قام وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد بزيارة إلى روسيا في 9 سبتمبر الجاري، والتقى نظيره الروسي سيرجي لافروف. ويعد هذا اللقاء هو الأول بينهما منذ تسلم لابيد منصبه وزيراً للخارجية، حيث تم بحث عدد من القضايا ذات الاهتمام المشترك، من بينها التموضع الإيراني في سوريا، والملف النووي الإيراني والتطورات الفلسطينية، والقضايا الثنائية، غير أن التنسيق العسكري بين الجانبين في سوريا كان أهم هذه الملفات على الإطلاق.
السياق المحيط بالزيارة
يمكن الإشارة إلى أن زيارة لابيد تأتي في سياقات محددة ترتبط بالعلاقات الإسرائيلية – الروسية الراهنة، وذلك على النحو التالي:
1- زيارة سابقة غير ناجحة: تعد زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد لموسكو هي الثانية لمسؤول رسمي إسرائيلي، فقد زار رئيس مجلس الأمن القومي السابق، مائير بن شابات، مع الرئيس الجديد للمجلس، ايال حولتا، موسكو في 22 أغسطس الماضي، واجتمعا خلال الزيارة مع رئيس مجلس الأمن القومي الروسي نيكولاي بيترشوف وناقشوا خلالها الوضع في سوريا.
وكشف مسؤول روسي أنه لم يكن هناك توافق في المواقف بين الجانبين، وأرجع ذلك إلى غياب التعاون من الجانب الإسرائيلي. ولذلك، فإن زيارة لابيد كانت تسعى إلى تجاوز الخلافات بين الجانبين فيما يتعلق بالسماح لإسرائيل بتنفيذ ضربات ضد الوجود الإيراني في سوريا.
2- رفض موسكو الهجمات على سوريا: تزامنت زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي، يائير لابيد، إلى روسيا مع رفض الأخيرة إقدام إسرائيل على تنفيذ ضربات داخل سوريا. وقد وضح ذلك في كشف البيانات الروسية الرسمية عن تفاصيل الهجمات الإسرائيلية على سوريا والتأكيد على قيام الدفاعات الروسية بالتصدي لها، ومن ذلك إعلان الجيش الروسي مؤخراً تصدي الدفاعات الروسية في سوريا إلى 21 قذيفة من أصل 24 قذيفة أطلقتها الطائرات الإسرائيلية في الهجوم الإسرائيلي الذي وقع في 3 سبتمبر الجاري.
3- التمهيد لزيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي: تأتي زيارة وزير الخارجية يائير لابيد مقدمة لزيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، المقررة إلى موسكو الشهر القادم، حيث سيعقد اجتماع قمة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كما أنه يعتبر لقاء استكشافياً لمسارات العلاقات الروسية – الإسرائيلية الراهنة، ومحاولة تجاوز الخلافات حول سوريا.
أهداف إسرائيلية ملحة:
استهدف وزير الخارجية يائير لابيد من زيارته لموسكو تحقيق عدد من الأهداف، والتي يمكن توضيحها على النحو التالي:
1- حصار إيران في سوريا: سعى لابيد إلى تحقيق توافق مع موسكو حول التهديد الإيراني لإسرائيل، خاصة في سوريا، في ظل تأكيد إسرائيل أنها لن تسمح بأن يكون لإيران والجماعات المسلحة التي تدعمها وجود عسكري على حدودها، ما سيجعل حزب الله يمثل تهديداً كبيراً لأمنها، وهو ما حرص لابيد على تأكيده بأن الشرق الأوسط لن ينعم باستقرار أو أمن ما دامت إيران تواصل سياستها الداعمة للإرهاب.
2- السماح باختراق الأجواء السورية: تبدي إسرائيل قلقاً متزايداً من تزويد سوريا بنسخ محدثة من أنظمة الدفاع الروسية، خاصة منظومة بوك الصاروخية، بالإضافة إلى مدّها بالخبراء العسكريين الروس لمساعدة القوات السورية على تشغيلها لصد الهجمات الإسرائيلية.
ويؤشر موقف موسكو إلى رغبتها في تحجيم الهجمات الإسرائيلية، وبصورة مستمرة، إذ إن اعتراض هذه الصواريخ لم يتم من خلال الجيش الروسي، بل السوري، وهو ما يعني إصرار موسكو على إمداد دمشق بالإمكانيات والخبرة اللازمة لتأمين أجوائها.
ولذلك، فإن من أهداف زيارة لابيد محاولة العودة للتوافقات القديمة التي كانت سائدة زمن حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتانياهو، والتنسيق مع موسكو لتنفيذ ضربات ضد القوات الإيرانية في سوريا.
3- تطمين موسكو بعدم استهداف قواتها بالخطأ: أكد لابيد لموسكو حرص تل أبيب على منع تكرار كارثة تحطم طائرة "إيليوشين – 20" الروسية، التي أصيبت بالخطأ بصاروخ سوري خلال غارات إسرائيلية في سبتمبر 2018، وأضاف لابيد أنه: "من المهم جداً بالنسبة لنا التأكد من أن العسكريين الروس لن يتضرروا مهما جرى في سوريا. ولذلك نعمل مع الأصدقاء الروس كي لا يحدث شيء من هذا القبيل من جديد"، كما أكد لابيد في تصريحات للصحافة الروسية في 10 سبتمبر أن بلاده لن تتسامح مع وجود إيران عسكرياً في سوريا.
