يبدو أن الأزمة السياسية اللبنانية تتجه إلى مزيد من التعقيد؛ إذ وجّه رئيس الجمهورية ميشال عون رسالة إلى مجلس النواب في 18 مايو الماضي، بهدف مناقشتها في الهيئة العامة للمجلس، استعرض فيها مسار عملية تشكيل الحكومة منذ تكليف سعد الحريري بتشكيلها في 22 أكتوبر 2020، لافتاً إلى أن الأخير لم يتقدم بصيغة تحظى بقبول رئاسة الجمهورية لإقرار تشكيل الحكومة الجديدة كما هو منصوص عليه دستورياً في المادة 53، ما انسحب على الاستقرار السياسي والأمان الصحي، والاجتماعي، والاقتصادي والمالي، والخدماتي العام.
وعقد مجلس النواب جلستين يومى 21 و22 مايو الماضي لاستعراض رسالة عون ومناقشتها، شهدت تراشقاً في كلمات بعض المتحدثين، خصوصاً في كلمة الحريري التي هاجم فيها الرئيس عون بشكل مباشر، حيث فنّد الرسالة من حيث مبررات طرحها، والتي تمثل أبرزها، وفقاً لرؤيته، في محاولة تبرئة عون لنفسه أمام الرأي العام الداخلي والمجتمع الدولي، لتلافي فرض عقوبات على التيار العوني، إضافة إلى اتهام عون بمحاولة فرض ضغوط عليه لتشكيل حكومة وفق رغبة التيار العوني، أو دفعه للاعتذار عن تشكيل الحكومة، وذلك في إطار محاولة انتزاع صلاحيات رئيس الحكومة.
دوافع التحرك
يستهدف التيار العوني من طرح أزمة تشكيل الحكومة على مجلس النواب زيادة الضغط على الحريري، ليضعه أمام خيارين: إما تقديم تنازلات في عملية التشكيل أو التقدم باعتذار عن تشكيلها.
ويواجه التيار العوني ضغوطاً داخلية وخارجية دفعته إلى محاولة احتوائها عبر اللجوء إلى المجلس التشريعي الذي يعد - طبقاً لاتجاهات عدة - المؤسسة الوحيدة المتماسكة في الداخل، مقارنة برئاسة الجمهورية، ومجلس الوزراء الذي لم يُشكل منذ أكتوبر 2020، بما يشير إلى محاولات زجه في هذا المعترك، وهو ما يحاول رئيسه نبيه بري تجنبه، حيث سعى منذ توجيه الرسالة حتى مناقشتها في جلسة يوم 22 مايو الجاري إلى احتواء أي آثار سلبية للتراشق الذي قد يحدث داخل أروقة المجلس، لاسيما أنه تمت إثارة وجود بُعد طائفي في أزمة تشكيل الحكومة، وبالتالي انخراط مجلس النواب في تلك الأزمة سيدفع إلى إثارة ذلك البعد، خصوصاً أن غالبية الكتل النيابية داخل المجلس تقوم على أساس طائفي (كتل مسيحية - كتلة سنية - كتلة شيعية - كتلة درزية)، الأمر الذي قد يسفر عنه الوقوف إلى جانب التيار العوني تحت مظلة قوى «8 آذار»، لإنهاء الأزمة الراهنة لمصلحة فريق عون بحجة عدم فتح المجال أمام احتقان طائفي.
تعديلات دستورية
ويبدو أن التيار العوني يمهد لفتح المجال أمام تعديلات دستورية مقبلة تقوِّض من صلاحيات أي رئيس مُكلَّف بتشكيل الحكومة، وذلك عبر منحه مهلة زمنية لإنهاء عملية التشكيل، الأمر الذي يزيد من نفوذ رئيس الجمهورية ومجلس النواب على حساب رئاسة الحكومة، وبالتالي يأتي طرح أزمة تشكيل الحكومة أمام مجلس النواب في الغالب كبداية لهذا التوجه، ويعد ذلك التوقيت هو الأمثل لهذا الطرح، خصوصاً مع احتقان الرأي العام ورغبته في تشكيل حكومة بأسرع وقت، فضلاً عن وجود أغلبية برلمانية تؤيد تلك التعديلات.
مراوحة سلبية
يمكن القول إن ما يجري بين المكونات السياسية في لبنان، ومحاولة إنهاء أزمة الفراغ الحكومي في مجلس النواب؛ ما هو إلا مناورة غير محسوبة النتائج، ولن تؤدي إلي إنهاء تشكيل الحكومة بشكل سريع، ولكنها في الوقت نفسه قد تعد بمثابة بداية لتحول سياسي جديد، وذلك من خلال دفع حركة أمل، بدعم من «حزب الله»، للضغط على الحريري، بهدف التوصل لتسوية ترضي فريق عون، وقد يكون ذلك عبر مسار جديد يقوم من خلاله الحزب والحركة بمنح بعض الحقائب التي يريدونها للفريقين المتناحرين، وما دون ذلك سيكرس الانقسام السياسي والطائفي، بل إنه قد يدفع للزج بالاحتقان الطائفي في الشارع اللبناني، والذي أثارته قيادات عديدة في مجلس النواب.
وربما يتجه الحريري، بناءً على ما حدث، إما إلى إعادة فتح قنوات اتصال مع عون للتوصل لتفاهم بشأن الصيغة الحكومية، أو التفكير جدياً في الاعتذار عن تشكيل الحكومة، خصوصاً أنه تم الاستناد إلى مواد الدستور لتأييد طرح عون في الإسهام في عملية التشكيل بشكل قاطع ليدحض، وفقاً لاتجاهات عدة، توجه الرئيس المُكلَّف بعملية التشكيل في اختيار الوزراء وفق رؤيته.
وقد بدأت ارتدادات الخلاف بين عون والحريري حول تشكيل الحكومة تنتقل إلى المشهد السياسي برمته، وهو ما انعكس في تصعيد حزب القوات اللبنانية ضد عون، والذي تمثل في تصريحات رئيسه سمير جعجع الأخيرة، والتي طالب فيها بـ«إعادة تكوين السلطة»، مشيراً إلى أهمية حشد القوى الإعلامية والشارع ضد السلطة الحالية، خصوصاً مؤيدي التيار الوطني الحر و«حزب الله»، وذلك لعدم تكرار نموذج مجلس النواب 2018.
وفي هذا السياق، لا يُستبعد أن يكون لقوى المعارضة التقليدية والجديدة دور ملموس في الفترة المقبلة للضغط على النخبة الحاكمة لإنهاء حالة الارتباك والتنافس الحالي التي أدت إلى تدهور المشهد الداخلي اللبناني.
المصدر : الامارات اليوم