إلى تكبيد أوكرانيا مزيد من الخسائر الفادحة في الأرواح والمعدات. 

ووفقاً للتقييمات التي نشرتها صحيفة النيويورك تايمز الأمريكية، في 15 يوليو 2023، نقلاً عن مسؤولين أوروبيين وأمريكيين، فإن إجمالي ما خسره الجيش الأوكراني من معدات بلغ حوالي 20% من إجمالي المعدات التي شاركت في الهجوم المضاد، وذلك في أول أسبوعين فقط، وأن معدلات الخسارة تراجعت إلى حوالي 10% في الأسابيع التالية، وهو ما يعود إلى اتجاه أوكرانيا إلى إرسال وحدات أصغر حجماً لجبهات القتال. 

ولا شك أن مثل هذا الأمر سوف ينعكس سلباً على مواصلة الدول الغربية دعمها، الاقتصادي والعسكري، لأوكرانيا، وهو ما بدأت بعض مؤشراته تظهر في التلاسن بين وزير الدفاع البريطاني، بن والاس، والمسؤولين الأوكران، في 12 يوليو 2023، إذ طالب الأول هؤلاء المسؤولين بأن يظهروا قدراً من الامتنان، مؤكداً أن بلاده ليست خدمة (أمازون) للتوصيل عبر الإنترنت، في إشارة إلى أن كل الطلبات العسكرية الأوكرانية لن يتم الإيفاء بها بالضرورة. 

ويكشف هذا التلاسن عن محاولة أوكرانيا تحميل الغرب مسؤولية الانتكاسات العسكرية التي تتعرض لها على يد الجيش الروسي، وذلك نظراً لأنه لا يوفر لها كل المعدات العسكرية اللازمة، وهي الاتهامات التي تنفيها الدول الغربية مؤكدة، في المقابل، عدم كفاءة الجيش الأوكراني في استخدام الأسلحة المرسلة له، كما يرد في بعض التحليلات الغربية، أو تصريحات المسؤولين الغربيين حتى. 

2- مفاوضات مجمدة مؤقتاً: أكد سكرتير مجلس الأمن الروسي، نيكولاي باتروشيف، استعداد موسكو للحوار حول تسوية الأزمة الأوكرانية، لكنه قال إنه من الضروري تشجيع الرعاة الغربيين لنظام كييف على التفاوض. وتأتي هذه المواقف الدبلوماسية من روسيا لتأكيد استعدادها للدخول في مفاوضات تنهي الصراع، وأنها لا تستهدف مواصلة القتال، غير أنه في المقابل، فإن أي تسوية تفاوضية في الوقت الحالي لن تكون في صالح أوكرانيا، إذ أنه سوف يترتب عليها التسليم، كحد أدنى، بسيطرة روسيا على جانب كبير من إقليمها، وهو الأمر الذي سوف يُمثل هزيمة استراتيجية، ليس فقط لأوكرانيا، ولكن كذلك للدول الغربية الداعمة لها. 

وفي المقابل، فإن الجمود العسكري القائم حالياً سوف يفرض تحدياً كبيراً على الدول الغربية، إذا ما استمر، إذ إنه سوف يشكك في جدوى استمرار واشنطن في تخصيص مليارات الدولارات كمساعدات عسكرية لكييف، كما أنه سيزيد من شعبية السياسيين، الأوروبيين والأمريكيين، الذين يعارضون تقديم الأسلحة والمساعدة المالية إلى كييف، خاصة في ظل تراجع الأوضاع الاقتصادية في أغلب دول العالم. 

ومن جانب آخر، فإن تراجع الدعم الغربي لأوكرانيا سوف يقوض كثيراً من مصداقية واشنطن كقوة كبرى، قادرة على حماية حلفائها، وهو الأمر الذي سوف ينعكس على النفوذ الأمريكي حول لعالم. ولذلك، فإنه في ظل جمود خياري الحرب والسلام، فإن الخيار الأفضل لأوكرانيا هو محاولة تهديد روسيا بعمليات تخريبية من فترة لأخرى، وذلك لتأكيد قدرتها على إلحاق الأذى بموسكو، ومن ثم مواصلة الدعم الغربي. 

3- تأكيد القدرة على إضعاف روسيا: تسعى أوكرانيا إلى التأكيد أنها رأس حربة حلف شمال الأطلسي والدرع الواقي لأوروبا في مواجهة التهديدات الروسية، وذلك عبر تأكيد قدرتها على تهديد الكرملين ووزارة الدفاع الروسية، بالإضافة إلى محاولة تنفيذ عمليات تخريبية ضد البنية التحتية الحيوية الروسية، والقواعد العسكرية، وغيرها من الأهداف. ولكن على الجانب الآخر، فإن تنفيذ أوكرانيا لمثل هذه الهجمات قوبل برد فعل روسي قوي، وهو ما سوف يدفع كييف وحلفاءها الغربيين إلى تقييم جدوى هذه العمليات التخريبية، خاصة وأنه عدا الهجوم على جسر مضيق كيرتش، أو مخازن ذخيرة للقوات الروسية في شبه جزيرة القرم، فإن أغلب الهجمات الأوكرانية التخريبية كانت محدودة، أو تم اعتراضها.

وفي المقابل، فإن رد الفعل الروسي كان قاسياً، فقد قامت روسيا بتدمير منشآت البنية التحتية العسكرية في ميناء أوديسا بخمسة أنواع من الذخيرة، كما أنه من الثابت أن هجمات روسيا على مخازن الذخيرة الأوكرانية تفوق عدداً هجمات أوكرانيا على مخازن الذخيرة الروسية، وبالتالي، فإن مواصلة هذه الهجمات، لن تلحق بروسيا خسائر فادحة، ولكنها قد تؤدي إلى تصعيد مستوى الصراع، خاصة وأن دميتري ميدفيديف، الرئيس الروسي السابق ونائب رئيس مجلس الأمن الروسي، قد صرح في 24 يوليو 2023، بأن موسكو بحاجة إلى توسيع نطاق الأهداف التي تضربها في أوكرانيا، مضيفاً أن هناك حاجة إلى اختيار أهداف غير تقليدية، بحيث لا تقتصر على منشآت التخزين ومراكز الطاقة والمنشآت النفطية. وسبق وأن هددت روسيا باستهداف مراكز تخطيط "الناتو" والمرتزقة الغربيين داخل روسيا.

وفي الختام، يمكن القول إن الهجمات الأوكرانية التخريبية جاءت بهدف التغطية على انتكاسة الهجوم الأوكراني المضاد، وفي محاولة من كييف لرفع تكلفة الحرب على موسكو، غير أنه في المقابل، فإن الخسائر الأوكرانية الفادحة في الهجوم المضاد، وردود موسكو الانتقامية ضد هجمات كييف، قد تؤدي إلى تصعيد الصراع إلى مستوى أكبر، وقد تدفع روسيا إلى استخدام أسلحة جديدة في المعارك الدائرة في أوكرانيا، على نحو يرسل إشارة إلى كييف بأن ثمن مواصلة عملياتها التخريبية ضد روسيا سوف يكون باهظاً.