أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

رهانات التعايش:

استراتيجية "البقاء المضمون".. كيف تمنع حرباً عالمية؟

12 أبريل، 2023


عرض: هند سمير

تُعدُّ حرب القوى الكبرى، واحدة من أشد المخاطر التي يواجهها العالم اليوم، فهي ليست مجرد حرب بين دولتين، وإنما تمتد آثارها لغالبية دول العالم، إن لم تكن كلها. ومنذ أكثر من ثلاثة أرباع القرن، لم تُقاتل قوتان رئيسيتان بعضهما بعضاً بشكل علني، وهي فترة زمنية غير مسبوقة يشار إليها غالباً باسم "سلام القوى الكبرى أو السلام الطويل". 

وحتى وقت قريب، اعتقد بعض المراقبين أن التنافس بين القوى الكبرى، ومن ثم نشوب حرب عالمية أصبح من مخلفات الماضي. إلا أنه منذ عام 2008، أصبحت حِدة المنافسة الاستراتيجية بين القوى الكبرى المسلحة نووياً - الولايات المتحدة الأمريكية، والصين، والهند، وروسيا – متزايدة بشكلٍ واضح في مختلف المجالات وعبر عدة مناطق من العالم. كما أنه في أعقاب الصراع الروسي الأوكراني في فبراير 2022، بالإضافة إلى الإجراءات العدائية المتزايدة من جانب الصين تجاه تايوان، أصبحت إمكانية حدوث صدام بين القوى الكبرى أمراً وارداً للغاية. فلأول مرة منذ نهاية الحرب الباردة، تعلن استراتيجية الأمن القومي الرسمية للولايات المتحدة أن "خطر الصراع بين القوى الكبرى آخذ في الازدياد".

ويُعد تجنب مثل هذا الصراع أمراً في غاية الأهمية، فحرب القوى الكبرى لديها القدرة على أن تصبح كارثة ذات أبعاد تاريخية عالمية. في هذا السياق يطرح بول ب. ستاريز في ورقة بعنوان (تجنب حرب القوى الكبرى.. منطق "البقاء المضمون" المتبادل) نشرت بمركز العمل الوقائي "CPA" في فبراير 2023، كيفية تجنب حدوث مثل هذه الحرب من خلال استراتيجية البقاء المؤكد المتبادل بين القوى الكبرى.

ويشير الكاتب إلى أن الولايات المتحدة هي الأكثر عرضة لخطر التورط في حرب مع قوة كبرى أخرى؛ نظراً لالتزاماتها الأمنية التي تشمل العالم، ودورها كمدافع رئيسي عن النظام الدولي الحالي. وقد تبنت إدارة جو بايدن - على غرار سابقتها - استراتيجية "السلام من خلال القوة" لردع العدوان الصيني والروسي المحتمل وهزيمته من خلال الحفاظ على القوة العسكرية الموازية في تحالف مع شركاء متشابهين في التفكير حول العالم. 

لذلك، تحتاج الولايات المتحدة إلى إعادة التفكير في نهجها الحالي لتجنب صراع القوى الكبرى، من خلال رعاية حالة من التعايش المشترك فيما بينها، بالاعتماد على الطمأنينة المتبادلة وضبط النفس المتبادل، والتي توصف بأنها "بقاء مضمون متبادل"، بالإضافة إلى تعزيز علاقة أكثر استقراراً وأقل تكلفة بين القوى الكبرى، وهو ما من شأنه توليد الثقة اللازمة لمواجهة التحديات العالمية المشتركة.

عوامل الخطر

يحدد الباحث مجموعة من "عوامل الخطر" التي تحدد احتمالية نشوب نزاع مسلح، وتشير إلى أن العصر الجديد لمنافسة القوى الكبرى يمكن أن يصبح أكثر خطورة من عصر الحرب الباردة، وهي كالتالي:

- أولاً: غالباً ما توصف الحرب الباردة بأنها مواجهة ثنائية القطب بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، ويرى العلماء أن مثل هذه المنافسات أكثر استقراراً بطبيعتها من المنافسة متعددة الجوانب. ويُعد التنافس متعدد الأقطاب اليوم أكثر ديناميكية بين دول مثل الولايات المتحدة والصين والهند وروسيا، حيث تمتلك كل من هذه الدول ميزة مختلفة. 

