تزايدت أدوار صناديق المخاطر أو الطوارئ أو الكوارث في الدول العربية، التي يتم تأسيسها أو الدعوة لتدشينها من قبل الحكومات أو القطاع الخاص أو المجتمع المدني أو حتى الأفراد مع وقوع أزمات مفاجئة، متوسطة أو كبيرة الحجم، بهدف توفير التمويل اللازم، من أجل مواجهة الأمراض الوبائية، والتصدي للمخاطر التي تتعرض لها المحاصيل الزراعية نتيجة الكوارث الطبيعية، ودعم المنشآت السياحية المتأثرة من انخفاض أو توقف الحركة السياحية، ومساندة العمالة اليومية، وتعويض التجار المتضررين، وتعزيز الاستثمارات الاقتصادية وغيرها.
تحركات استباقية:
برهنت أزمة فيروس "كوفيد-19" المعروف بـ"كورونا" أن المخاطر التي تهدد الأمن الصحي لدول العالم تتطلب مخصصات مالية يتم التدبير لها بشكل استباقي، ومن خلال تضافر وتضامن دولي عابر للحدود. فقد أعلنت النرويج، في 23 مارس 2020، أن الأمم المتحدة سوف تؤسس صندوقاً لدعم علاج مرضى فيروس "كورونا" في مختلف أنحاء العالم، حيث ذكرت وزيرة الخارجية النرويجية إينه إريكسن سوريدي، في بيان، أن "صندوقاً متعدد المانحين تحت رعاية الأمم المتحدة سيوفر لشركائنا القدرة على استشراف الأمور وسيساعد في جعل الجهود أكثر فاعلية"، وأضافت: "إن الغرض من الصندوق هو مساعدة البلدان النامية التي تعاني من ضعف الأنظمة الصحية في مواجهة الأزمة وكذلك معالجة العواقب طويلة الأمد".
وقد تعددت الأدوار التي تقوم بها صناديق المخاطر ذات الطابع الوطني في العديد من الدول العربية، والتي تتمتع بالاستقلالية مالياً وإدارياً، بما يمكنها من أداء المهام الملقاة على عاتقها، وذلك على النحو التالي:
مكافحة الأوبئة:
1- مواجهة الأمراض الوبائية: على نحو ما فعلته مصر للتقليل من التأثيرات السلبية لفيروس "كورونا" المستجد، حيث وجه الرئيس عبدالفتاح السيسي، خلال اجتماع في 29 مارس الفائت، مع الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، ووزراء الدفاع والإنتاج الحربي، والتعليم العالي والبحث العلمي، والمالية، والصحة والسكان، وبحضور مستشار رئيس الجمهورية لشئون الصحة والوقاية، ومدير إدارة الخدمات الطبية للقوات المسلحة، بزيادة بدل المهن الطبية بنسبة 75%، وبتكلفة إجمالية قدرها نحو 2.25 مليار جنيه، فضلاً عن إنشاء صندوق مخاطر لأعضاء المهن الطبية، لاسيما في ظل الدور المحوري الذي يقوم به جميع العاملين في القطاع الصحي رغم ما قد يتعرضوا له من خطر العدوى أو الإصابة.
وعلى مستوى أصغر، اتخذت بعض النقابات الفرعية للمحامين في المحافظات المصرية قرارات للحد من تأثيرات "كورونا" على المجتمع، إذ قرر مجلس نقابة المحامين بالدقهلية، في 29 من الشهر نفسه، إنشاء صندوق الأزمات لمساعدة المحامين في مواجهة أزمة الفيروس، وشراء مطهرات وكمامات وتوزيعها على المحامين. وتوازى مع ذلك قرار مجلس نقابة المحامين بالمنوفية فتح باب التبرع لمن يشاء من المحامين لمواجهة الأزمة، وتوفير جميع مستلزمات الوقاية من أقنعة ومطهرات للمحامين بسعر التكلفة، وصرف منح مالية لأسر المحامين المتوفين، الأمر الذي يشير إلى دور النقابات المهنية في دعم الدولة للحد من تأثيرات "كورونا".
غضب الطبيعة:
2- التصدي لتلف المحاصيل الزراعية: تأسس صندوق إدارة المخاطر الزراعية في الأردن، في عام 2009، للتعامل مع التهديدات التي تثيرها العواصف والسيول والأمطار الغزيرة وكذلك الجفاف، ومواجهة حدوث أى أضرار تلحق بالمزارعين جراء الكوارث الطبيعية المتوقعة، لاسيما بعد أن أوضحت خبرة السنوات السابقة تكبد المزارعين خسائر مالية وتراكم الديون. غير أن الصندوق واجه تحديات بيروقراطية أثرت على دوره خاصة في ظل استمرار التغير المناخي وتداعياته على قطاع الزراعة.
