أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

"القمر" نموذجاً:

تحديات السباق العالمي على استكشاف الموارد الفضائية

24 أغسطس، 2023


عرض: دينا محمود

في 21 يوليو 1969، كان نيل أرمسترونغ أول رجل تطأ قدمه سطح القمر ليعكس حينها مستوى التنافس التقني الهائل خلال الحرب الباردة. أما في نهاية عام 2022، فقد استهدف اختبار إطلاق الصاروخ "أرتميس1" كمرحلة أولى من برنامج "أرتميس - إعادة الإنسان إلى القمر"، ليشكل نقطة انطلاق لاستكشاف موارد الفضاء، وبحث إمكانية تشكيل نموذج أرضي سياسي واقتصادي وتجاري ومجتمعي في الفضاء الخارجي، ولاسيما من قِبَل القوى الفضائية الكبرى كالولايات المتحدة والصين. 

في هذا السياق، يحلل باسكال ليجيه، في تقرير نشره "المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية" "IFRI" في مايو 2023 السباق العالمي على الموارد الفضائية وتحدياته، إذ يُشير إلى أن توافر كميات كبيرة من التعدين الفضائي وموارد الطاقة صار يثير تساؤلات استراتيجية وقانونية واقتصادية وتكنولوجية وبيئية، ولاسيما وأن الفضاء الخارجي صار هدفاً لكثير من الدول لعسكرته واستثماره واستغلال ثرواته، ويُعد هذا السباق خارج كوكب الأرض انعكاساً موازياً للتنافس الجيوسياسي للعالم الأرضي.

موارد فضائية متعددة:

تتوفر الموارد غير المادية للفضاء بين النجوم فى المدارات والترددات المتاحة، ويتم تخصيصها تحت رعاية الاتحاد الدولي للاتصالات "ITU". وتثير مسألة المدارات وحدها قضايا قانونية لأنها لا تخضع للتملك، حيث يتطلب إطلاق كل قمر اصطناعي إذناً مسبقاً من ذلك الاتحاد لاستخدام المدار المستهدف، خاصةً وأن إدارة هذه الموارد غير المادية قد يتمخض عنها بالفعل توترات وصراعات محتملة، لأنه غالباً ما يتم إعطاء الدول الأكثر تقدماً اقتصادياً وتكنولوجياً أولوية في تخصيص تلك الموارد. 

بالإضافة إلى الموارد غير الملموسة، يمكننا إضافة مجموعة من الموارد الملموسة المحتملة للطاقة الشمسية، من خلال تحويل أشعة الشمس إلى طاقة، ونقلها إلى الأرض لتغذي شبكة الطاقة، المعروفة باسم مشروع "سولاريس" الذي أطلقته وكالة الفضاء الأوروبية "ESA" لتقدير الجدوى الفنية والربحية الاقتصادية للإسهام في حل أزمات الطاقة الأرضية. كما قد بدأت بالفعل أنشطة أخرى ذات طبيعة تجارية في الفضاء الخارجي مثل السياحة الفضائية.

وفي السنوات الأخيرة، أشارت الاكتشافات إلى وجود كميات هائلة من الجليد المائي في الحفر الكبيرة الموجودة في الظل عند أقطاب القمر، والتي يُعتقد أن 60% منها يقع في القطب الجنوبي على شكل حبيبات زجاجية صغيرة. من ناحية أخرى، تحتوي تربة السيلين المكونة للقمر على الأكسجين، وكذا على احتياطيات كبيرة من "الهليوم3 He3"، والتي سيُمثل حجمها ما يقرب من 2.5 مليون طن وفقاً للباحثين الروس. ويمكن استخدام هذا المورد - وهو نادر على الأرض - كوقود لمفاعلات الاندماج النووي المستقبلية. مع ذلك، فإن استخدام "الهليوم3" على المدى الطويل سيتطلب تصميم طريقة فعالة من حيث التكلفة للاستخراج، وهو غير متاح حالياً، في ظل الحاجة لبنية تحتية مناسبة وقدرة كبيرة على النقل إلى الأرض.

