أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

الإمارات اليوم:

أبعاد محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي

14 نوفمبر، 2021


أعلن رئيس خلية الإعلام الأمني سعد معن، أن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي تعرض لمحاولة اغتيال، وذلك بثلاث طائرات مسيرة، وأسقطت منظومة الدفاع الجوي «سي – رام» (C-RAM) التابعة للسفارة الأميركية، طائرتين منها، بينما تمكنت الثالثة من تنفيذ الاعتداء، من دون أن يصاب أحد بأذى. ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الهجوم، فيما دعا الكاظمي إلى «التهدئة وضبط النفس».

مؤشرات تورط الحشد الشعبي

ترجح العديد من المؤشرات أن الحشد الشعبي، ومن ورائه إيران، هو المتهم الرئيس وراء محاولة اغتيال الكاظمي، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:

1- العمليات السابقة للحشد

تؤكد السوابق التاريخية أن الأطراف التي كانت تستهدف المنطقة الخضراء بهجمات بالطائرات المسيرة لضرب أهداف أميركية، هي فصائل الحشد الشعبي المعارضة «للكاظمي»، مثل كتائب «حزب الله» العراقي، و«عصائب أهل الحق»، و«سيد الشهداء».

وقد ثبتت مسؤولية فصائل الحشد الشعبي عن تلك العمليات، سواء في الهجمات التي شهدتها بغداد أو ضرب مطار أربيل أو معسكرات أميركية في العراق، وكان آخرها استهداف قاعدة التنف الأميركية في سورية بخمس طائرات مسيرة.

ومن جهة أخرى، يلاحظ أن محاولة الهجوم على الكاظمي تمت باستخدام ثلاث طائرات مسيرة، أي أن القائم بتنفيذ الهجوم كان حريصاً على تصفيته، فهي لم تكن مجرد محاولة للترويع، أو التخويف، وهو ما يؤشر إلى وجود يأس إيراني من نجاح حلفائها من الشيعة في تشكيل الحكومة العراقية المقبلة.

2- تصريحات الحشد المعادية للكاظمي

تكشف مراجعة تصريحات هذه الفصائل عن حجم الكراهية التي تكنها لرئيس الوزراء، بما يرجح مسؤوليتها عن هذه الهجمات، وإن حاولت التنصل منها.

فقد سخر أبوعلي العسكري، المسؤول الأمني في كتائب «حزب الله»، في 7 نوفمبر، من محاولة اغتيال الكاظمي، حيث قال: «لا أحد في العراق لديه حتى الرغبة لخسارة طائرة مسيرة على منزل رئيس وزراء سابق»، كما أضاف: «إذا كان هناك من يريد الإضرار بهذا المخلوق الفيسبوكي فتوجد طرق كثيرة جداً، أقل كلفة وأكثر ضماناً لتحقيق ذلك». وتابع العسكري: «ألا لعنة الله عليك وعلى من أيدك».

كما أن فصائل أخرى من الحشد الشعبي، مثل أمين عام كتائب «سيد الشهداء»، أبوآلاء الولائي، وقيس الخزعلي، «زعيم عصائب أهل الحق»، اتهمت الكاظمي بالتورط في إطلاق الرصاص على المتظاهرين من أنصار تلك الفصائل خلال اليومين الماضيين في بغداد، والذي تجمع المئات منهم للاحتجاج على نتائجها، وهو ما يعني ضمناً أن الهجوم عليه كان انتقاماً للهجوم على أنصارها، خصوصاً أن الطائرات المسيرة انطلقت من مكان تظاهر هذه العناصر، وذلك قبل أن تتراجع العصائب عن موقفها السابق، وتؤكد أنها تدين هذا الفعل بكل صراحة لو كان استهدافاً حقيقياً.

