أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

الاختبار الصعب:

هل ينجح "رئيسي" في حل الأزمة الاقتصادية في إيران؟

27 يونيو، 2021


يتولى الرئيس الإيراني المنتخب، إبراهيم رئيسي، منصبه في أغسطس المقبل خلفاً للرئيس الحالي، حسن روحاني، وذلك بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية التي أُجريت يوم 18 يونيو الجاري، حيث ينتظر رئيسي العديد من التحديات الداخلية، وفي مقدمتها أزمات الاقتصاد الإيراني الذي يعاني بشدة مزيجاً من العقوبات الأمريكية المفروضة على طهران، وتداعيات انتشار جائحة كورونا؛ وهو ما أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم في إيران، وتدهور العملة الوطنية، وتفاقم البطالة. لذا سيواجه رئيسي مهمة تبدو "صعبة" لإصلاح الاقتصاد الإيراني الذي تسيطر عليه الدولة إلى حد كبير. 

وكغيره من المرشحين في السباق الرئاسي الأخير، كان إبراهيم رئيسي قد وعد بتحقيق المطالب الشعبية الخاصة بتحسين الرفاهية والعدالة الاجتماعية، وذلك من خلال سياسات، مثل مكافحة الفساد، وخلق فرص عمل، وتضييق الفجوة الاجتماعية، وتوفير الغذاء والسكن والرعاية الصحية بأسعار معقولة، إلى جانب دعم زيادة الإنتاج والاستثمارات الحكومية، وعلى نحو سوف يضع تحركات رئيسي أمام اختبار حقيقي في الفترة المقبلة. 

معاناة الاقتصاد الإيراني:

علّق الإيرانيون آمالاً واسعة على توقيع بلادهم الاتفاق النووي مع المجموعة الدولية (5+1) في عام 2015، والذي كان بالنسبة لهم بمنزلة "طوق نجاة" لإنعاش اقتصاد بلادهم الضعيف، وخلق مزيد من فرص العمل وتحسين دخولهم. وبالفعل، سمح هذا الاتفاق النووي بإعادة اندماج الاقتصاد الإيراني مع النظام الاقتصادي العالمي، وكذلك عودة تعامل البنوك الإيرانية مع النظام المصرفي العالمي، والأهم بيع النفط في السوق الدولية.

كما كانت هناك آمال إيرانية كبيرة لجذب استثمارات أجنبية من مختلف الشركاء بعد توقيع الاتفاق النووي، لكن هذه الآمال تبددت عندما انسحب الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، من الاتفاق في مايو 2018، وأعاد بعد ذلك فرض عقوبات اقتصادية واسعة على طهران، وذلك في إطار حملة واسعة النطاق سُميت بسياسة "الضغوط القصوى". 

وفي ضوء تلك العقوبات الأمريكية، تم إقصاء إيران من النظام الاقتصادي والمالي الدولي، وخسرت طهران مليارات الدولارات من عائدات النفط، الذي يمثل مصدر الدخل الرئيسي للبلاد. وحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، انكمش الناتج المحلي الإجمالي لإيران بأكثر من 6% في عامي 2018 و2019، في حين عاد ليحقق نمواً متواضعاً بنسبة 1.5% في عام 2020. كما ارتفعت أسعار السلع والخدمات وبمعدل تضخم يتوقع صندوق النقد الدولي أن يبلغ 39% بنهاية عام 2021. كذلك، ارتفعت البطالة إلى حوالي 11% من القوى العاملة في إيران، وهو معدل يُعتقد أنه أقل من الواقع بشكل كبير. 



وعلى نحو لافت، انهارت العملة المحلية في إيران خلال فترة رئاسة دونالد ترامب للولايات المُتحدة، وخسر الريال الإيراني أكثر من 80% من قيمته مقابل الدولار الأمريكي. وفي عام 2020 وحده، انخفض سعر صرف العملة الإيرانية بنسبة 46% من قيمتها، لاسيما مع تصاعد التوترات مع إدارة ترامب آنذاك. 

