شغلت قضية أشرف مروان الإسرائيليين، كما حازت اهتمام العرب والمصريين، خاصة مع صدور كتاب "الملاك" لمؤلفه "يوري بار جوزيف"، وذلك في ظل حالة الجدل حول "أشرف مروان"، حيث يرى رئيس جهاز الموساد الأسبق "تسفي زامير" أنه كان مخلصًا لإسرائيل، ونقل إليها معلومات خطيرة مثل موعد حرب أكتوبر ١٩٧٣.
وعلى العكس من ذلك، ما يزال اللواء "إيلي زعيرا" (رئيس المخابرات الإسرائيلية الأسبق) يرى أن مروان كان عميلًا مزدوجًا أدارته مصر باقتدار، وضلل إسرائيل، وتسبب في هزيمتها في حرب أكتوبر، وحتى بعد أن وصل النزاع بين الرجلين إلى المحاكم الإسرائيلية عام ٢٠٠٥ على خلفية اتهام زامير لزعيرا بأنه سرب معلومات منذ عام ١٩٩٣ عن مروان أدت في النهاية إلى كشف هويته للصحف والباحثين الأكاديميين، وانتهت القضية عام ٢٠١٢ بإغلاقها دون توجيه اتهام رسمي لزعيرا.
في هذا السياق، يأتي كتاب "الملاك" ليعيد فتح القضية من جديد، متحيزًا بوضوح لوجهة نظر الموساد، من خلال ادعائه أن مروان كان عميلًا للموساد، ولم يكن عميلًا مزدوجًا، وأن فرضية انتحار مروان غير صحيحة، وأن كل الشواهد تُشير إلى أن المخابرات المصرية هي التي قتلته، على حد زعمه.
حرب الروايات المتعارضة:
يُعد "بار جوزيف" أحد الأكاديميين الإسرائيليين المعروفين، وهو أستاذ للعلاقات الدولية بجامعة حيفا، وله دراسات عديدة عن الصراع العربي-الإسرائيلي، وعن عالم الاستخبارات.
هذه الصفات تجعل الكتاب الذي بين أيدينا غريبًا ويثير الشكوك والتساؤلات، فقد كُتب بمنهج أقرب للرواية الصحفية بمصادر ضعيفة، مثل: الصحف، والمجلات، واللقاءات الشخصية، مع أفراد ذوي صلة بالقضية، لإكساب روايته مصداقية أكبر. كما ادعى "بار جوزيف" أنه اطّلع على أربعة مجلدات ضخمة عن مروان يحتفظ بها الموساد في أرشيفه الخاص.
ولكن الكيفية التي ناقش بها الكاتب فرضياته التي بنى عليها الاستنتاجات السابقة، احتوت على قدر هائل من التضارب في المعلومات وفِي التقييمات والقراءات التي أوصلته إلى قناعاته المشار إليها، بما لا يتناسب مع كونه أكاديميًّا مرموقًا في إسرائيل، بل إنه لم ينتبه للصورة السيئة التي قدمها للموساد، حيث يتضح من خلال الكتاب مخالفة رجال الموساد المسئولين عن "أشرف مروان" لمجموعة من القواعد الأساسية التي لا يمكن لأي جهاز استخبارات محترف أن يخالفها، ومن خلال مناقشتنا لفرضيات الكتاب سننوه إلى هذه المخالفات.
إنكار فرضية العميل المزدوج:
بدأ المؤلف كتابه بإنكار القصة القديمة التي تسربت للباحث "أهرون بيرجمان" (باحث بريطاني - إسرائيلي) من خلال لقاءاته مع اللواء "إيلي زعيرا" في منتصف التسعينيات، وتدعي هذه الرواية أن "أشرف مروان" ذهب بنفسه إلى السفارة الإسرائيلية في أواخر عام ١٩٦٨ عارضًا خدماته عليهم. حيث أدرك "بار جوزيف" أن هذه الرواية المليئة بالثقوب لا يمكن تصديقها؛ إذ كيف يذهب شخص معروف مثل مروان، يعمل في السفارة المصرية بلندن في ذلك الوقت، إلى سفارة أكبر بلد عدو لبلاده بدون خطة للتخفي والخداع، في الوقت الذي يعلم فيه أن السفارة الإسرائيلية بلندن لا بد وأن تكون تحت المراقبة من أكثر من جهة، ومنها الاستخبارات المصرية نفسها، والاستخبارات البريطانية، واستخبارات الدول الكبرى.
