تشهد الدولة الصومالية تصاعداً للأزمة السياسية الحالية، والتي تهدد بتقويض مصداقية القيادة الصومالية، فضلاً عن تهديدها الاستقرار الداخلي في الصومال، إذ تزداد المخاوف من سقوط البلاد في براثن الحروب الأهلية، على غرار ما شهدته في فترات تاريخية سابقة، نظراً للطبيعة العشائرية التي يتسم بها المجتمع الصومالي.
أبعاد الأزمة الصومالية
يمكن الإشارة إلى ثلاثة أبعاد أساسية للأزمة الصومالية، وذلك على النحو التالي:
1- صدام بين رئيسي الدولة والحكومة: احتدمت التوترات لأسابيع بين الرئيس محمد عبد الله محمد الملقب بـ"فرماجو"، ورئيس الوزراء الصومالي محمد حسين روبلي، حيث أعلن الرئيس فرماجو تعليق صلاحيات رئيس الوزراء محمد حسين روبلي لتعيين وفصل المسؤولين، وهو الأمر الذي رفضه الأخير، معللاً ذلك بعدم قانونية هذا القرار.
وشهدت هذه الأزمة تصاعد حدتها، في أعقاب الخلافات السياسية التي تفاقمت عقب اختفاء مديرة الأمن السيبراني، إكرام تهليل، ومقتلها. فقد أعلن جهاز الاستخبارات بأن مديرة الأمن السيبراني، والتي كانت مفقودة منذ 26 يونيو، تم اختطافها وقتلها من قبل حركة الشباب، والتي نفت بدورها ضلوعها في هذا الحادث.
وأثار اختفاؤها انتقادات واسعة النطاق للوكالة ورئيسها، فهد ياسين، المقرب من الرئيس الصومالي. بل وطالبت عائلة إكرام بفتح تحقيق في اختفائها ورفعت دعوى قضائية إلى مكتب المدعي العام للقوات المسلحة بتورط فهد وآخرين في اختطافها.
وكانت إكرام على وشك فضح معلومات تتعلق باختفاء بعض القوات الصومالية وعدم عودتهم من إريتريا منذ العام 2019، على الرغم من أن مقديشو زعمت حينها أنه تم إرسالهم إلى هناك للتدريب. ويبدو أن إكرام كانت تنوي نشر معلومات تؤكد أنه تم نشر هذه القوات للقتال على الخطوط الأمامية دعماً للحكومة الإثيوبية في حربها ضد التيجراي، حيث يدعم الجيش الإريتري القوات الفيدرالية الإثيوبية.
وتسببت هذه القضية في إحراج كبير للرئيس الصومالي، إذ نظم عائلات الجنود عدة تظاهرات للمطالبة بمزيد من المعلومات حول برنامج التدريب ومصير أبنائهم، خاصة أنهم لم يتلقوا منهم أي رسائل منذ مغادرتهم إلى إريتريا قبل عامين.
وفي ضوء الأحداث المتتالية، شكل روبلي لجنة، في يونيو الماضي، لدراسة مصير الجنود، كما طالب جهاز الاستخبارات بتقديم شرح كامل لاختفاء إكرام في غضون 48 ساعة، وهو ما لم يستجب له ياسين، مما دفع روبلي إلى التدخل لإقالته، وتعيين اللواء بشير محمد جامع "جوبي" مديراً مؤقتاً. كما أمر النائب العام للقوات المسلحة بفتح تحقيق في القضية.
ودخل فرماجو على خط الأزمة مدافعاً عن رئيس جهاز الاستخبارات، إذ أعلن أن إقالة روبلي لياسين غير دستورية، وأصر على بقائه في منصبه. وفي هذا السياق، جادل فرماجو بأن جهاز الاستخبارات مؤسسة عسكرية تقع ضمن اختصاصه كقائد أعلى للقوات المسلحة. ورفض روبلي هذا التفسير على أساس أن الجهاز يخضع لوزارة الأمن الداخلي، وليس القوات المسلحة، ونظراً لأن روبلي يشغل منصب رئيس مجلس الوزراء، فهو يسيطر على الاستخبارات.
