أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

تكتيك استباقي:

دوافع الضربة الأمريكية الثانية في سوريا

25 مايو، 2017


وجّهت الولايات المتحدة الأمريكية ضربة ثانية في سوريا استهدفت رتلا عسكريًّا مواليًا لنظام الأسد، في 18 مايو الجاري، قرب قاعدة "التنف" الحدودية جنوبي سوريا التي تستخدمها قوات التحالف الدولي، وهو ما يطرح دلالات عديدة تتعلق بأهداف الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في سوريا، في ظل تجاوز واشنطن مكافحة "داعش" وإسقاط الرقة إلى تصور أشمل لمستقبل دورها في سوريا ما بعد "داعش".

إذ أن الهدف الرئيسي للضربة هو منع التقاء الميليشيات الموالية لإيران على جانبي خط الحدود العراقية - السورية عبر معبر الوليد، كما أنها تكتيك استباقي للحيلولة دون أي تهديد لقاعدة التنف التي تشكل ميزة جيوستراتيجية للولايات المتحدة تسمح لها بتعزيز موقعها في إدارة عمليات معركة الرقة الحالية.

مغزى التوقيت:

وتكشف المقارنة بين أهداف الضربة الجوية الأولى لواشنطن على مطار الشعيرات في سوريا، والتي نفذتها مدمرات أمريكية قبل أكثر من شهر لـ"معاقبة" نظام الأسد بعد اتهامه باستخدام الأسلحة الكيماوية في الهجوم على خان شيخون، وبين الضربة الأخيرة؛ أنه يمكن إدراجها في إطار "ردع" حلفاء النظام -خاصة إيران- عن التمادي في توسيع قاعدة انتشارها.

كما أن توقيت الضربة يكتسب أهمية خاصة، مع الوضع في الاعتبار أنها جاءت في أعقاب اتفاق أستانة الذي أفضى إلى تحديد مناطق تخفيف التوتر في سوريا، والذي استندت واشنطن إليه لتوجيهها باعتبار أن هناك من تجاوز الاتفاق. 

فضلا عن ذلك، تكشف المقارنة أيضًا بين الضربتين عن تطور مسار العلاقات بين الفاعلين في المشهد السوري، وفقًا لردود الفعل ومواقف الأطراف الفاعلة والأطراف ذات الصلة بالصراع في سوريا. 

فعلى الرغم من الانتقادات التي وجهتها وزارة الخارجية الروسية للضربة في بداية الأمر، إلا أن مواقف وزارتي الدفاع في روسيا والولايات المتحدة بدت مختلفة، فقد قال وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس أنه يعتقد أن القوات التي توجهها إيران دخلت المنطقة بالمخالفة لمشورة روسيا، إلا أنه لم يتمكن من تأكيد ذلك، وأضاف: "لكن يبدو أن الروس حاولوا منعهم".

تباينات محتملة:

هذه التصريحات تطرح دلالتين: أولاهما، أن الولايات المتحدة وروسيا تقاسمتا رفض هذا التحرك، لكن روسيا لم تتمكن من منعه. وثانيتهما، أن لدى إيران خطة عمل فرعية لا تنسق بشأنها مع روسيا.

ويبدو من مواقف الأطراف والتصريحات التي أعقبت الضربة أنه من المرجح أن تظهر تدريجيًا تباينات بين مصالح وسياسات القوى الحليفة للنظام السوري. إذ ربما تتغاضى موسكو عن تصرفات إيران الميدانية داخل سوريا والتي تصب في صالح الحلفاء حتى لو كانت هناك أخطاء، لكن ربما لا تتغاضى عما هو أبعد من ذلك، خاصة إذا كان هناك تحرك ينبئ بأن إيران تشكل تحالفًا في مستوى دائرة مصالحها وعلاقتها في سوريا والعراق. 