وأدى تدهور العملة الإيرانية بشكل متواصل على مدار السنوات الماضية، إلى انخفاض ملحوظ في مستوى معيشة الإيرانيين، والذي تدهور بشكل أكبر في ظل جائحة كورونا، التي أجبرت أيضاً العديد من الشركات الإيرانية إما إلى تقليص حجمها أو الإغلاق والخروج من السوق، ما فُقدت معه ملايين الوظائف مؤقتاً.

ومع تدهور الاقتصاد الإيراني في ظل سياسة "الضغوط القصوى" الأمريكية في عهد إدارة ترامب، شهد معدل الفقر في إيران زيادة من 11% إلى 16% خلال العامين الماضيين، لتضيف حوالي 3.7 مليون شخص تحت خط الفقر في إيران التي يبلغ عدد سكانها حوالي 85 مليون نسمة. ولا تزال جائحة كورونا تمثل مشكلة خطيرة بالنسبة للاقتصاد الإيراني، خاصة أن إيران لديها أعلى عدد من الوفيات بسبب الوباء في منطقة الشرق الأوسط.

وعود تحت الاختبار:

اعتاد رؤساء إيران السابقين على تبني سياسات يصفها البعض بـ "الشعبوية"، وذلك على غرار المساعدات النقدية والإسكان المدعوم وغيرها؛ وذلك بهدف استقطاب المواطنين سياسياً، واكتساب شعبية واسعة، وهي سياسات كلفت الحكومة الإيرانية مليارات الدولارات، ولا يمكن على أية حال إعادة تنفيذها حالياً، في ظل نقص الموارد المالية بسبب العقوبات الأمريكية المفروضة على الاقتصاد الإيراني.

وعلى الرغم من ذلك، فقد تعهد الرئيس الإيراني المنتخب، إبراهيم رئيسي، خلال برنامجه الرئاسي، بتنفيذ عدة أهداف محددة وطموحة إلى حد ما، ومن بينها خفض التضخم إلى خانة الآحاد، وخلق مليون وظيفة سنوياً، وخفض تكاليف الرعاية الصحية بنسبة 50% خلال الفترة الأولى من رئاسته، فضلاً عن منح الإيرانيين مبلغاً نقدياً شهرياً بقيمة 4.5 مليون ريال إيراني، وعرض قروض قيمتها 5 مليارات ريال للأزواج الشباب. كما وعد رئيسي بأن تركز حكومته على دعم الإنتاج، وزيادة الشفافية، وتحسين التنسيق الاقتصادي بين مختلف عناصر الحكومة.

ويمثل تنفيذ الوعود السابقة اختباراً قوياً لحكم رئيسي، حيث إن تنفيذها ليس سهلاً؛ نظراً لوجود عوائق على مستوى البيئة المحلية والدولية، قد تقلل من فرص الوفاء بها. فعلى سبيل المثال بالنسبة لهدف خفض معدل التضخم، فقد بلغ بنهاية أبريل 2021 حوالي 50%، وهو أعلى معدل له في السنوات الثلاث الماضية، في حين ارتفع معدل التضخم السنوي للمواد الغذائية إلى 65%.

وكان زيادة المعروض النقدي أحد الأسباب الرئيسية لارتفاع معدل التضخم في إيران خلال الفترة الأخيرة، حيث اتجهت الحكومة الإيرانية إلى سد عجز الميزانية المتفاقم عن طريق طباعة الأموال. وفي العام المالي الإيراني المنتهي في 21 مارس 2021، زاد المعروض النقدي لإيران بنسبة 40%. ولا ينفصل عن ذلك أيضاً أن شح النقد الأجنبي في إيران كان عاملاً آخر في تدهور سعر صرف العملة المحلية، ومن ثم ارتفاع معدل التضخم.

وللسيطرة على معدل التضخم، يتعين على البنك المركزي الإيراني، وبدعم حكومي، خفض كمية الأموال المتداولة في الاقتصاد، والتي ستعتمد بشكل مباشر على تقليص ميزانيات الحكومة المقبلة عن طريق خفض الإنفاق، وزيادة الإيرادات الحكومية. وبطبيعة الحال، تظل زيادة العائدات الحكومية من مبيعات النفط والنقد الأجنبي رهناً برفع العقوبات الأمريكية على الاقتصاد الإيراني. 

