تحت شعار "تواصل العقول وصنع المستقبل"، يأتي انعقاد معرض إكسبو 2020 دبي ليجسد الحاجة الماسة إلى التشاور الإنساني المعمق من أجل مواجهة أهم التحديات العالمية الراهنة، وفي مقدمتها التغير المناخي، خاصة بعدما أصبح العالم في "سباق مع الزمن"، لمنع حدوث خلل مناخي لا رجعة فيه وكارثي. وقد شهدت السنوات الأخيرة معاناة كثير من الدول والمجتمعات في شتى أنحاء العالم من زيادة وطأة التغيرات المناخية (نتيجة موجات الجفاف والفيضانات والاعاصير وتسارع وتيرة الكوارث الطبيعية وشدتها واستمرار ارتفاع مستويات سطح البحر).
ويأتي ذلك وسط تحذيرات من جانب المنظمات الدولية المهمة بالمناخ، وعلى رأسها الهيئة الحكومية الدولية المعنية بـتغير المناخ "IPCC"، المدعومة من منظمة الأمم المتحدة، بضرورة خفض الانبعاثات المتسببة في ارتفاع درجة حرارة، حتى تكون هناك فرصة أمام البشر، لتحقيق الهدف من اتفاقية باريس لمواجهة التغير المناخي لعام 2015، الهادفة لإبقاء ارتفاع درجة حرارة الأرض عند 1.5 درجة مئوية، مقارنة بمستوياتها قبل الثورة الصناعية.
إكسبو كمناسبة مناخية
يتزامن إكسبو 2020 دبي، الذي وصفه البعض بأنه يعاصر أكبر تحدٍ مناخي يواجهه البشر منذ انطلاق معارض إكسبو الدولية في لندن قبل 170 عاماً، كما أنه يأتي أيضاً مع تسارع الجهود الدولية لمواجهة التغير المناخي، حيث أعلنت أكثر من 130 دولة في العالم (منها الولايات المتحدة والصين واليابان وكوريا الجنوبية والاتحاد الأوروبي) خططاً لتحقيق "الحياد الكربوني" أو "صافي انبعاثات صفر"، قبل منتصف القرن الحالي. كما يأتي المعرض كذلك قبل أيام قليلة من انعقاد الدورة السادسة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (كوب 26) والمقرر عقدها في بداية نوفمبر 2021، في مدينة جلاسكو بإسكتلندا، وهي القمة التي ينظر إليها الكثيرون في العالم، باعتبارها قمة الحسم في مواجهة التغير المناخي العالمي، فإما أن تسارع البشرية لاستنقاذ كوكب الأرض أو أن تتركه يضيع.
وطوال ستة أشهر هي عمر إكسبو 2020 دبي، ستشهد قاعات المعرض استعراض أحدث التكنولوجيات الخاصة بمشروعات الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة، كما ستشهد أيضاً إقامة حوارات جدية عن كيفية مواجهة التغيرات المناخية العالمية، وتنفيذ مقررات اتفاق باريس للمناخ، والعلاقة بين الحياد الكربوني وتحول الطاقة. ومن المنتظر أيضاً أن يجمع إكسبو 2020 دبي نحو 25 مليون شخصاً من قارات العالم، ويبسط أمامهم واقع التغير المناخي العالمي بإشكالياته كافة والحلول التكنولوجية المختلفة لمواجهته. ولهذا يبدو إكسبو 2020 دبي فرصة مثالية لخلق عالم "الحياد الكربوني"، وهو العالم المثالي لمواجهة تحدى التغير المناخي العالمي.
أسبوع "المناخ والتنوع الحيوي"
من أجل تحفيز الأفكار الجديدة ورسم خريطة طريق للوصول إلى عالم الحياد الكربوني، وضعت إدارة إكسبو 2020 دبي ضمن برامجه إقامة أسبوع "المناخ والتنوع الحيوي"، من الثالث إلى التاسع من أكتوبر 2021، بهدف توفير منصة مؤثرة لإيصال أصوات الناس إلى صانعي السياسات حول قضايا المناخ التي تؤثر بشدة على البشرية، مشيرة إلى أن الفعاليات وحلقات النقاش ضمن هذا الأسبوع، تركز على الحد من التغير المناخي، وإدارة مخاطر الكوارث، والعمل لحماية المناطق الأكثر تعرضاً للخطر مع الحفاظ على الحياة البرية.
