شهدت قاعدة "جوردون" العسكرية بالعاصمة الصومالية مقديشو، في 10 فبراير 2024، عملية إرهابية نفذتها حركة الشباب الجهادية، أفضت إلى مقتل عدد من الضباط الذين كانوا يضطلعون بمهام تدريبية للقوات الصومالية، في مؤشر جديد على تصاعد حدة النشاط الإرهابي لحركة الشباب خلال الآونة الأخيرة، بالتزامن مع إعلان بعثة الاتحاد الإفريقي الانتقالية في الصومال "أتميس" (ATMIS)، مطلع فبراير الجاري، اكتمال المرحلة الثانية من عملية سحب قواتها الموجودة في مقديشو، إذ يفترض أن تنتهي عملية الانسحاب الكامل من الصومال بنهاية العام الجاري، وهو ما أثار القلق بشأن احتمالية تكرار سيناريو أفغانستان جديدة في منطقة القرن الإفريقي.
تطورات متسارعة:
شهد الداخل الصومالي جملة من التطورات المتلاحقة خلال الفترة الأخيرة، والتي ربما تكون لها انعكاسات شاملة على مجمل المشهد الراهن في مقديشو ومنطقة القرن الإفريقي بشكل عام، ويمكن عرض هذه التطورات على النحو التالي:
1- اكتمال المرحلة الثانية من انسحاب قوات "الأتميس": أكملت بعثة "الأتميس" الإفريقية المرحلة الثانية من عملية الانسحاب من الصومال، وذلك بدعم لوجستي من قبل "مكتب الأمم المتحدة للدعم في الصومال" (UNSOS)، وقد انطوت المرحلة الثانية من الانسحاب على تخفيض عدد قوات البعثة بنحو 3 آلاف جندي، إذ قامت البعثة الإفريقية بنقل سبع قواعد إلى الحكومة الصومالية، تشمل القواعد الموجودة في مجلس الدولة والبرلمان التي كانت تنتشر فيها قوات أوغندية، وبيو كاديل وراجا سيل وكوريلو والتي كانت تنتشر فيها قوات بوروندية، وكذا بوراهشي التي كانت تتمركز بها قوات كينية، بالإضافة للمطار القديم الذي كانت توجد به قوات إثيوبية، كما عمدت إلى إغلاق قاعدتين أخريين، في ساريل ومطار كيسمايو القديم.
وقد وقع الممثل الخاص للاتحاد الإفريقي في الصومال ورئيس بعثة "الأتميس"، محمد الأمين سويف، اتفاقية مع مستشار الأمن القومي الصومالي، حسن شيخ علي، بموجبها تنازلت البعثة عن ملكية الأراضي التي كانت تقيم عليها القواعد العسكرية، ونقلت السيطرة من قوات "الأتميس" للقوات الحكومية الصومالية، كما وقعت المسؤولة عن مكتب الأمم المتحدة للدعم في الصومال، قرة العين سادوزاي، وثيقة بموجبها تم التنازل عن المعدات المملوكة للأمم المتحدة داخل القواعد التي تم الانسحاب منها لصالح الحكومة الفدرالية الصومالية.
ويفترض أن تكتمل عملية الانسحاب الكامل لقوات بعثة "الأتميس" الإفريقية، البالغ عددها 14 ألف جندي، نهاية العام الجاري 2024، وقد أنهت حتى الآن مرحلتين من مراحل عملية الانسحاب، في الوقت الذي تشير فيه غالبية التقديرات إلى عدم جاهزية القوات الحكومية الصومالية لتولي مسؤولية الأمن بشكل منفرد بعد اكتمال انسحاب القوات الدولية من البلاد.
2- تزايد مؤشرات عودة القرصنة الصومالية: شهدت الأسابيع الأخيرة عودة عمليات القرصنة قبالة سواحل الصومال، وهو ما طرح العديد من التساؤلات بشأن إمكانية عودة عمليات القرصنة الموسعة التي شهدتها هذه المنطقة قبل أكثر من عقد، فقد كشفت قوة " EU NAVFOR – ATALANTA OPERATION"، والتي تُعد قوة بحرية تابعة للاتحاد الأوروبي تتولى مسؤولية الأمن البحري في منطقة شرق إفريقيا، أن هناك أكثر من 14 سفينة قد تم اختطافها قبالة السواحل الصومالية منذ نهاية نوفمبر الماضي. ففي ديسمبر الماضي، تم اختطاف سفينة "MV Ruen" التي تحمل العلم المالطي، والتي لا تزال تحت سيطرة الخاطفين، بما في ذلك نحو 17 فرداً من طاقم السفينة، وقد أشار "المكتب البحري الدولي" (IMB) إلى أن هذا الحادث يُعد أول عملية اختطاف ناجحة قبالة السواحل الصومالية منذ نحو ست سنوات.