لذلك عمد "بار جوزيف" لتعديل الرواية بالادعاء بأن مروان لم يذهب إلى السفارة الإسرائيلية، بل أجرى اتصالًا بها في بداية عام 1970، ثم اتصالًا آخر بعدها بخمسة أشهر، وفِي المرتين رد عليه الملحق العسكري الإسرائيلي (تغير هذا الملحق بعد الاتصال الأول وحلّ محله شخص آخر)، وكلا الملحقين لم تظهر لهما أهمية مروان لأنهما لم يكونا يعرفان بحقيقة كونه زوجًا لابنة عبدالناصر، ولولا الصدفة -على حد زعم المؤلف- التي أوجدت مسئولين للموساد في أواخر عام ١٩٧٠، وسماعهما قصة المصري الذي يطلب التعاون مع الموساد، لضاعت هذه الفرصة على إسرائيل.
وفي يناير 1971، اتصل المسئولان الإسرائيليان برقم تركه مروان للملحق العسكري الإسرائيلي، وتم تحديد لقاء معه في أحد الفنادق، وأتى مروان إلى الموعد، وتعرف مسئول الموساد "دوبي" على مروان من خلال صورة كانت منشورة له في إحدى الصحف المصرية القديمة، وفي هذا اللقاء سلم مروان لرجلي الموساد معلومات عن الجيش المصري يُفترض أنها على أعلى درجة من السرية، وقد تأكد رجل الموساد الثاني المرافق لدوبي من صحة هذه الوثائق، وطلب من مروان أن يمده في اللقاء الثاني بإجابات على أسئلة محددة، خاصة حول الخطط العسكرية لمصر، ونوعية الأسلحة التي بحوزة الجيش المصري، ونوايا الرئيس السادات نحو الحرب أو الاستمرار في التهديد بها فقط.
وقام مروان في أبريل 1971 بتسليم وثائق جديدة بها المعلومات المطلوبة من الموساد، وبعدها تم اعتماده ليكون عميلًا لإسرائيل. ولا يمكن قبول هذه الرواية التي تحتوي على عدة مغالطات منطقية لسهولة كشف مروان، سواء خلال زيارته للسفارة الإسرائيلية، أو خلال اللقاء الذي تم في أحد الفنادق، فقد كان من المحتمل أن يكون مراقبًا من عدة جهات ستتساءل حينها عن أسباب وتداعيات هذه اللقاءات.
كما أن رجلي الموساد اللذين تواجدا في لندن قد خرقا قاعدة عدم القبول بمثل هذه العروض التي تأتي من متطوعين، بسبب أنها تحمل مخاطرة بالتعامل مع عميل مزدوج يقوم جهاز استخبارات معادٍ بتشغيله، وتم التخلي عن قاعدة أخرى أيضًا وهي عدم التعامل مع أية طلبات إلا بعد التشاور مع القيادات، وهو ما لم يحدث بشهادة المؤلف، حيث التقى رجلا الموساد بأشرف مروان دون الرجوع لقيادات الموساد.
وحسب رواية المؤلف فإن الفترة الزمنية بين لقاء رجلي الموساد بمروان وبين القبول بخدماته لم تتخطَّ سبعة أشهر، فخلال هذه الفترة القصيرة تم التأكد من أن مروان ليس عميلًا مزدوجًا دسته المخابرات المصرية على الموساد، وتم حسم القضية برفض هذا الاحتمال والتعامل مع مروان كعميل لإسرائيل، بدعوى أن معلومات مروان غير مسبوقة وتم التأكد من موثوقيتها بمقارنتها بمعلومات واردة من مصادر أخرى.
وسنلاحظ هنا التناقض بين ادعاء تميز ما يقدمه مروان من معلومات وبين الزعم بالتأكد من صحتها من مصادر أخرى؛ إذ لا يمكن أن تكون المعلومات فريدة من نوعها ويتم مقارنتها والتأكد من صحتها من مصادر أخرى في الوقت نفسه.