هدفان رئيسيان: 

1- رسالة ردع: وفقًا للتفاصيل التي كشف عنها جيمس ماتيس في مؤتمر صحفي عقب الضربة بثلاثة أيام، فإن إيران تقف وراء توجيه هذا الرتل باتجاه قاعدة التنف التي تستخدمها القوات الأمريكية، معتبرًا أنها تجاوز لمناطق "منخفضة التوتر"، في إشارة واضحة إلى أن الضربة تستهدف استمرار سياسة واشنطن في ردع نظام الأسد، خاصة أنها نُفذت بالتزامن مع إعادة طرح قانون "سيزر" لمعاقبة الأسد في الكونجرس في اليوم نفسه (18 مايو الجاري)، بعد تسريب وثائق حول قيام النظام بعمليات تعذيب معارضين في سجن صيدنايا، وأيضًا ردع حلفائه، وخاصة إيران التي تعتبر أنها الخاسر الأكبر من الضربة.

فطبقًا لما أعلنته وكالة الأنباء السورية "سانا"، فإن هناك خسائر بشرية ومادية، لكن ميليشيا "سيد الشهداء" التابعة لـ"الحشد الشعبي" العراقي الموالى لإيران قالت إن أحد عناصرها قُتل في القصف، وأُصيب ستة آخرون، بينما كشفت مواقع أخرى عن سقوط قتيل آخر من ميليشيا حزب الله اللبناني، إضافة إلى تدمير 4 دبابات وآلية مضادة للصواريخ، وهو ما يعني أنه تم استهداف أغلب مكونات الرتل الذي كان مكونًا من أربع دبابات، ومدرعة شيلكا ZSU-23-4، و12 مركبة.

2- التحكم في مفترق الطرق: كشفت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) أن منطقة القصف كانت عند نقطة الرزقة قبل قاعدة التنف بنحو 30 كلم، وهو ما يشير إلى احتمال أن تكون إيران قد سعت للتمركز قرب القاعدة، بما يسمح لها بالاتصال مع الميليشيات المناظرة في العراق (الحشد الشعبي).

وقد كانت هناك عملية تمهيد سابقة ألمح إليها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بأن العراق قد تواصل عملياتها داخل سوريا لمكافحة "داعش"، بما يشير إلى محاولة أطراف عديدة الحفاظ على نقاط التواصل بين الجانبين، ومن ثم فإن قطع قوات أمريكية الطريق على هذا الرتل يعني بالتبعية رفض التحرك على هذا المسار، والتحكم في مفترق طرق رئيسي إلى العراق. 

ومن ثم يمكن القول إن الضربة الأمريكية الثانية لسوريا هي تكتيك استباقي يهدف إلى منع إيران وحلفاء النظام السوري من التحرك المرن في منطقة نفوذ وسيطرة أمريكية قد يضر بها تكوين دائرة تواجد إيراني موازية، وبالتالي الحد من أي تحركات شرق الفرات، ومن ثم السيطرة على الحدود لمنع إيران من التمدد فيها.

وفي المحصلة الأخيرة لمجمل هذه التطورات، تدرك الولايات المتحدة أن إيران بصدد توسيع مساحات التحرك والتمدد وفقًا لأجندتها الخاصة، وإن اقتضى ذلك تجاوز روسيا التي تشكل ضابط إيقاع لها في الساحة السورية.

ولكن في ضوء التقارب على مستوى التنسيق المشترك بين موسكو وواشنطن في سوريا، ترى إيران أن هذا قد يعرقل مشروعها الذي ربما حانت لحظته، في رؤيتها، بالاقتراب من نهاية "داعش" في العراق، وأن "الحشد الشعبي" قد يشكل، وفقًا لذلك أيضًا، جسرًا لتحقيق هذا المشروع كخلايا عمل على الأرض تحركها إيران وفقًا لأجندتها الخاصة.

وربما لم يظهر بعد ما إذا كانت إيران استوعبت تلك الرسائل أم لا، لكن مما لا شك فيه -وفقًا للتجارب السابقة- أن إيران ستحاول بتكتيكات مقابلة إعادة المحاولة مرات أخرى، الأمر الذي سيتوقف على مدى قدرة واشنطن على الاستمرار أيضًا في الاحتفاظ بآليات الردع وتعزيزها من آنٍ لآخر.