فشل مجلس النواب العراقي في جلسته المنعقدة، في 26 مارس الجاري، في انتخاب رئيس الجمهورية للمرة الثانية، بعد أن فشل في عقدها في 7 فبراير الماضي، لمقاطعة أغلب القوى السياسية الرئيسية واقتصار حضورها على حوالي 40 عضواً، أغلبهم من المستقلين.
وحدد البرلمان العراقي يوم الأربعاء، الموافق 30 مارس، موعداً جديداً لانتخاب رئيس الدولة، وسوف تكون هذه الجلسة هي الجلسة قبل الأخيرة؛ إذ تنتهي المهلة الدستورية التي حددتها المحكمة الاتحادية العليا في 6 أبريل القادم.
أسباب إخفاق النصاب:
قاطع عدد من نواب البرلمان جلسة انتخاب الرئيس، وتحديداً نواب الإطار التنسيقي (81 مقعداً)، والاتحاد الوطني (18 مقعداً)، وتحالف عزم (12 مقعداً)، وإشراقة كانون (6 مقاعد)، وكذلك مقاطعة المشروع الوطني العراقي برئاسة جمال الضاري، فضلاً عن صوت المستقلين (ثلاث نواب)، ونائب واحد من المستقلين، وأربعة نواب لجماعة العدل الإسلامية والاتحاد الإسلامي الكردستاني. وتعود أسباب هذه المقاطعة إلى الأسباب التالية:
1- إصرار التنسيقي على حكومة طائفية: يصر الإطار التنسيقي على تشكيل حكومة طائفية، وأن يعود مقتدى الصدر، زعيم ائتلاف "إنقاذ وطن" إلى التفاهم مع الإطار التنسيقي لتشكيل الحكومة العراقية، واختيار رئيس الوزراء، وهو ما يعني تخلي الصدر عن تحالفه العابر للطائفية مع السنة والأكراد، وهو ما رفضه الصدر.
2- رغبة الاتحاد في ترشيح الرئيس: كان من العوامل التي أدت إلى فشل تمرير الجلسة السابقة للبرلمان عدم توصل الحزبين الكرديين الرئيسيين لاتفاق على مرشح "توافقي" لمنصب رئيس الدولة، إذ يصر الحزب الديمقراطي الكردستاني على ترشيح رئيس الدولة، على أساس أنه الحزب الذي حصد أغلب أصوات الأكراد.
وفي المقابل يرى الاتحاد الوطني الكردستاني أنه الأحق بالمنصب بناء على التفاهمات السابقة التي كانت سائدة بين الحزبين منذ انتخابات 2005، والتي تقضي بأن رئيس الدولة العراقية من حصة الاتحاد الوطني الكردستاني، مقابل حصول الاتحاد الوطني على منصب رئاسة إقليم كردستان العراق. ويلاحظ أن الاتحاد الوطني يمتلك حوالي 18 مقعداً، أي أن حضوره الجلسة كان كفيلاً بتوفير النصاب القانوني، والبالغ 220 نائباً.
3- ضبابية موقف المستقلين: يلاحظ أن المستقلين لعبوا دوراً كبيراً في عدم اكتمال النصاب القانوني للجلسة، وهو ما يعود إلى تحالف بعض النواب المستقلين مع الإطار التنسيقي، مثل النائب باسم خشان، بينما قاطع البعض الآخر الجلسة، ليس لتحالفهم مع الإطار التنسيقي، ولكن لعدم توصلهم لتفاهمات كافية مع الصدر.
ويندرج تحت الفئة الثانية إشراقة كانون، والتي نفت التوقيع على الورقة التي قدمها ممثل الإطار التنسيقي النائب أحمد الأسدي إلى رئيس البرلمان، وتضمنت أسماء 126 نائباً مقاطعا للجلسة، من بينهم نواب "إشراقة كانون" الستة.
ومن جانب أخر، زعم مرشحون مستقلون لمنصب رئيس الجمهورية العراقية أنهم منعوا من دخول جلسة انتخاب الرئيس، وهو ما جاء على لسان المرشح للمنصب حيدر رشيد، في مؤتمر صحفي مشترك مع 10 مرشحين آخرين أمام مبنى البرلمان، وذلك من دون توضيح الجهة التي منعتهم من الدخول، وهو ما قد يؤشر إلى سعيهم للحصول على مكاسب سياسية.
خيارات الصدر التالية:
لايزال الصدر يمتلك الأغلبية السياسية في العراق، وتتمثل خياراته بعد جلسة 26 مارس في التالي:
1- محاولة استقطاب المستقلين: فتح الصدر قنوات حوار مع نواب مستقلين ضمن البيئة النجفية، الذين لديهم خلافات مع التيار الصدري، وذلك بغرض إقناعهم بحضور جلسة انتخاب الرئيس، مقابل الاستجابة لبعض مطالبهم.
