أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

التغيير الناجح في توازنات القوى

21 أبريل، 2019


من طبيعة التاريخ التغيرُ، ولا يوجد مقياسٌ لمدى التغير أو سعته أو سرعته، ولكنَّه عبارة عن تفاعل العديد من المعطيات في سياقات مختلفة ينتج عنها تغيُّر ما، يؤثر بهذه الدرجة أو تلك على الواقع والمستقبل.

تحدث في التاريخ طفراتٌ، وتحدث في التاريخ اضطراباتٌ، تكبر وتصغر، في شتى المجالات، وتحدث في التاريخ ثوراتٌ سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، ولكلّ منها أمثلة كثيرة، ومنها الاحتجاجات والانتفاضات التي جرت في بعض الجمهوريات العربية إبان ما كان يُعرف بـ«الربيع العربي» في المنطقة.

تجري اليوم تغييرات مهمةٌ في الجزائر والسودان وليبيا تعيد ترتيب المشهد السياسي في تلك البلدان، ففي الجزائر لم تُحسم الأمور بعد، والنتائج رهنٌ بتفاعل القوى الفاعلة في الداخل الجزائري، وهي التي ستحدد المستقبل الذي يختاره الشعب الجزائري بمساندة جيشه الوطني.

التغيير في ليبيا يقوده الشعب الليبي وجيشه الوطني، في سعي قوي للقضاء على مخلفات الربيع العربي الأصولية والإرهابية التي وجدت لها موطئ قدمٍ في الغرب الليبي تحت سمع وبصر حكومة الوفاق، وبدعمٍ مستمرّ من قطر وتركيا بالمال والسلاح على مدى عقدٍ من الزمان، أصبحت فيه الميليشيات المسلحة والجماعات الإرهابية تذيق الشعب الليبي أسوأ أنواع الديكتاتورية الدينية المؤدلجة، وهي تنفذ رغبات الدولتين الداعمتين لها بغض النظر عن مصالح الشعب الليبي والدولة الليبية.

التغيير الذي يجري في ليبيا تغيير بالغ الأهمية، فهو يعيد الدولة الليبية لنفسها ولجيشها الوطني ولشعبها، وهو يحظى بدعمٍ دولي وعربي واسع من دول الاستقرار العربي، الرافضة لاستقرار الفوضى الذي تدعمه قطر وتركيا وإيران، ففي استقرار الدولة الليبية وفرض سيادتها على كامل أرضها مصلحة كبرى لليبيا وللدول العربية وللعالم أجمع.

في السودان تغيير كبير أيضاً، فهو دولةٌ اختطفتها جماعات الإسلام السياسي، وعلى رأسها جماعة «الإخوان» على مدى ثلاثة عقودٍ، وكانت تربط نفسها بشكل واسعٍ مع تركيا وقطر والتنظيم الدولي لـ«الإخوان» ومع تنظيم «القاعدة»، وكانت تستقطب كل مجرمي العالم، مثل المجرم الدولي كارلوس، في سياسة كانت تمثل استراتيجية بالنسبة للقيادة السودانية.

كانت القيادة السودانية تفخر إبان الربيع العربي المشؤوم بأن السلاح الذي دخل طرابلس في ليبيا كان سلاحاً سودانياً مائة في المائة، واليوم حين تسعى ليبيا بشكل جادّ واستراتيجية محكمة للانعتاق من كل الميليشيات والسلاح غير الشرعي، فإن القيادة السودانية السابقة تقبع في السجون، والشعب السوداني وجيشه يرسمون الطريق لدولةٍ جديدةٍ تبتعد كل البعد عن سياسات المرحلة المظلمة السابقة بمؤامراتها وتحالفاتها مع قطر وتركيا.

كان يتم استقبال القيادة التركية والقطرية على أعلى مستوى في النظام السوداني السابق، واليوم من يجرؤ على القدوم منهم يتم رفضه وإرجاعه من المطار يجرّ أذيال الخيبة السياسية.

الخاسر الكبير هو عنوان المرحلة التي نعيشها اليوم بالنسبة للدولتين الداعمتين للأصولية والإرهاب في المنطقة، وللنظام الإيراني الداعم لاستقرار الفوضى ونشر التخريب والطائفية في الدول العربية، وهي المرحلة ذاتها التي يعيش فيها محور الاستقرار العربي أفضل اللحظات بنشر الاستقرار الذي تحتاج إليه كل الدول العربية، حتى تلتفت للتنمية والتعمير وبناء المستقبل.

