نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة تحليلا حول ما تواجهه الحكومة الإسرائيلية من تحديات تهدد استمرارها نظرا لتباين مواقف التيارات السياسية المؤلفة للحكومة فى التعامل مع هذه التحديات. يزيد احتمال انهيار الائتلاف إذا تم إقصاء نتنياهو عن المشهد السياسى مما يشجع الأحزاب اليمينية فى الحكومة على الانسحاب والتحالف مع الليكود بعد نتنياهو... نعرض منه ما يلى.
فى يونيو 2021، نجحت حكومة التغيير المتألفة من نحو 8 تيارات سياسية فى الإطاحة برئيس الحكومة الإسرائيلية السابق، بنيامين نتنياهو، الذى هيمن على السلطة لأكثر من 12 عاما، وتسبب فى إدخال إسرائيل فى دوامة انعدام الاستقرار السياسى، إلا أن الائتلاف الحاكم الحالى يواجه فى الآونة الأخيرة تحديات جمة تهدد استمراريته، وذلك على إثر تباين مكونات الائتلاف الحاكم فى مواقفها إزاء العديد من القضايا الداخلية والخارجية، الأمر الذى قد يهدد الحكومة الإسرائيلية بالانهيار، خاصة فى حال تم إقصاء نتنياهو من الحياة السياسية.
تحديات حكومة التغيير
تفاقمت الخلافات فى الآونة الأخيرة بين مكونات الائتلاف الحاكم إزاء العديد من القضايا، ويتمثل أبرز تلك المحطات الخلافية فى التالى:
1 ــ الخلاف حول «النقب»: تفاقمت خلال الأيام الماضية أزمة فى منطقة النقب، جنوب إسرائيل، بسبب السياسات الإسرائيلية لتشجير المنطقة وتجريفها فى إطار أعمال الصندوق القومى اليهودى (كاكال) باعتبارها أراضى الدولة، الأمر الذى أثار غضب المكون العربى والبدو المقيمين بتلك المنطقة والذين اشتبكوا مع قوات الأمن الإسرائيلية فى 12 يناير الجارى فى مواجهات خلفت إصابات متبادلة واعتُقل على إثرها العديدين من أهالى قرية سعوة الأطرش، ومن بينهم فتاة، مع هدم لمخيمات العرب المعتصمين بالأرض.
وتشكل أراضى النقب نحو ثلثى فلسطين التاريخية، وقد صادرت إسرائيل على مدار السنوات نحو 90% من أراضيه المملوكة للعرب، فى ظل سياسات وممارسات لتغيير هوية تلك المنطقة وتهويدها. ووفقا للمخططات الإسرائيلية، وبموجب قانون 2017، فمن المقرر زراعة 5 آلاف دونم بالغابات على امتداد وادى عنيم الذى يصب فى وادى بئر سبع، مع تمهيد وزراعة 300 دونم بالقمح، كمرحلة أولى للمشروع وزرعت بالقمح قبل شهر فعلا.
وهددت القائمة العربية الموحدة بالانسحاب من الائتلاف الحاكم مع عدم التصويت لصالح قراراته ما لم تتوقف عمليات التجريف، بينما طالبت القائمة المشتركة وزير الأمن، عومر بارليف، بالإفراج عن معتقلى البدو.
وانقسمت مواقف وزراء الحكومة الإسرائيلية حول هذه المسألة، إذ دعا وزير الخارجية ورئيس الحكومة البديل، يائير لابيد، لتجميد أعمال التشجير لما فيها من إضرار بمصدر رزق سكان تلك المنطقة، كما دعا لوقف العنف مع التزام الحكومة بحل أزمة البدو والتوصل لتسوية فى النقب، وهو الموقف نفسه الذى تبناه وزير الرفاه والضمان الاجتماعى المكلف من قبل الحكومة بتسوية مسألة توطين البدو. وفى المقابل، أكد وزير الإسكان الإسرائيلى، زئيف إلكين، عزم الحكومة الإسرائيلية على مواصلة عمليات التجريف فى النقب.
