أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

مماطلة قائمة:

أبعاد الرد الإيراني على المُسودة المقترحة لإحياء الاتفاق النووي

25 أغسطس، 2022


أعلنت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، في 16 أغسطس 2022، أنهما يدرسان الرد الإيراني على المُسودة المُقترحة، التي تقدم بها مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جويب بوريل، لإنقاذ الاتفاق النووي الموقع مع إيران في 2015، من دون تحديد جدول زمني للرد على تلك المُقترحات، في حين أكدت طهران أنها قدمت رداً خطياً على المسودة، في 15 أغسطس، متوقعة أن يتم الرد خلال يومين.

تشدد إيراني مستمر: 

على الرغم من أن جولة المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة في فيينا، والتي تم استئنافها في 4 أغسطس، قد شهدت بعض التقدم، فإن ثمة مؤشرات تُدلل على استمرار تشدد إيران حيال مطالبها في المفاوضات، ويمكن استعراض ذلك على النحو التالي:

1- موافقة إيرانية مشروطة: قدم الاتحاد الأوروبي نصاً نهائياً لإيران بعد انتهاء المباحثات غير المباشرة بين الجانبين الأمريكي والإيراني في فيينا، واعتبرت بروكسل أن الاتفاق غير قابل للتفاوض، وأن الرد عليها سيكون بـ"نعم" أو "لا"، غير أن إيران عمدت للمماطلة مجدداً، وذلك عبر اشتراطها لقبول المقترح الأوروبي أن تقوم واشنطن بإبداء المرونة حيال ثلاث مسائل عالقة.

وأشارت مصادر إعلامية إلى أن تلك المسائل تتمحور حول إغلاق تحقيق الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول العثور على آثار يورانيوم مخصب تعود إلى ثلاثة مواقع غير معلنة في إيران، بالإضافة إلى اقتراح إيران في ردها على وضع آليات في النص النهائي من شأنها أن تسمح لها بزيادة أنشطتها النووية بسرعة إذا انسحبت واشنطن من أي اتفاق مستقبلي، بحسب ما ألمح مستشار فريق التفاوض الإيراني، سيد محمد ماراندي.

كما ترغب إيران في الحصول على تأكيدات بأن الشركات الغربية التي تستثمر في إيران وحتى المصارف الأجنبية ستتم حمايتها إذا انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاقية مرة أخرى، كما حصل في عهد الرئيس السابق، دونالد ترامب. 

وكان وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان أعلن، في 15 أغسطس الجاري، أن واشنطن وافقت شفهياً على اقتراحين لإيران، مطالباً بتحويل تلك الموافقة الشفهية إلى صياغة مكتوبة داخل النص المقترح، كما طالب بإبداء المرونة إزاء المقترح الثالث، من دون تحديد أي من تلك المقترحات. 

وأشارت مصادر إلى أن واشنطن تعهدت برفع عقوبات ثانوية عن عدد من الشركات الاقتصادية المرتبطة بالحرس الثوري، كما أبدت الاستعداد للنظر بإيجابية بشأن حل الخلاف بين طهران ووكالة الطاقة الذرية، إذا ما أكدت الأخيرة تعاون الأولى معها، وذلك من خلال دفع واشنطن والأطراف الغربية باتجاه إغلاق ملف التحقيق في المواد النووية السرية في اجتماع مجلس محافظي الوكالة القادم، في حين تجاهلت واشنطن المطلب الخاص بإبداء مرونة حيال مسألة دفع تعويضات لإيران حال انسحاب الأولى من الاتفاق النووي، وهو ما يعزز من فرضية استمرار القضايا الخلافية بين الجانبين.

2- بعث رسائل متباينة: سعت طهران إلى إيصال رسائل متناقضة للطرف الأمريكي بعد تسليم ردها على المُسودة الأوروبية، إذ كثّفت من اجتماعاتها للجهات المعنية بإدارة ملف المفاوضات، وصدرت عدّة تصريحات عن تلك الاجتماعات تؤكد أن رؤية طهران ووجهة النظر الأوروبية في بعض بنود المسودة المُقترحة ما زالتا غير متقاربتين. فقد أعلن أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، في اليوم ذاته الذي أعلنت فيه واشنطن دراستها لمُقترح بلاده، أن طهران لن تتراجع عن "خطوطها الحمراء"، مضيفاً أن المُقترحات الأوروبية التي تم تقديمها لم تعط إجابات واضحة بشأن مطالب إيران. 

وفي مقابل ذلك، أبدت إيران استعدادها لمبادلة سجناء مع الولايات المتحدة، وذلك بعد يوم واحد من تنديد وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، في 15 أغسطس الجاري، بمضي 2500 يوماً على الاحتجاز "الجائر" للمواطن الأمريكي من أصل إيراني، سياماك نمازي، في مؤشر على تفادي طهران التصعيد في كل الملفات الخلافية حتى لا يتم الإعلان عن فشلها وتحميل طهران مسؤولية ذلك.

3- استهداف قاعدة التنف الأمريكية: قامت ثلاث طائرات مُسيّرة، تابعة لميليشيات إيرانية، بمهاجمة قاعدة التنف الأمريكية عند المثلث الحدودي بين سوريا والعراق والأردن في 15 أغسطس. وعلى الرغم من أن الهجوم لم يسفر عن أي إصابات، إذ تمكنت واشنطن من اعتراض الهجمات، فإن هذه الهجمات جاءت، على ما يبدو، للرد على الهجمات الإسرائيلية على ريف دمشق وطرطوس في 14 أغسطس، والتي استهدفت شحنة صواريخ إيرانية كانت متوجهة إلى حزب الله اللبناني.   

