أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

حسابات متباينة:

آليات تعامل الدول الأوروبية مع الأزمة الخليجية

22 يونيو، 2017


تعد الدول الأوروبية شريكاً مهماً لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، حيث يربط الجانبين علاقات استراتيجية في العديد من القطاعات الاقتصادية والعسكرية وغيرها. وبالتالي فإن الأزمة الخليجية الحالية على إثر قطع السعودية والإمارات والبحرين ومعها مصر علاقاتها الدبلوماسية مع قطر بسب إضرار الدوحة بمصالح وأمن الدول العربية، سيكون لها تداعيات قد تؤثر على الشريك الأوروبي، وعلى مسار علاقاته المستقبلية مع دول الخليج العربية.

وبينما اختار الاتحاد الأوروبي التعامل مع الأزمة الخليجية بما يمكن تسميته "الحياد الإيجابي"، وعدم إعلان دعمه أي من أطرافها، بدا أن ثمة بعض الاختلافات النسبية في ردود فعل القوى الأوروبية الكبرى (بريطانيا، وألمانيا، وفرنسا) تجاه هذه الأزمة، وفقاً لحسابات كل دولة ومصالحها مع أطراف الأزمة، فضلاً عن تأثير الأوضاع الداخلية في هذه الدول. 

حياد بريطانيا

تعتبر بريطانيا من الدول التي تتأثر بالأوضاع في دول الخليج، نظراً للاستثمارات الخليجية الكبيرة بها. وقد تمثل رد فعل بريطانيا على قرار دول الخليج الثلاث ومعها مصر بمقاطعة قطر، في تصريحات وزير الخارجية البريطاني "بوريس جونسون" بعد لقاء نظيره القطري الشيخ "محمد بن عبدالرحمن آل ثاني" في لندن، يوم 12 يونيو الجاري، والذي عبَّر فيها عن موقف بلاده الحيادي في هذه الأزمة، حيث طالب قطر ببذل المزيد من الجهود للحد من تمويل الجماعات الإرهابية، داعياً دول الخليج إلى تخفيف إجراءات مقاطعة قطر، وجميع الأطراف إلى تهدئة الأجواء والجلوس على مائدة الحوار.

وسبق هذه التصريحات تأكيد المتحدث باسم الحكومة البريطانية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، "إدوين سموأل"، في 5 يونيو الجاري، على أنه "من مصلحة بريطانيا أن يتم التوصل إلى حل للخلافات التي نشأت بين دول مجلس التعاون الخليجي، وتتم استعادة وحدة مجلس التعاون حتى نتمكن من مواجهة تحديات المستقبل معاً".

ويمكن فهم موقف بريطانيا "الحيادي" في الأزمة الخليجية من خلال اعتبارين أساسيين، هما:

1- الاعتبار الاقتصادي والشراكة التجارية البريطانية مع أطراف الأزمة، وبصفة خاصة مع السعودية والإمارات وقطر، فعلى سبيل المثال، جاءت السعودية منذ عام 2012 وحتى 2016 في مقدمة الدول المستوردة للأسلحة من بريطانيا.

وفي المقابل، ترتبط لندن بشراكة اقتصادية كبيرة مع الدوحة، ويظهر ذلك في حجم الاستثمارات القطرية في بريطانيا التي بلغت نحو 35 مليار جنيه استرليني، ومخطط لها أن تستثمر 5 مليارات أخرى. كما تعتبر قطر ثالث سوق لصادرات بريطانيا في الشرق الأوسط، حيث ارتفعت صادراتها إلى قطر من 1.31 مليار جنيه استرليني في عام 2013 إلى 2.13 مليار جنيه استرليني في عام 2016.

ويُضاف إلى ذلك، مسألة توريد الغاز الطبيعي القطري إلى بريطانيا، حيث تبلغ حصة قطر فيه حوالي 20% من إجمالي احتياجات بريطانيا من الغاز، الأمر الذي يثير قلق لندن في حالة استمرار التصعيد بين دول الخليج وقطر.

2- المحدد السياسي في ظل انشغال بريطانيا بأزماتها الداخلية، وذلك بعد خسارة رئيسة الوزراء "تيريزا ماي" الأغلبية في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وتداعيات هذا الأمر على مكانتها السياسية ومفاوضات "بريكست" للخروج من الاتحاد الأوروبي، ناهيك عما تتعرض له بريطانيا خلال الفترة الماضية من تزايد الهجمات الإرهابية داخلها.

انحياز ألمانيا

حرص أطراف الأزمة الخليجية على كسب تأييد الجانب الألماني، خاصةً في ظل الشراكة القوية بين الجانبين، حيث سارع وزيرا الخارجية السعودي "عادل الجبير" بالذهاب إلى برلين يوم 7 يونيو الجاري لشرح ملابسات الأزمة وأسباب قطع العلاقات مع قطر، كما ذهب نظيره القطري الشيخ "محمد بن عبد الرحمن آل ثاني" يوم 9 يونيو إلى العاصمة الألمانية لطلب الدعم من الشريك الأوروبي.