- ثانياً: أثناء الحرب الباردة، كانت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي ينظر بعضهما إلى بعض على أنهما متنافسان على الأقل عسكرياً إن لم يكن اقتصادياً. وبالتالي، فإن الخوف من أن أحدهما سيتصرف بشكل أكثر عدوانية ضد الآخر، لم يكن وارداً. وبالمقارنة، فإن الوضع النسبي للقوى الكبرى اليوم يمكن أن يخضع لتغيير كبير على مدى العقدين أو الثلاثة عقود المقبلة؛ مما قد يؤدي إلى حالات من عدم الاستقرار. 

- ثالثاً: إن خطر التفاعلات بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي أثناء الحرب الباردة قد خُفف من خلال الفصل الجغرافي بينهما، ولكن لم يُعد هذا هو الحال ففي أوروبا، نمت فرصة القوات المسلحة الأمريكية للعمل بالقرب من حدود روسيا بشكل كبير بسبب توسع منظمة حلف شمال الأطلسي "الناتو". وفي غرب المحيط الهادئ، تعمل القوات الأمريكية الآن بشكل روتيني في بحر الصين الشرقي وبحر الصين الجنوبي، اللذين تدَّعي الصين أنهما يخضعان لولايتها السيادية. أخيراً، يمكن للقوى الكبرى الحالية، مع قليل من التحذير، أن تلحق الآن ضرراً شبه فوري من خلال الهجمات الإلكترونية، وهو ما لم يكن كذلك خلال الحرب الباردة.

- رابعاً: على عكس الحرب الباردة، فإن العديد من القوى الكبرى متورطة الآن، بشكل مباشر أو غير مباشر، في نزاعات إقليمية بعضها مع بعض، منها ما هو على طول الحدود بين الصين والهند. في الوقت نفسه، تواصل الصين تأكيد ما تعتقد أنه حقوق سيادية في مضيق تايوان. وتحارب الولايات المتحدة، إلى جانب العديد من حلفائها، هذه الادعاءات من خلال ما يسمى بعمليات حرية الملاحة البحرية التي تسبب الاحتكاك بشكل دوري. بالإضافة إلى ذلك، ففي أوروبا، تقوم الولايات المتحدة وشركاؤها في "الناتو" بمساعدة أوكرانيا في مقاومة القوات الروسية التي لديها إمكانية واضحة للانتشار في البلدان المجاورة؛ مما يؤدي إلى اندلاع حرب أوسع.

- خامساً: خلال الحرب الباردة، توصلت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي إلى مجموعة متنوعة من الاتفاقيات الرسمية وغير الرسمية التي ساعدت على تخفيف حدة التنافس بينهما وتقليل مخاطر سوء التفاهم. إلا أن عدداً قليلاً من هذه الاتفاقيات لا يزال وثيق الصلة بالعصر الجديد من التنافس بين القوى الكبرى. 

التعايش المشترك

يرى الكاتب أن إيجاد استراتيجية بديلة لتقليل مخاطر صراع القوى الكبرى يجب أن يبدأ بقبول أن الأمن القومي للولايات المتحدة وبقائها في مواجهة هذه القوى والتهديدات الوجودية الأخرى للبشرية لا يمكن تحقيقه بمفردها. لذلك، يجب عليها أن تعزز التعايش المشترك باعتباره الشرط الموضوعي الذي يجب أن تطمح القوى الكبرى إلى تحقيقه والحفاظ عليه. ويتطلب تحقيق التعايش المشترك أن تتبنى كل قوة عظمى عدداً من الضمانات المتبادلة وضبط النفس المتبادل، والذي يمكن وصفه بأنه "بقاء مضمون متبادل". 