بالإضافة إلى ذلك، تشير المعادن الموجودة على الأجرام السماوية "الحديد والبلاتين والنيكل" إلى احتمالات الاستخراج التي لا تزال تستحق دراسات متعمقة، من هنا يأتي الحديث عن إمكانية استخدام الموارد في موقعها الطبيعي، حيث قد تحد التكلفة العالية من إرسال المعدات والطاقة إلى القواعد الفضائية لمهام الاستكشاف، خاصةً وأننا لا نعرف مسبقاً الموارد المختلفة التي سيكون من الممكن العثور عليها.

كذلك، تتعلق التطورات حالياً بشكل أساسي بإنتاج الوقود أو الميثان أو الهيدروجين من الفضاء الخارجي، فعلى سبيل المثال، يحتوي الكويكب المعدني "Psyche"، أحد أكبر الكويكبات بين كوكبي المريخ والمشتري، على حوالي 50% من معادن الحديد والنيكل، وهو ما يُعادل ملايين السنين من الإنتاج العالمي السنوي منهما. 

يظهر أيضاً القمر، كممر ضروري في المهمة المأهولة المستقبلية إلى المريخ، كذلك، فإن القمر قد يُمثل ساحة تدريب لرواد الفضاء لتأسيس وجود بشري دائم طويل الأمد. وبالمثل، ستؤدي المهمات القمرية إلى إجراء اختبارات للعديد من المعدات، مثل المركبات المأهولة أو تلك المرتبطة بقاعدة دائمة. ومع ذلك، فإن الاختلافات الموجودة بين البيئات الكوكبية تحد من صحة هذه الفرضية. فالمريخ، على عكس القمر، له غلاف جوي يغير ظروف الوصول بشكلٍ عميق، فضلاً عن ذلك، يمكن أن يسهم وجود الموارد على القمر في التأسيس الدائم لوجود بشري.

منافسات الفضاء وتحدياتها:

انتقل الصراع الجيوسياسي بين الدول العظمى من النزاعات الأرضية إلى الفضاء الخارجي، بعد فترة الهدوء النسبي عقب نهاية الحرب الباردة. لذا، من المحتمل نشوب موجة جديدة من "عسكرة الفضاء" في إطار التنافس الاستراتيجي وسباق التسلح بين الولايات المتحدة والصين وروسيا. ويزيد من هذا التنافس ما أتاحته التطورات التكنولوجية في السنوات الأخيرة من وصول الدول والجهات الفاعلة الخاصة بسهولة إلى الفضاء، إذ إن هنالك أكثر من 70 دولة لديها الآن أقمار اصطناعية خاصة بها فى المدار، في سياق ما يسمى بـ"دمقرطة الفضاء". 

إضافة إلى ذلك، فإن إنشاء برامج فضائية جديدة للقمر والمريخ يكشف أن الفضاء يظهر كأولوية استراتيجية جديدة للقوى الفضائية، وهو ما يترتب عليه مطالبات بملكية الموارد الفضائية. ففي 6 إبريل 2020، أصدر الرئيس السابق دونالد ترامب، على سبيل المثال، أمراً تنفيذياً لا تعتبر فيه الولايات المتحدة الفضاء الخارجي بمثابة "مشاعات عالمية"، وهو ما يعكس التنافس الكامن الذي يحدث خارج الغلاف الجوي للأرض.

مع ذلك، فإن المنافسة على الفضاء تتطلب توافر ميزانيات ضخمة، وهو أمر صار يشكل تحدياً للمنافسات العالمية، خاصةً أن جائحة "كورونا" أدت إلى إضعاف الاقتصاد العالمي. لكن ميزانية ناسا (2021-2025) لبرنامج "أرتميس" لاكتشاف القمر تبدو مضمونة حتى عام 2024، بمبلغ 28 مليار دولار، منها 16 مليار مخصصة حصرياً لوحدة الهبوط على سطح القمر، لكنها ستحتاج أيضاً للتفاوض بشكل دوري مع الحكومة الفدرالية والكونغرس بشأن الميزانية.

وبالإضافة إلى عدم اليقين المالي، هناك تحديات فنية ولوجستية تعوق التنفيذ المحتمل للمشاريع المختلفة المتصورة، بما في ذلك المتعلقة بالتعدين الفضائي، فعلى الرغم من الطموحات الضخمة، فإن غياب البنى التحتية القائمة قد يعرقل وضع خطط عمل ملموسة.