ويعد هذا الأسبوع، الأول ضمن سلسلة أسابيع الموضوعات العشرة، ضمن برنامج الإنسان وكوكب الأرض في إكسبو، الهادف إلى إيجاد حلول لمشكلات عالمنا الأكثر إلحاحاً، والعديد من الموضوعات المهمة، مثل تعزيز الدبلوماسية البيئية، والإبداع من أجل مكافحة فقدان التنوع الحيوي، وسبل قيام البشرية بإعادة بناء علاقتها بالطبيعة، والفرص المتاحة في مجال هندسة الحلول المناخية عبر الابتكارات التقنية، فضلاً عن أهمية تعزيز دور المرأة في التصدي لتغير المناخ.
ومن ناحية أخرى، يشهد المعرض مناقشة عدة مبادرات تركز على مدينة البندقية الإيطالية، باعتبارها عاصمة عالمية للاستدامة، والتي يتم تقديمها كنموذج دولي لكيفية مكافحة آثار تغير المناخ وتعزيز عمليات التحول البيئي المبتكرة والابتكار الثقافي والاجتماعي. ويوفر المعرض أيضاً فرصة لزواره، في منطقة الاستدامة، من أجل التعرف على أكثر التقنيات تقدماً في العالم، والتي يمكنها مساعدتهم في معايشة الكيفية التي يمكن بها للبشر الاستمتاع بالعيش في انسجام مع الطبيعة في مستقبل قائم على التقنية الحديثة.
"درة التاج"
يمكن اعتبار معرض أكسبو 2020 دبي بمنزلة "درة التاج" لمسيرة نجاحات حققتها دولة الإمارات، في مجال مكافحة التغير المناخي، والاستثمار في مشاريع الطاقة النظيفة، وتعزيز أمن واستدامة وسلامة الغذاء، وتسريع الابتكار في الممارسات الزراعية المستدامة لتلبية المتطلبات الغذائية لأعداد السكان المتزايدة عالمياً مع التركيز على الحد من الآثار البيئية. وقد رسخت الدولة مكانتها كوجهة مثالية لاستضافة الفعاليات الدولية رفيعة المستوى، التي تركز على العمل المناخي والتنمية المستدامة، وذلك قبل سنوات من استضافتها إكسبو.
ويأتي "أسبوع أبوظبي للاستدامة"، على رأس تلك الفعاليات، وهو يحشد الدعم الإقليمي والعالمي للتنمية المستدامة منذ أكثر من عقد. وتستضيف الدولة كذلك الاجتماع السنوي للجمعية العامة لوكالة (آيرينا)، الذي يحدد الأجندة العالمية لنشر حلول الطاقة المتجددة والنظيفة. كما استضافت الإمارات أيضاً الاجتماعات التحضيرية لمؤتمرات الأمم المتحدة المناخية في عامي 2014 و2019، إضافةً إلى "الحوار الإقليمي للمناخ" الذي عُقد في أبريل 2021. كما أنها تقدمت أيضاً، في 23 مايو 2021، بطلب لاستضافة الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية، بشأن تغير المناخ "COP 28" في أبوظبي عام 2023.
وفي أحدث جهودها لخلق عالم "الحياد الكربوني"، دشن إكسبو 2020 دبي، في 19 مايو 2021 مشروع "الهيدروجين الأخضر"، في خطوة جديدة تؤكد بها الدولة ريادتها في مجال الطاقة النظيفة والمتجددة، وإصرارها على توفير كافة المقومات التي تعزز مكانتها نموذجاً تنموياً يقوم على تبني الأفكار المبدعة وتوظيف أحدث التقنيات وأكثرها كفاءة.
منصة لتبادل الرؤى المناخية
يرجح أن يكون معرض إكسبو 2020 دبي فرصة مثالية لبناء عالم "الحياد الكربوني"، ومن المنتظر أن يفتح المعرض الطريق واسعاً أمام أفكار الإبداع في مواجهة التحديات المناخية المختلفة، لاسيما عبر عرضه أبرز المبتكرات في مجال الاستدامة. وهذا بدوره مجال واسع، يبدأ من عند العمل على استدامة كوكب الأرض صالحاً للحياة البشرية، مروراً بمستقبل أكثر نظافة وأماناً للكوكب، وأكثر صحة للجميع، وهو هدف وثيق الصلة بالأهداف الإنمائية العالمية.
ومن هنا، يتوقع كثير من المراقبين أن يصبح معرض إكسبو 2020 دبي منصة خلاقة لتنسيق الجهود الدولية لمواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية لتغيرات المناخ، وفرصة مهمة لتبادل الأفكار بين الحكومات والأفراد والمؤسسات والشركات المختلفة، وتحويلها إلى إجراءات تنفيذية سريعة وبالتالي، سيكون معرض إكسبو 2020 دبي، على الأرجح، هو المعرض الذي يحدد المسارات الأكثر ملاءمة لاستدامة الحياة على كوكب الأرض.