التغير في توازنات القوى في المنطقة يصبّ في صالح الدول العربية، فالنظام الإيراني يعاني خسائر لا تُحصى في جميع الملفات، وأخذ يستعين بالميليشيات التابعة له في الدول العربية، فـ«حزب الله» تولّى مهام لا تُحصى في الملف السوري، وأصبح عاجزاً عن تقديم المزيد، والميليشيات العراقية تذهب زرافاتٍ ووحداناً لإنقاذ الشعب الإيراني من آثار السيول والكوارث الطبيعية، بمعنى أنها تغطي عجز النظام الداخلي بعدما أصبح تحت ضغط العقوبات الأميركية يعاني أشد المعاناة ويتخوف من ثورانٍ شعبي قد يقضي على أخضر النظام ويابسه، وتحديداً بعد تصنيف «الحرس الثوري» الإيراني منظمةً إرهابيةً.

في الملف اليمني التغييرات كلها تصبُّ في صالح الحكومة اليمنية والشعب اليمني، فاجتماع مجلس النواب في سيئون خطوةٌ مهمةٌ في سبيل تعزيز الشرعية وتوحيد الصف اليمني خلف قيادته وشعبه، بهدف مزيد لجمٍ ومحاصرةٍ للميليشيات الحوثية وبهدف تعرية هذه الميليشيات الإيرانية أمام المؤسسات الدولية التي لم تزل تشكل عائقاً أمام حلّ حقيقي يخرج اليمن من أزمته الخانقة.

تركيا تعاقب تحالفات الحزب الحاكم هناك، وتحرمه من عدد من المدن الرئيسية في انتخاباتها الأخيرة وعلى رأسها إسطنبول، وهو ما يمنح مؤشراً على غضب الشعب التركي من سياسات قيادته السياسية والتحالفات الخاسرة التي أقامتها والرغبات الآيديولوجية ونشر الأوهام التاريخية التي تروجها بدل العناية بواقع الدولة وحاجات الشعب، ما يُعدّ مؤشراً مهماً على توجهات الشعب في أي انتخابات سياسية مقبلة.

ما يقوله التغير الكبير الذي يجري في المنطقة أن الدول المعادية للدول العربية تستطيع أن تخدع بعض الناس لبعض الوقت، ولكنها لا تستطيع أن تخدع كل الناس لكل الوقت، وأن الدول العربية الداعمة للاستقرار تكسب ويتضح يوماً بعد يومٍ ولاؤها ومحبتها للدول والشعوب العربية وحمايتها لمصالحها، في الوقت الذي تخسر فيه الدول المعادية وتتكشف مشاريعها وتنفضح مؤامراتها وألاعيبها.

التغيير الذي يجري اليوم هو تغيير إيجابي يدفع باتجاه الأفضل، ويدعم بناء الأحلام للأجيال العربية المقبلة، ويقدم نماذج في التنمية والبناء وحق الحلم بمستقبل أفضل بعيداً عن المؤدلجين الإرهابيين والمخربين وعملاء الدول العدوّة في الدول العربية.

شهد، الأسبوع الماضي، استقبال العاهل السعودي لوفدٍ حكومي عراقي يرأسه رئيس الوزراء عادل عبد المهدي تمّ فيه توقيع بضع عشرة اتفاقية ثنائية، وأكد رئيس الوزراء أن حكومته جادةٌ في تنفيذ هذه الاتفاقيات، وهو ما أغضب القيادة الإيرانية، فأي تقاربٍ بين السعودية والعراق يعني تقوية للدولة العراقية، ودعماً تنموياً قوياً للشعب العراقي واقتصاده وحريته.

النفوذ الإيراني في العراق يُعد الأقوى في كل نماذجه في المنطقة، والدخول السعودي القوي على المشهد هناك يُعد خسارةً كبرى لإيران، والنظام الإيراني المشغول بالعقوبات سيسعى جهده إلى إعاقة جهود التنمية السعودية في العراق وبناء شراكة حقيقية بين الدولتين، وسيلجأ لما يتقن، فاستراتيجيته هي التخريب والقتل والدمار، والشعب العراقي قادرٌ بوعيه على اكتشاف الفوارق بين النموذجين.

أخيراً، نحن مقبلون على مرحلةٍ جديدةٍ من الإرهاب، ستطلقها الدول الثلاث، إيران وتركيا وقطر، لإيقاف هذا التغيير الكبير الذي يجري، وستتراقص خلاياها العاملة وستوقظ النائمة منها، وستحترق جميعاً مقابل البحث عن الاستقرار والتنمية والمستقبل.

*نقلا عن صحيفة الشرق الأوسط