وفى المقابل، توجه وفد من أعضاء الليكود لمتابعة تطور أعمال التشجير الإسرائيلية، وطالب زعيمه نتنياهو بعدم التوقف عن عمليات التشجير مع مطالبته بإدانة تحريض القائمة الموحدة.
2 ــ قانون لم الشمل: تمكن الليكود من منع تمرير قانون «لم الشمل»، وذلك بغرض إحراج حكومة بينيت، وذلك للمرة الأولى منذ إقراره فى العام 2003 بعدما كان يتم تجديده سنويا. وتسعى وزارة الداخلية للمماطلة عبر استمرار تفعيل القانون، برغم من معارضة المحكمة العُليا لذلك. وينص القانون على منع لمّ شمل العائلات الفلسطينية التى فيها زوج أو زوجة من مواطنى إسرائيل والآخر من سكّان الضفة الغربية أو قطاع غزّة.
وفى المقابل، هددت كتلة ميرتس اليسارية بالانسحاب من الحكومة فى حال طرحت وزيرة الداخلية مشروع القانون من جديد. كما يسعى وزير الخارجية يائير لابيد إلى تقديم استئناف ضد مشروع قانون المواطنة الذى تقدم به عضو الكنيست «سمحا روتمان» من حزب الصهيونية الدينى ووافقت عليه اللجنة الوزارية الإسرائيلية لشئون التشريع، على الرغم من إسقاط الكنيست له من قبل.
3 ــ الربط الكهربائى للعرب: يشهد الكنيست مداولات بشأن قانون طرحته القائمة العربية الموحدة يستهدف ربط بعض المنازل بشركة الكهرباء الإسرائيلية حتى لو تم بناؤها دون تصاريح، كما سيسمح للشركة باستبدال شبكات الطاقة المؤقتة غير القانونية والخطيرة المنتشرة فى بعض المناطق بوصلات قانونية منظمة.
ويمثل القانون موضعا للخلاف بين مكونات الائتلاف الحاكم وداخل أروقة الكنيست، خصوصا بين رئيس لجنة الشئون الداخلية فى الكنيست، وليد طه، ووزيرة الداخلية الإسرائيلية، أييليت شاكيد، المنتمية لحزب «يمينا» اليمينى المتطرف.
وجدير بالذكر أن هناك حوالى 130 ألف عربى فى إسرائيل يعيشون فى منازل مبنية بشكل غير قانونى ولا يمكن ربطها بشبكة الكهرباء بموجب التشريعات القائمة التى تصنف أراضى البناء بأنها أراضٍ زراعية وليست سكنية. وهددت القائمة العربية الموحدة بقيادة، وليد طه، بالانسحاب من الائتلاف ما لم يُقر القانون دون خلق صعوبات فى التنفيذ من قبل وزيرة الداخلية، فقد كان ذلك المشروع أحد أهم الصفقات التى دخلت على أثرها القائمة فى الائتلاف الحاكم.
4 ــ الاعتقال الإدارى وملف الأسرى: واجهت حكومة بينيت اتهامات بالضعف بسبب موافقتها على وقف تمديد الاعتقال الإدارى للأسير، أبو هواش، فى الأيام القليلة الماضية بعدما تدهورت حالته جراء إضرابه عن الطعام لأكثر من 140 يوما، يأتى ذلك فى ظل تباين التوجهات إزاء التعاطى مع ملفى الاعتقال الإدارى والأسرى الفلسطينيين داخل مكونات الحكومة الإسرائيلية.
5 ــ حل الدولتين والقضية الفلسطينية: يتضح جليا الخلاف بين مكونات الحكومة الائتلافية بشأن القضية الفلسطينية، إذ تميل التيارات المعتدلة واليسارية نحو دعم حل الدولتين وتحقيق المزيد من التقارب والتنسيق مع السلطة الفلسطينية من أجل إرساء السلام، سواء عبر المسار السياسى أو المسار الاقتصادى. ويمثل هذا التيار وزير الدفاع، بينى جانتس، ووزير الخارجية، يائير لابيد.
