أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

تصعيد محتمل :

فرص انضمام فنلندا والسويد إلى حلف شمال الأطلسي

23 أبريل، 2022


أثارت تصريحات كل من رئيسة الوزراء الفنلندية، سانا مارين، ونظيرتها السويدية، ماجدالينا أندرسون، خلال مؤتمر صحفي مشترك بينهما في 13 أبريل الجاري جدلاً واسعاً في أوروبا وروسيا، إذ أكدت مارين على أن قرار التخلي عن سياسة فنلندا بعد الحرب الباردة المتمثلة في عدم الانحياز، والانضمام إلى الناتو سيتخذ في غضون "أسابيع وليس شهور". وبالمثل، أشارت أندرسون أن السويد، وبالتنسيق مع فنلندا، بدأت نقاشاً نشطاً حول الانضمام إلى الناتو.

وبالتوازي مع ذلك، أرسلت الحكومة الفنلندية تقريراً أمنياً للبرلمان، تشرح فيه الجوانب الإيجابية والسلبية للانضمام إلى الحلف، وهو ما جعل مارين تؤكد على أن الانضمام وعدم الانضمام هما خياران لهما عواقب، ولكنها أكدت على ضرورة تحقيق هدف فنلندا قبل كل شيء، وهو "ضمان أمن فنلندا والفنلنديين في جميع الأحوال". 

وبالنسبة للسويد، تشير التقديرات إلى أن حزب العمال الديمقراطي الاجتماعي السويدي، الحزب الحاكم بقيادة أندرسون يعكف حالياً على دراسة كل الخيارات المتاحة في ظل تغير الخريطة الأمنية بعد الغزو الروسي في أوكرانيا.

دوافع الانضمام للناتو: 

تتمثل أبرز الأسباب وراء إبداء رغبة البلدين، فنلندا والسويد، في الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي في التالي: 

1- الحصول على المظلة الأمنية للحلف: لا شك أن عضوية الناتو، حال تحقيقها لكلا البلدين، ستوفر حماية لهما ضد موسكو، بموجب المادة 5 من معاهدة شمال الأطلسي، والتي بموجبها يكون الهجوم على أي عضو في الحلف، هجوماً على جميع الأعضاء، يستوجب الرد الجماعي، وهو ما يعني أن الولايات المتحدة الأمريكية ستكون ملزمة بتقديم المساعدات العسكرية للبلدين في حال تعرضها لأي هجوم.

ويلاحظ أن البلدين تتمتعان بشراكة مع حلف الناتو عبر "شركاء الفرص المعززة"، لا سيما أنهما شاركا في العملية التي يقودها الناتو في أفغانستان، ويعمل كلاهما بشكل وثيق مع الولايات المتحدة.

ويرى الاستراتيجيون الأوروبيون أن قبول فنلندا عضواً في الناتو هو قيمة مضافة للحلف، إذ إن لديها قدرة على تعبئة 280 ألف جندي، كما أنها تمتلك دبابات قتال أكثر من برلين، وتمتلك قوة جوية مكونة من 64 طائرة من طراز " أف – 18"، ومن المتوقع أن تتسلم أيضاً 64 طائرة من طراز "إف – 35" بحلول عام 2026.

ومن ناحية أخرى، فإن الجيش السويدي يحتل المرتبة رقم 25 بين أقوى 142 جيشاً في العالم، وفقاً لتقديرات موقع جلوبال فاير بور الامريكي لعام 2022. كما يُعد أسطولها من أضخم 5 أساطيل بحرية في العالم.

2- العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا: يتمثل السبب الرئيسي المعلن وراء إبداء رغبة فنلندا والسويد الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي هو "الهجوم العسكري الروسي على أوكرانيا". 

فقد كان الخطاب السياسي الفنلندي متمسكاً بما يسمى بنهج هلسنكي، المعروف باسم "الفنلندنة" (Finlandization)، وهو نهج الحياد، أي تجنب الانضمام إلى حلف وارسو السوفييتي خلال الحرب الباردة، على الرغم من ضغوط موسكو، وذلك مقابل عدم الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي. 

أما السويد، فتتبنى سياسة الحياد منذ أكثر من قرنين من الزمن. وعلى الرغم من أن انضمام ستوكهولم إلى الاتحاد الأوروبي، وتعاونها مع الناتو من خلال برنامج الشراكة من أجل السلام، فإنها كانت تصر على أنها متمسكة بالحياد في وقت الحرب وعدم التحالف العسكري وقت السلم. 

3- مخاوف على جوتلاند السويدية: ينظر إلى الجزيرة من قبل الخبراء العسكريين باعتبارها "حاملة طائرات غير قابلة للغرق"، إذ إنها تتمتع بموقع استراتيجي يضمن السيطرة البحرية والجوية على بحر البلطيق، وتخشى السويد من أن تقوم موسكو باحتلالها. 

فقد قررت ستوكهولم في 2015 نقل فوج عسكري إلى هذه الجزيرة، وذلك في أعقاب ضم شبه جزيرة القرم من قبل روسيا. كما تم إرسال تعزيزات ومدرعات لتسيير دوريات في منطقة فيسبي الريفية، في يناير 2022، عندما أصبح التهديد الروسي لأوكرانيا أكثر وضوحاً. ويعتقد أنه في سيناريوهات التصعيد بين روسيا والغرب، قد تقوم موسكو باكتساح جوتلاند. 