وليس من الواضح مدى نجاح الصدر في هذا الصدد، أو عدد النواب الذي استطاع إقناعهم بالحضور. وفي المقابل، تحدث نواب مستقلون، عن تعرضهم إلى "ضغوط هائلة" وصلت إلى درجة التهديد أو الابتزاز، تحذرهم من حضور جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، في إشارة محتملة إلى الإطار التنسيقي.
2- محاولة التحالف مع الاتحاد الوطني: تتمثل أحد الخيارات المطروحة أمام الصدر في التفاوض مع الاتحاد الوطني الكردستاني للمشاركة في الحكومة القادمة، غير أن هذا الأمر سوف يتطلب تقديم الحزب الديمقراطي الكردستاني لتنازل لصالح الاتحاد الوطني، والمتمثل في قبول ترشيح برهم صالح، مرشح الأخير، لمنصب رئيس الدولة، وهو أمر يبدو أن الديمقراطي الكردستاني يعارضه حتى اللحظة.
3- الذهاب إلى انتخابات جديدة: من المسارات المحتملة أمام الصدر أن يقوم البرلمان بحل نفسه وذلك في حالة عدم انتخاب رئيس الجمهورية ضمن المهلة الدستورية التي تنتهي في 6 أبريل المقبل، وهو وما ترفضه معظم القوى السياسية للتخوف من إمكانية تغيير حجم الأصوات التي حصلت عليها في تلك الانتخابات، بمن فيهم النواب المستقلون ونواب المعارضة.
4- الاستجابة لطلب الإطار التنسيقي: دعا الإطار التنسيقي بعد جلسة 26 مارس الصدر إلى التوصل لتوافق يتخلى بموجبه الصدر عن حلفائه في ائتلاف "إنقاذ وطن"، لينضم للإطار التنسيقي، ويشكل كتلة شيعية، وهو الخيار الذي أكد الصدر على رفضه بعد جلسة 26 مارس، مؤكداً عدم العودة إلى "خلطة العطار"، أي تجديد رفضه للعودة إلى المحاصصة الطائفية مرة أخرى.
ويرجع ذلك إلى عدة أسباب أبرزها أن ذلك سوف يعني اختيار التنسيقي، ومن ورائهم إيران لرئيس الوزراء المقبل، وهو أمر يرفضه الصدر باعتباره استحقاق خاص به، كما أن التحالف مع التنسيقي سوف يعني تخلي الصدر عن أهدافه، والتي تتمثل في مكافحة الفساد، وضبط سلاح الميليشيات الشيعية خارج سيطرة الدولة العراقية.
ونظراً لموقف الصدر هذا، فقد ألغت طهران زيارة رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي إلى إيران برفقة وفد نيابي، التي كانت مقررة في 27 مارس الحالي، والتي كانت تلبية لدعوة رسمية من رئيس مجلس الشورى الإسلامي الإيراني، محمد باقر قاليباف، وهو ما يشير إلى أن طهران سوف تتجه خلال الفترة القادمة لضمان استمرار الثلث المعطل لعرقلة تشكيل حكومة الأغلبية، وتوظيف الأدوات كافة في ذلك، سواء تمثلت في الترغيب، أو التهريب، حتى لا ينتكس نفوذها على بغداد.
5- استمرار الفراغ الدستوري: يتمثل هذا السيناريو في إخفاق مجلس النواب في توفير النصاب القانوني، سواء في جلسة 30 مارس، أو 6 أبريل، وهو ما يعني دخول البلاد في حالة فراغ سياسي.
وفي ظل هذا الوضع، ورفض أغلب القوى السياسية لإقامة انتخابات جديدة، فإن الصدر قد يتجه للضغط على الإطار التنسيقي عبر تفعيل البرلمان الجديد، سواء عبر إصدار قوانين تنفذ رؤية الصدر للإصلاح، وهو ما سوف ينظر إليه الإطار التنسيقي باعتباره تهديداً لهم، أو نزع الثقة عن بعض الوزراء المحسوبين على الإطار التنسيقي في حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الحالية.
وفي الختام، يمكن القول إن إخفاق الصدر في تحقيق النصاب في جلسة 26 مارس لم يمنعه من السير قدماً في تحقيق هدفه، والإصرار على توفير النصاب القانوني لتمرير حكومة أغلبية تستبعد حلفاء طهران، وقد يتمثل أحد الخيارات أمامه في محاولة إقناع الحزب الديمقراطي الكردستاني بمراجعة موقفه الخاص بالتمسك بمنصب رئيس الجمهورية والدخول في توافقات مع الاتحاد الوطني الكردستاني وتقديم شخصية توافقية تحسم هذا الجدل قبل 6 أبريل القادم، في حالة فشل جلسة 30 مارس، وذلك لتوفير النصاب القانوني وضمان تشكيل حكومة أغلبية تعمل على تحقيق مصالح العراق بعيداً عن محاولة الهيمنة الإيرانية.