من جانب آخر، هنالك قلق متزايد بشأن الحطام في المدارات المحيطة بالأرض، حيث صارت مسألة التلوث الناتج عن الاستغلال المكثف لموارد الفضاء ضرورية بشكلٍ تدريجي، فقد احتوت اتفاقية القمر على بعض الأحكام البيئية لتجنب تلوث القمر بالمواد البيولوجية الأرضية، ومن المرجح أن يؤدي استخدام الفضاء الخارجي إلى تغير في البيئة دون معرفة كافة التداعيات المحتملة. 

لذلك، تُعد خصوصية البيئة تحدياً أساسياً يجب أخذه بالاعتبار في السباق العالمي على موارد الفضاء، ولاسيما أن الأنشطة الفضائية تجري في بيئة ذات مخاطر عالية، إذ تتعرض المركبات الفضائية باستمرار لتغيرات كبيرة في درجات الحرارة ولإشعاع شديد. ويمكن أن تُشكِّل إزالة التلوث بحد ذاتها نشاطاً اقتصادياً، فمثلاً تشير الشركة اليابانية "Astroscale" إلى أنها تسعى بنشاط لتطوير تقنيات "تنظيف" الفضاء، وهو شرط أساسي لها لتطوير الأنشطة الأخرى، والأمر ذاته ينطبق على مبادرة وكالة الفضاء الأوروبية لمهمة "ClearSpace-1" لإزالة الحطام الناتج عن أنشطتها، بالشراكة مع الشركة السويسرية التي تحمل الاسم نفسه "ClearSpace SA". 

نهج متعدد الأطراف:

في إطار التنافس على موارد الفضاء، تستهدف اتفاقيات "أرتميس" فرض رؤية دولية من قبل الولايات المتحدة للممارسات المستقبلية في هذا المجال. وهي اتفاقيات ثنائية بين الولايات المتحدة وعدد من الدول المشاركة في برنامج "أرتميس" بالشراكة مع وكالة ناسا لإعادة البشر إلى القمر بحلول عام 2024، وما بعده. وتم التوقيع على هذه الاتفاقيات من قِبَل 23 دولة حتى الآن، بما يُشكِّل نوعاً من الاتحاد الدولي حول الولايات المتحدة. ووقعت أيضاً وكالة ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية اتفاقية تعاون في يونيو 2022، وتخلق هذه العضويات المتتالية تدريجياً رؤية مشتركة للتعاون واستكشاف الفضاء عبر نهج متعدد الأطراف.

وبالأساس، انبثقت اتفاقيات "أرتميس" عن مبادرة أمريكية بدأت في عام 2015 بموجب قانون تنافسية إطلاق الفضاء التجاري وتم نقلها بموجب الأمر التنفيذي رقم 13914 الصادر في 6 إبريل 2020. وقد حددت عشرة مبادئ أساسية لتوجيه البرنامج الأمريكي للاستكشاف المستدام للقمر. ويتضمن هذا البرنامج تنظيم بعثات منتظمة، لتطوير مركبة هبوط بشرية على سطح القمر على الرغم من معارضة روسيا والصين بشدة.

إلى جانب اتفاقيات "أرتميس"، هناك نقطة محورية أخرى ذات طبيعة قانونية، تتمثل بالأساس في الزيادة المطردة في القوانين الوطنية، حيث تتجه كل دولة لسن قوانينها الخاصة بالفضاء، وهو ما يخلق حالة من الضبابية القانونية. لذلك يجب التحرك نحو الحلول الدولية، لوضع قواعد عامة خاصة بالفضاء، تكون متسقة وغير متعارضة. في هذا الإطار، لا يمكن أن تعترض الولايات المتحدة على اتفاقية القمر التي تحكم أنشطة الدول على سطح القمر والأجرام السماوية الأخرى، على الرغم من عدم توقيع واشنطن عليها. 

