أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

هذه ليست «كي جي بي» القديمة!

29 يوليو، 2018


عند النظر إلى وكالات التجسس الروسية المتشاحنة، والعمليات المتداخلة التي تضطلع بها ضد الولايات المتحدة وأسلوبها المتهور أحياناً، يتساءل بعض كبار عملاء وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) فيما بينهم ما إذا كان العملاء الروس يرغبون في أن يجري ضبطهم.

وشرح مدير «سي آي إيه» سابقاً، جون برينان، عبر رسالة بريد إلكتروني أن «نشاطات الاستخبارات الروسية على مدار الأعوام العديدة الماضية لم تصبح أكثر نشاطاً فحسب، وإنما أكثر انتقائية أيضاً. لقد أصبح المناخ العام أكثر تنوعاً وتنظيماً وتنافسية... وبعض الأعمال التي ينفذونها بارعة للغاية، وتكشف عن قدر رفيع من المهارة. بينما لا ترقى أعمال أخرى إلى هذا المستوى».

من جانبه، أعرب رولف موات لارسين، الخبير السابق في الشؤون الروسية لدى «سي آي إيه»، عن اعتقاده أن ثمة تغييراً يحدث داخل الاستخبارات الروسية يشير إلى الانتقال من جيل لآخر. وأضاف: «يتمثل ثمن التحول إلى توجه أسرع وأشد فتكاً في تفاقم معدلات الإهمال. واليوم أصبحت القرارات الرديئة شائعة. وتراجع مستوى الإشراف من جانب الكوادر الأقدم والأكثر خبرة».

ويتجلى التوجه الجديد داخل الاستخبارات الروسية والقائم على فكرة اضطلاع كل شخص بما يشاء دون رقيب، في الهجوم الذي شنته روسيا عام 2016 على نظام الانتخابات الأميركية. كان الكرملين قد شنّ هجومه عبر ثلاثة اتجاهات: مديرية الاستخبارات الرئيسية العسكرية، وجهاز الأمن الفيدرالي الروسي، وهجمات عبر وسائل التواصل الاجتماعي من مصدر عُرف باسم «وكالة أبحاث الإنترنت»، والتي يديرها واحد من كبار معاوني بوتين.

وقد نشر الروس دعاياتهم المرتبطة بعملياتهم السرية من خلال «فيسبوك» و«تويتر» و«ويكيليكس» ووسائل تواصل اجتماعي أخرى. ولا أحد يدري على وجه اليقين ما إذا كان ثمة «تواطؤ» حدث مع روسيا على هذا الصعيد، لكن المسؤولين الروس أبقوا على اتصالات خلال عام 2016 مع سلسلة من معاوني دونالد ترمب، بينهم معاونون رفيعو المستوى وآخرون متوسطو المستوى، على نحو لفت أنظار مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي). وبدا الأمر برمته أبعد ما يكون عن كونه حملة تأثير خفية، بل ربما يكون الاسم المناسب لهذه الجهود «العملية فوضى».

من ناحيتها، حرصت موسكو على مراقبة الخطابات العامة. وتبعاً لقرار اتهام صدر عن وزارة العدل بتاريخ 13 يوليو (تموز) بحق 12 من عملاء مديرية الاستخبارات الرئيسية، فإن متآمرين روسيين بدأوا في قرصنة رسائل البريد الإلكتروني الشخصي لهيلاري كلينتون «في غضون ساعات» في 27 يوليو 2016. في وقت سابق من ذلك اليوم، أعلن ترمب أن: «روسيا، إذا كنت تنصتين الآن، آمل أن تتمكني من العثور على الـ30 ألف رسالة بريد إلكتروني المفقودة».

