كشفت القناة "12" الإسرائيلية عن مطالبة الولايات المتحدة إسرائيل بضرورة الانضمام إلى العقوبات الأمريكية على روسيا على خلفية غزوها لأوكرانيا، وفي حين أن تل أبيب لا ترغب في إغضاب واشنطن، فإنها تدرك جيداً أن الانضمام للعقوبات سوف يكون له انعكاسات كارثية على أمنها القومي، إذ سوف تتجه موسكو لمنع إسرائيل من حرية استخدام المجال الجوي السوري لضرب الأهداف الإيرانية في سوريا.
أبعاد الموقف الأمريكي:
بدأت الولايات المتحدة حملة للضغط على حلفائها لتأييد ما تفرضه من عقوبات ضد روسيا، خاصة أن العديد من الحلفاء التقليديين قد حادوا عن تأييد الموقف الأمريكي من الصراع الأوكراني، وهو ما وضح من امتناع العديد من الدول عن التصويت لصالح المشروع الأمريكي الذي يدين العدوان الروسي في الجمعية العامة للأمم المتحدة. ويمكن توضيح الموقف الأمريكي في التالي:
1- رفض تحول إسرائيل لملاذ آمن للروس: تتخوف واشنطن بشأن إمكانية تحوّل إسرائيل لوجهة لاستقبال الأموال الروسية عبر توجيه رجال الأعمال الروس أموالهم لإسرائيل التي لم تنضم بعد للعقوبات الغربية، فقد أشارت تقارير إعلامية إسرائيلية إلى أن العديد من الطائرات الخاصة الروسية المملوكة للأثرياء الروس قد توجهت لمطار بن غوريون الدولي في إسرائيل قادمة من سان بطرسبورج منذ بدء الهجمات الروسية على أوكرانيا.
2- الضغط على الحلفاء: تعول الولايات المتحدة على تضامن حلفائها وتأييدهم الجماعي للعقوبات الأمريكية ضد روسيا، وذلك للضغط على الاقتصاد الروسي بصورة تسهم في وقف عملياتها العسكرية في أوكرانيا، وهو أمر يتطلب مشاركة إسرائيل في تأييد تلك العقوبات، حسبما صرح مسؤول بارز بالسفارة الأمريكية في تل أبيب.
وكشفت نائبة وزير الخارجية الأمريكي، فيكتوريا نولاند، أن واشنطن قد طلبت من إسرائيل الانضمام للعقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا؛ حتى لا تتحول إسرائيل إلى ملجأ "للأموال القذرة" والتي تُوظف لتمويل العملية العسكرية الروسية بالأراضي الأوكرانية.
موازنة إسرائيلية:
حرصت إسرائيل على تحقيق التوازن في موقفها من الأزمة، إذ تتخوف إسرائيل من الإضرار بمصالحها وأمنها القومي إذا ما تمادت في إدانة العمليات العسكرية الروسية ضد أوكرانيا؛ ولذلك اتسم السلوك الإسرائيلي بالتالي:
1- الكشف عن انقسام الدوائر الإسرائيلية: حرصت إسرائيل منذ بداية الصراع الأوكراني على إصدار تصريحات متضاربة تجاهه، فقد صرح وزير الخارجية، يائير لابيد، أن إسرائيل ستقف إلى جانب حليفها الأمريكي التقليدي في حالة إقدام روسيا على غزو أوكرانيا، قبل أن ينفي هذه التصريحات مؤكداً سوء تأويلها، في حين أن رئيس الوزراء، نفتالي بينيت، قد سبق وأصدر تعليمات للوزراء بعدم التعبير عن آرائهم حول التوترات الروسية – الأوكرانية، والتركيز فقط على مساعدة الإسرائيليين على مغادرة أوكرانيا، وذلك قبل اندلاع الحرب بين الجانبين.