لذلك، تنظر لجنة استخدام الفضاء الخارجي في الأغراض السلمية "COPUOS" بانتظام في هذه القضايا لكن مخاطر التقادم التقني والسياسي والاقتصادي السريع لأحكامها عالية للغاية. لذا، قررت وكالة ناسا ووزارة الخارجية الأمريكية تطوير قواعد جديدة لإنشاء "مناطق أمان"، وهي مناطق جغرافية تطلب فيها دولة من الدول الأخرى عدم القدوم وتعكير صفو أنشطتها، كما أنه يضمن أن الشركة ستنفذ أنشطتها في الفضاء دون تدخل أحد المنافسين في ضوء الممارسة العرفية في المستقبل. وبالتالي، يمكن للولايات المتحدة أن تطلب عدم قدوم مركبة فضائية صينية على الهبوط في مناطق البحث العلمي الخاصة بها. 

ومن المرجح أن يكون الأمريكيون أول من يعود ويستقر على القمر، وبالتالي يستغلون الموارد القمرية ويحتكرونها. فيما تقترح الصين، من جانبها، برنامجاً طموحاً للغاية. إذ يُظهر هبوط مركبة الهبوط الصينية "Chang'e-4" على الجانب البعيد والمظلم من القمر في يناير 2019، وهو الأول من نوعه في العالم، التقدم المذهل الذي حققته بكين في هذا المجال. 

وفي صيف عام 2020، أشارت إدارة الفضاء الوطنية الصينية إلى نية البلاد إنشاء محطة علمية دولية على القمر "ILRS" بدءاً من عام 2036 وكذا استغلال الموارد الموجودة خارج الغلاف الجوي. وحتى قبل تنفيذ هذه المحطة، تعتزم الصين القيام بمهام بشرية على القمر في بداية العقد المقبل. كما ترغب في جذب شركاء دوليين إلى محطة "ILRS"، التي من المقرر إنشاؤها في القطب الجنوبي، وقد انضمت روسيا إلى هذا البرنامج في عام 2021.

من جانبها، تبدو الهند مرشحاً جاداً آخر لإنجاز مهمة القمر، على الرغم من الإخفاقات الكبيرة مثل مهمة "Chandrayaan-2"، حيث دُمِر المسبار في وقت هبوطه على سطح القمر. وعلى الرغم من أن اتفاقية "أرتميس" -السابق الإِشارة لها- ذات طابع متعدد الأطراف، فإنها "غير متكافئة" من وجهة نظر دول مثل الصين وروسيا وألمانيا، التي تعارضها، ولاسيما بسبب التقدم الأمريكي في استكشاف الفضاء.

في هذا السياق، اتبعت دوقية لوكسمبورغ الكبرى المسار الذي حددته الولايات المتحدة من خلال السماح بتعدين الأجرام السماوية في 20 يوليو 2017. كما تُدرج دولة الإمارات العربية المتحدة استغلال موارد الأجرام السماوية في إطار قانونها الاتحادي بشأن تنظيم قطاع الفضاء المعتمد في 19 ديسمبر 2019. كما تبنت اليابان هذا النهج أخيراً. والأمر ذاته بالنسبة للمملكة العربية السعودية وروسيا اللتان تتطلعان أيضاً لاستغلال الموارد القمرية في إطار برنامجهما القمري. لذلك، فإن القضية الأساسية هي ضمان حقوق الغائبين في الاستغلال التجاري للموارد التي تخص الجميع في إطار الاقتصاد العالمي.

ختاماً، تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من توافر موارد التعدين والطاقة الفضائية، فإنه لم يتم تحديدها بالكامل، ولم يتم تقييم ظروف تشغيلها بدقة، حيث يرى الفاعلون من الجهات الخاصة إمكانات كبيرة لاستغلالها، وتجد الدول فيها آفاقاً جديدة لمواجهات سياسية واقتصادية واستراتيجية. وفي هذا السياق، تجب معالجة القضايا القانونية المتعلقة بملكية موارد الفضاء بشكلٍ عاجل من أجل تجنب حروب الفضاء بين قوى مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين. وهذا يشمل الوضع القانوني لاتفاقيات "أرتميس"، والتي توفر إرشادات بدلاً من طرحها نصوصاً ملزمة، لكن مع الوقت، يميل هذا النوع من الاتفاقيات إلى تشكيل مدونة سلوك حقيقية للمنافسات في الفضاء، والتي يمكن أن تتطور إلى قاعدة عرفية.

المصدر:

Pascal Legai, L’accès aux ressources minières et énergétiques spatiales, Ifri, mai 2023.