أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

محاصرة الخصوم:

دوافع غربية لاتهام إيران بتسليح روسيا في أوكرانيا

07 أكتوبر، 2022


اجتمع مجلس الأمن الدولي بناءً على دعوة من روسيا بشأن أوكرانيا، في التاسع من سبتمبر 2022، لمناقشة توريد أسلحة أجنبية إلى كييف. وفي هذا الاجتماع قال سفير روسيا لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا: "أود أن أطلب منهم الآن إما تزويدنا ‏بالأدلة أو الاعتراف بأنهم ينشرون معلومات غير موثوقة‎"‎. وجاء ذلك رداً على اتهامات وجهتها الدول الغربية، خاصةً الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، لإيران بتزويد روسيا بطائرات مُسيّرة لاستخدامها في حربها ضد أوكرانيا، وهو ما قاله نائب السفير الأمريكي، ريتشارد ميلز، لمجلس الأمن.‎ كما ذكرت سفيرة بريطانيا لدى الأمم المتحدة، باربرا وودوارد، أن "روسيا تتجه إلى إيران للحصول على طائرات ‏مُسيّرة، وإلى كوريا الشمالية للحصول على الذخيرة في انتهاك صارخ لعقوبات الأمم المتحدة". 

وقد أثارت هذه الاتهامات الغربية لإيران بشأن دعمها لروسيا عسكرياً في الحرب الأوكرانية، العديد من التساؤلات، وخاصةً فيما يتعلق بالدوافع ورائها، وذلك بالرغم من نفي روسيا وإيران لهذا الأمر. 

صراع محكوم:

مع بداية اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا في 24 فبراير 2022، توقع الخبراء والمتخصصون أن العالم مقبل على مرحلة فارقة في تطوره، ليس فقط على مستوى بنية النظام الدولي، وإنما على مستوى القضايا الاستراتيجية التي تؤثر في هذا التطور. وبالفعل مع استمرار الحرب لأكثر من سبعة أشهر، تتأكد هذه الحقيقة، ويمتد تأثيرها لأبعاد جديدة. ومن أبرز التداعيات الناتجة عن الحرب، تبلور حالة الانقسام بين القوى الكبرى ووضوح الاتجاه نحو الاستقطابات بينها، ولم تعد روسيا والصين هما النموذج لتحدي الهيمنة الأمريكية فحسب، بل أصبحتا تقودان اتجاهاً موازياً لهذه الهيمنة وآليات إدارتها للعالم.

وقد كشفت الحرب الراهنة في أوكرانيا عن وصول التوتر بين روسيا والغرب لدرجة غير مسبوقة من التصعيد، وبلغ مداه مؤخراً بإعلان الرئيس بوتين، في 30 سبتمبر 2022، ضم روسيا للأقاليم الأوكرانية الأربعة (دونيتسك ولوغانسك وزاباروجيا وخيرسون). وبالتالي لم تعد اللغة الدبلوماسية هي الأعلى صوتاً بين الطرفين، بل "الصراع المحكوم" هو الأكثر حضوراً في مشهد العلاقات الروسية – الغربية. ويُدار هذا الصراع في أوكرانيا بشكل مباشر، وفي ملفات وقضايا وأقاليم أخرى بشكل غير مباشر. وفي هذا السياق تأتي الاتهامات الغربية لروسيا بحصولها على أسلحة وطائرات مُسيّرة إيرانية.

اتهامات متعددة:

ظهرت تقارير أمريكية مؤخراً تشير إلى استعانة روسيا خلال حربها في أوكرانيا بأسلحة ومُسيّرات إيرانية، واعتمدت هذه التقارير على ما أعلنه الجيش الأوكراني عن اكتشافه طائرة مُسيّرة إيرانية استخدمتها روسيا في ساحة المعركة، وما نشرته بعض المصادر العسكرية الأوكرانية من صور لحطام مُسيّرة إيرانية الصُنع من طراز "شاهد‎"‎. ومن ناحية أخرى، أشار مستشار الأمن القومي الأمريكي، جاك سوليفان، في يوليو 2022، إلى وجود خطط لدى طهران لإرسال مئات الطائرات المُسيّرة المُحملة بالقنابل إلى روسيا لمساعدتها في أوكرانيا، وهو ما أكدته بعض التقارير الاستخباراتية، والتي اعتمدت جزئياً على ما كشفته صور الأقمار الصناعية من قيام وفد روسي بزيارة مطار في وسط إيران مرتين على الأقل ‏منذ يونيو الماضي لفحص طائرات من دون طيار قادرة على حمل أسلحة‎. 