وفى المقابل، ترفض التيارات اليمينية، خاصة رئيس الحكومة، نفتالى بينيت، أى تقارب مع الجانب الفلسطينى، مع الاكتفاء بالتنسيق الأمنى لحماية الأمن القومى الإسرائيلى. كما يرفض بينيت عقد أى لقاء مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.
6 ــ الخلاف حول الملف النووى الإيرانى: تتسع الفجوات داخل صفوف الحكومة الإسرائيلية حول كيفية التعامل مع الملف النووى الإيرانى، واتضح التباين داخل الدوائر الأمنية الإسرائيلية بعد تصريحات رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، أهارون حاليفا، الداعمة للتوصل لاتفاق، وهو ما يتعارض مع موقف رئيس الحكومة، وكذلك رئيس جهاز الموساد، ديفيد بارنيا.
كما يتباين موقفا وزارة الخارجية ورئاسة الحكومة إزاء الملف ذاته، وإزاء التعامل مع الحليف الأمريكى. وفى هذا الإطار، يؤيد لابيد التوصل لصفقة جيدة مع إيران، بينما يصر بينيت على عدم إلزامية الاتفاق لإسرائيل.
تهديد الائتلاف الحكومى
باتت حكومة «بينيت ــ لابيد» بين فكى كماشة، فى مواجهة إحراج اليمين المتطرف ممثلا فى الليكود بشكل رئيس من جهة، فى مقابل ضغط الأحزاب العربية واليسارية من جهة أخرى، فى العديد من الملفات والقضايا الخلافية، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالى:
1 ــ تلويح العرب واليمين بالانسحاب: تتزايد التهديدات بالانسحاب من الحكومة الإسرائيلية، خاصة مع تراجع شعبية الأحزاب العربية واليمينية، على حد سواء، بسبب عدم قدرتهما على إرضاء قاعدتهما الانتخابية، خصوصا بعد تدهور حقوق البدو فى النقب، وكذلك بسبب العثرات التى تشهدها التوسعات الاستيطانية.
2 ــ محاولة الليكود استغلال الموقف: تلوح فى الأفق فرصة سانحة لحزب الليكود اليمينى للعودة للائتلاف الحكومى من جديد، خاصة مع احتمالية إقصاء نتنياهو عن المشهد السياسى، إذ تُتداول تسريبات بشأن صفقة محتملة بين نتنياهو والمدعى العام الموالى له، أفيشاى ماندلبليت، والذى ستنتهى ولايته نهاية الشهر الجارى، وبموجب الصفقة المحتملة، تُستبدل عقوبة السجن مقابل إقرار نتنياهو باقترافه جرائم الفساد، على أن يُقصى سياسيا لمدة 7 سنوات.
ومن شأن هذا الإقصاء أن يعزز فرص الليكود مرة أخرى، إذ إن العديد من الأحزاب اليمينية مستعدة للتحالف معه من جديد من دون نتنياهو، وبالتالى، فإنه فى حالة غيابه عن رئاسة الليكود فإن ائتلاف بينيت قد ينهار، خاصة إذا خرجت منه الأحزاب اليمينية، أو يتجه لتقديم مزيد من التنازلات لهم، حتى لا تترك الحكومة، وتتحالف مع الليكود، وهو ما قد يدفع الأحزاب العربية فى المقابل للانسحاب من الائتلاف الحكومى، أى أن أيا من السيناريوهين قد يهدد الائتلاف الحكومى. ومع ذلك، فإن حدوث هذا الأمر، سوف يتوقف على المشهد الداخلى بالليكود بعد نتنياهو وتوجهات خليفته فى رئاسة الحزب.
وفى الختام، يمكن القول إن الائتلاف الحكومى فى إسرائيل بات يواجه العديد من التحديات، والتى قد تنذر باحتمال تفككه، خاصة إذا تم إقصاء نتنياهو من الحياة السياسية فى إسرائيل، والذى كان يمثل العائق الرئيس أمام تحالف العديد من الأحزاب اليمينية مع الليكود.