أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

أدوار نوعية:

مهام جديدة لشركات الأمن الخاصة بالشرق الأوسط

09 مايو، 2017


أدى اضطراب الأوضاع السياسية والأمنية بالشرق الأوسط خلال السنوات الماضية إلى تزايد الطلب على خدمات سوق الأمن الخاص في دول الصراعات بالإقليم أو بعض الدول المستقرة أمنيًّا وسياسيًّا على حد سواء. وفي الواقع فإن انتشار تهديدات التنظيمات الإرهابية، مثل "داعش"، في بعض دول المنطقة، كان أحد العوامل الرئيسية التي دفعت كثيرًا من الحكومات في الإقليم إلى الاستعانة ببعض شركات الأمن للقيام بمهام أمنية وعسكرية مساندة لأعمال القوات الأمنية والعسكرية المحلية. 

وبجانب الدور السابق، فقد أسندت الحكومات الإقليمية لشركات الأمن الخاص مهمات جديدة، مثل تدريب القوات المحلية، ودعم قدراتها، وذلك بالتزامن مع مضيِّ بعضها في عمليات إعادة إعمار المدن المتضررة في إطار الحرب على الإرهاب، وتأمين بعض المواقع الاقتصادية والبنى التحتية ذات الأهمية الاستراتيجية، مثل العراق التي أسندت مؤخرًا لشركة أمريكية تأمين الطريق الدولي الذي يربطها بالأردن.

وعلى غرار النموذج الأمريكي الخاص بالاستعانة بالشركات الخاصة في تأمين مصالحها بالشرق الأوسط، اتجهت قوى دولية مؤخرًا لتأمين أصولها ومواطنيها بالإقليم عبر التعاقد مع شركات خاصة تابعة لها.

ففي سياق وثيق الصلة بأزمة تدفق اللاجئين إلى القارة الأوروبية، استعانت بعض دول القارة بشركات الأمن الخاصة لإدارة أمن مخيمات اللاجئين، وهو نموذج قد يبدو متكررًا في المنطقة في الفترة المقبلة. وفي ضوء تعدد أدوار الشركات الخاصة بالمنطقة، فإن سوق الأمن الخاص سوف ينمو -على ما يبدو- بمعدلات قوية في الفترة المقبلة، لا سيما في ظل تزايد الضغوط الأمنية والسياسية بالمنطقة.

طلب متصاعد:

انتعش سوق الأمن الخاص في منطقة الشرق الأوسط منذ سقوط نظام صدام حسين في عام 2003. وتعويضًا لانهيار المؤسسات الأمنية العراقية وقتها، تعاقدت الولايات المتحدة الأمريكية مع كثير من شركات الأمن الخاصة لحماية المسئولين العراقيين والأمريكيين والمنشآت والهيئات الأخرى. 

ولكن في أعقاب اندلاع الثورات العربية في عام 2011 وما تلاها من اضطرابات أمنية وسياسية في بعض دول الإقليم، شهدت شركات الأمن الخاصة تطورًا نوعيًّا في أدوارها داخل المنطقة، لا سيما مع تزايد تهديدات التنظيمات الإرهابية، وخاصة تنظيم "داعش". وقد دفعت الظروف السابقة بعض الحكومات الإقليمية للاستعانة بسوق الأمن الخاص من أجل تقديم مهام أمنية عديدة، مثل حماية المنشآت والأفراد، ومراقبة الحدود، وغيرها من المهام الأخرى. 

وفي ضوء ما سبق، اتسع سوق الأمن الخاص بالمنطقة بمعدلات قوية في السنوات الماضية. وبحسب ما تُشير إليه تقديرات شركة "جي فور إس" البريطانية، فإن سوق الخدمات الأمنية والسلامة في الشرق الأوسط بلغ قرابة 7 مليارات دولار في عام 2015، ومن المتوقع أن يشهد الطلب على خدمات السوق ارتفاعًا بنسبة 10% سنويًّا في بعض دول المنطقة. وبالتوازي مع السابق، من المتوقع أيضًا أن يشهد سوق المعدات والأجهزة الأمنية نموًّا كبيرًا ليصل إلى 10.9 مليارات دولار بحلول عام 2020، وفقًا لتقديرات شركة "فروست آند سوليفان".