4- وجود رأي عام داعم: أظهر استطلاع للرأي أجرته محطة الإذاعة الحكومية الفنلندية (Yle)، في الآونة الأخيرة، أن 53% من الفنلنديين يؤيدون الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، وذلك على عكس نتيجة استطلاع عام 2017، والتي كان 19% فقط من الفنلنديين يؤيدون الانضمام مقابل 53% يعارض الفكرة. وفي استطلاع آخر، تم إجراؤه من قبل منتدى الأعمال والسياسة الفنلندي في مارس الماضي، تبين أن 60% من الذين شملهم الاستطلاع أيدوا الانضمام إلى الناتو، بزيادة قدرها 34% عن عام 2021.

وعلى الصعيد السويدي، كشف استطلاع للرأي، في 4 مارس 2022، أجرته شركة "ديموسكوب" (Demoskop) التابعة لصحيفة أفتون بلادت (Aftonbladet Newspaper) السويدية أن 51% من السويديين يؤيدون انضمام بلادهم إلى حلف الناتو، وهو ما يعكس دعماً أقل للانضمام للحلف مقارنة بفنلندا. 

5- محاولة الغرب الضغط على بوتين: لعبت العملية العسكرية الروسية دوراً حاسماً في تقييد "سياسة الباب المفتوح" لحلف الناتو، إذ بات من الواضح ما هي التداعيات الأمنية التي سوف تتعرض لها الدول المجاورة لروسيا في حال قررت ذلك. وكان من الملحوظ أن كل من جورجيا ومولدوفا التزمت الصمت، ولم تعلن نيتهما الانضمام إلى الحلف، خاصة بعد التدخل العسكري الروسي. 

وفي المقابل، تسعى الولايات المتحدة والدول الغربية إلى التأكيد على أن هذا لن يحدث بالضرورة، وأن هناك دولاً أخرى، على غرار فنلندا والسويد، سوف تقوم بمعاقبة روسيا، والانضمام إلى حلف الأطلسي، أي أن سياسة موسكو في أوكرانيا سوف يكون لها نتائج عكسية متمثلة في انضمام الدولتين إلى الحلف، خاصة أن الحدود الروسية – الفنلندية المشتركة تمتد لنحو 1300 كيلومتر، مما يعني زيادة تهديد حلف الأطلسي إلى روسيا.  

ردود فعل الكرملين:

لا شك أن رغبة هلسنكي وستوكهولم في الانضمام إلى الناتو سيمثل تهديداً مباشراً للأمن القومي الروسي، وسوف تدفع موسكو لتبني سياسات تصعيدية، وذلك على النحو التالي:

1- نشر صواريخ نووية: يرى الروس أن انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو، سيعني عملياً استضافتهما قوات عسكرية أجنبية وأسلحة على أراضيهما.

وفي هذا الإطار، أكدت الخارجية الروسية أن انضمام السويد وفنلندا إلى الحلف ينذر بعواقب سلبية على الاستقرار بشمال أوروبا، إذ شددت على أن العضوية في الناتو ستجعل البلدين غير قادرين على تعزيز أمنهما القومي، لأنهما سيكونان تلقائياً على خط المواجهة الأول في الناتو ضد روسيا، وهو ما سيجبرها على نشر قواعدها ومعداتها العسكرية بالقرب من حدود البلدين لتأمين نفسها، وهو ما يمثل تهديداً مباشراً لهما. 

كما حذّر الرئيس الروسي السابق ونائب رئيس مجلس الأمن، ديمتري ميدفيديف، في 14 أبريل الجاري من أن روسيا ستنشر أسلحة نووية قرب دول البلطيق والدول الاسكندنافية في حال قرّرت الدولتين الانضمام إلى الحلف.

2- فرض عقوبات اقتصادية: قد تتخذ موسكو تدابير اقتصادية عقابية أخرى ضد الدولتين، والتي قد تمتد إلى إدراج فنلندا والسويد ضمن "الدول غير الصديقة". وتعتمد فنلندا على إمدادات الغاز الروسي بنسبة تتجاوز الــ 90%، وبذلك تُصبح فنلندا من أكثر الدول الأوروبية اعتماداً على الغاز الروسي. وبالتالي، فإن حدوث أزمة دبلوماسية وسياسية بين موسكو وهلسنكي، ستكون لها تبعاتها الاقتصادية السلبية على اقتصاد فنلندا، لاسيما في حالة قرار أحدهما الاستغناء عن الآخر فيما يتعلق بإمدادات الغاز، أو النفط. 

وفي الختام، يمكن القول إن انضمام هلسنكي وستوكهولم لحلف شمال الأطلسي قد يتسبب في مشاكل أمنية واقتصادية للدولتين، خاصة أن لهما وضعهما الخاص، ولا يمكن مقارنتهما بأوكرانيا، والتي سعت للانضمام إلى حلف الناتو، ومن ثم نقل قواعد حلف شمال الأطلسي إلى الجوار المباشر لروسيا، بما يحمله ذلك من تهديد مباشر للأمن القومي لموسكو. كما أن الادعاء بإمكانية أن تقوم روسيا باحتلال جزر تتبع السويد يعد أمراً مستبعداً طالما أن الدولتين لا تفرضان أي تهديد أمني لروسيا. 

وفي المقابل، قد تتبنى الدولتان نهج النرويج، والتي على الرغم من كونها عضواً مؤسساً في حلف الأطلسي، فإنها تعمل دائماً على الحفاظ على علاقات جيدة مع روسيا من خلال عدم سماحها بإنشاء قواعد عسكرية للحلف على أراضيها، وكذلك وضعها لقيود على تدريباته.