من ناحية أخرى، تشكلت توجهات بوتين داخل المنظومة البيروقراطية الصارمة داخل «كيه جي بي» والسرية الشديدة داخلها. إلا أنه عندما أصبح رئيساً لروسيا، اتبع نموذج عمل مختلفاً - مهلهلاً على نحو أكبر وأكثر تشرذماً، مع تنافس خدمات مختلفة على كسب ود الرئيس. وجرى تفتيت «كيه جي بي» القديمة إلى قطعتين بداية من عام 1991 -خدمة الاستخبارات الخارجية التي ورثت مهمة التجسس الخارجي التي اضطلع بها بوتين، وجهاز الأمن الفيدرالي الذي تولى مسؤولية الأمن الداخلي.

وعلى نحو متزايد، أصبح جهاز الأمن الفيدرالي مشاركاً في عمليات أجنبية وربما أصبح أعلى مكانة اليوم من توأمه، حسبما أوضح مايكل سوليك، الخبير في الشأن الروسي ورئيس العمليات السابق لدى «سي آي إيه» خلال مقابلة أُجريت معه. وربما كان جهاز الأمن الفيدرالي المسؤول عن عملية القرصنة التي تعرضت لها اللجنة الوطنية الديمقراطية عام 2015، واتهمته وزارة العدل العام الماضي بالقرصنة على 500 مليون رسالة بريد إلكتروني عبر محرك البحث «ياهو».

من جانبه، كتب مارك غاليوتي، الخبير في الشؤون الاستخباراتية الروسية، العام الماضي لدى إصدار «ذي أتلانتيك»، أنه «لتبسيط الأمر يمكننا القول بأن جهاز الأمن الفيدرالي يضطلع بتنفيذ أمور يفكر كل من عداه فيها، لكن لا يقدم عليها لما تنطوي عليه من مخاطرة هائلة، أو خطورة سياسية كبيرة أو لوجود احتمالات كبيرة لأن تؤتي نتائج عكس المرجوة».

اليوم، تبدو مديرية الاستخبارات الرئيسية، التي تعد في العادة الجناح الأكثر إقداماً على المغامرات داخل الاستخبارات الروسية، في حالة نشاط بعد وقوع أخطاء مكلفة في الحرب الجورجية عام 2008. وكتب غاليوتي هذا الشهر أن أوكرانيا شكّلت «النموذج المثالي» لتكتيكات التمرد الخفية التي تنتهجها مديرية الاستخبارات الرئيسية. ويرى غاليوتي أن المديرية اضطلعت بدور في ضم القرم عام 2014، وإسقاط الطائرة المدنية الماليزية، والتدخل عام 2016 في المشهد السياسي الداخلي، ومحاولة الاغتيال في مارس (آذار) الحالي في بريطانيا للمنشقّ الروسي سيرغي سكريبال.

ويسلط حادث تسميم سكريبال الضوء على استعداد روسيا للإقدام على مخاطر، وعدم اهتمامها بأن يجري ضبط عملائها. ومن المفترض أن غاز نوفيتشوك للأعصاب من الممكن تُتبع آثاره حتى روسيا بسهولة.

ومن بين الأمثلة على الجيل الجديد من عمليات التجسس التي تضطلع بها روسيا في حالة ماريا بوتينا، التي اتُّهمت هذا الشهر من جانب وزارة العدل بتآمرها لشن حملة تأثير تستهدف الاتحاد الوطني للسلاح. وورد بلائحة الاتهام أنها جرى توجيهها سراً من جانب مسؤول روسي كان يعمل بالبرلمان والبنك المركزي، وأنها كانت تتلقى راتباً من رجل أعمال روسي بارز.

وجرى تصوير بوتينا بالقرب من مبنى الكابيتول بالولايات المتحدة، وبعث لها العميل الروسي الذي يتولى توجيهها رسالة قال فيها: «أنتِ فتاة شجاعة»، طبقاً لما ورد بوثائق المحكمة.

ومما سبق يتضح أن هذه ليست «كيه جي بي» القديمة، وإنما اكتسبت الاستخبارات الروسية تحت إدارة بوتين وجهاً جديداً متعدد الجوانب يلائم عصر الإنترنت، سريعاً وربما فتاكاً.

*نقلا عن صحيفة الشرق الأوسط