بدأت الحكومة العراقية خلال الفترة الحالية في منح أولوية خاصة لضبط الأوضاع الأمنية في قضاء سنجار بمحافظة نينوى، وذلك في ضوء استمرار الاضطرابات الأمنية التي يعيشها القضاء، حيث تصاعد نفوذ تنظيم "داعش" والميليشيات الشيعية فيه، بالتوازي مع اتساع نطاق التنافس الإيراني- التركي داخله. ومن دون شك، فإن ذلك لا ينفصل عن تطلع الحكومة إلى تكريس سلطاتها وترسيخ مبدأ سيادة الدولة، في وقت تواجه العراق اختبارات سياسية وإقليمية صعبة خلال المرحلة الحالية.
مؤشران رئيسيان:
انعكس سعى الحكومة العراقية لإحكام قبضتها على قضاء سنجار، في مؤشرين رئيسيين هما:
1- رفض بغداد تواجد أي تنظيم مسلح في سنجار: يتضح ذلك من خلال تصريحات المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة في الجيش العراقي اللواء تحسين الخفاجي يوم 18 مارس الجاري، والتي قال خلالها، إن "قيادة العمليات المشتركة في الجيش تواصل تطبيق اتفاق سنجار، ولن يسمح بوجود أي تنظيم مسلح تحت أي مسمى في القضاء". وتتوافق مع ذلك تصريحات نائب قائد العمليات المشتركة العراقية الفريق الركن عبد الأمير الشمري يوم 15 مارس الجاري، والتي أكد خلالها على أن قضاء سنجار خاضع بالكامل لسيطرة القوات الاتحادية. ويُشار في هذا الصدد إلى أن اتفاق سنجار الذي توصلت إليه بغداد وأربيل في 9 أكتوبر الماضي كان يستهدف تعزيز سلطة الحكومة الاتحادية في قضاء سنجار وفق الدستور على المستويين الإداري والأمني، وبما ينهي سطوة الجماعات الدخيلة، ويمهد لإعادة إعمار المدينة وعودة أهاليها المنكوبين بالكامل.
2- زيارات كبار المسئولين الأمنيين للقضاء: قام وفد أمني عراقي رفيع يوم 15 مارس الجاري بزيارة لقضاء سنجار على خلفية التوترات التي يشهدها بين فترة وأخرى. وضم الوفد مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي، ورئيس أركان الجيش الفريق أول ركن عبد الأمير يار الله، ونائب قائد العمليات المشتركة الفريق الركن عبد الأمير الشمري، ووكيل جهاز الأمن الوطني وقائد القوات البرية ومدير الاستخبارات العسكرية وعدداً من الضباط ضمن قاطع قيادة عمليات غرب نينوى.
دوافع عديدة:
يمكن تفسير حرص بغداد على تبني هذا التوجه في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:
1- التغلب على عقبات تطبيق اتفاق سنجار: تحاول الحكومة العراقية من خلال اهتمامها بقضاء سنجار التغلب على العقبات التي تعوق تطبيق اتفاقها السابق مع أربيل بشأن هذا القضاء. ويتضح ذلك من خلال تأكيدات قيادة العمليات المشتركة في الجيش العراقي مؤخراً على أن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي شدد على ضرورة إنجاح اتفاق سنجار والتغلب على التحديات التي تحول دون تطبيقه.
2- التصدي لنشاط تنظيم "داعش" في المنطقة: سعى تنظيم "داعش" إلى توسيع نطاق نشاطه في عموم العراق خلال الفترة الأخيرة، وتأسيس موطئ قدم له في سنجار، على نحو بدا جلياً في إعلان قيادة العمليات المشتركة العراقية يوم 14 مارس الجاري عن تمكن القوات الأمنية من إحباط عملية تسلل لعناصر "داعشية" إلى منطقة الدوكجي الحدودية غرب جبل سنجار من داخل الأراضي السورية بعد الاشتباك معهم. وأضافت أن القوات الأمنية اشتبكت في الوقت ذاته مع مجموعة "داعشية" داخل القضاء. جدير بالذكر أن نشاط تنظيم "داعش" في القضاء يأتي في ظل قربه من الحدود السورية- العراقية، والتي تستغلها خلايا التنظيم للتنقل داخل الساحتين. كما يأتي هذا النشاط في ظل فشل مساعي التعاون السابقة بين بغداد وأربيل للتصدي المشترك لـ"داعش" في هذا القضاء باعتبار أنه يعد إحدى المناطق المتنازع عليها بين الجانبين.
