أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

نهاية النموذج:

مشكلات شركات النفط العالمية.. هل من حلول؟

18 أغسطس، 2016


إعداد: د/ إسراء أحمد إسماعيل

أضحى مستقبل شركات النفط العالمية الكبرى (IOCs) محل تساؤلات، في ظل عدم ملاءمة نموذج الأعمال التقليدي الذي ساد خلال القرن العشرين. إذ تواجه هذه الشركات تراجعاً تحاول إدارته والتحكم فيه من خلال تقليص حجمها، لأن البديل الآخر سيكون المخاطرة بالانهيار السريع إذا استمرت في العمل وفقاً لهذا النموذج القديم.

وقد ركزت معظم التحليلات الخاصة بمشاكل شركات النفط العالمية على الانخفاض الأخير في أسعار النفط، ومدى الالتزام العالمي بمعالجة التغيرات المناخية. وعلى الرغم من أهمية هذه القضايا، فإن هذه المشاكل لا تقتصر على التطورات الأخيرة فحسب، بل تتعلق أيضاً بضرورة تطوير الثقافة المؤسسية لشركات النفط العالمية.

وفي ضوء ذلك، أصدر المعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس) دراسة تحت عنوان: "شركات النفط العالمية: نهاية نموذج الأعمال القديم"، أعده "بول ستيفنز" Paul Stevens، زميل بارز في قسم الطاقة والبيئة والموارد بمعهد تشاتام هاوس، تناول خلالها توضيح النموذج القديم للأعمال الذي تعتمد عليه شركات النفط العالمية، وأسباب فشله، وأبرز الحلول الممكنة لمواجهة التحديات الراهنة.

تطور شركات النفط العالمية

خلال السبعين عاماً الأولى من القرن العشرين، هيمنت شركات النفط العالمية الموجودة خارج أمريكا الشمالية والدول الشيوعية على صناعة النفط العالمية، وكانت هذه هي الحال في كل من القطاعات الرئيسية للصناعة: المنبع (إنتاج النفط الخام)، والمصب (تكرير وتسويق المنتجات النفطية)، ونقل النفط.

وقد ضمت شركات النفط العالمية التي هيمنت على صناعة النفط حتى سبعينيات القرن الماضي، كلاً من: إكسون، وموبيل، وشيفرون، ونفط الخليج، وتكساكو، والبترول البريطانية (BP)، وشل (شركة بريطانية هولندية)، وبعد الحرب العالمية الثانية، انضمت الشركة الفرنسية Pétroles والتي تعرف الآن باسم "توتال" إلى هذه الشركات الكبرى.

بعد عام 1970، تراجعت الهيمنة تدريجياً من خلال الدور المتزايد لشركات النفط الوطنية (NOCs) التي أسستها البلدان الرئيسية المُصدرة للنفط، والتي تولت زمام السيطرة على احتياطيات النفط والغاز الخاصة بها. وابتداءً من التسعينيات، قامت شركات النفط العالمية بتطوير نموذج أعمال أكثر تعقيداً، يعتمد على ثلاثة أركان، وهي: تعظيم قيمة حقوق المساهمين، وإيجاد المزيد من الاحتياطيات النفطية، وتخفيض التكاليف.

وعلى الرغم من ذلك، ترى الدراسة أن هذا النموذج للأعمال أصبح غير فعَّال على نحو متزايد في السنوات الـ 15 الماضية، حيث يقوم على افتراضات تفتقر للصحة. وقد انعكس ذلك في الأداء الضعيف عموماً لأسهم شركات النفط العالمية في أسواق الأوراق المالية العالمية خلال هذه الفترة، وفي الأداء المالي من حيث الأرباح والعائد على رأس المال. ونتيجة لذلك، أصبحت التوقعات طويلة الأجل أكثر غموضاً.

نموذج الأعمال لشركات النفط العالمية

استند نموذج الأعمال لشركات النفط العالمية، الذي ظهر في أوائل التسعينيات، إلى تعظيم قيمة حقوق المساهمين، والاستراتيجيات التي تم اتباعها لتحقيق ذلك اعتمدت على زيادة احتياطيات النفط، ومحاولة خفض التكاليف، حيث ازداد تطبيق استراتيجية "الإدارة المستندة إلى القيمة" والتي تعني تحديد حد أقصى للقيمة لحامل الأسهم، ويمكن أن يتم ذلك إما عن طريق البحث والتنقيب عن آبار نفطية جديدة، يتم استخراجها باستخدام التقنيات التكنولوجية المتقدمة، وبيع النفط بالأسعار الجارية، أو من خلال شراء شركات أخرى تمتلك احتياطيات نفطية مؤكدة.