ويؤشر الموقف السابق إلى سعي تل أبيب إلى تأكيد أنه حتى في حالة عدم التوافق بين الجانبين على تنسيق الضربات الإسرائيلية في سوريا، فإن تل أيبب سوف تواصل هجماتها، ولكنها سوف تكون حريصة على تفادي استهداف المواقع السورية، التي تضم عسكريين روساً تفادياً لغضب موسكو.
ردود روسية محبطة
جاء رد الفعل الروسي محبطاً بالنسبة لإسرائيل، إذ لم توافق موسكو على طلب إسرائيل بالسماح لها بتنفيذ هجمات في سوريا، ويمكن تفصيل رد الفعل الروسي على النحو التالي:
1- التزام موسكو بأمن إسرائيل: تتفهم موسكو المصالح الأمنية الإسرائيلية، ورغبتها في حماية نفسها من التهديدات الإيرانية، ولذلك أكدت روسيا على لسان وزير خارجيتها، سيرجي لافروف، أن "ضمان أمن إسرائيل يشكل أولوية أساسية لموسكو في سوريا". كما أبدت روسيا تجاوباً مع المطلب الإسرائيلي بعدم سماح موسكو بتمركز قواعد إيرانية على مقربة من الحدود السورية – الإسرائيلية.
كما أكد لافروف أن روسيا لا ترضى بأن تستخدم الأراضي السورية كمنصة لتهديد أمن إسرائيل، ومع ذلك، فإنه من الواضح وجود تباين حول كيفية تنفيذ هذا الأمر، إذ تصر إسرائيل على تنفيذ ضربات مباشرة، وهو ما تعارضه موسكو، حيث أكدت على لسان لافروف أن موسكو ترفض تحول سوريا إلى ساحة لتصفية الحسابات بين الدول الثالثة، أي بين إيران وإسرائيل.
2- رفض الضربات الإسرائيلية: أعلن لافروف ولابيد التوصل إلى اتفاق لتعزيز التنسيق في مختلف الجوانب، غير أن موسكو لم توجه أي إشارات إلى تراجعها عن موقف سابق يعارض الغارات الإسرائيلية، كما يبدو أن روسيا لاتزال تصر على قبول إسرائيل "قواعد جديدة" للتحرك في سوريا تقوم على إبلاغ موسكو بالمخاطر والتهديدات التي ترصدها إسرائيل على أن يتعامل الجيش الروسي مع مصادر الخطر من دون الحاجة إلى تدخل عسكري من جانب تل أبيب.
ومن الواضح أن موسكو تبدي امتعاضاً من توسيع إسرائيل دائرة أهدافها الاستراتيجية في سوريا لتشمل مواقع للسيطرة والتحكم تابعة للجيش السوري، وهو ما يمثل إخلالاً بالتوافقات السابقة التي كانت قائمة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتانياهو، والتي كانت تقصر هذه الضربات على إيران وميليشياتها، فضلاً عن تجاهل الجانب الإسرائيلي في عدد من المرات السابقة قواعد التنسيق المسبق التي تم الاتفاق عليها، والتزم بها الجانب الإسرائيلي في السنوات السابقة.
3- تأكيد السيادة السورية: تسعى موسكو إلى نقل رسالة للحكومة الإسرائيلية بأن سوريا أصبحت بلداً ذا سيادة، وأن الهجمات الإسرائيلية المتكررة تضر بجهود الحكومة السورية الرامية إلى البدء في عملية إعادة الأعمار. وتراهن موسكو على تشجيع الدول العربية والغربية والصين على الاستثمار في سوريا. ولا شك أن الضربات الإسرائيلية المتكررة تثبط هذه الجهود.
وكان وزير الخارجية الروسي قد أكد في جلسات مغلقة مع مسؤولين أوروبيين مطلع سبتمبر على ضرورة المساهمة في إعمار سوريا والتحدث للأسد باعتباره رئيساً وأمراً واقعاً، ثم يمكن التحرك السياسي بعد ذلك، وهو ما لاتزال أوروبا ترفض التجاوب معه حتى الآن.
4- تنشيط قنوات التنسيق: أكد لافروف أن العسكريين الروس والإسرائيليين يبحثون على أساس دائم ويومي المسائل الفنية المتعلقة بتنسيق الاتصالات بين الجانبين، وهو ما يؤشر إلى استعادة الجانبين قنوات التنسيق العسكري، والتي كانت قد توقفت منذ تولي الحكومة الإسرائيلية الجديدة الحكم.
وفي الختام، يمكن التأكيد أن زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد لموسكو لم تنجح في إحداث تغيير كبير في الموقف الروسي من الضربات الإسرائيلية، والتي لاتزال تبدي اعتراضاً عليها، وإن كان من المتوقع أن تواصل إسرائيل توجيه ضربات ضد الوجود الإيراني في سوريا، مع تحاشي استهداف القوات الروسية، أو القوات السورية، وأن تقتصر على استهداف إيران وميليشياتها، حتى لا تغضب موسكو.