من المرجح أن يتعافى أداء اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في عام 2022، وذلك بعد أن شهدت خسائر كبيرة نتيجة جائحة كورونا في العام الماضي، إلى جانب تأثير الأوضاع الجيوسياسية غير المستقرة في عدد من أنحاء المنطقة.
ويعزز مسار التحسن الاقتصادي بالشرق الأوسط عدة عوامل يأتي في صدارتها ارتفاع أسعار السلع الأساسية، واستئناف النشاط الاقتصادي، وعودة الرحلات الدولية، والتي ستنعكس بالإيجاب على قطاع السياحة في الإقليم.
وعلى الرغم من ذلك، لاتزال هناك عدة عوامل قد تهدد المسار الاقتصادي الإيجابي، منها ظهور سلالات متحورة جديدة من كورونا، وتصاعد التوترات السياسية في عدة بلدان على غرار لبنان والسودان، بالإضافة إلى تشديد الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي للسياسة النقدية.
تعافٍ اقتصادي
يرجح أن تتحسن آفاق نمو اقتصادات منطقة الشرق الأوسط في العام المقبل، بعد أن عانت خسائر كبيرة نتيجة جائحة كورونا، ويتضح ذلك على النحو التالي:
1- تداعيات سلبية للجائحة: تكبدت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خسائر كبيرة في الناتج المحلي بسبب جائحة كورونا تقدر بحوالي 200 مليار دولار، وفقاً للبنك الدولي. وتشمل الأضرار التي لحقت بالقطاعات الرئيسية، خاصة الطاقة والطيران والسياحة والسفر وغيرها.
وانكمشت اقتصادات المنطقة بحوالي 3.8% في عام 2020، وفقاً لتقديرات البنك الدولي، وتواكب مع ذلك تراجع نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي في المنطقة بحوالي 5.4% في العام الماضي.
2- تحسن آفاق النمو: من المتوقع أن يبلغ متوسط معدل نمو اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حوالي 4.15% خلال العام المُقبل، وفقاً لتوقعات عدد من المؤسسات. فقد توقع صندوق النقد الدولي أن تشهد اقتصادات المنطقة نمواً بحوالي 4.1% خلال عامي 2021 و2022، بينما تشير توقعات البنك الدولي إلى أن اقتصادات المنطقة ستنمو بنسبة 2.8% خلال عام 2021، ثم بـــ 4.2% عام 2022.
3- عوامل إيجابية: يدعم تحسن أداء النمو الاقتصادي في العام المُقبل بشكل أساسي عدد من العوامل، يأتي في صدارتها ارتفاع أسعار السلع الأساسية، بما في ذلك النفط والغاز الطبيعي، بالإضافة إلى تعافي قطاعات السياحة والسفر مع استئناف الرحلات الجوية الدولية.
ومن المرجح أن ينعكس ذلك بالإيجاب على أداء الحساب الجاري ليصل فائضه إلى 2.5% كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، وفقاً لتقديرات البنك الدولي، وذلك على خلفية ارتفاع حصيلة الصادرات خاصة النفطية، فضلاً عن التحسُن المتوقع في الإيرادات السياحية؛ نتيجة ارتفاع وتيرة التطعيم في العديد من الدول المُصدرة لحركة السياحة عالمياً.
4- تباين معدلات النمو: رغم التعافي الاقتصادي القوي للمنطقة ككل، لكن تظل هناك تباينات على صعيد الأداء الاقتصادي بين الدول، ففي حين تتخطى معدلات النمو الاقتصادي 5% في بعض دول المنطقة، فإنها لا تزال أقل من 2% في دول أخرى، ويعكس ذلك تفاوت وتيرة تعافي الأنشطة الاقتصادية بين بلدان المنطقة.
تباين الأداء الاقتصادي
من المتوقع أن يشهد التعافي الاقتصادي لدول المنطقة في العام المُقبل تفاوتاً واضحاً، وذلك بالنظر إلى الجوانب التالية:
1- تفاوت معدلات النمو: من المتوقع أن تحقق دول مجلس التعاون الخليجي نمواً قوياً بفضل ارتفاع أسعار السلع الأساسية وبنسبة 2.6% في عام 2021، ثم بنسبة 4.7% في عام 2022. بالمقارنة، يظل أداء الدول النفطية الأخرى بالمنطقة، مثل إيران والجزائر أضعف نسبياً بسبب العوامل الجيوسياسية غير المستقرة، بينما تواجه دول أخرى مثل تونس ولبنان اضطرابات داخلية تؤثر سلباً على معدلات النمو.
2- تباين مستويات التطعيم: تلقى أكثر من 60% من سكان بعض دول المنطقة جرعة واحدة على الأقل من لقاح فيروس كورونا، في حين تراجعت معدلات التطعيم في بعض الدول الأخرى إلى أقل من 10% من السكان، إذ تمكنت دول المنطقة المصدرة للنفط، بالإضافة إلى بعض الدول متوسطة الدخل من توفير اللقاحات من مصادر متنوعة، مقارنة بدول المنطقة منخفضة الدخل، والتي لا تزال تعاني تباطؤاً في تطعيم سكانها.
3- آثار متفاوتة لأسعار الطاقة: من المرجح أن يؤدي ارتفاع أسعار النفط والغاز الطبيعي إلى قفزة كبيرة لاقتصادات الدول المصدرة للنفط والغاز بالمنطقة، وسينمو النشاط النفطي بالمنطقة ككل بحوالي 5.3% و4.4% خلال عامي 2021 و2022 على التوالي وفقاً لصندوق النقد الدولي، مما سيساهم في تعزيز أداء الحسابات الجارية وميزانياتها. في المقابل، سيؤثر ارتفاع أسعار الطاقة سلباً على دول المنطقة المستوردة للنفط، وسيعمل على رفع عجز أرصدة الحساب الجاري والمالية العامة بها.
