أثارت النتائج الأولية الكاملة للانتخابات البرلمانية العراقية في أكتوبر 2021 الكثير من التساؤلات حول انعكاساتها على الدور الإيراني في العراق، بعدما تراجت نتائج الفصائل المدعومة من إيران سياسياً في تلك الانتخابات.
قراءة في الموقف الايراني:
يمكن التمييز بين الموقف الإيراني الرسمي، والذي اكتفى بالترحيب بإجراء الانتخابات، وبين الموقف الإعلامي، والذي جاء متبايناً في قراءته للمشهد الانتخابي العراقي، وما تحمله من تداعيات على طهران، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي:
1- تهنئة طهران بديمقراطية الانتخابات من دون نتيجتها: سارع النظام الايراني إلى تهنئة العراق، حيث أكد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده، أن ما شهده العراق خلال الانتخابات البرلمانية السابقة هو استمرار للعملية السياسية الديمقراطية في هذا البلد، فضلاً عن تأكيد المعني نفسه في رسالة بعثها وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان إلى نظيره العراقي فؤاد حسين، أي أن طهران اكتفت بالترحيب بنتائج الانتخابات دون نتائجها.
2- تضارب القراءة الإعلامية الإيرانية للانتخابات: اعترفت بعض الصحف الإيرانية، التابعة للتيار المتشدد والإصلاحي، بتراجع النفوذ الإيراني على بغداد، غير أن البعض الآخر عمد إلى التهوين من ذلك، وتأكيد وصاية طهران على بغداد، ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:
أ- نقل معلومات مغلوطة: أشارت جريدة "وطن امروز"، المقربة من الحرس الثوري الإيراني إلى قيام مفوضية الانتخابات العراقية، خلال الساعات الأخيرة قبل إعلان النتائج، إلى إجراء تغييرات في نتائج الانتخابات على موقعها الإلكتروني، ليكون العنوان الرئيسي لها "تغيير نتائج الانتخابات وزيادة مقاعد المقاومة"، وهو ما لم يحدث، أي أنها سعت للتشكيك في وجود تلاعب في النتائج من قبل المفوضية، وأنها تراجعت عنه، لكي تزيد عدد مقاعد ما اسمته "المقاومة"، أي الأحزاب الشيعية التي تمتلك ميليشيات مسلحة موالية لإيران، على غرار كتلة الفتح.
ومن جانب آخر، ادعى الكاتب والمحلل السياسي الإيراني، مهدي شكيبايي، أن مجرد إقامة الانتخابات في العراق بأي شكل كان وفوز أي حزب كان وبأي حجم مشاركة ما هو الا فشل للمخطط الغربي والأمريكي المعد للعراق.
ويكشف الموقف السابق عن محاولة بعض التيارات الإيرانية التهوين من حجم الخسائر التي تعرض لها النفوذ الإيراني في العراق، من خلال تراجع عدد الأصوات التي حصلت عليها التيارات المرتبطة بها، فضلاً عن تجاهل أن إجراء انتخابات مبكرة مثّل انتصاراً لمطالب احتجاجات تشرين العراقية التي تنادي بطرد إيران من العراق.
ب- اتهام المفوضية بالتلاعب في النتائج: اتهمت صحيفة "ابتكار"، التابعة للتيار الإصلاحي، مفوضية الانتخابات بالتلاعب في النتائج بهدف التأثير على وحدة البيت الشيعي.
وأوضحت الصحيفة أن موضوع الحكم في العراق هو أمر يخص العراقيين وحدهم، لكنها بيّنت أن حدوث اختيار خاطئ لـ "رئيس وزراء بعينه" قد تكون له تداعيات مباشرة على العراق، في تلميح إلى أن الكاظمي قد يكون تورط في التلاعب بنتائج الانتخابات.
كما رأت الصحيفة إلى إن إبعاد الجانب غير المرغوب فيه، أي الكاظمي، هو أهم طريق لتحسين الوضع الراهن، كما أن استمرار الخلافات والتحزب هو أهم عامل في الفشل في إمكانية إبعاد هذا الجانب غير المرغوب فيه، أي أنها تدعو لتوحد الأحزب الشيعية للإطاحة بالكاظمي، على الرغم من ادعائها بأن موضوع حكم العراق أمر يخص العراقيين وحدهم.
ج- مهاجمة الشعب العراقي: أوضح المحلل السياسي، قاسم محبعلي، في مقابلة مع صحيفة "آرمان ملي" الاصلاحية، أن إيران تواجه منذ فترة تحديات في العراق، موضحاً أن العلاقة بين طهران وبغداد كانت تشوبها التوترات منذ القدم، "وأن العراقيين ومنذ فترات طويلة كانوا يشكلون عامل إزعاج بالنسبة للإيرانيين".
د- الإقرار بتراجع النفوذ الإيراني: أكد المحلل السياسي، جلال خوش تشهره، في مقاله الافتتاحي بصحيفة "ابتكار" أن هزيمة الأحزاب التقليدية في العراق، وانفعال شخصيات مثل العامري ونوري المالكي وصالح الفياض وغيرهم يحمل معنيين اثنين: الأول هو أن المشهد السياسي في العراق قد تغير، وهذا التغيير سوف يحمل مصيراً محتوماً لهذه التيارات والشخصيات السياسية، والثاني أنه لا يمكن بعد الآن اعتبار هذه الشخصيات بأنها ذات نفوذ وتأثير في العملية السياسية العراقية، وهو ما يمثل اعترافاً نادراً بتراجع النفوذ الإيراني على بغداد.