وقد كانت آخر هذه العمليات استهداف سفينة "سنترال بارك" التي كانت ترفع العلم الليبيري، وقد شاركت القوات الأمريكية في عملية إنقاذ هذه السفينة، إذ ألمحت القوات الأمريكية في وقت لاحق إلى أن هذه العملية ترتبط بعمليات القرصنة من قبل عناصر صومالية.
من ناحية أخرى، عزت "لجنة المحيط الهندي" (IOC)، والتي تُعد هيئة حكومية إقليمية تتشكل من الدول المطلة على المحيط الهندي في شرق إفريقيا، كسيشل ومدغشقر وموريشيوس وجزر القمر، تصاعد عمليات القرصنة قبالة السواحل الصومالية إلى احتمالية وجود صفقة مزمعة بين حركة الشباب الصومالية وبعض العناصر المهاجمة للسفن، تحصل بموجبها الحركة على جزء من عائدات الفدية مقابل دعم المهاجمين وتوفير الحماية لهم.
3- تصاعد نشاط حركة الشباب الجهادية: نشر موقع "Critical Threats" الأمريكي تقريراً مطلع فبراير الجاري، كشف خلاله عن وجود انتكاسات متزايدة في جهود الحكومة الصومالية لتقويض نفوذ حركة الشباب الجهادية، إذ أشار التقرير إلى أن مقديشو حققت في بعض النجاحات الأولية في حربها ضد الحركة خلال عام 2022، قبل أن تتمكن الأخيرة من إلحاق سلسلة من الهزائم بالقوات الحكومية بداية من عام 2023، وهو الأمر الذي أدى إلى توقف هجمات القوات الصومالية، بل وتراجعها في أحيان كثيرة.
وتجدر الإشارة إلى أن مقديشو كانت قد ألمحت سابقاً إلى أن عملياتها العسكرية التي تجريها منذ مطلع عام 2023 في وسط البلاد تُعد مقدمة لتوسيع هجومها نحو المعاقل الرئيسة للحركة في الجنوب، المعقل الرئيس لحركة الشباب، في إطار خطة طموحة من قبل الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، للقضاء التام على حركة الشباب واستعادة كافة المناطق الصومالية، بالتزامن مع بدء انسحاب القوات الإفريقية بنهاية العام الجاري. لكن بعد نحو عام من هذه العمليات المتقطعة في وسط الصومال تبدو النتائج التي حققتها القوات الحكومية متباينة، حتى في ظل الدعم الذي تقدمه الطائرات الأمريكية من دون طيار، ناهيك عن الدعم التركي المقدم لمقديشو، إذ تمكنت حركة الشباب من شن هجمات مضادة ضد القوات الصومالية، كان أبرزها الهجوم واسع النطاق الذي شنته الحركة في 24 يناير الماضي في بلدة "كاد"، وأجبرت القوات الحكومية على التراجع عنها.
سياقات معقدة:
تأتي التطورات الأخيرة في مقديشو متسقة مع السياقات المعقدة التي يشهدها الداخل الصومالي في الوقت الراهن، والتي تزيد من حالة الارتباك في المشهد العام هناك، والذي يمكن عرض أبرز ملامحه على النحو التالي:
1- تراجع مستويات الدعم المحلي لجهود الحكومة الصومالية: ثمة تحديات متزايدة ربما تنبثق عن الإخفاقات المتتالية للقوات الصومالية في تعاملها مع معاقل حركة الشباب وتكتيكاتها، تتمثل في تأثيرات هذا الفشل على مدى ديمومة رغبة السكان المحليين في دعم الحكومة الصومالية في حربها ضد الحركة الإرهابية، خاصةً في ظل هشاشة الأمن في البلدات التي تم تحريرها من قبل القوات الصومالية، الأمر الذي يجعل فرص تسلل عناصر حركة الشباب إلى هذه المناطق قائمة بقوة.
