تواجه قوى أو كتل ما يطلق عليه "تنسيقية" أو ائتلاف أو تحالف انتخابي لـ"المعارضة السياسية" في عدة دول عربية مثل الجزائر وتونس وموريتانيا وجزر القمر والسودان وسوريا، عدة إشكاليات رئيسية تؤثر على تحقيق أهدافها المختلفة، ومنها الافتقاد إلى رأس للقوى السياسية المعارضة، وتعدد الانتماءات الأيديولوجية والفكرية لمؤيديها، وغلبة الأحزاب والتيارات ذات التوجه الإسلامي، والطبيعة المؤقتة لتحالفات التيارات والحركات المنضوية تحتها، ومحدودية تأثير القوى السياسية المعارضة على الرأى العام، والهزائم الميدانية التي تعرضت لها الأجنحة العسكرية للمعارضة.
وتشير تجارب تنسيقية المعارضة السياسية في المنطقة العربية إلى مجموعة من التحديات التي تواجهها، خلال السنوات القليلة الماضية، يمكن تناولها على النحو التالي:
قيادة غائبة:
1- الافتقاد إلى رأس للقوى السياسية المعارضة: وهو ما يؤثر على تفاوضها مع الحكومة. فقد دعت المعارضة الجزائرية- "التنسيقية الوطنية من أجل التغيير" التي تم الإعلان عن تشكيلها في 18 مارس الجاري وتضم شخصيات سياسية معارضة ونشطاء- الجيش إلى الانحياز لخيارات الشعب في تصعيده ضد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وطرحت عدة مطالب منها انسحاب الرئيس مع انتهاء ولايته في 27 إبريل المقبل وإقالة الحكومة وتشكيل رئاسة جماعية من شخصيات وطنية نزيهة تتعهد بعدم البقاء في السلطة في نهاية الفترة الانتقالية وتشكيل حكومة إنقاذ وطني.
كما دعت تلك التنسيقية إلى حل المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة، والدخول في مرحلة انتقالية تمكن الشعب من تحقيق مشروعه الوطني، وإطلاق نقاش وطني جامع يحدد الجوانب العملية لتعديل الدستور وتنظيم انتخابات ما بعد المرحلة الانتقالية والتزام الجيش والأجهزة الأمنية بضمان مهامهم الدستورية دون التدخل في خيارات الشعب السياسية. ورغم محورية هذه الأهداف التي من شأنها أن تتجاوز حقبة بوتفليقة، إلا أنها تفتقد إلى القيادة التي تحظى بالتوافق ويمكنها ترشيح شخصية بعينها لرئاسة الحكومة ثم شخصية أخرى للترشح لرئاسة الدولة.
ويعد من أبرز الشخصيات التي تتكون منها هذه التنسيقية، المحامي والناشط المدافع عن حقوق الإنسان مصطفى بوشاشي، والمعارض كريم طابو، ووزير الخزانة السابق علي بن واري، والإسلاميان مراد دهينة وكمال قمازي. وأشار البيان الصادر تحت عنوان "أرضية التغيير" إلى أن هناك "حاجة ملحة إلى تغيير جذري في النظام القائم بناءً على أسس جديدة ومن طرف أشخاص جدد".
وكذلك لم ينجح ممثلو 11 من أحزاب المعارضة في اتحاد جزر القمر في تقديم مرشح لها في مواجهة الرئيس عثمان غزالي في الانتخابات المقررة في 24 مارس الجاري، وهو ما يأتي انعكاسًا للاستفتاء الرئاسي الذي أجرى في 30 يوليو الماضي لتعزيز سلطات الرئيس، إذ سمح بتولي الرئاسة لدورتين متتاليتين، ويمس القرار بمبدأ تداول السلطة كل خمس سنوات بين الجزر الثلاث (القمر الكبرى وإنجوان وموهيلي). وهنا تجدر الإشارة إلى أن هذه الجزر الثلاث شهدت منذ استقلالها عن فرنسا عام 1975 حوالي 20 انقلابًا أو محاولة انقلاب.
تباينات سياسية:
2- تعدد الانتماءات الأيديولوجية والفكرية: ففي كثير من الأحيان تتوافق أحزاب وشخصيات المعارضة فقط على معارضتها للنظام الحاكم، في حين يغيب التحليل الواقعي لمقتضيات التعامل مع المرحلة القادمة. ولعل خلافات المعارضة الموريتانية (التحالف الوطني الانتخابي) أجبرتها على البحث عن مرشح من خارجها خلال انتخابات الرئاسة المقررة في يونيو 2019، بعد عجزها عن التوافق على مرشح موحد من داخلها. فقد تقرر الدفع بوزير الدفاع الحالي الفريق أول محمد ولد الغزواني وبدأ تحركاته في وقت مبكر في حين كانت مواقف المعارضة متباينة حول المرشح الذي ستنافس به حتى الثُلث الأول من مارس الجاري.