ومن جانب آخر، أوضحت صحيفة "آفتاب يزد" الإصلاحية إلى أن تقدم التيار الصدري قوائم الانتخابات البرلمانية في العراق قد يمهد الطريق لوصول رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي إلى رئاسة الوزراء مرة أخرى، معتقدة أن التيار الصدري، ومن خلال نجاحه في تشكيل "تحالف ذكي"، يستطيع أن يمسك بزمام البرلمان ويشكل الحكومة.
ه- تأكيد الوصاية الإيرانية على بغداد: أوضح الكاتب والمحلل السياسي الإيراني، مهدي شكيبايي، أن "إيران باعتبارها دولة شيعية كانت وستكون الركن الحامي للدولة العراقية"، وأن أي حكومة تأتي إلى الحكم في العراق تنظر لإيران على أنها الدولة الداعمة معنوياً لها، وإيران لا تسعى إلى شيء في العراق سوى أن يصبح العراق دولة إسلامية تحكم نفسها بنفسها وتكون قوية"، وهو ما يكشف عن عقلية بعض النخب الإيرانية، والتي تسعى لإحكام السيطرة على بغداد باستخدام الورقة المذهبية.
خيارات طهران في العراق:
مثّلت الانتخابات صدمة كبيرة لطهران، وهو ما يرجع إلى تراجع الاحزاب والفصائل السياسية الموالية لايران في الانتخابات البرلمانية العراقية الأخيرة، على غرار تحالف "الفتح" بزعامة هادي العامري الذي حصل على 14 مقعداً فقط، فضلاً عن تراجع النفوذ الإيراني في كردستان العراق في ضوء النتائج المتواضعه التي سجلها الاتحاد الوطني الكردستاني، وهو ما قد يفرض تحديات عدة على إيران في التعامل مع العراق. وتتمثل أبرز استجابات إيران لتحولات المشهد العراقي في التالي:
1- تنسيق قااني مع الأحزاب الخاسرة: زار قائد فيلق القدس، إسماعيل قااني بغداد، قبل ساعات معدودة من إعلان مفوضية الانتخابات العراقية للنتائج، وجاءت الزيارة بهدف ترتيب مواقف الاحزاب السياسية الموالية لإيران من نتائج الانتخابات، والبحث عن طرق بقاء حلفاء ايران في السلطة.
وقد سعت إيران رسمياً لنفي تلك الزيارة، وهو ما يؤشر إلى رغبة طهران في أن تتجنب الربط بينها وبين المواقف التالية للأحزاب الشيعية العراقية المقربة منها، والتي انضوت تحت "الإطار التنسيقي"، وأعلنت رفضها نتائج الانتخابات، فضلاً عن تلويح ميليشياتها بتوظيف القوة العسكرية، عبر التأكيد على التضحية بالدم لحماية "الكيان المقدس" في إشارة إلى البرلمان.
2- محاولة بلورة تحالف مناوئ للصدر: تعمل إيران حالياً على تجميع مختلف الفصائل السياسية الشيعية المناوئة للتيار الصدري، بقيادة نوري المالكي، رئيس الوزراء العراقي الأسبق، وذلك للحيلولة دون استئثار الصدر بالسلطة.
ويكشف هذا التحرك عن تراجع نفوذ طهران، والتي كانت تحرص دائماً على توحيد القوى الشيعية كافة في تحالف واحد، واستيعاب أي خلافات بينها، ومع ذلك، فإن هذا الخيار سيظل أحد مسارات الحركة الإيرانية إذا استدعي الأمر ذلك.
3- إمكانية الضغط على الصدر: تدرك إيران أن عملية تشكيل الحكومة العراقية الجديدة ستأخذ وقتاً طويلاً قد يمتد إلى أشهر، على غرار ما جرى في كل الانتخابات العراقية السابقة. وقد تسعى طهران إلى محاولة الضغط على الصدر من أجل استيعاب القوى الشيعية المرتبطة بها، وذلك بهدف الحفاظ على مصالحها ونفوذها في العراق، إذا ما نجح الصدر في الفوز بتشكيل الحكومة القادمة.
وفي الختام، كشفت نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة في العراق عن تراجع شعبية الأحزاب السياسية الموالية لايران، وكذلك عن ارتباك طهران في التعامل مع نتائج الانتخابات، وهو ما وضح في القراءة المتناقضة لنتائج الانتخابات العراقية، وهو ما يكشف عن أنها لم تتحسب أبداً لهذه النتيجة.
وعلى الرغم من الخسارة المدوية لطهران، فإنها لاتزال تملك الكثير من أوراق الضغط، والتي يتمثل أبرزها في الميليشيات الشيعية، والتي قد توظفها طهران، ما لم تضمن لحلفائها موضع قدم في الحكومة العراقية الجديدة.