3- سحب ذريعة تركية للعدوان على العراق: تمثل العمليات العسكرية التركية في شمال العراق إحدى الإشكاليات الرئيسية التي تواجه الحكومة العراقية. ويُدرك الكاظمي في هذا الصدد أن الأوضاع في سنجار أحد مبررات تركيا لعدوانها المتواصل على شمال غرب البلاد، وبالتالي تستهدف بغداد من وراء اهتمامها الحالي بالملف الأمني لسنجار سحب ذريعة رئيسية للتدخل التركي في تلك المنطقة. ويُشار في هذا الصدد إلى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كان قد هدد في أكثر من مناسبة بشن عملية عسكرية موسعة في قضاء سنجار، وذلك بعد مقتل 13 جندياً تركياً في أحد الكهوف في منطقة غارا الجبلية في شمال العراق خلال تنفيذ تركيا لعملية "مخلب النسر 2" في تلك المنطقة.
جدير بالذكر أن تقارير عديدة تحدثت في الفترة الأخيرة عن أن هناك تنسيقاً بين ميليشيات "الحشد الشعبي" وقيادات حزب العمال الكردستاني في شمال العراق من أجل التعاون المشترك للتصدي لأي عدوان تركي محتمل على قضاء سنجار. وبرزت مؤشرات عدة في هذا السياق مثل زيارة رئيس أركان "الحشد الشعبي" عبد العزيز المحمداوي "أبو فدك" إلى ضواحي سنجار منتصف فبراير الماضي، ثم تحذيرات زعيم ميليشيا "بدر" وزعيم تحالف "الفتح" هادي العامري الحكومة العراقية من خطورة الهجوم التركي المحتمل على سنجار. وتلا ذلك قيام عدد من الميليشيات، أبرزها "كتائب حزب الله" و"النجباء" و"عصائب أهل الحق" و"سيد الشهداء" و"الإمام علي"، بعملية انتشار واسعة في سنجار وضواحيها، كان أوسعها في 20 فبراير الماضي.
4- وقف تصاعد التنافس التركي- الإيراني على القضاء: بينما كانت تركيا تستهدف معسكرات حزب العمال الكردستاني في منطقة غارا الجبلية في شمال العراق في منتصف فبراير الماضي، قامت ميليشيات "الحشد الشعبي" المدعومة من إيران بتحركات غير مسبوقة داخل القضاء والتي بررتها صراحةً بأنها تستهدف مواجهة التهديد التركي للمنطقة، وهو الأمر الذي يمكن اعتباره مؤشراً على تصاعد حدة التنافس التركي- الإيراني على النفوذ في سنجار مثلما هو الحال لتنافس الطرفين بشكل عام في عموم العراق.
جدير بالذكر أن التنافس التركي- الإيراني في قضاء سنجار تزامن مع اندلاع أزمة دبلوماسية بين تركيا وإيران، في 28 فبراير الفائت، على خلفية تصريحات أدلى بها السفير الإيراني في بغداد إيرج مسجدي، أكد فيها رفض بلاده التدخل العسكري التركي في العراق، وانتهاك سيادته. واستدعت وزارة الخارجية التركية على إثر ذلك السفير الإيراني لديها محمد فرازمند، وأبلغته احتجاجها الشديد ورفضها لتصريحات مسجدي.
في النهاية، من الواضح أن اهتمام الحكومة العراقية بتعزيز دورها الأمني في قضاء سنجار يأتي في إطار مسعاها لمنع تفجر الأوضاع الميدانية فيه، وتكريس سيادة الدولة، في وقت تتصاعد حدة التجاذبات بين العديد من القوى السياسية والأطراف الإقليمية، في ظل اقتراب موعد بعض الاستحقاقات السياسية الهامة وعلى رأسها الانتخابات البرلمانية، فضلاً عن تشابك الملفات الإقليمية المختلفة.