وبُنيت الاتهامات الغربية على أساس امتلاك إيران نسخاً مُتعددة من المُسيّرة "شاهد" التي تستخدمها ميليشيا الحوثيين المدعومة من إيران في اليمن. ولم تكن المُسيّرات فقط هي ما قدمته إيران إلى روسيا وفقاً للمصادر الإعلامية الغربية، حيث تشير هذه المصادر إلى أن موسكو تستخدم في حربها ضد أوكرانيا ذخائر وعتاداً عسكرياً جرى تهريبها من العراق بمساعدة شبكات تهريب أسلحة إيرانية، من خلال أعضاء ميليشيات عراقية مدعومة من طهران، وذلك في إشارة إلى تنظيم "الحشد الشعبي" الذي يسيطر على معبر شلمجة الحدودي بين العراق وإيران. ويحدد بعض مسؤولي الولايات المتحدة أن روسيا قد اشترت رسمياً ونقلت طائرات "مهاجر 6" و"شاهد 129" ‏و"شاهد 191"، لاستخدامها على الأرجح في حرب أوكرانيا‎،‎ وكلا النوعين من الطائرات من دون طيار قادر على حمل ذخائر دقيقة ‏التوجيه ويمكن استخدامها للمراقبة‎.‎ ‎وذكر المسؤولون أن روسيا تعتزم استيراد المئات من هذه المُسيّرات الإيرانية لاستخدامها في شن هجمات جو – أرض، وفي الحرب الإلكترونية داخل ‏أوكرانيا‎.‎

وحسب صحيفة "الجارديان" البريطانية، تم إرسال قذائف "آر بي جي" وصواريخ مضادة للدبابات، بالإضافة إلى أنظمة إطلاق صواريخ Astros برازيلية التصميم، إلى روسيا من العراق. كما تبرعت السلطات في طهران بنظام صاروخي من طراز "بافار 373" إيراني الصُنع وهو يشبه نظام "إس – 300" الروسي. وتشير المصادر الإعلامية ذاتها إلى أنه تم نقل هذه الشحنات عبر ثلاث سفن شحن، اثنتين ترفعان العلم الروسي والأخرى ترفع العلم الإيراني، عبر بحر قزوين من ميناء بندر أنزالي الإيراني إلى أستراخان (مدينة روسية على دلتا الفولجا).

دوافع الغرب:

لم تكن إيران هي الدولة الوحيدة التي اتهمها الغرب بمساعدة روسيا تسليحياً في حربها في أوكرانيا، حيث تم توجيه اتهامات أيضاً إلى دول أخرى مثل كوريا الشمالية وجورجيا وصربيا، بل قال مسؤولون أمريكيون إن روسيا طلبت من الصين أسلحة ومساعدتها في حرب أوكرانيا. لكن تركيز الغرب على مساعدة إيران في تسليح روسيا بالمُسيّرات، ربما يعود لعدة دوافع، يمكن الإشارة إلى أبرزها فيما يلي:


1- تعثر المفاوضات النووية مع إيران، وصعوبة العودة لخطة العمل المشتركة المُوقعة في عام 2015، مع ما يشوب العلاقات بين أوكرانيا وإيران من توترات بسبب إسقاط الحرس الثوري الإيراني طائرة ركاب أوكرانية في عام 2020، وهو ما يجعل من طهران خصماً واضحاً لكييف والغرب أيضاً. يُضاف إلى ذلك، تعدد مظاهر التقارب والتعاون بين إيران وروسيا في الوقت الحالي، حيث يحاول "محور طهران – موسكو" الالتفاف على العقوبات الغربية، عبر الاستفادة بكميات الأسلحة الكبيرة التي تملكها الميليشيات الشيعية بسوريا والعراق.

