استحوذت قضية المناخ على قمتين مهمتين، الأولى قمة الدول السبع المتقدمة والثانية قمة العشرين، إضافة إلى القمم الثنائية، كتلك التي عقدت الأسبوع الماضي بين الرئيسين الأميركي والفرنسي، وتأتي كل هذه الأهمية بعد أن تنصلت إدارة ترامب الأميركية الجديدة من تعهدات إدارة أوباما السابقة بشأن التزاماتها باتفاقية المناخ التي ترمي إلى اتخاذ العديد من الإجراءات، وبالأخص الحد من انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون للحد من ارتفاع حرارة الأرض.
ولكن لماذا كل هذه الأهمية لقضية المناخ في ظل أجواء عالمية متوترة وخطيرة؟ يكمن السبب في كون هذه القضية ليست بيئية صرفة، وإلا لما كانت هناك خلافات حولها، إذ إنه ستترتب عليها عواقب اقتصادية شديدة التأثير على مختلف بلدان العالم، وبالأخص البلدان المنتجة للنفط، مما حدا بالرئيس الأميركي إلى القول في قمة السبعة الكبار «إن ذلك يرتبط بالمصالح القومية الأميركية بصورة مباشرة».
واتفاقية باريس للمناخ، تنص من بين أمور أخرى على الحد من الاعتماد على الوقود الأحفوري، وزيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة والنظيفة، وهو توجه صحيح ومطلوب، ولكنه يتطلب استثمارات هائلة ليس بمقدور الكثير من البلدان توفيرها أو تحمل تكاليفها، أما فيما يتعلق بالولايات المتحدة، فتسعى إلى الاستفادة من ثرواتها النفطية، خصوصاً النفط والغاز الصخريين، حيث تحولت واشنطن إلى مصدر رئيس للغاز الطبيعي في العالم.
وإذا كان ذلك سيترك تأثيرات كبيرة على أكبر اقتصاد عالمي ومتنوع، فإن تأثيراته ستكون أشد على اقتصادات البلدان النامية المنتجة للنفط والغاز، ففي الحالتين ستكون هناك انعكاسات لا بد من التحسب لها والتعامل مع تداعياتها، سواء تم التوصل إلى اتفاق بشأنها بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أم لا.
ولنأخذ الاحتمالين بصورة تحليلية مختصرة، فإذا ما تم التوصل إلى اتفاق، فإن ذلك سيحد من إنتاج النفط الأميركي بسبب القيود التي ستفرض على عمليات التطوير والإنتاج، مما سيقلص من المعروض في الأسواق النفطية وربما يؤدي إلى استقرار أسعار النفط عند مستويات جيدة، إلا أنه من جانب آخر سيؤدي إلى زيادة الجهود الأميركية وانضمامها إلى الأوروبية لتطوير مصادر الطاقة البديلة، وهو ما سيؤدي بدوره إلى تقليل الاعتماد على النفط وانخفاض الطلب وتأثر الأسعار وميلها نحو الانخفاض، مما سيزيد من الضغوط المالية على البلدان المنتجة، على اعتبار أن هناك إنتاجاً للغاز المصاحب لعملية إنتاج النفط.
الاحتمال الآخر والخاص بعدم الاتفاق، أي عدم انضمام الولايات المتحدة، فإن ذلك سيؤدي إلى زيادة كبيرة في إنتاج النفط والغاز، حيث هناك العديد من المناطق الواعدة والاحتياطيات الضخمة، إضافة إلى توافر الاستثمارات اللازمة لعملية التطوير بفضل القدرات المالية للقطاعين العام والخاص الأميركيين.
سيؤدي ذلك إلى اختلال كبير بين العرض والطلب في الأسواق الدولية للنفط، وسيساهم في زيادة المعروض والتأثير على الأسعار التي ستواجه ضغوطاً كبيرة ستساهم دون شك في انخفاضها إلى مستويات متدنية جديدة، علماً بأن ذلك سيشكل دعماً مهماً للاقتصاد الأميركي، إذ من هنا جاء قول الرئيس ترامب بأن قضية المناخ ترتبط بالمصالح القومية للولايات المتحدة.
والتعامل مع هذه التطورات المرتقبة بشقيها ليس مسألة سهلة، إلا أنه لا بد من الاستعداد للتعامل مع تداعياتها والصعوبات التي من المتوقع أن تنجم عنها على اعتبار أن معظم دول المنطقة قد وقعت على اتفاقية باريس للمناخ، إذ ربما يتطلب الأمر العمل باتجاهين متزامنين، الأول تقليل الاعتماد على العائدات النفطية، كمصدر رئيس للدخل ولتمويل الموازنات العامة، وهو ما يتم العمل به حالياً ولو بصورة متفاوتة السرعة بين دولة نفطية وأخرى، إلا أنه مطلوب بصورة ملحة في الوقت الحاضر. والاتجاه الآخر يكمن في تسريع تطوير مصادر الطاقة البديلة، إذ إن هذا الأمر يتم بالفعل الآن، إلا أنه متفاوت السرعة أيضاً بين هذه الدول.
ولذلك تكتسب اتفاقية باريس للمناخ كل هذه الأهمية لبلدان العالم كافة، حيث تستميت بلدان الاتحاد الأوروبي للدفع باتجاه تطبيق بنودها لأنها الأكثر استفادة من تداعياتها الاقتصادية، إذ ستمنحها استقلالية أكبر في مجال الطاقة، مما سيعزز من مكانتها الاقتصادية الدولية.
*نقلا عن صحيفة الاتحاد