2- التنديد بالغزو من دون فرض عقوبات: نددت إسرائيل بما اسمته "الغزو الروسي" وأرسلت مساعدات إنسانية إلى أوكرانيا، لكنها لم تفرض عقوبات على موسكو ولم تنضم للعقوبات الغربية رسمياً، وإن كان من الملاحظ أن بعض الشركات الإسرائيلية قد أوقفت عملياتها في روسيا بشكل فردي.
3- الوساطة بين طرفي الصراع: حاول بينيت استغلال العلاقات الإسرائيلية القوية بكل من روسيا وأوكرانيا من أجل التوسط بينهما، فقد توجه رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، إلى موسكو في خضم المواجهات العسكرية والتقى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في الكرملين بعد العمليات العسكرية الروسية ضد أوكرانيا، كما أنه أجرى مباحثات هاتفية مع الرئيسين الروسي والأوكراني بعيد ذلك.
ويبدو أن تلك التحركات تمت بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية، وتسعى تل أبيب لاستغلال هذه الوساطة لتجنب الانضمام إلى العقوبات الأمريكية على روسيا، وذلك على أساس أن انضمامها للعقوبات سوف يحد من قدرتها على لعب دور الوسيط.
وفي حين تداول موقع والا الإخباري أخباراً أوكرانية تفيد بأن رئيس الحكومة نفتالي بينيت طلب من الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، قبول العرض الروسي لوقف الحرب، وهو ما رفضه الأخير معتبراً إياه طلباً للاستسلام، إلا أن الموقع الإسرائيلي عاد وشكك في صحة تلك التصريحات الأوكرانية، مشيراً إلى أن بينيت لا يعتزم تقديم أي توصيات أو نصائح حول كيفية تصرف أوكرانيا في أي مرحلة من مراحل الصراع، وأن المحادثة الهاتفية قد دارت حول بحث إمكانية عقد اجتماع وساطة في القدس.
4- استقبال اللاجئين الأوكرانيين: أعلنت إسرائيل عن زيادة حصة استقبالها للاجئين الأوكرانيين غير اليهود لتصبح 25 ألف لاجئ. وكان هناك في إسرائيل، بشكل مؤقت، نحو 20 ألف أوكراني قبل اندلاع الحرب، ومعظمهم متواجدون بشكل غير قانوني، ولم تتخذ تل أبيب أي إجراء لترحيلهم. وقد وصل حوالي 3400 فرد من الأوكرانيين غير اليهود إلى إسرائيل منذ بدء الغزو الروسي في 24 فبراير. وبموجب السياسات الإسرائيلية الجديدة، سيحصل أي مواطن أوكراني يدخل إسرائيل على تصريح مؤقت للبقاء لمدة 3 أشهر، وإذا لم يتحسن الوضع في أوكرانيا، فسيُسمح لهم بالتقدم للعمل داخل إسرائيل.
كما تقرر إلغاء شرط المطالبة بإيداع 10 آلاف شيكل (3000 دولار) عند دخول البلاد، لضمان مغادرة اللاجئين بالنهاية. وبدلاً من ذلك، سيُطلب من طالبي اللجوء التوقيع على وثيقة تلتزم بمغادرة البلاد بمجرد أن يسمح الوضع في أوكرانيا بذلك.
وبالإضافة إلى ما سبق تخطط إسرائيل لاستضافة حوالي 100 ألف من اليهود المهاجرين، وأغلبهم قادمون من أوكرانيا، وأكدت وزارة التعليم الإسرائيلية أنها تستعد لاستيعاب ما يصل إلى 2000 تلميذ أوكراني في نظام التعليم خلال الأيام المقبلة.
5- رفض الكنيسيت طلب زيلينسكي: طلب زيلينسكي، في 9 مارس، الماضي من رئيس الكنيست، ميكي ليفي، إلقاء كلمة أمام البرلمان الإسرائيلي عبر الفيديو، لكن رفُض ذلك الطلب لأن نواب الكنيست بدؤوا عطلة تمتد لشهرين منذ يوم الخميس الماضي.