وعلى نحو مماثل، فإن وعود رئيسي بخلق وظائف جديدة في القطاع الحكومي أو الخاص، سوف تتوقف على مدى وجود انتعاش الاقتصادي، وهو أمر مرهون بتوصل طهران من جديد لاتفاق مع القوى الدولية لرفع العقوبات عن تصدير المنتجات النفطية. 

وعلى جانب آخر، أصبحت التكاليف المتزايدة لخدمات الرعاية الصحية مصدر قلق كبير للإيرانيين منذ عدة سنوات. وهنا أمام رئيسي تحدٍ كبير ليس فقط لمراجعة وتطوير سياسات الرعاية الصحية في البلاد، وإنما أيضاً البحث عن آليات تمويل من شأنها تحسين وصول السكان إلى الخدمات الصحية الجيدة.

رهان رفع العقوبات:

أكد الرئيس إبراهيم رئيسي، يوم 21 يونيو الجاري، في أول مؤتمر صحفي له بعد فوزه في الانتخابات الإيرانية، ترحيبه بالمفاوضات مع القوى الدولية الهادفة إلى إحياء الاتفاق النووي لعام 2015، لكن بشرط ضمان مصالح بلاده الوطنية؛ وذلك في إشارة منه إلى ضرورة رفع العقوبات التي شلت الاقتصاد الإيراني. ووعد رئيسي بأنه لن يسمح بتأجيل المحادثات في فيينا.

وكانت محادثات إحياء الصفقة النووية قد بدأت في فيينا بين ممثلي إيران ومجموعة (4+1)، وبمشاركة غير مباشرة من الولايات المتحدة الأمريكية، في أبريل 2021، وهي متوقفة بشكل مؤقت حالياً، حيث تهدف هذه المفاوضات إلى استئناف التزام الأطراف المعنية بخطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي)، ووضع آلية لرفع واشنطن عقوباتها ضد طهران. وإذا تم رفع هذه العقوبات، سيمثل ذلك إنجازاً للحكومة الإيرانية، وسوف يُعجل من استقرار بيئة الاقتصاد الكلي، مع تسارع النمو، وانخفاض التضخم، ما سيزيد من الاستقرار السياسي والاجتماعي في البلاد. ولكن ذلك لا ينفي أنه لن تُتاح على الأرجح للمستثمرين الأجانب العودة إلى السوق الإيرانية قريباً. فحتى لو تم رفع العقوبات الأمريكية، ستواجه إيران صعوبات في جذب استثمارات أجنبية جادة؛ بسبب نظامها الاقتصادي المغلق، والشبكة المصرفية الغامضة المعزولة عن النظام المصرفي العالمي.

ولكن سيظل رئيسي مطالباً بمعالجة جوانب أخرى للأزمة الاقتصادية الراهنة في إيران، بعيداً عن آمال التوصل إلى اتفاق جديد، ويتمثل أبرزها في التخفيف من عدم المساواة السائد في المجتمع الإيراني وتعويض الفئات المهمشة مثل المسنين، وكذلك تعزيز القاعدة الضريبية عوضاً عن تقلبات عائدات النفط، بالإضافة إلى الاستثمار في البنية التحتية الخضراء والاقتصاد الرقمي والطاقة المتجددة؛ وهي قطاعات واعدة من شأنها خلق مزيد من الوظائف في إيران. وأيضاً من القضايا المُلحة التي تحتاج إلى معالجة وقد تمثل تهديداً لإيران، التغير المناخي ونقص المياه والتصحر وتلوث الهواء في المناطق الحضرية؛ وهي مشكلات تحتاج إلى حكومة قادرة على وضع سياسات شاملة لاحتوائها.

مجمل القول، إن الاقتصاد الإيراني يقف عند مفترق طرق، ويحتاج بشكل عاجل إلى خطة تعافٍ عاجلة تشمل القيام بإصلاحات مالية ونقدية كلية شاملة ومنسقة، والتي يتعين على الرئيس الإيراني المنتخب، إبراهيم رئيسي، تبنيها في أقرب وقت، وذلك بعيداً عن الآمال المُعلقة على توقيع اتفاق نووي جديد مع القوى الدولية وبمشاركة أمريكية.