محفزات الانتشار:

دفعت ظروف المنطقة المضطربة إلى الاستعانة بشركات الأمن الخاصة، لا سيما بعد تصاعد تهديدات التنظيمات الإرهابية في بعض الدول. فقد قاد تنظيم "داعش"، مثلا، خلال السنوات الماضية عددًا من الهجمات الإرهابية ضد المنشآت الاقتصادية والسياحية في العراق وسوريا ولبنان وتونس، وهو ما تسبب في تقويض التجارة والسياحة والأوضاع الأمنية بهذه الدول. 

وفي ضوء التهديدات السابقة، نما الطلب على سوق الأمن الخاص مدعومًا بمحركين للنمو: ينصرف الأول، إلى نمو طلب الحكومات على شركات الأمن الخاص، وإسناد عدد من المهام الأمنية إليها، مثل تأمين المنشآت السياحية، والمطارت، ومواقع إنتاج النفط، وغيرها من المواقع الأخرى، وذلك في محاولة منها للاستفادة من القدرات البشرية والفنية العالية التي تتمتع بها هذه الشركات.

فيما يتصل الثاني، بإقبال عدد من القوى الدولية على التعاقد مع شركات خاصة لتأمين مصالحها بالشرق الأوسط، لا سيما بدول الصراعات المسلحة. ففي العراق، على سبيل المثال، هناك حاليًّا نحو 379 شركة خاصة تلقت عقودًا من قبل وزارة الدفاع الأمريكية لتقديم الخدمات الأمنية والعسكرية بالعراق.

وعلى غرار النموذج الأمريكي، اتجهت العديد من القوى الدولية الأخرى للاعتماد على شركات الأمن الخاصة لحماية أصولها الاقتصادية والبشرية بالمنطقة، فقد باتت الصين، مؤخرًا، تعتمد على شركات الأمن الصينية الخاصة بالشرق الأوسط لحماية مصالحها الاقتصادية هناك. وبهذه الطريقة، تحاول الصين تفادي التدخل العسكري المباشر في دول الصراعات لمنع أي توترات أو خلافات محتملة مع بعض حكومات المنطقة.

 مسئوليات مستحدثة:

استنادًا إلى الظروف السابقة، أُسند لشركات الأمن الخاص بالمنطقة عدد من المهام الجديدة بخلاف المهام التقليدية الأساسية، وفيما يلي أبرزها:

1- مهام التدريب: عبر السنوات الماضية، عولت بعض الأنظمة في دول الصراعات بالمنطقة على شركات الأمن الخاصة للمشاركة في مكافحة التنظيمات الإرهابية والميليشيات المسلحة المعارضة لها. ووفق الترجيحات الغربية، فقد استعان النظام السوري على مدار السنوات الماضية بعدد من شركات الأمن الروسية، مثل شركة "وانجر" Wanger، في حربه الدائرة منذ ست سنوات ضد المعارضة المسلحة وتنظيم "داعش" داخل الأراضي السورية.

وبخلاف القيام بعمليات عسكرية مباشرة، تشير شواهد أخرى إلى أن الحكومة العراقية استعانت في الفترة الأخيرة بعدد من الشركات الأمنية الأمريكية ليس فقط لحماية عدد من المواقع المختلفة في بغداد، من بينها مطار بغداد وسفارات غربية، ولكن أيضًا للقيام بتدريب ميليشيا "الحشد الشعبي" في إطار حربها ضد تنظيم "داعش" منذ عام 2015.