ومنذ بداية الأزمة الخليجية، بدا موقف برلين منحازاً إلى حد ما للجانب القطري، حيث طالب المسؤولون الألمان بإنهاء مقاطعة قطر، مؤكدين أن الدوحة شريك استراتيجي في مجال مكافحة الإرهاب، ودعوا كافة الأطراف للحوار، وألقوا باللوم على إدارة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" في اندلاع مثل هذه الأزمات. وقد تبلور ذلك الموقف في تصريحات وزير الخارجية الألماني "زيغمار غابرييل"، يوم 6 يونيو الجاري، ومفادها: "يبدو أنه يُراد عزل قطر بصورة أو بأخرى... إن ترامبنة العلاقات في المنطقة، التي تعيش أصلاً أزمات مختلفة، تشكل تهديداً خاصاً". وأعرب "غابرييل" عن قلقه البالغ من "التصعيد الحاد للوضع وتداعياته على المنطقة برمتها".

وبالتالي، يمكن إرجاع الموقف الألماني الداعم بطريقة غير مباشرة للجانب القطري، إلى العاملين الآتيين:

1- العلاقات الاقتصادية والاستثمارات المتبادلة بين قطر وألمانيا، حيث تبلغ الاستثمارات القطرية في ألمانيا حوالي 25 مليار يورو، علاوة على حصة قطر في مصرف "دويتشه بنك" بنسبة 10%، وحجم الصادرات الألمانية إلى قطر 2.5 مليار يورو، كما تمتلك قطر 17% من أسهم شركة "فولكسفاجن" للسيارات الألمانية.

وبالنظر إلى أن قطر من أكبر مُصدّري الغاز المُسال في العالم، والذي تعتمد عليه دول أوروبا بشكل متزايد، فإن أي اضطرابات في قطر على أثر الأزمة الخليجية الراهنة ستؤثر على الاقتصاد الأوروبي والألماني.

2- اتخاذ موقف مخالف للإدارة الأمريكية، فعقب رفض الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" اتفاقية باريس للمناخ، وعدم توصله لاتفاق مع الاتحاد الأوروبي بشأن مفاوضات التجارة الحرة، ظهرت تصريحات من الجانب الألماني على لسان المستشارة "ميركل" تدعو فيها الأوروبيين إلى عدم الاعتماد على الولايات المتحدة، وذلك في محاولة منها لقيادة الاتحاد الأوروبي بعيداً عن التبعية الأمريكية.

وبالتالي فإن موقف ألمانيا من الأزمة الخليجية هو في جزءٍ منه ردة فعل على موقف الرئيس "ترامب" في هذه الأزمة واتهامه قطر بدعم الإرهاب، وعلى سياساته عموماً تجاه منطقة الشرق الأوسط والاتحاد الأوروبي، وهو استمرار لنهج ترغب فيه "ميركل"، بحيث يرسم دوراً جديداً للاتحاد الأوروبي بقيادة ألمانيا بعد خروج بريطانيا من الاتحاد، ويخلق للاتحاد مساحة أكبر في قضايا الشرق الأوسط.

وساطة فرنسا

مثَّلت الأزمة الخليجية الراهنة "حرجاً" لفرنسا، نظراً لأنها تقيم علاقات استراتيجية مع كل أطراف الأزمة، حيث تتعدد مجالات التعاون الفرنسي، خاصةً مع السعودية والإمارات وقطر ما بين التعاون الأمني والدفاعي، والتجارة الثنائية والاستثمارات المتبادلة في قطاعات الطاقة والأوراق المالية والعقارات وغيرها.

وبالتالي فإن انحياز باريس لطرف على حساب آخر في هذه الأزمة، قد يهدد مصالحها مع دول الخليج، لذا اتسم رد الفعل الفرنسي بالسعي إلى التهدئة وعدم التصعيد بين قطر من جانب ودول الخليج الثلاث ومصر من جانب آخر، مع دعم مبادرات الوساطة ومنها مبادرة الكويت.

ففي اليوم التالي لقطع العلاقات بين قطر والدول الأربع، أعلن الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" أنه يؤيد أية مبادرة تقود إلى تسوية هذه الأزمة، مؤكداً موقف بلاده الداعم للوحدة بين دول مجلس التعاون الخليجي. وأعاد الرئيس الفرنسي التأكيد، خلال زيارته المغرب منتصف يونيو الجاري، أنه يواصل جهوده الدبلوماسية الرامية إلى "خفض حدة التوتر" في الأزمة الخليجية.

ختاماً، يمكن القول إن فرص الوساطة الأوروبية في الأزمة الخليجية تبدو غير فعالة إذا لم يتم التنسيق مع قوى أخرى فاعلة مثل الولايات المتحدة. ومع فرضية عدم رغبة بريطانيا في التدخل بشكل جدي لتهدئة هذه الأزمة، وانشغالها بمشاكلها الداخلية، ومع عدم قدرة ألمانيا على تقديم نفسها كوسيط مقبول من جميع الأطراف، خاصةً في ظل خلافاتها مع الولايات المتحدة ومحدودية تأثيرها في قضايا الشرق الأوسط مقارنةً بقوى دولية أخرى، ففي هذه الحالة تبقى حظوظ فرنسا كبيرة كوسيط أوروبي يحظى بقبول أطراف الأزمة، وهو ما يدعم الجهود التي يبذلها الرئيس الفرنسي في التواصل مع مختلف الأطراف وتقريب وجهات النظر بينهم.