وفي هذا السياق، اجتمع رؤساء الجمعيات واتحاد مزارعي الأردن، في 20 مارس الفائت، للوقوف على ما أسفرت عنه الحالة الجوية السيئة يومى 12 و13 من هذا الشهر، والتي أثرت بشكل حاد على المحاصيل الزراعية، وهو ما يشكل أحد التحديات التي لازال يواجهها القطاع الزراعي. وقد أكد المشاركون على ضرورة تعويض المزارعين المتضررين مباشرة، وتشجيع المستفيدين على اتباع الوسائل الحديثة لتقليل المخاطر الزراعية ما أمكن، وتطوير تقنيات السيطرة عليها للحد من الخسائر الناجمة عنها، وتعديل قانون صندوق إدارة المخاطر الزراعية بما يحقق التعامل مع هذه الحالة.
كما تم تأسيس صندوق درء المخاطر والتأمينات الزراعية الفلسطيني، في عام 2013، وهو متخصص بالتعويضات عن الكوارث الطبيعية والتأمينات الزراعية، ويكون له ذمة مالية مستقلة، وتتمثل أهدافه في تطوير البنية التحتية الزراعية وتشجيع زيادة الاستثمارات في القطاع الزراعي وإدخال التكنولوجيا الحديثة وزيادة الإنتاج الزراعي والتقليل من الخسائر التي يتعرض لها المزارعون والمُؤَّمن لهم.
تعثر السياحة:
3- دعم المنشآت السياحية المتعثرة: والتي تعاني من صعوبات بسبب انخفاض الحركة السياحية إلى بعض الدول العربية، لاسيما أن السياحة تعد رافداً للاقتصاد الوطني. وفي هذا السياق، طرحت وزيرة السياحة والآثار الأردنية لينا عناب، في عام 2016، فكرة إنشاء صندوق للمخاطر السياحية لتقديم الدعم للمنشآت السياحية، التي تشمل القرى والفنادق والمطاعم والاستراحات وشركات السياحة والسفر وشركات النقل السياحي البري والبحري والجوي، فضلاً عن العاملين في المجال والنشاط السياحي مثل المرشدين (الأدلاء السياحيين).
وسبق أن طرحت هذه الفكرة في سياق إحدى ورش العمل التي نظمتها كلية البترا للسياحة والآثار التابعة لجامعة الحسين بن طلال في إبريل 2015. وقد سلطت الضوء على أهمية الصندوق الذي يشكل حافزاً قوياً للمستثمرين الأجانب لتوجيه رؤوس الأموال للقطاع السياحي والقطاعات الداعمة له في المملكة، ودوره كذلك في ظل الظروف التي كان يشهدها القطاع السياحي وانخفاض أعداد السياح بنسبة كبيرة وتراجع نسب الإشغال في الفنادق وانخفاض الإيرادات السياحية للمستثمر والخزينة على حد سواء واغلاق بعض المنشآت السياحية وتسريح المئات من العاملين في القطاع.
ودعا المشاركون في الورشة إلى ضرورة تبني قانون صندوق المخاطر السياحية على هيئة صندوق ضمان أو شركة تأمينات أو مؤسسة مساهمة، بحيث يشارك في وضع القانون ممثلون عن القطاع السياحي وتكون إدارته مشتركة من القطاعين العام والخاص وتديره هيئة أو مجلس إدارة من الحكومة والمساهمين. وساد اقتراح بأن يتم تمويل الصندوق من دخل القطاع السياحي وموازنات المؤسسات ذات الصلة بالقطاع وعوائد تذاكر الدخول وجميع مقدمي الخدمات والمنشآت السياحية وكبار المستثمرين وبنسب إجبارية من الأرباح السنوية تنظم وفق القانون. وزاد الوضع مع انتشار "كورونا" في عام 2020.