ومن أبرز المؤشرات الدالة على فشل هذا النموذج، من وجهة نظر الكاتب، هو فشل شركات النفط العالمية في زيادة نسب احتياطاتها، على الرغم من أن ذلك يعد هدفاً رئيسياً في إطار النموذج. فعلى سبيل المثال، وصلت الإضافات في حجم احتياطي النفط في عام 2014 إلى أدنى مستوياتها منذ عام 2010، بالإضافة إلى تراجع أداء شركات النفط العالمية في أسواق الأوراق المالية، وتراجع أرباح منتجي النفط في عام 2014، حيث وصلت عوائد المساهمين في شركات الطاقة لأدنى مستوى لها منذ عام 2007.

أسباب فشل نموذج الأعمال القديم

يعدد الكاتب أسباب فشل نموذج الأعمال القديم لشركات النفط العالمية في الآتي:

1- "صناعة التوافق": أحد مصادر الصعوبات التي واجهت شركات النفط العالمية، كان ميلها القوي للتوافق في الآراء، بمعنى اتباع استراتيجيات متماثلة، واتخاذ قرارات متشابهة. ويمكن تفسير ذلك بأن صانعي القرار في شركات النفط يستندون إلى معلومات متماثلة، وبالتالي يميلون إلى الانخراط في سلوكيات إدارية واتخاذ قرارات متشابهة. وما يعزز ذلك اتجاه شركات النفط إلى الاستعانة بالاستشاريين أنفسهم، إلى جانب وجود توجه عام بتجنب التخطيط المستقبلي خارج إطار التوافق العام لصناعة النفط.

2- الاعتماد على نموذج تقييم الأصول الرأسمالية CAPM: أصبحت استراتيجية "الإدارة المستندة إلى القيمة"، والتي تعتمد على نموذج تقييم الأصول الرأسمالية CAPM، هي السائدة في عملية صنع القرار في شركات النفط العالمية. والمشكلة أن نموذج CAPM يقلل من قيمة المخاطر بشكل صارخ. وعلى الرغم من تصاعد وجهات النظر التي ترى أنه وسيلة غير مناسبة لتقييم المخاطر، فإن شركات النفط العالمية اعتمدت عليه. وأبرز مثال على ذلك، رغبة شركات النفط العالمية في حفر مزيد من الآبار في المناطق الحدودية، بصرف النظر عن العواقب إذا ساءت الأمور واندلعت الصراعات في هذه المناطق، وبعيداً عن ارتفاع تكاليف هذه الآبار.

3- ضعف المميزات والقدرات الفنية والإدارية: على مدار السنوات الـ 25 الماضية، فقدت شركات النفط العالمية ميزتها من حيث التكنولوجيا والإدارة، وذلك بسبب تحجيم قدرات البحث والتطوير. ومع مرور الوقت، بدأت قدراتها لتطوير التكنولوجيا تتلاشي، وفي المقابل اكتسبت الشركات الخدمية، خاصةً في الدول المنتجة للنفط، هذه الميزات التكنولوجية، ولم تعد الحكومات في الدول المنتجة للنفط مُضطرة للاعتماد على شركات النفط العالمية بسبب تقنياتها التكنولوجية، حيث أصبح بإمكانهم جلب شركات الخدمات ببساطة.

4- شروط مالية تصاعدية للدول المنتجة للنفط: خلال فترة التسعينيات ومع تراجع أسعار النفط، فتحت العديد من الحكومات مساحات الاستكشاف والتطوير أمام شركات النفط العالمية، وتم الاتفاق على شكل من أشكال تقاسم الإنتاج، وفي هذه الفترة كان ثمة تخوف بين شركات النفط العالمية من حدوث انخفاض في أسعار النفط وهو ما حدث بالفعل في عام 1998. ونتيجة لذلك، خلال المفاوضات مع الحكومات على الشروط المالية، ضغطت شركات النفط العالمية للحصول على مزيد من الحماية في حال انخفاض الأسعار، وكانت النتيجة أن الشروط المالية للاتفاقات الخاصة بالدول المنتجة للنفط أصبحت تصاعدية على نحو متزايد. وبالتالي عندما بدأت أسعار النفط في الارتفاع بعد عام 2002 لم تتمتع شركات النفط العالمية بزيادة الأرباح، نظراً لطبيعة اتفاقات تقاسم الإنتاج، وقد تسبب هذا في انتشار الإحباط بين المساهمين في شركات النفط العالمية، لأن ارتفاع أسعار النفط لم يُترجم إلى زيادة أسعار الأسهم.