وفي هذا الإطار، كشفت بعض التقديرات عن وجود حالة من الاستياء المتزايد لدى بعض المجتمعات المحلية إزاء الحكومة الفدرالية، سواء بسبب فشل الأخيرة في دعم المجتمعات المتضررة من الفيضانات وتوفير بعض الخدمات، أم بسبب تعثر جهود مقديشو في تسوية العنف بين بعض المليشيات العشائرية وانتشار الأسلحة بين هذه العشائر التي شاركت في الهجوم على حركة الشباب، وكذا التوترات العشائرية بين حكومات الولايات والحكومات الإقليمية في جنوب الصومال، إذ تفاقمت الخلافات بين حكومة ولاية جوبالاند وإقليم جيدو منذ انتخابات عام 2019، فضلاً عن المنافسات العشائرية في منطقتي جيدو وجوبا السفلى، ناهيك عن وجود درجة كبيرة من التداخل بين حركة الشباب والعشائر الموجودة في جنوب الصومال، الأمر الذي يعزز قدرة الحركة على مقاومة أي عمليات عسكرية مزمعة من قبل الحكومة الصومالية في الجنوب.
2- الانقسامات الداخلية بين النخبة الحاكمة في مقديشو: ثمة إشكالية أخرى تتعلق بالتنافس الداخلي بين النخب الصومالية ذاتها، سواء بين الحكومة الفدرالية وحكومات الولايات، أم داخل الولايات ذاتها، وتتفاقم حدة التنافس في الفترات التي تسبق الانتخابات، لذا ثمة حالة من القلق بشأن هذه الديناميكية قبيل الانتخابات المرتقبة في نوفمبر المقبل على مستوى الولايات، إذ يفترض أن تشهد الولايات الصومالية انتخاباتها الرئاسية، باستثناء بونتلاند التي أجرت بالفعل انتخاباتها مطلع يناير الماضي، بشكل متزامن. وبالإضافة لذلك بدأت إرهاصات الانتخابات الرئاسية المقبلة على المستوى الوطني، والمرتقبة في 2026، تلوح في الإفق، في ظل مساعي الرئيس الصومالي الحالي، حسن شيخ محمود، إلى الدفع بنموذج انتخابي جديد يعتمد على التصويت المباشر بدلاً من مندوبي العشائر.
كما يواجه الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، أيضاً تحديات أخرى تتعلق بموقف النخبة السياسية في مقديشو من الحكومة الصومالية، فقد وجه عدد من الزعماء الاتحاديين السابقين، بما في ذلك الرئيس الصومالي الأسبق، شريف شيخ أحمد، ورئيس الوزراء السابق، حسن علي خير، انتقادات حادة للرئيس الصومالي الحالي، واتهموه بتكريس السلطوية وإساءة استخدام الممتلكات العامة، والفشل في التعامل مع هجمات حركة الشباب المتزايدة، وهو ما قد يشكل مزيداً من الضغوط على الحكومة الصومالية التي تسعى إلى حشد الدعم من مختلف القوى السياسية، وتجنب حالة الاستقطاب الحاد التي شهدتها فترة الرئيس السابق، محمد عبدالله فرماجو.
3- تشتت انتباه الحكومة الصومالية بالتوترات الجارية مع إثيوبيا: من ناحية أخرى، يرجح أن تؤدي التوترات الجارية بين الصومال وإثيوبيا بشأن صفقة الأخيرة مع صوماليلاند المتعلقة بميناء البحر الأحمر إلى تشتيت انتباه الحكومة الصومالية عن حربها ضد حركة الشباب، وهو ما انعكس في تحول تركيز الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، نحو ملف الخلافات الجارية مع أديس أبابا، خاصةً وأن شيخ محمود كان له دور حاسم في حشد الدعم الداخلي والخارجي ضد حركة الشباب، وبالتالي سيكون لتحول اهتمامه تأثيرات سلبية في الحرب الجارية ضد الحركة الإرهابية.
4- تنامي قدرة حركة الشباب على التكيف والتمدد: رغم الحشد الداخلي والخارجي الموسع الذي قامت به حكومة الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، في الحرب ضد حركة الشباب، فإن الأخيرة أظهرت قدرة كبيرة على الدفاع عن معاقلها، والتكيف مع الهجمات الموسعة من قبل مقديشو وشركائها الدوليين، فلطالما عمدت الحركة إلى التراجع التكتيكي والانسحاب من المدن الرئيسة لتجنب أي اشتباكات تقليدية مع القوات الحكومية، وتدفع بدلاً من ذلك إلى التحول إلى تكتيكات حرب العصابات واستهداف القواعد الصومالية بواسطة السيارات المفخخة، والتسبب في خسائر فادحة لهذه القوات، ومن ثم دفعها للانسحاب، خاصةً في ظل صعوبة عمليات الإمداد من قبل مقديشو لقواتها على الجبهة، وافتقار الجنود الجدد للخبرات القتالية، وقد برهنت التكتيكات التي تتبعها حركة الشباب الجهادية على مدى فاعليتها في إحباط خطط القوات الصومالية منذ يناير 2023.