التداعيات المحتملة:
تجد إسرائيل نفسها في موقف غير مريح، إذ ما تجاوبت مع المطالب الأمريكية بالتماهي مع العقوبات الأمريكية ضد روسيا، نظراً لتداعيات ذلك على علاقاتها بالأخيرة، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:
1- توتر محتمل للعلاقات الأمريكية – الإسرائيلية: تستمر واشنطن في الضغط على إسرائيل، وتسعى الأخيرة للتهرب منها، من دون رفضها تماماً، وذلك عبر لعب دور الوساطة بين روسيا وأوكرانيا. وفي حالة ضغطت واشنطن على إسرائيل، فإنها سوف تحتاج إلى تبني موقف صريح، إما بالتجاوب مع العقوبات الأمريكية، أو رفضها، وهو أمر سيكون له تداعيات مباشرة على علاقاتها بواشنطن وأوكرانيا.
وأكد على ذلك وزير الدفاع الأوكراني (اليهودي)، أليكسي ريزنيكوف، والذي يرى أن الموقف الإسرائيلي يرقى إلى حد الخيانة، بسبب عدم اتخاذ إسرائيل موقفاً واضحاً ضد الغزو الروسي، الأمر الذي من شأنه أن يقوض الثقة بين كييف وتل أبيب في السنوات القادمة.
2- تضرر المصالح الإسرائيلية في سوريا: تعتمد إسرائيل على التنسيق مع القوات الروسية في الأراضي السورية، لتنفيذ ضربات عسكرية ضد التمركزات الإيرانية في الأراضي السورية التي تمثل تهديداً لها، فضلاً عن محاولة وقف محاولات إيران لتهريب الأسلحة الإيرانية إلى حزب الله اللبناني عبر سوريا.
ومن شأن تماهي تل أبيب مع العقوبات الأمريكية أن تتجه موسكو لإغلاق المجال الجوي السوري في وجه الطيران الإسرائيلي، بما يحد من قدرة إسرائيل على تنفيذ عمليات ضد إيران، وهو ما يعني أنه سيكون بمقدور الأخيرة أن تعزز وجودها العسكري في سوريا، بما يمثله ذلك من تهديد مباشر لإسرائيل.
وسبق وأن قامت روسيا بتفعيل نظم دفاعها الجوي واعترضت العديد من الصواريخ الإسرائيلية التي أطلقتها ضد سوريا لبعض الوقت في النصف الثاني من العام الماضي، وهو ما أجبر بينيت حينها على زيارة روسيا للتنسيق معها والسماح للجيش الإسرائيلي بتنفيذ عمليات ضد إيران في سوريا.
ولم تترك روسيا أي مجال للشك حول طبيعة الرد الروسي على أي عقوبات إسرائيلية محتملة، فقد سبق وأن أعلنت البعثة الروسية في الأمم المتحدة، في 24 فبراير، عدم اعتراف روسيا بسيادة إسرائيل على الجولان السوري المحتل، وذلك بعد إعلان إسرائيل إدانتها للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
كما نشرت وسائل اعلام روسية، في 13 مارس، فيديو لقيام دورية عسكرية روسية بمهماتها في الجانب السوري من هضبة الجولان التي تحتلها إسرائيل منذ 1967، الأمر الذي اعتبره مراقبون تذكيراً بدور روسيا في "ضمان أمن إسرائيل ضد نشاط ميليشيات إيران" جنوب سوريا.
وفي الختام، يمكن القول إن إسرائيل تفضل التهرب من الالتزام بالعقوبات الأمريكية ضد روسيا، حتى لا تتضرر مصالحها في سوريا، خاصة في الوقت الذي تتجه فيه إيران إلى التصعيد إقليمياً، وتحاول تهديد أمن إسرائيل والمصالح الأمريكية باستخدام الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية، بينما تفضل واشنطن، في هذه المرحلة، تبني خيارات دفاعية، في مواجهة التصعيد الإيراني، وهو الخيار الذي قد لا يكون مقبول إسرائيلياً، إذ تفضل تل أبيب تنفيذ عمليات عسكرية مستمرة لتقليص التهديدات الإيرانية بالقرب من حدودها.