ويُشير الكتاب إلى أن مروان رفض بإصرار حتى عام ١٩٩٧ أن يلتقي بأي شخص من الموساد غير دوبي، وتحت الإلحاح التقى مرة واحدة بعد تجنيده بعميل للمخابرات العسكرية الإسرائيلية، بل إن مروان هو من كان يحدد الوقت الذي سيلتقي بدوبي فيه، وخلال كل هذه السنوات لم يقم الموساد بتسجيل لقاءات مروان بدوبي، وعندما حاول الموساد في عام 1997 الادعاء بأنه يملك تسجيلات له، وحاول تهديده بها، قرر مروان قطع العلاقات معهم بشكل نهائي.
وهذه الادعاءات من جانب المؤلف لا تشير في الواقع إلى عميل يتم السيطرة عليه والتحكم فيه من الموساد، بل لرجل خارق القدرات، هو الذي يفعل العكس ويحدد للجهاز الذي يعمل معه متى يلتقي برجاله، ويهدده بالامتناع عن التعاون معه إذا ما حاول الموساد تغيير من يقوم بتشغيله، وعندما يحاول الموساد تهديده بوجود تسجيل للقاءاته معهم، لا يأبه "العميل المزعوم" بل يقرر وقف الاتصالات من جانبه بلا خوف من فضح أمره.
إن وصف "بار جوزيف" لنوع العلاقة بين مروان والموساد يدفع للتساؤل: من منهم كان يقوم بتشغيل الآخر؟ ومن منهم كانت له اليد العليا في بدء العلاقة وإنهائها؟ وأيضًا كيف خالف الموساد للمرة الثانية قاعدة استخباراتية كلاسيكية أخرى تقول: "لا تجنيد بدون وسائل سيطرة مضمونة".
الأهم من ذلك أن "بار جوزيف" يعترف بأن مروان أبلغ إسرائيل من قبل بثلاثة مواعيد لنشوب حرب أكتوبر منذ عام ١٩٧٢، اتضح عدم صحتها، بل إنه عندما طلب اللقاء برجال الموساد في مساء ٤ أكتوبر ١٩٧٣ (قبل الحرب بيومين) استخدم في مكالمته كلمة من الشفرة المتفق عليها معه، تشير إلى أن هناك حديثًا عامًّا عن حرب يمكن أن تنشب، ولم يستخدم التعبير الذي يشير إلى أن الحرب على وشك الوقوع، ويفسر المؤلف خطأ مروان في استخدام الشفرة، بأنه غير مقصود، وأنه ناتج عن شعوره بالخوف والاضطراب، وقد ذهب "زامير" إلى لندن لمعرفة ماذا يعني قول مروان إن هناك حديثًا عن الحرب عامة دون تحديد موعد لها، فأخبره بأن الحرب ستنشب يوم السادس من أكتوبر في السادسة مساء وهو ما اتضح أنه معلومة خاطئة، وأن مروان بناها على توقعات بعد قيام الروس بترحيل عائلات خبرائهم من القاهرة في مساء الرابع من أكتوبر.
معنى هذه الرواية أن مروان لم يعرف موعد الحرب من الرئيس السادات، كما تحوم الشكوك حول تعمده ارتكاب خطأين، الأول هو استخدام تعبيرات غير دقيقة من الشفرة التي زوده بها الموساد بحيث لم تعرف إسرائيل أن الحرب وشيكة، والثاني عندما حدد اليوم ولكنه أعطى موعدًا خاطئًا لبدء الهجوم في نفس اليوم.
رفض فرضية انتحار مروان:
رفض "بار جوزيف" كذلك فرضية انتحار مروان، بقوله إنه لا يوجد في التاريخ العائلي لمروان حالات انتحار، وإن مروان لم يمر بفترة اكتئاب قبل وفاته، وقد استخدم لإثبات صحة زعمه قشور علم النفس، وجزم بأن شرط القبول بفرضية انتحار مروان يتطلب أن يكون لدى عائلته تاريخ لحالات مماثلة، أو تعرضه لصدمة في علاقات العمل، أو علاقاته العائلية، أو صداقاته، على الرغم من أنه قد تقع حالات انتحار لأشخاص لا يمرون بهذه الخبرات قبل إقدامهم على قتل أنفسهم.