وفي هذا الإطار، كشفت بعض التقارير الأمريكية عن وجود قلق راهن لدى واشنطن من تنامي قوة حركة الشباب الصومالية للدرجة التي تجعلها قادرة على شن هجمات خارج منطقة شرق إفريقيا، بل واستهداف الداخل الأمريكي، فقد أحبطت الولايات المتحدة في عام 2019 عملية إرهابية كانت تخطط لها حركة الشباب لتكرار هجمات 11 سبتمبر، فضلاً عن تكرار محاولات عناصر مرتبطة بحركة الشباب للدخول إلى الأراضي الأمريكية عبر الحدود المكسيكية، وقد تمكنت واشنطن في يناير الماضي من إلقاء القبض على أحد هذه العناصر بعد دخوله بالفعل واستقراره في مينيسوتا.
كذلك، تعمد حركة الشباب حالياً إلى توظيف حالة الاستياء الداخلية في الصومال والمشاعر المعادية لإثيوبيا لحشد مزيد من الدعم المحلي، وهو ما تمخض عنه موجة جديدة من التجنيد الداخلي للحركة من الصوماليين، فضلاً عن توصل الحركة لصفقات مع بعض العشائر لإثنائها عن الاستمرار في دعم الحكومة الفدرالية.
5- مواصلة حركة الشباب اختراق المؤسسات الصومالية: أثار الحادث الإرهابي الأخير الذي شهدته إحدى القواعد العسكرية في مقديشو حالة من القلق بشأن مدى ولاء عناصر حركة الشباب التي انشقت عن الحركة وانضمت إلى الجيش الصومالي، وقدرة الحركة على اختراق المؤسسات الصومالية، فالحادث الإرهابي الأخير الذي أعلنت حركة الشباب مسؤوليتها عنه قام به أحد عناصر الحركة الذي كان قد انشق عنها في عام 2021، في إطار برنامج المنشقين الصوماليين وتم إلحاقه بالجيش الصومالي. وبالتالي، يمكن أن يؤدي هذا الحادث إلى مراجعة عملية التدقيق التي يقوم بها الجيش الصومالي.
ومنذ بداية برنامج المنشقين الصوماليين عام 2014، نجح بالفعل في استمالة العديد من عناصر الحركة، بيد أن الأخيرة تمكنت أيضاً من استغلال البرنامج لتسلل عملائها داخل قوات الأمن الصومالية، وهذه ليست الحادثة الأولى التي يتهم فيها أحد الأفراد المرتبطين بالبرنامج بارتكاب أعمال إرهابية ضد القوات الصومالية أو شركائها الدوليين. فلطالما نسبت إلى الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات والأمن الوطني "نيسا"، فهد ياسين، تُهم بالتورط في تسلل عناصر من حركة الشباب داخل المؤسسات الصومالية.
ارتدادات محتملة:
في إطار التحديات المتزايدة التي تواجهها مقديشو، هناك جملة من الارتدادات المحتملة التي يمكن أن يشهدها الداخل الصومالي خلال الفترة المقبلة، يمكن عرضها على النحو التالي:
1- البحث عن بديل لقوات "الأتميس": كشفت الحكومة الصومالية مؤخراً عن قلقها بشأن قدرتها على سد الفجوة الأمنية في مرحلة ما بعد انسحاب قوات "الأتميس" من البلاد، إذ ألمحت الحكومة إلى أن خطة الانسحاب تبدو طموحة للغاية، وقد دعت مقديشو في ديسمبر الماضي إلى ضرورة البحث عن بديل لقوات "الأتميس" يساعد على عملية تأمين البلديات والبنية التحتية الرئيسية في الصومال، فضلاً عن تقديم الدعم اللوجستي والبري والجوي للقوات الحكومية.
لكن، لا تزال فكرة البديل القادر على سد الفجوة الأمنية محل مناقشات مطولة، ولاسيما فيما يتعلق بعملية التمويل، إذ يبدو الاتحاد الأوروبي الذي كان يتولى دفع رواتب قوات بعثة "الأتميس"، وقبلها بعثة "الأميصوم"، غير راغب في الاستمرار في تحمل أعباء هذه المهام، فقد بلغ إجمالي الدعم المالي الذي قدمته بروكسل للصومال منذ عام 2007 حوالي 4.3 مليار يورو، منها 2.6 مليار يورو تكلفة رواتب القوات المشاركة في بعثة "الأتميس"، ورغم توصل الاتحاد الأوروبي والصومال لاتفاق شامل، في مايو 2023، بشأن إطار للشراكة الشاملة بين الطرفين حتى عام 2025، فإن التدهور المحتمل للأوضاع الأمنية بعد خروج قوات "الأتميس" يمكن أن يعطل هذه الشراكة.
