أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

مضاعفات الفوضى:

انعكاسات "حروب الميليشيات" على الأمن الإقليمي

10 أغسطس، 2017


أثارت الحرب المشتعلة بين كل من حزب الله وجبهة النصرة في منطقة عرسال الحدودية تساؤلات عدة حول الحروب بين الميليشيات، وخصائص تلك الحروب وآلياتها ونتائجها، خاصة عقب الحسم السريع نسبياً للمعركة، والتي انتهت باتفاق هدنة بين الطرفين تم إبرامه برعاية الأمن العام اللبناني والصليب الأحمر الدولي، حيث تم إجلاء مسلحي جبهة النصرة وعائلاتهم من منطقة عرسال اللبنانية إلى سوريا، وتبادل الرهائن وجثامين القتلى بين الطرفين، ولم تكن تلك هي الحرب الأولى التي تدور بين ميليشيات مسلحة في سوريا أو العراق أو ليبيا، وإنما أصبح هذا النوع من الحروب هو الشائع في الآونة الأخيرة، خاصة في الدول التي تتنازع فيها تلك الميليشيات المتباينة عقائدياً مساحات النفوذ الميداني.

سمات حاكمة:

تتسم خصائص حروب الميليشيات في دول الصراعات المشتعلة في الإقليم بما يلي:

1- حروب خاطفة: غالباً ما يتم حسم المعارك بين الميليشيات بصورة سريعة وخاطفة، وهو ما ينتج عن محدودية القدرات العسكرية وصغر حجم القوى البشرية المشاركة في المعارك التي تخوضها الميليشيات، الأمر الذي يدفع الطرفين إلى تعجل الحسم، وهو ما يختلف عن الحروب التي تشنها القوات النظامية والتي غالباً ما تمتد لسنوات.

2-  تنشب في بيئة غير مستقرة سياسياً: لا تجتمع حروب الميليشيات والاستقرار السياسي داخل الدول، فغالباً ما ينشب هذا النوع من الحروب في الدول غير المستقرة سياسياً والتي تعاني صراعات داخلية نتج عنها انهيار النظام السياسي أو الجيش النظامي للدولة، إلا في حالات استثنائية تنشب فيها الحروب بين ميليشيا وأخرى مدعومة من النظام السياسي أو القوات المسلحة للدولة لتحقيق أهداف سياسية أو لتعذر المواجهة بين القوة النظامية والميليشيا المسلحة.

3-  محدودية النطاق الجغرافي: غالباً ما تتمركز الحروب بين الميليشيات في منطقة جغرافية محدودة، وهو ما تفرضه طبيعة الميليشيات المقاتلة وعددها المحدود نسبياً مقارنة بالجيوش النظامية، بالإضافة إلى نوعية الأسلحة والجاهزية العسكرية التي تحول دون توسيع النطاق الجغرافي للمعارك وفقدان السيطرة على المعركة في حال خروجها عن الدائرة المحدودة لها.

4-  اشتباكات صغيرة: وهو ما يعد استكمالاً لما سبق ذكره حول محدودية النطاق الجغرافي للمعارك، نجد أيضاً أنها عبارة عن اشتباكات صغيرة الحجم نسبياً، فالميليشيات غالباً ما تتسم بقلة عدد المقاتلين والافتقار للقدرات العسكرية التي تمكن من نشوب معارك واسعة النطاق.

5-  تكتيكات غير نظامية: تقوم على الضربات الإرهابية والهجمات الانتحارية، خاصة أن معظم معارك الميليشيات تتم في مناطق مأهولة بالسكان، مما يجعلها تبدو أقرب لحروب العصابات منها للحروب التقليدية. 

6-  سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين: لعل أبرز ما تتسم به حروب الميليشيات أنها لا تتقيد بما تفرضه المواثيق الدولية من قيود والتزامات في أرض المعركة، وبالتالي يتصرف كل من الطرفين من دون أي اعتبارات أخلاقية أو إنسانية من أجل تحقيق الهدف، كما أن معظمها يتم في مناطق مأهولة لذا نجد أن عدد الضحايا من المدنيين الذين يسقطون ضحايا لتلك الحروب يكون كبيراً نسبياً.

7-  المرونة في التفاوض: وهي خاصية نسبية لا تنطبق بصورة كلية على معارك الميليشيات، خاصة تلك التي تنشب لأسباب طائفية أو عقائدية، ولكن ما يميز حروب الميليشيات أنها غير محكومة بسياسات دول واعتبارات متشابكة كتلك التي تحكم الجيوش النظامية في حروبها، وهو ما يخلق مرونة أكبر عند التفاوض تجعل الحسم والوصول إلى تسويات أمراً لا يصعب تحقيقه.

8-  وجود أطراف مستفيدة وأطراف وسيطة: نادراً ما تشن ميليشيا حرباً تجاه ميليشيا أخرى من دون وجود طرف داعم، خارجي أو داخلي، بالإضافة إلى أن هذا النمط من الحروب يؤدي إلى تدخل بعض الأطراف لحسم الصراع، سواء كان ذا أبعاد إقليمية أو دولية، مما يوسع دائرة المواجهة، وغالباً ما تتمثل تلك الأطراف مستفيدة أو متضررة بصورة مباشرة أو غير مباشرة من تلك الحرب وتداعياتها.