يتضمن السعي وراء التعايش المشترك من خلال البقاء المضمون المتبادل ثلاثة جهود تكميلية مصممة لتعزيز شعور كل قوة بالأمن، وتقليل مخاطر الأزمات والتصعيد غير المقصود، وتسهيل التقدم في إدارة التهديدات المشتركة للبشرية، والتي تتمثل في:

- تعزيز الأمن القائم: إذا ظلت القوى الكبرى تخشى تعرضها للترهيب والإكراه والهجوم من قِبَل منافس بطرق تقوض أمنها واستقلالها السياسي وتهدد وجودها كدول ذات سيادة، فإن خطر وقوع أزمات كبيرة سيظل قائماً، كما أن استعدادها للتعاون فيما بينها في المساعي الأخرى سيكون مقيداً بشدة.

يمكن التخفيف من هذه المخاوف من خلال الإعلان عن حسن النية والالتزام المنتظم بالمبادئ الأساسية للسلوك الدولي وبالأخص الاحترام المتبادل للسيادة الوطنية وتقرير المصير وعدم التدخل والحل السلمي للنزاعات الدولية. لكن مثل هذه التصريحات تُعد بلا قيمة من دون وجود إجراءات تكميلية ملموسة. وتشمل هذه الإجراءات التحلي بالشفافية بشأن العقيدة النووية والممارسات التشغيلية التي تؤكد على الغرض الأساسي لتلك القوة الرادعة، فضلاً عن أهمية احتياطات الأمان ضد الاستخدام العرضي أو غير المصرح به.

- المرونة وتعزيز منع الأزمات: على الرغم من أنه من غير المحتمل أن تتمكن القوى الكبرى من حل أكثر بؤر الخلاف إثارة للجدل دبلوماسياً في وقت قريب، فإنه يمكن على الأقل جعل بعض نقاط الاحتكاك أقل خطورة، وهذا يشمل بشكل واضح، تايوان وبحر الصين الشرقي وبحر الصين الجنوبي، والحدود بين الصين والهند، وشبه الجزيرة الكورية، والمناطق المجاورة مباشرة لروسيا. 

- تسهيل إدارة التهديدات المشتركة للبشرية: مع اشتداد التنافس بين القوى الكبرى، من المرجح أن تتزايد إعاقة الجهود الدولية الجارية لإدارة مجموعة متنوعة من المخاوف العالمية الخطرة بسبب التوترات الجيوسياسية والضغوط السياسية المحلية ذات الصلة. إضافة إلى ارتباط التقدم في قضايا محددة بحل الخلافات غير ذات الصلة بين القوى الكبرى. وقد ظهرت مثل هذه المواقف بالفعل في المفاوضات بين الولايات المتحدة والصين حول تغير المناخ. وسيكون من الصعب تجنب مثل هذه المواقف والتشكيلات السياسية تماماً لكن يمكن التقليل منها، ومن أجل إحراز تقدم في معالجة المشاكل التي تمس الصالح العام، يمكن للقوى الكبرى أن تتفق على بعض القواعد الأساسية لتسهيل مثل هذه الجهود.

متطلبات أساسية

إن إقامة علاقة تعايش مشترك من خلال البقاء المضمون المتبادل سوف يتوقف في نهاية المطاف على ما إذا كانت كل قوة سوف تجد مثل هذه العلاقة أكثر فائدة لأمنها العام ورفاهيتها من احتمالية التنافس الاستراتيجي الحر. وهناك أسباب وجيهة للاعتقاد بأن كل واحدة من هذه القوى ستفعل ذلك. على الأقل، سيتم تقليل خطر اندلاع حرب كارثية. وكذلك الأمر بالنسبة لاحتمال السلوك التنافسي المكلف في مجموعة متنوعة من المجالات في وقت يكون فيه لكل قوة العديد من الأولويات الملحة محلياً. أخيراً، من المرجح أن يستمر التقدم في إدارة التهديدات الوجودية الأخرى للبشرية بطريقة سريعة إذا تمكنت القوى الكبرى من الوصول إلى طريقة مؤقتة لتخفيف انعدام الثقة والتنافس المتبادلين.

ووفقاً للكاتب، فبغض النظر عن هذه الحجج المقنعة للتعايش المشترك، فإن الحالة السيئة للعلاقات بين القوى الكبرى تجعل من المستبعد جداً إمكانية تنفيذه في وقت قريب؛ لذلك يجب أن تكون المهمة على المدى القصير هي منع زيادة خطر نشوب حرب بين القوى الكبرى. 