ورغم ذلك، توصل الاتحاد الإفريقي إلى اتفاق مع الأمم المتحدة، نهاية العام الماضي 2023، بموجبه تعهدت الأخيرة بتمويل نحو 75% من عمليات السلام التي يقودها الاتحاد الإفريقي، وبالتالي تجري حالياً مناقشات بشأن تطبيق هذا الاتفاق في حالة الصومال. بالإضافة لذلك تجري مقديشو، وكذلك الاتحاد الإفريقي، مناقشات حالياً مع بعض القوى الدولية والإقليمية، منها الصين وتركيا، للمشاركة في سد الفجوة المرتقبة بعد انسحاب "الأتميس"، غير أن هذه المشاورات لا تزال في مهدها حتى الآن، كما أن الاتفاق الخاص بالأمم المتحدة ينطوي على بعض الشروط التي يجب أن توفرها الصومال، ما يجعل تنفيذها محل شك، الأمر الذي طرح تساؤلات تتعلق بمدى استعداد الاتحاد الأوروبي لطرح خطة دعم طارئة حال فشلت مساعي مقديشو في إيجاد بديل تمويلي للاتحاد الأوروبي.
2- الحاجة إلى استراتيجية شاملة: أثبتت الاستراتيجية العسكرية التي تتبناها مقديشو منذ سنوات طويلة فشلها في التعامل مع تكتيكات حركة الشباب المتغيرة، والتغلغل الكبير من قبل الحركة داخل المجتمع الصومالي ومؤسسات الدولة، بما في ذلك الأمنية، الأمر الذي يجعل هناك حاجة ملحة لتبني استراتيجية أكثر شمولاً تتعلق بمحاولة التصدي الفكري للحركة، والعمل على تعزيز مستويات الثقة بين المجتمعات المحلية والحكومة الفدرالية، ناهيك عن تسوية التوترات بين الحكومة في مقديشو وحكومات الولايات الفدرالية، ومواصلة جهود محاصرة مصادر تمويل الحركة.
وتنطوي الاستراتيجية الشاملة أيضاً على ضرورة الإسراع في عملية للإصلاح الأمني في الصومال، خاصةً في ظل استمرار الكشف عن عناصر متسللة من قبل حركة الشباب داخل المؤسسات الأمنية الصومالية، إذ تكشف العمليات الإرهابية المستمرة عن انتشار واسع للخلايا النائمة والناشطين المرتبطين بحركة الشباب الذين يقومون بالعديد من المهام التي تخدم نشاط الحركة، كما تكشف هذه العمليات عن النهج المخطط والصبور الذي تتبناه الحركة. بل إن هناك بعض التقارير الغربية ألمحت إلى أن الحركة الجهادية تمكنت من التنسيق مع بعض المسؤولين العسكريين وبعض الجنود داخل المؤسسات الأمنية الصومالية، لمساعدة الحركة على تنفيذ عملياتها الإرهابية، على غرار العملية التي نفذها أحد الانتحاريين من حركة الشباب في أكاديمية جالي سياد العسكرية المحصنة، في يوليو 2023، إذ تم لاحقاً اعتقال 14 ضابطاً عسكرياً بتهمة التواطؤ مع الحركة الإرهابية وتسهيل نشاطها. بالتالي تبدو الحاجة أكثر إلحاحاً للإسراع في عملية الإصلاح الأمني الشامل في المؤسسات الصومالية، ولاسيما مع استعداد القوات الصومالية لتولي مسؤولية الأمن بمفردها خلال الأشهر المقبلة.
وفي الختام، يبدو أن مقديشو مقبلة على عام حاسم فيما يتعلق بحربها ضد حركة الشباب الجهادية التي تجتاح البلاد منذ عام 2007، فرغم النجاحات النسبية التي حققتها الحكومة الصومالية خلال النصف الثاني من عام 2022، وتعهداتها بالقضاء التام على الحركة، فإن هذا الهدف يبدو مستبعداً في ظل المعطيات الراهنة، بل على العكس يزداد القلق بشأن مستقبل الأوضاع الأمنية والسياسية في الصومال خلال الفترة المقبلة، ولاسيما مع استمرار عملية انسحاب قوات "الأتميس" الإفريقية من البلاد، وبالتالي تعول مقديشو حالياً على الحصول على دعم أكبر من شركائها الإقليميين والدوليين، لسد الفجوة الأمنية المحتملة.