لم تسفر محصلة الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى روسيا، في 27 فبراير 2019، عن تحقيق الغرض الأساسي الذي سعى إليه منها، على نحو جعل معظم التحليلات التي تناولتها على الجانبين تعتبرها مجرد أسلوب دعائي استخدمه نتنياهو في سياق حملته الانتخابية التي يحاول فيها إبراز مدى تصديه لما يمثله الوجود الإيراني في سوريا من تهديد على أمن إسرائيل. وقد بدا لافتًا أن التصريحات والتحليلات الروسية عكست مستوى مختلفًا من التباين في وجهات النظر، لا سيما حول الدور الذي يمكن أن تمارسه موسكو بشأن الوجود الإيراني في سوريا، ومساعيها للموازنة بين علاقاتها متعددة الأطراف مع الجانبين.
توتر مستمر:
حرصت روسيا على الترويج إلى أن نتائج الزيارة انحصرت في استئناف العلاقات الروسية– الإسرائيلية التي تأثرت بسبب أزمة إسقاط الطائرة الروسية "ايل 20"، في 17 سبتمبر 2018، والتي أسفرت عن مقتل 15 عسكريًا روسيًا، وهو ما يعني أن موسكو لا تبدو معنية بإقحام نفسها في التصعيد الإسرائيلي – الإيراني في سوريا، والذي قد يفرض عليها خيارات ربما لا تتوافق مع حساباتها على الأقل خلال المرحلة الحالية.
فعلى الرغم من أنها توصلت في السابق إلى ترتيبات أمنية تقضي بإبعاد القوات والميليشيات الإيرانية عن الحدود الإسرائيلية، إلا أن التطبيق العملي لتلك الترتيبات أظهر صعوبات في تقليص حدة التوتر على الجانبين، حيث استمرت إسرائيل في استهداف الوجود الإيراني في سوريا عبر قصف العديد من المواقع التي تزعم أنها مخازن عسكرية تابعة لإيران، بالتوازي مع تأكيد نتنياهو على أنها سوف تستمر في قصف المزيد منها في المستقبل.
كما عزفت موسكو، حتى الآن، عن ممارسة ضغوط على طهران لتقليص وجودها العسكري في سوريا، وهو ما انعكس في تصريحات الرئيس الروسي فيلاديمير بوتين في منتدى "فالداى" الذي عقد في 18 أكتوبر 2018، حيث قال: "نعم لدينا علاقة جادة وعميقة مع إيران وسوريا. علاوة على ذلك، خلال المناقشات والحوار مع الشركاء الإيرانيين، حلت بعض القضايا، بما في ذلك سحب أنظمة الأسلحة الهجومية من الحدود الإسرائيلية من مرتفعات الجولان"، لكن بوتين اعتبر أن الانسحاب الشامل هو قضية أخرى تقتضى حوارًا متعدد الأطراف حيث قال: "أما بالنسبة للانسحاب الكامل للقوات، فهذه قضية منفصلة، يجب حلها في الحوار بين إيران وسوريا وإيران والولايات المتحدة. ونحن مستعدون أيضًا للمشاركة في هذا الحوار".
ويتوافق هذا الطرح مع ما أعلنه لاحقًَا المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف من أن "الحديث عن صيغة ترتيبات جديدة لا يزال مبكرًا"، متسائلاً: "ما الصيغة التي سيتم التوصل إليها، وما هى الأطراف التي ستشارك فيها؟.. من المبكر جدًا التحدث حول هذا الأمر. هذه القضية ستخضع للبحث".
ومن المتصور في هذا السياق أن المقاربات الخاصة بطبيعة الأدوار اختلفت من المنظورين الإسرائيلي والروسي، حيث أن روسيا التي اهتمت من جانب بأمن إسرائيل بدت من جانب آخر حريصة في المقابل على علاقاتها مع حلفائها في سوريا، وهو ما أكد عليه صراحة سيرغي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي الذي اعتبر أن "الغارات الإسرائيلية التي تستهدف أراضي سوريا غير مشروعة ولا أساس لها، على الرغم من أن أمن إسرائيل قضية بالغة الأهمية بالنسبة لموسكو".