فيما يتعلق بروسيا، يجب على الرئيس بايدن وكبار المسؤولين الأمريكيين الاستمرار في تأكيد رغبتهم في تجنب تصعيد الصراع في أوكرانيا، وبالتالي تكييف طبيعة المساعدة العسكرية المقدمة، كما أنه من المهم تعزيز عمليات الانتشار والأنشطة العسكرية الأمريكية على الأطراف الروسية من هذه الرسالة. 

في الوقت نفسه، يجب على إدارة بايدن أن تعبر عن رغبتها في إنهاء سريع للقتال لكن فقط بشروط مقبولة من الحكومة الأوكرانية، وينبغي أيضاً عرض احتمالات تحسن العلاقات الأمريكية الروسية بشكلٍ كبير، بما في ذلك تخفيف العقوبات، على الشعب الروسي. وبالمثل، الاستمرار في تأكيد الرغبة في إعادة فتح قنوات الاتصال العسكرية ومواصلة التعاون في مجالات أخرى مثل استكشاف الفضاء.

يمكن اتباع نفس النهج مع الصين، حيث يجب على المسؤولين الأمريكيين تجنب الأحقاد المتبادلة التي ميزت الاجتماعات المبكرة مع المسؤولين الصينيين، مع التخلص من التوصيفات السياسية والأيديولوجية للصين التي يمكن أن تشير إلى عدم احترام قيادتها ونظام الحكم فيها. ويجب إعادة تأكيد التزام الولايات المتحدة المستمر بسياسة صين واحدة، في حين ينبغي تثبيط الجهود الخاصة التي يمكن أن تؤجج التوترات غير الضرورية بشأن تايوان. 

وبالمثل، يجب أيضاً كبح العمليات العسكرية التي تقوم بها القوات الأمريكية والقوات المتحالفة في محيط تايوان، وعلى طول المنطقة المجاورة للصين والتي يمكن اعتبارها استفزازية. كما يجب على الولايات المتحدة أن تواصل الدعوة إلى المزيد من الحوار الموضوعي، ولاسيما بين كبار المسؤولين العسكريين والدفاعيين.

في الوقت نفسه، تحتاج الولايات المتحدة إلى الاستعداد للأسوأ. ويوجد بالفعل تخطيط طوارئ واسع النطاق للعديد من سيناريوهات الأزمة، والتي قد تؤدي إلى صدام مسلح بين الولايات المتحدة وقوة كبرى أخرى، لكن لا تزال هناك ثغرات يجب سدها في أقرب وقت ممكن، كما تحتاج جميع خطط الطوارئ إلى مراجعة متأنية من قبل ما يسمى بالفرق الحمراء لتقليل مخاطر التصعيد غير المقصود، ويجب تقييم قواعد الاشتباك العسكرية في مواقف معينة، خاصة المناطق الحساسة والمعرضة للصراع. 

في النهاية، ليس هناك ما يضمن أن الصين وروسيا ستتقبلان المبادرات الأمريكية لعلاقة طويلة الأمد من التعايش المشترك. ومع ذلك، لا ينبغي النظر إلى هذا على أنه جهد غير مثمر. في الواقع، يمكن أن يؤدي إلى فوائد مهمة في الحصول على الدعم المستمر من الحلفاء والشركاء، وغيرهم من الدول، الذين من المرجح أن يطمئنوا إلى أن الولايات المتحدة بذلت جهوداً حسنة النية لتقليل مخاطر صراع القوى الكبرى. علاوة على ذلك، لا ينبغي تفسير الرفض الصيني أو الروسي على أنه يبطل إلى الأبد جدوى التعايش المشترك. فقد تظهر فرص أخرى لتحسين الأمور، وبالتالي يجب على الولايات المتحدة تجنب افتراض الأسوأ والرد بطرق تجعل من الصعب تخفيف حدة التنافس بين القوى الكبرى في المستقبل. 

المصدر

Paul B. Stares, Averting Major Power War: The Logic of Mutual Assured Survival, Discussion Paper Series on Managing Global Disorder No. 12, Center for Preventive Action, February 2023.