3- اتهامات إيرانية غير واقعية

أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، في بيان صدر في 7 نوفمبر، أن طهران تدين الهجوم الذي نفذ بواسطة طائرات مسيرة على مقر إقامة الكاظمي. ومن الغريب أن أول رد فعل جاء على لسان الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، الذي لم يُدن محاولة اغتياله، بل ألقى باللوم في محاولة اغتيال الكاظمي على «مراكز فكر خارجية دعمت الجماعات الإرهابية واحتلال العراق»، وهو اتهام غامض يبدو أن إيران تسعى من خلاله إلى نفي الاتهام عنها، أو الميليشيات الشيعية المرتبطة بها.

أسباب محاولة تصفية الكاظمي

يمكن إرجاع محاولة إيران وفصائل الحشد الشعبي تصفية الكاظمي إلى العوامل التالية:

1- تحميل الكاظمي مسؤولية خسارة الانتخابات

أصر الكاظمي على إجراء انتخابات برلمانية مبكرة في أكتوبر 2021، وذلك على الرغم من رفض بعض أحزاب «الإطار التنسيقي» لها بزعم أنها لم تستعد بدرجة كفاية للانتخابات، وترى هذه الأحزاب أن الكاظمي أراد من إجرائها في هذا الموعد استثمار التظاهرات الشيعية الرافضة لهيمنة تلك القوى، خصوصاً أن الانتخابات أجريت في الذكرى الثالثة لاندلاع احتجاجات أكتوبر 2019. ولعل ما زاد من حجم الاحتقان الشعبي ضد الحشد الشعبي هو تورطه في محاولة تصفية نشطاء احتجاجات تشرين.

وانعكست التطورات السابقة على أداء هذه الأحزاب، خصوصاً تحالف الفتح، الممثل لميليشيات الحشد الشعبي، والتي حصلت على 15 مقعداً فقط، ولذلك اتجهت هذه القوى لتحميل الكاظمي مسؤولية خسارتها الانتخابات، وصولاً إلى اتهامه بتزوير الانتخابات، كما أعلنت هذه الفصائل، خصوصاً كتائب حزب الله العراقي عن دفاعها عن الكيان المقدس، في إشارة إلى البرلمان، بالدم، وهو ما يؤشر إلى استعدادها لتوظيف العنف للحفاظ على تصدر المشهد السياسي، وهو ما تم عبر محاولة تصفية الكاظمي الفاشلة.

2- رفض خطط الصدر – الكاظمي للحكومة المقبلة

أدان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، واصفاً الهجوم بأنه محاولة لإرجاع العراق إلى الفوضى والعنف. ويلاحظ أن بعض التحليلات تشير إلى وجود تحالف بين الصدر والكاظمي، بصورة قد تؤدي إلى إعادة انتخاب الكاظمي لرئاسة الوزراء، خصوصاً في ضوء تلاقيهما في العديد من المواقف، مثل رفض سلاح فصائل الحشد الشعبي، ومحاولة تعزيز استقلالية العراق عن بغداد، وهي كلها مواقف تثير مخاوف إيران وحلفائها.

3- محاولة الكاظمي تحجيم نفوذ الحشد الشعبي

سعى الكاظمي بدرجات متفاوتة من النجاح إلى تحجيم نفوذ ميليشيات الحشد الشعبي الموالية لإيران، إذ رفض التمويل الحكومي لقوات الحشد وسعى لإنهاء دور قوات الحشد بعد القضاء على «داعش»، كما اتجه الكاظمي في سبتمبر إلى إقرار مشروع قانون التجنيد الإلزامي في مجلس الوزراء، في خطوة يتمثل أحد أهدافها في محاولة تحجيم قوات الحشد الشعبي.

ويلاحظ أن مقتدى الصدر فور إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة أشار صراحة إلى مواجهة السلاح المنفلت في إشارة إلى سلاح ميليشيات الحشد الشعبي، وهي كلها رسائل ترفضها إيران وميليشيات الحشد الشعبي.