5- الفشل في الوصول إلى احتياطيات منخفضة التكلفة: من السمات الرئيسية للنموذج التقليدي (القديم) للأعمال حجز مزيد من احتياطيات النفط بهدف زيادة قيمة الشركات، وقد أدى الفشل في الوصول إلى احتياطيات منخفضة التكلفة إلى إجبار شركات النفط العالمية على البحث عن النفط حتى لو كان أكثر تكلفة.

6- مشاكل طويلة الأمد في دول تكرير النفط وتسويق منتجاته: فقد واجهت استراتيجية شركات النفط العالمية لتصفية الاستثمارات في هذه الدول عدداً من المشاكل، أولها: أنه بالنظر إلى حالة الاقتصاد العالمي، ثار التساؤل حول من يريد شراء هذه الأصول، وفي الواقع كانت هناك أمثلة كثيرة حول مصافي تكرير النفط التي تُباع من قِبل شركات النفط العالمية بدولار واحد. وثانيها: أن إغلاق المصافي في معظم بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD تطلب تكلفة عالية، ولذلك تم الاحتفاظ بالعديد من المصافي كمرافق للتخزين. وثالثها: أنه لابد من الأخذ في الاعتبار الآثار الأمنية المترتبة على إغلاق مصافي تكرير النفط.

7- وجود مشاكل مالية طويلة الأمد: منذ الأزمة المالية العالمية في عامي 2007 و2008، تغيرت الأسواق المالية بشكل كبير، حيث ساد الإحباط حول المشروعات الكبرى ذات المخاطر العالية. وبما أن هذا النمط من المشروعات هو ما تقوم به شركات النفط العالمية، لذلك ليس مستغرباً أن يصبح مساهموها أكثر تخوفاً على نحو متزايد، وهو ما أثَّر بدوره على صناعة النفط.

8- انخفاض أسعار النفط: منذ يونيو 2014، انهارت أسعار النفط الخام، وهو ما مثَّل تهديداً لنموذج عمل شركات النفط العالمية. ففي ظل الأسعار الحالية المنخفضة، فإن العديد من حكومات الدول المنتجة للنفط في أمس الحاجة إلى العائدات، والخيار الوحيد لذلك هو زيادة المعروض من النفط، وهو ما يترتب عليه بقاء الأسعار منخفضة لفترة طويلة.

حلول متاحة

في ظل تعدد المشاكل والتحديات التي تواجه شركات النفط العالمية، تطرح الدراسة عدداً من الخيارات التي قد تسمح لهذه الشركات بتحسين أوضاعها، ومن أبرزها: (ضغط التكاليف، وزيادة عمليات الاندماج الكبرى لشركات النفط العالمية، وتعديل المحافظ الاستثمارية، والتنويع، وتطوير التقنيات التكنولوجية المستخدمة).

ومع ذلك، أكد الكاتب صعوبة استطاعة أي شركة نفط عالمية بمفردها مواجهة التحديات الراهنة، وحتى في حالة اندماج عدد من الشركات الكبرى معاً، فإن ذلك سيؤدي إلى الالتفاف على المشكلة وليس علاجها، إذ سيستمر نموذج العمل القائم في تهديد استمرارية الشركات وبقائها، حيث لا يمكن لشركات النفط العالمية أن تتحمل إمكانية الانتظار حتى ترتفع أسعار النفط الخام كما كان يحدث في الماضي.

إن سوق النفط يمر بتغييرات هيكلية جذرية بفعل الثورة التكنولوجية والتحولات الجيوسياسية، ولذلك فإن الدورة القديمة من انخفاض الأسعار والتي تلاها ارتفاع الأسعار، لم تعد قابلة للتطبيق في المرحلة المقبلة.

وفي هذا العالم الجديد، فإن الخيار الواقعي الوحيد لشركات النفط العالمية يكمن في إعادة الهيكلة، وهذا يعني حتمية تقليص عملها وظيفياً وجغرافياً، ما يتطلب إجراء تغيير كبير في الثقافة المؤسسية لشركات النفط العالمية.

* عرض مُوجز لدراسة بعنوان: "شركات النفط العالمية: نهاية نموذج الأعمال القديم"، والصادرة عن المعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس)، في مايو 2016.

المصدر:

Paul Stevens, International Oil Companies: The Death of the Old Business Model, (London: The Royal Institute of International Affairs "Chatham House", May 2016).