كما نجحت الجهود التي بذلها الاتحاد المصري للغرف السياحية وغرفة المنشآت السياحية في الحصول على موافقة صندوق الطوارئ بوزارة القوى العاملة في تقديم إعانات للعاملين بالمنشآت السياحية المضارين من فيروس "كورونا"، والتي تم إغلاقها بشكل كلي أو جزئي أو تخفيض عدد عمالها المقيدين في سجلاتها المُؤَّمن عليهم لدى التأمينات الاجتماعية، في محاولة لتقليص الأعباء عن كاهل المستثمرين وأصحاب المنشآت السياحية في سداد قيمة رواتب العاملين بمنشآتهم، وهو ما تشير إليه تصريحات عادل المصري رئيس غرفة المنشآت السياحية لوسائل الإعلام في 31 مارس 2020.
دعم العمال:
4- مساندة العمالة اليومية: تدرس شركات التطوير العقاري في مصر إنشاء صندوق لإدارة المخاطر، يتم تمويله من القيادات التنفيذية والعاملين، وبمشاركة اختيارية، على نحو ما عبر عنه تصريح هاني العسال وكيل غرفة التطوير العقاري رئيس شركة مصر إيطاليا العقارية، في صحيفة "المال" في 31 مارس الفائت، حيث قال: "إن الغرفة تدرس مقترحاً لإنشاء صندوق لإدارة المخاطر بشركات التطوير العقاري، في إطار الدور المجتمعي لتقديم العون والدعم للعمالة اليومية التي يتأثر دخلها بتوقف أو تعطل الأعمال الإنشائية بالشركات".
وأوضح العسال أن "الصندوق تكفل بتقديم مواد غذائية وتموينية لأسر 1000 عامل بالشركة لمواجهة أعباء الحياة اليومية، خاصة مع اقتراب شهر رمضان المبارك"، مؤكداً أن "مصر إيطاليا وافقت على منح العمال كامل أجورهم خلال الشهور الثلاثة المقبلة، وعدم إجراء أى تخفيض للمرتبات، لكن في حالة تفاقم الأزمة لمدة أطول قد يعاد النظر في الأجور". وينطبق ذلك على عدد من شركات القطاع الخاص، غير أن هناك شركات أخرى تقتطع بنسب متفاوتة من المرتبات مما يؤثر على الحالة المعيشية للعمال بشكل خاص.
مساعدة التجار:
5- تعويض التجار المتضررين: قرر مجلس إدارة غرفة تجارة عمّان، في 2 مارس 2019، إنشاء صندوق للمخاطر يساهم في تعويض تجار متضررين في حالات الكوارث والحوادث الطارئة، بعد أن داهمت مياه الأمطار مئات المحال التجارية في العاصمة في فبراير من العام المذكور. وخصص المجلس مبلغ نصف مليون دينار أردني من أموال غرفة تجارة عمان لصندوق المخاطر.
كما طالب الحكومة بـ"سرعة تعويض التجار والمواطنين المتضررين وتشكيل لجنة متخصصة للوقوف على حقيقة ما جرى حيث كان التقصير ظاهراً في الاستعداد للمنخفض وخلال فترة هطول الأمطار وحدوث الفيضانات وتجمعات المياه"، واتفق المجلس على "دعوة منتسبي الغرفة من تجار متضررين من مياه الأمطار في كافة مناطق العاصمة، لضرورة الإسراع بتقديم طلبات إثبات حال وإجراء الكشف المستعجل لدى قاضي الأمور المستعجلة المختص لغايات إثبات واقع الحال بكافة جوانبه".
احتواء المخاطر:
6- تعزيز الاستثمارات الاقتصادية: وذلك في بعض المناطق القلقة التي تعاني من مخاطر سياسية وأمنية بالغة، فخلال رئاسة مصر للاتحاد الإفريقي، تم إنشاء صندوق مخاطر لضمان الاستثمار في إفريقيا، وذلك لتشجيع المستثمرين على التوجه للاستثمار في القارة والمشاركة في تنميتها.
مهام متعددة:
خلاصة القول، إن هناك أدواراً عديدة تقوم بها صناديق المخاطر أو الطوارئ في حالات عربية مختلفة، تشمل أبعاداً وقائية وأخرى علاجية، وهو ما يتطلب أن تكون هذه الصناديق موضع اهتمام الحكومات والقطاع الخاص وتحظى بدعم مؤسسات المجتمع المدني، خلال الفترة المقبلة، خاصة في الدول التي لم تخض تجربة تأسيسها أو لم تفكر في خيار تدشينها، على أن توجه بعض مخصصاتها للإنفاق على الأنشطة البحثية والإرشادية والتطويرية، بما يؤدي إلى تقليص حدة المشكلات أو الأزمات أو التهديدات التي تهب بدون إنذارات مبكرة.