لا تزال الأزمة السياسية في العراق تشهد مزيداً من التعقيدات، سواء فيما يتعلق بانتخاب رئيس الجمهورية، أو رئيس الحكومة العراقية، في ظل استمرار الخلافات بين مختلف القوى السياسية الرئيسية منذ إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وهو ما دفع بعض القوى السياسية العراقية، لاسيما الإطار التنسيقي والتيار الصدري، إلى طرح عدد من المبادرات لحلحلة الوضع المتأزم.
المستجدات الراهنة:
شهدت الساحة العراقية المزيد من التطورات خلال الفترة الأخيرة، وهو ما يمكن استعراضه في النقاط التالية:
1- تكرار التنسيقي لمبادراته: طرح الإطار التنسيقي مبادرة، في 4 مايو، والتي تضمنت تسع نقاط رئيسية، وهي لم تختلف عن مبادراته السابقة، من حيث تركيزها على حق الأغلبية، ممثلة في المكون الشيعي حصراً باختيار منصب رئيس الوزراء وتشكيل حكومة توافقية، وهو ما يعني سحب أحقية التيار الصدري في اختيار رئيس الوزراء بصفته الفائز الأول بالانتخابات. ويلاحظ أن هذا العنصر ظل القاسم المشترك في كل مبادرات التنسيقي السابقة.
أما البعد الجديد في هذه المبادرة، فتتمثل في أنها جاءت بفقرات تتعلق بإعطاء مساحة محدودة للنواب المستقلين لتقديم مرشح لمنصب رئيس الوزراء شرط أن تتم الموافقة عليه من قبل كتلة "المكون الأكبر"، وهو ما يعني أن حظوظه سوف تكون في الواقع العملي معدومة.
وعلى صعيد آخر، سعت المبادرة لخلط الأوراق عبر الدعوة إلى إعادة انتخاب رئيس البرلمان مجدداً، وذلك من بوابة الحديث عن أهمية أن تحظى الرئاسات الثلاث، الجمهورية والبرلمان والحكومة، بموافقة جميع المكونات.
2- مبادرة الصدر وورقة المستقلين: طرح الصدر مبادرة سياسية بعد إخفاق التنسيقي في تشكيل الحكومة العراقية خلال المدة الزمنية التي منحها الصدر لهم، والمقدرة بأربعين يوماً، حيث دعا المستقلون (وعددهم 40 نائباً) في مجلس النواب إلى الانضمام لتحالف إنقاذ وطن في مدة أقصاها 15 يوماً، لتشكيل حكومة مستقلة، مع عدم أخذ التيار الصدري لأي حقيبة وزارية.
كما دعا الصدر بعض مكونات التنسيقي، ممن يحسن الظن بهم، إلى الانضمام لتحالف الصدر والمستقلين لتشكيل الحكومة. وأعلنت كتلة العراق المستقل (4 نواب)، بأنها وافقت على دعوة الصدر، كما دعت الأخيرة المستقلين، سواء المنضوين في كتل سياسية، أو فرادى، إلى توحيد الجهود للخروج بتشكيل سياسي مستقل قادر على وضع حل للأزمة الحالية التي يمر بها العراق.
3- تحركات الحلبوسي الأخيرة: توجه رئيس البرلمان، محمد الحلبوسي، على رأس وفد برلماني إلى طهران في 27 أبريل الماضي، وهي الزيارة التي جاءت عقب انتقاد الحلبوسي للفصائل المسلحة الموالية لطهران، والتي وصفها بـالخارجة عن القانون، وتلويحه بالانسحاب من العملية السياسية.
وقد تكون زيارة الحلبوسي إلى طهران هدفت إلى التعبير عن رفض سياسات التنسيقي الأخيرة والتي تمثلت في عودة عدد من القيادات السياسية السنية المستبعدة إلى الساحة السياسية العراقية، مثل رافع العيساوي وسطام أبو ريشة وعلي حاتم السليمان. ويبدو أن إيران سعت من خلال تحريض التنسيقي على هذه الخطوة تحجيم نفوذ الحلبوسي، باعتبار أنه أحد زعماء المكون السني الرئيسيين.
ومن جهة أخرى، قد يكون الحلبوسي سعى لإقناع إيران بالسماح لبعض القوى المنضوية تحت التنسيقي بفك تحالفهم مع المالكي والانضمام للصدر في تشكيل الحكومة العرقية. ولعل ما يدعم ذلك تقدير شخصيات إيرانية أن هناك تياراً في طهران يدعم هذا التوجه، غير أن الحرس الثوري الإيراني يعارضه، خوفاً من تأثير ذلك سلباً على نفوذه في العراق.