ويؤكد الكثيرون من الذين كانوا بالقرب من مروان قبل وفاته ومنهم زوجته، أنه كان يشعر بالخوف والاكتئاب، ويردد أن حياته في خطر، وأن الموساد قد قرر قتله بعد تأكده من أنه خدعهم، وهو وضعٌ قد يدفع شخصًا مثل مروان مصابًا بالسرطان وتبدو فرص شفائه ضعيفة، مع استمرار تسريب الصحف الإسرائيلية معلومات عن حياته الشخصية، للاكتئاب وربما الخلاص من حياته هربًا من كل هذه الضغوط.
والأغرب أن "بار جوزيف" يدعي أن الموساد كان يحاول حماية مروان منذ عام ١٩٩٧ في الوقت الذي كانت الصحف الإسرائيلية تنشر معلومات قادت في النهاية لكشف هويته علنًا عام ٢٠٠٢، فكيف تتسق رواية محاولة حمايته مع السماح بالكشف التدريجي عن هويته، رغم أنه من المعروف أن هناك جهازًا للرقابة العسكرية على المطبوعات في إسرائيل "تصانزوراه"، لا يسمح بنشر أي معلومات تتناول قضايا عسكرية أو أمنية بدون موافقة صريحة منه؟.
من قتل أشرف مروان؟
على الرغم من ضعف منطق "بار جوزيف" في تنحيته فرضية الانتحار؛ حيث يرفض المؤلف احتمال أن يكون هناك شركاء لمروان في البيزنس (خاصة تجارة السلاح التي يقول المؤلف إن مروان لم يعد يمارسها منذ سنوات) قد قاموا بقتله بسبب خلافات مالية، وعلى وجه السرعة يقول إنه لم يكن مع عداء مع أي منافسين، ومن ثم لا يُبقي سوى احتمالين: إما الموساد، أو المخابرات المصرية.
ويستبعد أن يكون الموساد هو الفاعل بقوله، على العكس كان الموساد في الواقع يحاول حمايته، على الرغم من مخالفة الموساد للقاعدة الذهبية في عالم الاستخبارات التي تقول: لا تكشف عملاءك السابقين مهما كانت الأسباب، لأن ذلك قد يُضعف فرص جهازك في تجنيد عملاء آخرين من نفس المستوى مستقبلًا.
ولذا كيف نتصور أن الموساد الذي كان يسمح بتسريب معلومات على مدى ما يقرب من عشرة أعوام حتى تم الكشف عن هوية مروان للعلن، لم يدرك أنه يُعرِّض عميله وعائلته لمخاطر جمة؟ وكيف يبني على الادعاء الضعيف بأن الموساد كان يحاول حماية مروان، نتيجةً أكثر ضعفًا وهي أن الموساد لا يمكن أن يكون قد تورط في قتله؟.
ويمتد العبث إلى نهايته بالقول إن المخابرات المصرية هي الوحيدة التي يمكن أن تكون قد ارتكبت هذه الجريمة، بسبب تشابه الحادثة مع قضيتي سعاد حسني والليثي ناصف. ويستخدم الكتاب أسلوب تغيير الحقائق للوصول إلى هدفه بإدانة المخابرات المصرية، فيقول إنها قامت بتصفيته بعد أن أيقنت منذ إدانة محكمة تل أبيب عام ٢٠٠٧ وقبل مصرع مروان بثلاثة أسابيع "إيلي زعيرا" بسبب كشفه هوية مروان، وهو ما كان يعني إغلاق الملف نهائيًّا، على اعتبار أن إدانة زعيرا في هذه القضية كانت اعترافًا صريحًا من إسرائيل بأن مروان كان عميلًا لها.
ولكن "بار جوزيف" لا يتنبه للحقائق التالية:
١- أن حادثتي موت الليثي ناصف عام ١٩٧٣، وسعاد حسني عام ٢٠٠١، لم تسجلهما سلطات التحقيق البريطانية على أنهما حادثتا قتل، بل رجحت في الأولى أن يكون دوارًا مفاجئًا بسبب المرض قد تسبب في سقوط ومصرع ناصف، فيما رجَّحت أن يكون موت سعاد حسني انتحارًا؟ فكيف له وهو باحث يُفترض أنه مرموق أن يحسم هاتين العمليتين على نحو لا تؤيده التحقيقات الرسمية؟!