9- الاعتماد بصورة أكبر على اختطاف رهائن: وهو ما ظهر بوضوح في الحرب بين كل من حزب الله وجبهة النصرة، حيث تم استخدام ورقة الرهائن كعنصر حسم للمعركة بين الطرفين، وعلى الرغم من أن احتجاز رهائن أمراً شائعاً في الحروب بين الجيوش النظامية، فإنه في حالة الميليشيات يتم الاعتماد بصورة أكبر على اختطاف الرهائن. 

10- مزيد من الاندماج والوحدة بين الفصائل: تدفع حروب الميليشيات إلى المزيد من الاندماج والوحدة بين الفصائل، خاصة إذا كان الصراع طائفياً، وهو ما ظهر بصورة متكررة في معارك عدة، وصل إلى حد الاندماج الكامل بين ميليشيات كانت متصارعة وأصبحت تحارب في صف واحد بدوافع طائفية.

انعكاسات انتشارية:

قد يؤدي تنامي ظاهرة حروب الميليشيات إلى مزيد من عدم الاستقرار في دول الإقليم، بالإضافة إلى أنه لا قد يترتب على هذا الانتشار انعكاسات تعزز من دورها ونفوذها الإقليمي، ويمكن إجمال أهم تلك الانعكاسات فيما يلي:

1- على المستوى السياسي، تتمثل انعكاسات تنامي حروب الميليشيات فيما يلي:

أ-  كيان بديل: يؤدي تنامي نفوذ الميليشيات الناتج عن ما تحققه من انتصارات ونفوذ إقليمي إلى قيام كيان بديل للدولة، يبدو تأثيره بوضوح في حالات الانقسام الطائفي، مما يضعف من قدرة الدولة ونفوذها.

ب-  نفوذ سياسي: حيث إن انتصار إحدى الميليشيات على الأخرى يمنحها نفوذاً سياسياً على المستويين الإقليمي والدولي، ولعل المكاسب السياسية التي تحققها الميليشيات المنتصرة تتجاوز ما حققته من انتصار عسكري، وهو ما بدا بوضوح فيما حققه الأكراد من نجاحات في التصدي لتنظيم "داعش"، على نحو جعلهم يتلقون المزيد من الدعم ليصبح فاعلاً إقليمياً ودولياً.

2- على المستوى الأمني، تنعكس ظاهرة تنامي حروب الميليشيات على المستوى الأمني فيما يلي:

أ- مزيد من عدم الاستقرار الناتج عن تأثير انتصار الميليشيات التي تعزز من نشاط الميليشيات الأخرى في دول الإقليم التي يمكن أن تحذو حذوها من خلال البحث عن انتصارات عسكرية ونفوذ يمكنها من الوصول إلى نفس المكتسبات.

ب- تصاعد تجارة السلاح في الإقليم، خاصة الأسلحة المتوسطة والصغيرة، ومن ناحية أخرى فإن انتصار بعض الميليشيات يؤدي إلى تقوية موقفها وتمكينها من الحصول على أسلحة أكثر تطوراً من الأطراف الداعمة لها.

3- يمكن حصر الدور المتوقع للقوى الإقليمية في مواجهة مخاطر انتشار حروب الميليشيات في دول الإقليم فيما يلي: 

أ- محاولة نزع سلاح الميليشيات المقاتلة (باستثناء تلك التي تقوم بدور فاعل في مواجهة التنظيمات الإرهابية)، من خلال تجفيف منابع تمويلها، سواء بالمال أو الأسلحة، ومحاصرتها بفرض قدر أكبر من الرقابة.

ب- محاولة دمج الميليشيات داخل الجيوش النظامية لاحتواء تداعيات تنامي قدراتها العسكرية ونفوذها الإقليمي، والاستفادة منها.

الخطر المقبل:

وفي النهاية يمكن القول إن هناك اتجاهاً في الأدبيات يرجح أن الميليشيات الطائفية تمثل الخطر القادم بعد "داعش"، خاصة في ظل تنامي قدراتها العسكرية واتساع نطاق نفوذها الذي تجاوز حدود الدول التي تنشط بداخلها وامتد إلى دول الجوار، بالإضافة إلى قدرة تلك الميليشيات على الوجود ومد النفوذ داخل أكثر من دولة في الوقت نفسه، مدعومة بقوى دولية تمدها بالسلاح والعتاد والتدريب اللازم، واذا كان الحديث قد ثار منذ وقت قريب عن حروب الجيل الرابع، والتي تواجه فيها ميليشيا غير نظامية جيشاً نظامياً، نجد أن حروب الميليشيات ضد بعضها البعض أصبح يمثل مرحلة متقدمة تنم عن مدى تنامي نفوذ هذه الميليشيات داخل وخارج دول الصراعات في الإقليم.