استقطابات متوقعة:
تكشف المبادرات السابقة عن تصاعد وزن المستقلين في تشكيل الحكومة العراقية، وهو ما يمكن توضيحه في النقاط التالية:
1- تصاعد دور المستقلين: على الرغم من عدم إعلان النواب المستقلين عن موقفهم النهائي، سواء من مبادرة الإطار التنسيقي أو مبادرة الصدر، فإن بعضهم قد اصطف خلف الصدر. وتجدر الإشارة إلى أن المستقلين لا ينخرطون في تكتل واحد متماسك، حيث إنهم منقسمون لعدة تكتلات سواء حزبية أو فردية.
وتشير التقديرات إلى وجود أربعة أنواع من النواب المستقلين، وهم أولاً، المستقلون فعلياً، أي غير الموالين لأي حزب أو تكتل سياسي، وعددهم أقل من 7، وثانياً، المستقلون الموالون للإطار التنسيقي وعددهم 10، وثالثاً، المستقلون التابعون لتحالف إنقاذ وطن وعددهم يتراوح بين 7 و10، ورابعاً، المستقلون الذين من غير الواضح تبعيتهم السياسية، وعددهم يتراوح بين 24 و30 نائباً.
2- تنازل الصدر للمستقلين: قام التيار الصدري بتقديم بعض التنازلات عن حصته من الوزارات في الحكومة، وهي حوالي 12 حقيبة وزارية، لصالح المستقلين مقابل الانضمام إلى صفوف تحالف إنقاذ وطن، وبحسب التقديرات، فإن عدد الحقائب الوزارية في الحكومة المقبلة سيكون حوالي 22 أو 23 وزارة، منها 12 وزارة للقوى الشيعية، والتي كان من المفترض أن يمثلها الصدر.
وفي مقابل ذلك، سوف يتمكن مقتدي الصدر من ترشيح ابن عمه وسفير العراق في لندن، لرئاسة الحكومة المقبلة، إذ يدرك النواب المستقلون صعوبة تسمية رئيس وزراء من المستقلين، من دون دعم من إنفاذ وطن، والذي يمتلك الأغلبية، ولذلك، فإن الخيار المنطقي هو التوافق مع إنفاذ وطن على مرشح رئيس الوزراء، مقابل تخصيص مقاعد وزارية للمستقلين.
3- عرض مقابل للمستقلين: تبنت حركة امتداد، وكتلة حراك الجيل الجديد الكردية بقيادة شاسوار عبدالواحد، مواقف داعمة للتيار الصدري، وهو ما وضح في إعلانهما النية لتقديم شكوى للمحكمة الاتحادية لتغريم النواب المتغيبين عن جلسات البرلمان في إشارة إلى نواب التنسيقي والقوى المتحالفة معه.
كما أكد مصدر موثوق مقرب من حركة امتداد، إن مسألة رئيس الجمهورية يمكن حسمها بسهولة في حال وافق تحالف الأغلبية على المعايير التي سيضعها تحالف "من أجل الشعب" (يضم حركتي امتداد والجيل الجديد وآخرون بواقع 18 مقعداً) لمنصب رئيسي الدولة والحكومة، وإن أكد في النهاية تفضيل هؤلاء المستقلين البقاء في المعارضة وعدم المشاركة في الحكومة المقبلة، أي أن التحالف يعرض على الصدر معايير عامة لمن يشغل منصب رئيس الدولة والحكومة مع عدم ترشيح شخص محدد من قبلهم، أو مشاركتهم في الحكومة القادمة.
وفي الختام، يكشف لجوء الأطراف السياسية الرئيسية، سواء التنسيقي أو التيار الصدري إلى محاولة كسب المستقلين إلى صفوفهم، أن كلا الطرفين بات عاجزاً عن تشكيل الحكومة العراقية المقبلة، لذلك من المتوقع أن تشهد الأيام المقبلة حراكاً من جانب التيار الصدري، صاحب الأغلبية، لاستقطاب المستقلين، وبعض القوى داخل التنسيقي، لعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، للمضي نحو تشكيل الحكومة الجديدة.
وقد يمهد المشهد الراهن لإمكانية بقاء الحكومة الحالية، أي حكومة الكاظمي لبعض الوقت، حيث إن إغلاق كافة قنوات الحوار بين القوي السياسية العراقية مع تمسك كل طرف بمطالبه قد تؤدي إلى هذه النتيجة في نهاية المطاف، خاصة إذا ما حرصت معظم القوي السياسية إلى تجنب سيناريو إجراء انتخابات جديدة.