وتصاعد الصراع بين الطرفين في 8 سبتمبر، عندما عيّن فارماجو ياسين فاري، رئيساً لجهاز الاستخبارات لقطع الطريق أمام روبلي من تنصيب جوبي الموالي له. وكادت أن تنتهي الأحداث بمواجهة عسكرية بين وحدات جهاز الاستخبارات الموالية لفهد وأولئك الذين يعترفون بسلطة رئيس الوزراء، ولكن تراجعت القوات التابعة للرئيس الصومالي عن هذه المواجهة في اللحظات الأخيرة.
2- أزمة تأجيل الانتخابات: لم يتمكن الصومال من إجراء الانتخابات، التي كان من المقرر عقدها في نوفمبر 2020، كما أن الموعد الثاني لإجرائها في فبراير 2021 لم يتم الالتزام به كذلك، وتسبب هذا الأمر في اندلاع مواجهات عنيفة في مقديشو بين القوات الموالية للحكومة والقوات التابعة للمعارضة.
وفي محاولة لاحتواء الأزمة، أعلن الرئيس فرماجو عن مبادرة للتهدئة من خلال تكليف رئيس الوزراء بتنظيم الانتخابات في أقرب وقت، فضلاً عن توصله لاتفاقية مع المعارضة في 27 مايو، حيث نصت هذه الاتفاقية على إجراء الانتخابات في غضون 60 يوماً. وفي 4 يونيو، أعلن رئيس الوزراء تشكيل لجنة انتخابية فيدرالية من 25 عضواً، ولكن قوبلت اللجنة بانتقادات من قبل المعارضة، خاصة أنها تضم بعض المقربين من الرئيس الصومالي، بالإضافة إلى أعضاء من مكتب القصر الرئاسي والمخابرات.
وعلى الرغم من إعلان اللجنة الجدول الزمني للانتخابات بدءاً من انتخاب مجلس الشيوخ يوم 25 يوليو، لتنتهي بانتخاب الرئيس الصومالي في 10 أكتوبر، ولكن لم يتم الالتزام بهذا المسار الزمني للانتخابات، مما ترتب عليه تأجيلها لعدم تمكن بعض المناطق من تقديم قوائم المرشحين للمشاركة في التصويت، بالإضافة لعدم تشكيل اللجان المحلية التي ستصوت. وتعكس هذه الأزمة عمق الخلافات السياسية بين الأطراف المختلفة، خاصة مع اتهام المعارضة الرئيس الصومالي بتدخله في اللجنة الانتخابية.
وتجدر الإشارة إلى أن الانتخابات في مجلس الشيوخ قد انطلقت في عدد من الولايات، حيث تم الانتهاء منها بشكل كامل في ولايتي جنوب غرب الصومال وبونتلاند. أما بالنسبة لولايتي غلمدغ وجوبالاند فقد أجريتا عملية الاقتراع بشكل جزئي، ولم تبدأ ولاية أرض الصومال "صوماليلاند"، عملية التصويت. كما تم البدء في إجرائها في ولاية هيرشبيلي. وتقرر تأجيل عملية التصويت لاختيار أعضاء مجلس النواب في الصومال إلى أواخر شهر نوفمبر في خطوة ستؤخر الانتخابات غير المباشرة لرئيس البلاد.
ومن الجدير بالذكر أن عملية انتخاب مجلسي الشيوخ والنواب تتسم بأنها عملية في غاية التعقيد، حيث تقوم برلمانات الولايات الإقليمية الخمس (غلمدغ، هيرشبيلى، جنوب غرب الصومال، جوبالاند وبونتلاند) بانتخاب أعضاء الشيوخ، بالإضافة إلى 46 عضواً ممثلين عن صوماليلاند، وأخيراً مقاعد خاصة بالعاصمة مقديشو. أما بالنسبة لمجلس النواب، فيتم انتخاب كل مقعد برلماني 101 مندوب ممثلين عن العشيرة صاحبة المقعد. وبعد أداء اليمين الدستوري من قبل نواب المجلسين، يقومون باختيار رئيس البلاد.
وجاءت هذه العملية الانتخابية المعقدة للأخذ في الاعتبار الأسس العشائرية والقبلية التي تقوم عليها الدولة الصومالية، وسعياً لاختيار رئيس للجمهورية يتمتع بالتوافق. وتم تطبيق هذا النظام الانتخابي على الرغم من رفض الرئيس الصومالي له، وتفضيله للتصويت بنظام الاقتراع المباشر بالانتخابات باستخدام قاعدة صوت واحد لكل شخص.