2- حماية عمليات إعادة الإعمار: يتمثل أحد الحلول الأمنية التي اعتمدت عليها بعض حكومات الإقليم لتأمين جهودها واستثماراتها في عمليات إعادة الإعمار من أي مخاطر محتملة من التنظيمات الإرهابية، في الاعتماد على الشركات الأمنية الخاصة في توفير الأمن بمواقع عمليات إعادة الإعمار.

وفي هذا الصدد، أسندت الحكومة العراقية، في مايو الجاري، مهمة إعادة بناء وتأمين الطريق السريع من بغداد في اتجاه منفذ طريبيل الحدودي مع الأردن لشركة "أولف" الأمريكية، والتي ستتولى حمايته ضد هجمات "داعش" المتكررة بجانب تأهيل عدد من الجسور المهدمة به، والتي تبلغ 36 جسرًا. 

وفي ليبيا أيضًا، أوكل لشركة "آر.إس.بي" الأمنية الروسية، في فبراير 2017، مهام إزالة الألغام من منشأة صناعية قرب مدينة بنغازي بشرق ليبيا كانت تخضع لسيطرة تنظيم "داعش" في السابق، وذلك بحسب تصريحات أوليج كرينيتسين رئيس الشركة الروسية في مارس الماضي.

3- معسكرات أمنية: من دون شك، فإن تأمين شركات الأمن الخاصة للمنشآت الاقتصادية ليس بالدور الجديد الذي تقدمه في المنطقة، ولكن غير المعهود هو اعتماد بعض القوى الدولية مثل الصين على الشركات الخاصة لحماية منشآتها الاقتصادية بالمنطقة. ففي السنوات الماضية، باتت الصين أكثر تعويلا على بعض الشركات الصينية الخاصة من أجل تعزيز المستوى الأمني المتاح لشركاتها وعمالتها بالمنطقة. ومن الأمثلة على ذلك شركة "دينجتاي أنيوان" للدفاع والأمن الدولي التي تُباشر عددًا من الأعمال الأمنية في العراق، وشركة "دي واي" الصينية التي تقوم بحماية شركة البترول الصينية في السودان.

وقد لا ينحصر الشكل الأمني لتواجد هذه الشركات بالمنطقة في مجرد هيكل محدود من الأفراد الأمنيين، وإنما قد يمتد لتبني هيكل أمني واسع يقوم على تدشين وحدات أمنية كبيرة. وفي هذا الصدد، قال لي تشياو بينج الرئيس التنفيذي لشركة "دي واي" في أكتوبر 2016: "إن الخطوة التالية لنا هي تشييد معسكرات أمنية بالجملة في دول توجد فيها استثمارات صينية، إضافة إلى الدول التي تعاني عدم الاستقرار".

4- تأمين مخيمات اللاجئين: إزاء تفاقم أزمة تدفق اللاجئين إلى أوروبا، عوّلت كثير من الحكومات الأوروبية على شركات الأمن الخاص في القيام بالعديد من المهام التي كانت تضطلع بها الشرطة. وفي هذا الصدد، تعاقدت الحكومة النمساوية، في عام 2015، مع شركة "أو آر إس" الأمنية الخاصة السويسرية بهدف إدارة مخيمات اللاجئين على أراضيها، وهي الشركة نفسها التي تدير مراكز اللاجئين في سويسرا. 

فيما تقوم شركة "جي فور إس" بحراسة المخيمات الرئيسية للاجئين السوريين في عدد من الجزر اليونانية. وربما يكون النموذج الأوروبي السابق ملهمًا في الفترة المقبلة لعدد من دول المنطقة للاستعانة بشركات الأمن الخاصة في تأمين مخيمات اللاجئين، لا سيما كبيرة الحجم ذات التعداد السكاني الكبير.

وفي ضوء الأدوار السابقة، يمكن القول إنه من المرجح أن ينمو سوق الأمن الخاص في المنطقة بمعدلات قوية في الفترة المقبلة، لا سيما في ظل تصاعد حدة الضغوط السياسية والأمنية بالإقليم.