ويعني ما سبق كذلك أن طهران تسعى للتأكيد لواشنطن أن أي هجوم إسرائيلي على مواقع نووية إيرانية سوف يواجه بهجوم من جانب إيران وميليشياتها على القواعد الأمريكية المنتشرة في الشرق الأوسط. وتتعزز احتمالية حدوث ذلك في حالة فشل المفاوضات.

4- التظاهر بعدم التعويل على توقيع الاتفاق: ترسل إيران رسائل بأنها غير مكترسة بالتوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة، فقد صرّح نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون الاقتصادية، محسن صفري، في 16 أغسطس، أن "العقوبات لا تعادل الموت"، في إشارة إلى استعداد إيران لخيار فشل الاتفاق النووي.

ويمكن تفسير الموقف الإيراني على أساس حرصها على التشدد، وتأكيد إصرارها على ما تسميه "خطوطاً حمراء"، فضلاً عن إدراك طهران احتمالية أن يكون هذا الاتفاق المُحتمل توقيعه مع واشنطن مؤقت وقصير العمر، بمعنى تزايد احتمالية تعرضه للتعديل أو الإلغاء بعد انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي في نوفمبر المُقبل، أو عقب مجيء رئيس جمهوري في الانتخابات الأمريكية في 2024، هذا إلى جانب سعي إيران لتطوير علاقات اقتصادية وتجارية مع روسيا والصين وفنزويلا، للتخفيف من تأثير العقوبات.

تردد أمريكي قائم:

يمكن استعراض موقف الإدارة الأمريكية من المطالب الإيرانية في التالي:

1- دراسة المُقترحات الإيرانية: رحبت واشنطن على لسان وزير خارجيتها بالمُسودة الأوروبية، واعتبرتها الأساس الذي يمكن التوصل إلى اتفاق على أساسه. وتمت الإشارة إلى أن المسودة تضمنت بعض التنازلات من جانب واشنطن لإيران، لاسيما فيما يتعلق بتقليل الضغط عن الحرس الثوري وغلق ملف التحقق الخاصة باليورانيوم في حالة تعاون طهران في هذا الملف مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

ويلاحظ أن هناك تراجعاً في الموقف الأمريكي، فعلى الرغم من تأكيد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، نيد برايس، أن "ما يمكن التفاوض عليه مع إيران قد تم التفاوض عليه، وأن الكرة في ملعب طهران"، فإن قبول واشنطن دراسة المقترحات الإيرانية الجديدة يُدلل على تمسك إدارة بايدن بالخيار الدبلوماسي، وافتقادها عملياً لخيارات أخرى، أو عدم استعدادها لدفع كلفة هذه الخيارات.

2- التهديد بفرض مزيد من العقوبات: حذرت الخارجية الأمريكية طهران من فرض عقوبات جديدة عليها، في حال رفضت المسودة المطروحة، والتي اعتبرتها السبيل الوحيد لإحياء الاتفاق النووي، غير أن هذا التهديد جاء بالتزامن مع تحذير واشنطن من اقتراب طهران من حيازة مواد كافية لصنع قنبلة نووية، وهو ما يعني أن واشنطن تسعى لتبرير استمرارها في المفاوضات على الرغم من تعنت إيران، ورفضها التخلي عن خطوطها الحمراء حتى الآن.

3- التهديد باستهداف الأنشطة النووية: تواصل واشنطن التنسيق مع تل أبيب لمنع إيران من الوصول للسلاح النووي. وأجرى وزير الدفاع الإسرائيلي، في 17 أغسطس الجاري، اتصالاً هاتفياً مع نظيره الأمريكي لويد أوستن، أكدا فيه الحاجة للقيام بأنشطة لمنع إيران من التقدم بالعملية للحصول على سلاح نووي، وهو ما قد يعني توجيه تهديدات مبطنة لإيران بالاتجاه لتنفيذ عمليات تخريبية ضد برنامج إيران النووي، في حال استمرت الأخيرة في التعنت في المفاوضات. 

وفي التقدير، يمكن القول إن تحفظ إيران على مسودة النص المُقترح في المفاوضات النووية، يُشير إلى اختيارها نهج التسويف والمماطلة، وهو ما يرتبط بإدراك طهران أن الغرب يتحاشى الإعلان رسمياً عن انهيار المفاوضات، نظراً لأن مثل هذا السيناريو سيفرض على واشنطن ضغوطاً لتبني آليات بديلة للتعامل مع إيران، وليس من الواضح أن الولايات المتحدة مستعدة لذلك، خاصة مع انشغالها بالصراع مع روسيا والصين. وفي ضوء ذلك الوضع، فإن الخيارات المتاحة عملياً أمام واشنطن هي الاستمرار في مفاوضات دبلوماسية من دون جدوى، أو التسليم بالخطوط الحمراء الإيرانية، وهو ما يعني عملياً إحياء اتفاق ضعيف لا يفرض قيوداً حقيقية على محاولات إيران امتلاك برنامج نووي عسكري.