3- خلاف مقديشو مع رؤساء الولايات: تتعدد أبعاد الصدام بين الطرفين، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي. فمن الناحية السياسية، يرى رؤساء الأقاليم أن الحكومة الصومالية تقوم باستبعادهم من القرارات السياسية المصيرية، بالإضافة إلى الاستبعاد من عملية مراجعة الدستور، والذي أدى إلى فشل المؤتمر الوطني الخاص بمراجعة الدستور.
ومن الناحية الاقتصادية والإدارية، يتحفظ رؤساء الأقاليم على طريقة تعامل الحكومة المركزية مع ملفات الثروات، وتقاسم عائدات الثروات الطبيعية بينهما.
التداعيات المحتملة
تتمثل أبرز التداعيات المترتبة على الأزمات الثلاث السابقة في التالي:
1- تزايد عدم الاستقرار السياسي: شهدت انتخابات مجلس الشيوخ، في أواخر يوليو، ممارسات سلبية في بعض الولايات، حيث اختار رؤساء الأقاليم، الذين يتمتعون بسلطة واسعة لتسمية المرشحين، مرشحيهم المفضلين واستبعدوا المعارضين. كما حُرم العديد من أعضاء مجلس الشيوخ السابقون الذين اختلفوا مع رئيس إقليمهم من فرصة الترشح مرة أخرى.
وفي حالات أخرى، انسحب المعارضون، مما ضمن فوزاً سهلاً للمرشحين المفضلين. وما يزيد من حالة عدم الاستقرار السياسي استمرار تأجيل انتخابات مجلس النواب. فقد أعلن المجلس تأجيل تصويت أعضائه إلى أواخر نوفمبر المقبل، في خطوة ستؤخر الانتخابات غير المباشرة لرئيس الجمهورية، والذي كان يرغب في التمديد لنفسه لمدة عامين.
2- تزايد الانقسامات على أسس قبلية: تتزايد المخاوف بشأن انقسام قوات الأمن على أسس سياسية وقبلية، ودخولها في مواجهات مسلحة مع بعضها البعض، وبالتالي زعزعة استقرار الدولة، وهو مشهد تكرر في السابق في أكثر من موقف، كما حدث في أعقاب رفض بعض القيادات الأمنية قرار تمديد ولاية الرئيس فرماجو، وعقب إقالة الجنرال صادق جون، قائد شرطة بنادر بمقديشو، بالإضافة إلى الخلاف بين رئيسي الصومالي ورئيس الحكومة الصومالية بسبب إقالة رئيس جهاز الاستخبارات.
3- تصاعد النشاط الإرهابي لحركة الشباب: تستغل الجماعات المتشددة حالة الصراعات السياسية التي تجتاح البلاد، لذلك استطاعت الحركة استغلال الانقسامات السياسية من خلال استئناف عملياتها الإرهابية في العاصمة الصومالية.
وشهدت مقديشو سلسلة من التفجيرات، التي استهدفت نقاطاً أمنية وغيرها من الهجمات. وكانت آخر الهجمات التي أعلنت الحركة مسؤوليتها عنها تمثلت في انفجار سيارة مفخخة قرب نقطة تفتيش قريبة من القصر الرئاسي في مقديشو، مما أسفر عن مقتل ثمانية أشخاص في الهجوم.
كما تمثل الانتخابات فرصة مهمة لتزايد أعمال العنف التي تقوم بها الحركة، لاسيما في ظل حالة عدم الاستقرار السياسي التي تعانيها البلاد. ويُعد استهداف الناخبين أحد السلوكيات الشائعة التي تقوم بها الحركة عقب الانتخابات.
وتجدر الإشارة إلى أن حركة الشباب تسيطر على أجزاء كبيرة من جنوب ووسط الصومال، مع تركيز هجماتها على المناطق تحت سيطرة الحكومة خاصة مقديشو. ويتمثل التهديد الأكبر في ظهور جماعات مسلحة أخرى، مثل تنظيم داعش، بالإضافة إلى جماعة "صاعدون بالحق" في بونتلاند.
وفي الختام، تواجه الدولة الصومالية حلقة مفرغة من الاضطرابات السياسية، نتيجة الصراعات المتكررة بين النخب الصومالية، سواء على المستوى الوطني، أو المستوى الإقليمي. لذلك، سيتضح خلال الانتخابات المقبلة، والتي توجد شكوك بشأن إمكانية انعقادها، مدى قدرة النخب السياسية على تنحية خلافاتها في سبيل الحفاظ على الدولة الصومالية.