٢- لا يُمكن الاستدلال من خلال حكم محكمة ارتأى أن "إيلي زعيرا" هو المسئول عن كشف هوية مروان للعلن، بأن هذا الحكم يعني أن مروان بالفعل كان عميلًا خالصًا لإسرائيل، فحكم المحكمة لم يتناول أساسًا هذا الجانب من القضية، كما أنه ليس من شأن القضاء حسم قضية تتعلق بعمل أجهزة الاستخبارات، وعادةً ما يتم التحقيق في هذه القضايا في لجان خاصة بعيدًا عن سلطات القضاء.
٣- تجاهل الكتاب حقيقة أن الموساد في عهد رئيسه الأسبق "مائير داجان" قد أمر في عام ٢٠١٢ بإغلاق التحقيق في قضية كشف هوية مروان، دون توجيه أية اتهامات لزعيرا، أي أن "بار جوزيف" لم يكتفِ بتجاهل هذه المعلومة، بل ادعى أن أمر مروان قد حسم في إسرائيل عام ٢٠٠٧.
٤- حتى لو افترضنا أن مصرع ثلاث شخصيات مصرية في لندن أمر يثير الشكوك، وبالتحديد في أن تكون المخابرات المصرية هي الفاعل بالضرورة؛ فلا يُمكن أن نستبعد أيضًا احتمال أن جهة ما أرادت التخلص من مروان، وهذه الجهة كانت على علم بالشائعات التي رجحت أن حادثتين سابقتين قد وقعتا، وأن المصريين كانوا وراءهما، واستغلت ذلك في تدبير حادث قتل مروان بالأسلوب نفسه، لتضليل جهات التحقيق البريطانية من جهة، وتأكيد عمالة مروان لإسرائيل وانتقام المخابرات المصرية منه بعد أن تيقنت من خيانته من جهة أخرى، وقد تكون هذه الجهة هي الموساد.
٥- بشكل عام نجد أن "بار جوزيف" قد بنى أطروحته بطريقة معكوسة جعلت منهجه يقترب مما يسميه البعض بـ"التفكير بالتمني" (Wishful Thinking)، فقد تمنى -ربما لعلاقته بالموساد- أن يساعد الجهاز على استعادة سمعته كجهاز استخبارات أسطوري بعد أن تضرر كثيرًا بسبب الشك في أن مروان كان عميلًا مزدوجًا، وبسبب إخفاقات مماثلة وقعت لاحقًا، ولهذا بدأ بهذه النتيجة التي كان يريد أن يتوصل إليها، وهي: أن مروان كان جاسوسًا مخلصًا للموساد، ليحاول بعدها سد ثغرة الرواية القديمة، ثم استخدم بعد ذلك معلومات متضاربة وتقييمات متعسفة لنفي فرضية العمالة المزدوجة، لينتهي بتقديم رواية قتل مروان على يد المخابرات المصرية، والتي أثبتنا أنها لا تنهض على أية أدلة مقنعة، ولا يليق بأكاديمي مرموق أن يتبناها.
ختامًا، لا يُشكِّل كتاب "الملاك" أطروحة متماسكة لرواية عمالة مروان للموساد، بل الأرجح أنه كان عميلًا مزدوجًا، ولا يمكن اعتبار الكتاب رواية إسرائيلية رسمية، رغم أن بعض المعلومات الواردة فيه بدون إشارة إلى مصدرها، والتي ربما يكون مصدرها الأرشيف السري للموساد الذي اطلع عليه مؤلف الكتاب، غير أنها مجرد رواية ضمن روايات قدمها باحثون وصحفيون عن نفس القضية.
وتشير الخبرات المماثلة إلى استحالة إغلاق ملفات هذه القضايا بشكل نهائي؛ إذ تظل محاولات الصحفيين والباحثين قائمة لسنوات طويلة بحثًا عن روايات أكثر تماسكًا وإقناعًا لتقديمها للمهتمين بمتابعة مثل هذه القضايا، ربما تحت حجة ظهور ثغرات في المحاولات الأسبق، أو ربما بسبب الإفراج عن معلومات جديدة قد تُغيِّر من مسار التحقيقات التي كانت قد تناولتها.
ويبقى من الضروري أخذ هذه الكتب وما يرد فيها من معلومات وتحليلات بشكل حذر؛ إذ يمكن أن تُستخدم كإحدى وسائل الحروب النفسية التي تشنها الدول المتصارعة أو المتنافسة ضد بعضها على الدوام.