2- محاصرة الدول الرافضة للهيمنة الأمريكية والغربية، وهي إيران على مستوى الشرق الأوسط، وروسيا على المستوى الدولي، وذلك بإظهار الغرب أن كلا البلدين يمارسان نشاطاً إجرامياً عبر تهريب الأسلحة بواسطة جماعات العنف وربما منظمات الجريمة الدولية، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، إظهار تأثير العقوبات الاقتصادية الواسعة التي فرضتها الدول الغربية على موسكو منذ فبراير 2022، والتي تحظر استيراد روسيا للسلع ذات الاستخدام المزدوج - العناصر ذات الأغراض المدنية والعسكرية - مثل قطع غيار المركبات وأنواع معينة من الأجهزة الإلكترونية والبصرية، وكذلك العناصر ذات الاستخدامات العسكرية الواضحة. ووفقاً لبعض المحللين، فإن موسكو تسعى إلى زيادة الإنتاج المحلي من المُسيّرات، لكن تعوقها العقوبات الغربية والقيود المفروضة على الصادرات، والتي أوقفت تدفق رقائق أشباه الموصلات ‏الضرورية لإنتاج مثل هذه الأسلحة.‎

3- تأكيد عدم قدرة روسيا على حسم الحرب في أوكرانيا، وإظهار تراجع قوتها، حيث أشارت المصادر الغربية إلى أن استخدام روسيا للمُسيّرات الإيرانية يهدف إلى تخفيف تأثير أنظمة الصواريخ عالية الحركة (HIMARS) التي قدمتها الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى أوكرانيا، والتي مكّنت الأخيرة من مهاجمة أهداف خلف الخطوط الأمامية الروسية. كما تؤكد بعض التقارير الغربية أن استقدام روسيا لمثل هذه الأسلحة، بالرغم من أنها من أكبر مُصدري السلاح في العالم، يعود إلى رغبتها في تجنب خسارة أسلحتها المتقدمة في القتال مع الأوكرانيين المدعومين بأسلحة غربية متطورة، خاصةً في ظل العقوبات التكنولوجية القاسية المفروضة على موسكو، مما سيصعب توفير مثل هذه الأسلحة من جديد مستقبلاً.

واستمراراً لإظهار فارق القوة بين الولايات المتحدة وروسيا، تشير المصادر الغربية إلى أن الحرب في أوكرانيا كشفت عن عدم قدرة موسكو على تطوير خط من الطائرات القتالية بدون طيار مماثلة لتلك التي تستخدمها واشنطن على مدى عقدين من الزمن. وأمام روسيا دولتان فقط يمكن أن تلجأ إليهما "لسد فجوة القدرات" في الطائرات القتالية من دون طيار، هما الصين وإيران. وبينما لا تريد بكين درجة أكبر من التصعيد مع الولايات المتحدة، فإن إيران تعتمد على الإنتاج المحلي، وهذا يمثل ميزة في ظل العقوبات المفروضة على كل من روسيا وإيران.

4- الحد من التعاون بين روسيا وإيران، حيث تأتي الاتهامات الغربية باستخدام موسكو مُسيّرات إيرانية كمحاولة لإحراج روسيا والحد من تعاونها العسكري والسياسي مع إيران، أو على الأقل إبطاء سرعته. إذ تعتبر الولايات المتحدة أن استمرار هذا التعاون بين موسكو وطهران يمكن أن يمثل تهديداً لمصالحها الاستراتيجية في أقاليم مختلفة ومنها الشرق الأوسط، وكذلك التأثير على مصالح وأمن حلفائها في ظل المخاوف من نقل التكنولوجيا العسكرية المُتقدمة من روسيا لإيران ومن وثم إلى وكلائها المسلحين في المنطقة. 

ختاماً، إن تبادل الاتهامات بين روسيا والغرب في العديد من الأمور بدايةً من تحديد المسؤول عن اندلاع الحرب الأوكرانية، واستمرارها وتصاعد حدتها، وحدود توسع حلف شمال الأطلسي "الناتو"، وتوظيف الحلفاء في هذه الحرب عبر إمدادات الأسلحة، ثم الانتقال لتصعيد التنافس في قضايا استراتيجية مثل الطاقة وإمدادات الغذاء العالمي والتوازنات الاقتصادية وغيرها؛ كل هذا المشهد المُعقد يؤكد أن ثمة تغيرات استراتيجية تقترب لتعيد تشكيل العلاقات بين القوى الدولية وما يستتبعه هذا من تداعيات على الدول والأقاليم الاستراتيجية كافة.