4- تباين أداء القطاعات غير النفطية: يظل أداء القطاعات غير النفطية بالمنطقة، مثل السياحة والسفر والطيران، وكذلك التصنيع أقل من مستويات ما قبل جائحة كورونا. ورغم ذلك، تظهر علامات تحسن نسبي بتلك القطاعات في دول، مثل مصر ودول الخليج، على عكس الدول الأخرى، مثل تونس ولبنان، التي أدت أوضاعها السياسية غير المستقرة إلى ضعف الأنشطة غير النفطية.
وبناء عليه، لا تزال قراءة مؤشر مديري المشتريات أقل من 50 نقطة (أي في منطقة الانكماش) في بعض دول المنطقة، مثل لبنان، منذ بداية العام الجاري، في حين يحقق المؤشر قراءات أعلى من 50 نقطة في دول الخليج، كالسعودية والإمارات وقطر خلال الفترة نفسها؛ مما يشير إلى تحسُن أداء القطاع الخاص غير المنتج للنفط في تلك الدول.
مخاطر محتملة:
توجد عدة اعتبارات يمكن أن تهدد سرعة وتيرة تعافي اقتصادات منطقة الشرق الأوسط، وهي على النحو التالي:
1- تفشي سلالات متحورة من كورونا: يهدد استمرار تفشي سلالات متحورة جديدة من كورونا سرعة التعافي الاقتصادي واستدامة القدرة على تحمل الدين. وقد أشارت وكالة "ستاندرد أند بورز" إلى أنه على الرغم من الجهود التي بذلتها دول المنطقة للتعافي من تداعيات الجائحة، فإن السلالات المتحورة من الفيروس توثر سلباً على مسار التعافي؛ مما سيجعل عودة الناتج المحلي لبعضها إلى مستويات ما قبل الجائحة، غير وارد قبل عام 2024.
2- ارتفاع معدلات التضخم: تسارعت وتيرة التضخم في الاقتصاد العالمي في الأشهر الأخيرة، بفضل ارتفاع أسعار السلع الأولية، وارتفاع أسعار الغذاء، واختناقات سلاسل التوريد. وبالنسبة للمنطقة، فمن المتوقع أن يرتفع التضخم إلى 12.9% عام 2021، قبل أن تتراجع الوتيرة إلى نسبة 8.8% عام 2022، مما يؤثر سلباً على الاستهلاك العام والخاص، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف أداء خدمات الديون العامة.
3- ارتفاع مستويات الدين: أدت أزمة كورونا إلى تضخم الديون العالمية، وبما في ذلك منطقة الشرق الأوسط، حيث توسعت الحكومات في الاقتراض لتمويل خطط التحفيز الاقتصادي، ودعم الاستقرار المالي.
وتُشير البيانات إلى أن مستوى الدين الحكومي لبعض الدول المستوردة للنفط بالمنطقة تخطى أكثر من 100% من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام الجاري، وقد تزيد تلك النسبة مع اتساع فجوة التمويل المحلية حال تباطؤ التعافي الاقتصادي، مما يوثر على قدرة الحكومات على تحقيق استدامة الدين.
4- تشديد السياسة النقدية عالمياً: من المتوقع أن يترك تغيير سياسة مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي تداعيات على أسواق المال بالمنطقة. ففي اجتماعه الأخير أعرب المجلس عن نيته تقليص برنامج شراء الأصول في وقت لاحق من العام الجاري، بالإضافة إلى احتمالية رفع أسعار الفائدة خلال عام 2022، بدلاً من عام 2023.
وعلى أثر ذلك، قد تواجه بعض اقتصادات المنطقة خروج تدفقات في رؤوس الأموال، على غرار ما حدث في عام 2013، مما يؤثر سلباً على تدفقات النقد الأجنبي بالمنطقة، وتنتقل تداعياته على الحسابات الخارجية، وأسعار صرف العملات بدول المنطقة.
5- تصاعد التوترات السياسية: تشهد البيئة السياسية الراهنة بالمنطقة مزيداً من الاضطرابات السياسية والأمنية في بلدان مثل لبنان واليمن والسودان، وعلى نحو يشكل تهديدات قوية للأوضاع الاقتصادية بتلك البلدان، وستبطئ من دون شك من مسار التعافي الاقتصادي للمنطقة ككل بعد جائحة كورونا.
وفي الختام، يمكن القول إن التوقعات الدولية تكشف عن تحسن وتيرة أداء نمو اقتصادات المنطقة، وذلك بفضل ارتفاع أسعار الطاقة، والتوسع في برامج التطعيم ضد كورونا، غير أن عدم اليقين الاقتصادي الناجم عن الجائحة لايزال أحد المخاطر الرئيسية لتهديد مسار التعافي الاقتصادي. ومن ثم على حكومات المنطقة، أن تعطي أولية في الوقت الراهن لرفع معدلات تطعيم السكان، وتعزيز الاستثمارات في الأنظمة الصحية، وتبني سياسات مالية ونقدية رشيدة تساعد في معالجة الأضرار الجانبية للجائحة، مثل ارتفاع وتيرة التضخم، وتزايد البطالة والفقر، وذلك حتى يتحقق التعافي الاقتصادي الكامل.