أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

ارتدادات التخصيب:

أسباب تصاعد الخلافات بين إيران ووكالة الطاقة الذرية

20 ديسمبر، 2020


لم تعلن إيران بعد الهدف الأساسي من بناء منشأة جديدة في مفاعل فوردو لتخصيب اليورانيوم، منذ سبتمبر الماضي، والذي كشفت عنه تقارير عديدة في 18 ديسمبر الجاري. ورغم ذلك، يحتمل أن تؤدي تلك الخطوة إلى اتساع نطاق الخلافات سواء مع القوى الدولية المعنية باستمرار العمل بالاتفاق النووي أو مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي كان لافتاً انخراطها في الجدل المتصاعد حالياً حول إمكانية عودة الولايات المتحدة الأمريكية إلى الاتفاق النووي، بعد أن حذرت من أن الخلافات مع إيران باتت تتجاوز إلى حد كبير مجرد فكرة "العودة" إلى الاتفاق.

ومن دون شك، فإن ذلك يعود إلى اعتبارين رئيسيين: أولهما، رمزية منشأة فوردو في حد ذاتها. إذ أن إيران اضطرت إلى الإعلان عن إنشاءها في عام 2009 بعد أن أدركت أن أجهزة الاستخبارات الغربية نجحت في اكتشافها، وهو ما مثل في هذا التوقيت دليلاً جديداً على عدم تعاملها بشفافية مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. 

وثانيهما، ارتباط تلك الخطوة بإنشاء موقع جديد في مفاعل ناتانز لتخصيب اليورانيوم، بعد تعرضه لهجوم تخريبي في بداية يوليو الماضي، على نحو يوحي بأن الخطوتين تأتيان في سياق سياسة جديدة تتبناها إيران للتعامل مع التطورات الأخيرة التي أعقبت التصعيد مع الولايات المتحدة الأمريكية منذ انسحاب الأخيرة من الاتفاق النووي في 8 مايو 2018 وفرضها عقوبات جديدة على إيران بداية من أغسطس من العام نفسه.

دوافع عديدة:

يمكن تفسير إقدام إيران على تلك الخطوة الجديدة في ضوء دوافع عديدة يتمثل أبرزها في:

1- توجه مستمر: رغم أن الرئيس حسن روحاني توقع، في 17 ديسمبر الجاري، أن تتخذ إدارة الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن إجراءات لإعادة الانخراط في الاتفاق النووي، حسب مقاربته الخاصة بـ"العودة مقابل العودة"، إلا أن القيادة العليا، ممثلة في المرشد الأعلى علي خامنئي، فضلاً عن المؤسسات الأخرى النافذة في النظام، وفي مقدمتها الحرس الثوري، لا يبدو أنها تتفق معه في ذلك، على نحو يوحي بأنها لا تستبعد استمرار التصعيد مع واشنطن في البرنامج النووي. 

وبمعنى آخر، فإن تلك الأطراف لا تبدي تفاؤلاً في إمكانية تغير السياسة الأمريكية، وترى أن ما قد يحدث، في عهد بايدن، سوف ينحصر في إطار إجراءات تكتيكية لا تؤثر على ثوابت الاستراتيجية الأمريكية تجاه طهران، التي لا تشهد تحولات مع تغير الإدارات الأمريكية.

2- إجراءات متكاملة: ربما لا تنفصل تلك الخطوة عن ما سبق أن قام به مجلس الشورى الإسلامي فيما يتعلق بالاتفاق النووي، عندما أقر مشروعاً جديداً، في أول ديسمبر الجاري، يلزم الحكومة برفع مستوى تخصيب اليورانيوم إلى 20% وإنتاج نحو 120 كيلو جرام سنوياً من اليورانيوم المخصب بتلك النسبة سنوياً، وهو المشروع الذي صادق عليه مجلس صيانة الدستور بعد ذلك بيوم واحد. 

ومع أن الرئيس حسن روحاني أبدى تحفظات إزاء تلك الخطوة، إلا أن ذلك لا ينفي أنها ربما تأتي في سياق سياسة "تقسيم الأدوار" التي تسعى من خلالها طهران إلى توسيع نطاق الخيارات وهامش المناورة المتاح أمامها للتعامل مع الضغوط التي تتعرض لها من جانب الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية.

3- تقييد المفاوضات: ما زالت إيران تبدي رفضاً حاسماً إزاء دعوة توسيع نطاق التفاوض ليشمل الملفات الخلافية الأخرى على غرار الدور الإقليمي وبرنامج الصواريخ الباليستية. وأدلى المسئولون الإيرانيون بتصريحات واضحة في هذا الصدد، وكان آخرهم المندوب الإيراني لدى المنظمات الدولية في فيينا كاظم غريب أبادي، الذي قال، في 18 ديسمبر الجاري، أنه "لن تنعقد مفاوضات جديدة حول الاتفاق النووي وإحيائه ليس بحاجة إلى وثيقة منفصلة ولا حاجة لتعقيد الأوضاع"، وذلك في رد مباشر على تصريحات المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رفاييل غروسي، الذي أكد بدوره، في اليوم نفسه، أن "إحياء الاتفاق النووي في عهد الرئيس جو بايدن يتطلب إبرام اتفاق جديد يحدد كيفية عودة إيران عما قامت به من انتهاكات لبنوده".

وهنا، لا يمكن استبعاد أن تكون إيران قد تعمدت اتخاذ مزيد من الإجراءات التصعيدية في برنامجها النووي، على غرار الشروع في رفع مستوى عمليات التخصيب لـ20% وبناء منشآت جديدة في مفاعلى فوردو وناتانز، من أجل وضع عقبات أمام توسيع نطاق التفاوض ودفع الدول الغربية إلى القبول بـ"حصر" التفاهمات التي يمكن الوصول إليها في البرنامج النووي، لاسيما أنها لن تقبل بسهولة فكرة وضع الملفات الأخرى، وخاصة برنامج الصواريخ الباليستية والدور الإقليمي، على طاولة المفاوضات. 

وهنا، تجدر الإشارة إلى أن الإجراءات التي اتخذتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خاصة في عام 2020، كان لها دور في إصرار إيران على ذلك، لاسيما بعد أن أقدمت على تصفية قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري قاسم سليماني مع نائب أمين عام ميليشيا الحشد الشعبي العراقية أبو مهدي المهندس في 3 يناير الماضي. 

ذلك لا يعني بالطبع أنه كان من الممكن أن توافق على ذلك قبل اغتيال سليماني، لكن معناه أنه كان من الممكن أن يتم التوصل معها إلى تفاهمات، على سبيل المثال، تتيح تقليص حدة التوتر على الصعيد الإقليمي مع عدم التطرق إلى البرنامج الصاروخي، الذي تعتبره إيران آليتها الأساسية في ردع خصومها عن شن هجوم عسكري واسع ضدها.

على ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إنه أياً كان الغرض من تأسيس منشآت نووية جديدة في مفاعلى فوردو وناتانز، فإن ذلك يوجه رسالة مباشرة إلى القوى الدولية المعنية بالاتفاق النووي مفادها أن إيران ليست في وارد تقديم تنازلات بارزة في الملفات الخلافية المختلفة.