استثمار رغم الإخفاق

على الرغم من إخفاق فصائل الحشد الشعبي في تصفية الكاظمي، فإنها سوف تتجه لاستثمار الحادثة لإرسال الرسائل التالية:

1- فرض ميليشيات إيران على الحكومة المقبلة

ترى فصائل الحشد الشعبي أن رفع سقف التوتر والتهديد بمواجهات عسكرية مباشرة أو عمليات اغتيال للكاظمي يمثل مساراً ضاغطاً على القوى التي فازت في الانتخابات، وتحديداً الكتلة الصدرية، وتيار التقدم السني، والكتلة الكردية، لتطويع مواقفها والوصول إلى صيغة تضمن مشاركة القوى الشيعية الخاسرة في الانتخابات في الحكومة الجديدة.

ولعل ما يؤكد هذا المعنى إعلان فصائل الحشد الشعبي عقب محاولة اغتيال الكاظمي الفاشلة أنه لن يحصل على ترشيح ثانٍ لتولي رئاسة الوزراء، وذلك على الرغم من خسارتها الانتخابات البرلمانية، بصورة تجعلها طرفاً غير مؤثر في مفاوضات تشكيل الحكومة العراقية المقبلة.

2- تأكيد سيطرة إيران على العراق عسكرياً

تحاول إيران والقوى المرتبطة بها التأكيد على أن الساحة العراقية هي دائرة الأمن المباشر الأولى لها، وأن طهران ستواصل جهودها الرامية إلى بقاء العراق تحت نفوذها المباشر، وذلك بغض النظر عن نجاح المفاوضات المقبلة في فيينا.

من جهة أخرى، ترى إيران أن المشروع الوطني للكاظمي لا يتفق مع توجهاتها وأهدافها ومصالحها في العراق، وتحاول أن ترسل رسالة بأن بقاء الكاظمي في منصبه كرئيس للحكومة لن يكفل تحقيق الاستقرار والأمن في العراق.

• يلاحظ أن محاولة الهجوم على الكاظمي تمت باستخدام ثلاث طائرات مسيرة، أي أن القائم بتنفيذ الهجوم كان حريصاً على تصفيته، فهي لم تكن مجرد محاولة للترويع، أو التخويف، ما يؤشر إلى وجود يأس إيراني من نجاح حلفائها من الشيعة في تشكيل الحكومة العراقية المقبلة.

• سعى الكاظمي بدرجات متفاوتة من النجاح إلى تحجيم نفوذ ميليشيات الحشد الشعبي الموالية لإيران، إذ رفض التمويل الحكومي لقوات الحشد وسعى لإنهاء دور قوات الحشد بعد القضاء على «داعش»، كما اتجه الكاظمي في سبتمبر إلى إقرار مشروع قانون التجنيد الإلزامي في مجلس الوزراء، في خطوة يتمثل أحد أهدافها في محاولة تحجيم قوات الحشد الشعبي.

ضغوط مستقبلية

تتجه فصائل الحشد الشعبي إلى الضغط على التيار الصدري والأكراد لعدم تولي مصطفى الكاظمي رئاسة الحكومة العراقية المقبلة، وذلك لإحباط توجهاته الرامية إلى الانفتاح على الدول العربية، والخروج من دائرة النفوذ الإيراني.

ولعل توجه قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الإيراني، إسماعيل قاآني، بشكل عاجل إلى بغداد في 8 نوفمبر، والاجتماع مع رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية ومع الأطراف الشيعية المتصارعة بهدف معلن هو تهدئة الأوضاع، إنما يهدف إلى محاولة التبرؤ من محاولة اغتيال الكاظمي، وتقديم نفسها كحكم بين الفصائل الشيعية، والذي يهدف في النهاية إلى تمرير مطالب ميليشياتها في العراق، والتي تتمثل في حدها الأدنى ضمان مشاركتهم في الحكومة المقبلة.

*لينك المقال في الإمارات اليوم*