ظل الشرق الأوسط يمثل بؤرة ملتهبة للتوتر والصراع دون توقف منذ نهاية الحرب الثانية وحتى الآن، وكانت البداية مع تفجر الصراع العربى-الإسرائيلى1948، ومنذ ذلك التاريخ شهد هذا الصراع عدداً من الجولات العسكرية الكبرى رغم المحاولات العديدة التي جرت لتسويته بعد عدوان1967، واعتباراً من نهاية سبعينيات القرن الماضي شهدت المنطقة نشوء بؤرة جديدة للتوتر والصراع بنجاح الثورة الإيرانية 1979 وسياسة تصدير الثورة التي اتبعتها وما سببته من توتر وصدامات وصلت ذروتها بالحرب العراقية-الإيرانية (1980-1988) التي بلغت خسائرها البشرية والمادية حداً غير مسبوق، وهكذا تمثلت المفارقة في أنه في السنة نفسها التي شهدت تحولاً جذرياً في مسار الصراع العربي-الإسرائيلي بتوقيع أول معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل بدأت بؤرة خطيرة للتوتر والصراع تتبلور في المنطقة مازالت تُحدث آثارها حتى الآن، وأُضيف إلى هاتين البؤرتين الرئيسيتين أحداث جلل كالغزو العراقى للكويت1990 والأميركي للعراق2003 اللذين أحدثا تداعيات بالغة السلبية بالنسبة للأمن القومي العربي، واعتباراً من مطلع العقد الحالي تكونت بؤرة جديدة للتوتر في المنطقة بسبب محاولات التغيير التي نجمت عنها صراعات في بلدان عربية مهمة كسوريا وليبيا واليمن تسببت في تفاقم التدخلات الإقليمية والعالمية في الشأن العربي، وهكذا بدت المنطقة وكأنها تتربع على قمة مصادر التوتر والصراعات في النظام الدولي.
وفي الشهور الثلاثة الأخيرة تقدمت آسيا بثبات لمنافسة الشرق الأوسط كمصدر للتوتر في النظام العالمي، ومنذ سنوات كانت لدينا قضيتا بحر الصين الجنوبي والقدرة النووية لكوريا الشمالية وما ترتب عليهما من توترات خطيرة في بعض الأحيان، وإذا كان اختلال ميزان القوى لصالح الصين في المسألة الأولى قد مثل كابحاً للتصعيد فإنها ماتزال تمثل بؤرة للتوتر خاصة في ضوء الموقف الأميركي منها، أما محاولات تطويق القدرة النووية لكوريا الشمالية، فقد تسببت في درجة يعتد بها من التصعيد وبالذات في ظل الرئيس الأميركي الحالي، وعلى الرغم من التوصل إلى عقد لقائي قمة بينه وبين الزعيم الكوري الشمالي والآمال التي عُقدت على هذين الاجتماعين، فإنهما انتهيا بالفشل، وقبل كتابة هذه المقالة بيومين كان مسلسل استئناف كوريا الشمالية إطلاق صواريخ باليستية -وإن قصيرة المدى- مستمراً رداً على التدريبات العسكرية المشتركة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، وابتداءً من شهر يونيو الماضي بدأت أحداث الاحتجاجات الشعبية واسعة النطاق في هونج كونج، وعلى الرغم من أن سبب الاحتجاج بدا مسألة جزئية وهى الاعتراض على مشروع قانون يسمح بتسليم متهمين لمحاكمتهم في الصين فإن هذه الاحتجاجات تلفت انتباه الصين التي استردت هونج كونج من بريطانيا بمقتضى اتفاق1997 الذي يتمتع الإقليم بموجبه بدرجة عالية من الحكم الذاتي في ظل مبدأ «دولة واحدة ونظاما حكم» لمدة لا تقل عن خمسين عاماً بعد1997، ولأن الصين تنظر لأي نزعة استقلالية بمنتهى الجدية بسبب الأهمية الفائقة لاستمرار معادلة الاستقرار الداخلي الحالية في الصين في مسيرتها الأكيدة نحو استكمال وضع الدولة العظمى، فإن الرأي الراجح بين المحللين يشير إلى أن الصين لن تتردد في التدخل المباشر في هونج كونج إذا بدا أن الأمور تخرج عن السيطرة، ولو حدث هذا فسوف تكون له تداعياته الدولية دون شك على الأقل من قِبَل خصوم الصين الذين لن يترددوا في استغلال الموقف في سباق الزعامة الدولية، وأخيراً أجواء التوتر بين الهند وباكستان.
وعلى الرغم من أن عوامل الرشادة موجودة إلا أن عوامل التصعيد مستمرة، ويُلاحظ أن التوترات السابقة وما يمكن أن تفضي إليه من صراعات تشمل نحو 40? من سكان العالم وأربع قوى نووية، ومن ثم فإن التصعيد في هذا الصدد سوف تكون له نتائج مفزعة لابد وأن تكون حافزاً للجميع من أجل تفادي كوارث جديدة ما أغنى العالم عنها.
*نقلا عن صحيفة الاتحاد