تداعيات محتملة:
ويبدو أن النتيجة الواقعية لصعوبة احتواء التصعيد بين إسرائيل وإيران في سوريا سوف تدفع الطرفين إلى الإصرار على مواصلة النهج الحالي، وهو ما توصلت إليه كافة التحليلات وتعكسه تصريحات المسئولين في الدولتين، حيث أشارت تقارير إعلامية روسية إلى أن إعلان نتنياهو الصريح في موسكو باستمرار استهداف الوجود الإيراني كان بمثابة رسالة مباشرة لطهران، وفي الوقت نفسه محاولة لتوسيع هامش الخيارات أمام إسرائيل التي تحاول التوصل إلى تفاهمات في هذا الشأن مع روسيا.
وقد سارعت إيران إلى الرد على التهديدات الإسرائيلية، حيث تمسكت هى الأخرى بوجودها في سوريا، واعتبرت أن زيارة نتنياهو، التي وصفها على شمخانى أمين المجلس الأعلى للأمن القومي بـ"العبثية"، لن توثر على مساراته المحتملة. ومع ذلك، فإن استمرار التفاهمات بين موسكو وتل أبيب يبدو أنه بدأ يثير قلقًا لدى طهران، على أساس أن ذلك ربما يقلص قدرتها على ممارسة دور رئيسي في صياغة الترتيبات السياسية والأمنية في سوريا خلال المرحلة القادمة، في مقابل تعزيز حضور موسكو نفسها، وهو ما لا يتوافق مع مصالحها، حتى رغم التنسيق السياسي والعسكري مع الأخيرة.
قواعد جديدة:
وبالتوازي مع استعداد الطرفين للاستمرار في المواجهة المتقطعة من آن لآخر في سوريا، فإن هناك متغيرات ميدانية سوف تفرض حضورها على المشهد القادم، لا سيما على صعيد تهديدات إسرائيل المتواصلة بالانخراط في "مواجهة كثيفة" مع إيران حسب وصف نتنياهو في مؤتمر ميونخ الذي عقد في 18 فبراير الفائت. وتبرز هذه الاستعدادات في الاستحكامات الدفاعية الجديدة التي أضيفت إلى مسرح العمليات الإسرائيلي مؤخرًا مع الإعلان عن نشر منظومة "ثاد" الأمريكية في إسرائيل، في 4 مارس الجاري، واختبارها في المناورات المشتركة التي أجريت بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل. وقد كشفت تل أبيب أن نشر هذه المنظومة يأتي في سياق الاستعداد لخوض حرب متعددة الجبهات، لا سيما في سوريا ولبنان، في إشارة إلى أنها سوف تمتد أيضًا إلى حزب الله.
أما طهران فتواصل استعراض قدراتها الصاروخية، مؤكدة على أنها لن توقفها رغم كل الضغوط الدولية التي تتعرض لها، وهو ما يعني أنها لم تعد تستبعد الانخراط في مواجهة مباشرة مع تل أبيب، رغم أنها تحاول استبعادها.
وفي النهاية، يمكن القول إن روسيا ربما لن تواصل محاولاتها إقناع كل من اسرائيل وايران باحتواء التصعيد المتبادل، في ظل إدراكها أن كل طرف يسعى إلى فرض مواقف على الطرف الآخر، وهو ما يفتح الباب أمام سيناريوهات عديدة محتملة في المستقبل، ربما يكون أبرزها اندلاع مواجهات عنيفة بين الجانبين يرى كل منهما أنها قد تحقق أهدافه وتنسجم مع خطاباته الداخلية. ومع ذلك، فإن ثمة متغيرات عديدة قد تفرض تأثيرات مباشرة على هذا المشهد برمته، مثل نتائج الانتخابات الإسرائيلية التي يمكن أن تفضي إلى واقع مختلف، والانسحاب الأمريكي من سوريا، والتصعيد بين واشنطن وطهران حول الاتفاق النووي.