إسلامية التوجه:
3- غلبة الأحزاب والتيارات ذات التوجه الإسلامي: وهو ما ينطبق على حالتي المعارضة في موريتانيا والسودان. فعلى سبيل المثال، يعد توحيد المعارضة آلية إخوان موريتانيا (حزب التجمع الوطني للتنمية والإصلاح المعروف بـ"تواصل") للمنافسة في انتخابات 2019، لا سيما بعد ضعف قاعدتها الشعبية وسحب تراخيص المراكز الدعوية التي توظفها في استقطاب الشباب، وهو ما يدفعها لترتيب أوراقها للتحالف مع أحزاب أخرى أكثر شعبية في مواجهة الحزب الحاكم (حزب الاتحاد من أجل الجمهورية).
كما يغلب على التنسيقية الوطنية للتغيير والبناء القوى إسلامية التوجه في السودان، والتي طرحت مبادرة "من أجل وطن ديمقراطي آمن يسع الجميع" في فبراير 2019، وحددت، وفقًا لمزاعمها، معالم التغيير والبناء في التوافق على عقد اجتماعي جديد يقوم على كفالة الحقوق والحريات، وإعادة هيكلة الاقتصاد، وصياغة مشروع للسلام والوئام الوطني يحقق سلامًا مستدامًا في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق والمناطق المتأثرة بالنزاعات، وإصلاح الخدمة المدنية، وسن قانون لمكافحة الفساد، وتهيئة الظروف الملائمة لإجراء انتخابات عامة حرة ونزيهة وفق المعايير الدولية.
تحالفات موسمية:
4- الطبيعة المؤقتة لتحالفات التيارات والحركات المعارضة: على نحو تعكسه الحالة التونسية. فقد تم تشكيل تنسيقية أحزاب – ضمت التيار الديمقراطي، والتحالف الديمقراطي، وحزب التكتل من أجل العمل والحريات، وحركة الشعب، والحزب الجمهوري- في سبتمبر 2015، لمعارضة قانون المصالحة الاقتصادية و"تبييض الفساد" المقدم من رئاسة الجمهورية، عبر إطلاق حملة وطنية مركزية في العاصمة وباقي المحافظات، إلا أنها لم تنجح في هدفها، حيث تم تمرير القانون بعد عرضه علي مجلس نواب الشعب في سبتمبر 2017.
كما تجدر الإشارة إلى أن هذه التحالفات السياسية تتسم بالظرفية التي تبرز إبان المحطات الانتخابية ثم تختفي بعد ذلك، وهو ما تشير إليه التجارب التي سبقت انتخابات عام 2014. والأكثر من ذلك، يتزايد تأثير كيانات أخرى مغايرة للقوى السياسية والحزبية المعارضة، ومنها الاتحاد العام للشغل، واتحاد أرباب الأعمال، ونقابة المحامين، والرابطة التونسية لحقوق الإنسان. وكذلك الحال بالنسبة لتنسيقية "إسقاط الاستفتاء" التي تشكلت في موريتانيا في يوليو 2017 لإلغاء التعديلات الدستورية التي تهدف –وفق بيانها- إلى خنق الحريات الجماعية والفردية بعد حظر أنشطة المعارضة.
جماهيرية مفتقدة:
5- محدودية تأثير القوى السياسية المعارضة على الرأى العام: وهو ما يفسر عدم تشكل جبهات سياسية قوية قادرة على منافسة حزب النداء وحزب النهضة في تونس حيث تحالفا وتقاسما السلطة خلال السنوات الماضية، في الوقت الذي لم تستطع القوى والحركات والكتل المعارضة تجاوز مرحلة التشتت السياسي التي تعيشها من ناحية، وتعثرت في تقديم خيارات بديلة للائتلاف الحاكم لمواجهته في الانتخابات البرلمانية المقررة في 6 أكتوبر، والرئاسية المقررة في 10 نوفمبر المقبل من ناحية أخرى.
فقد دعا الجنيدي عبدالجواد رئيس حزب المسار الديمقراطي الاجتماعي في 19 مارس الجاري إلى "تجميع قوى المعارضة لمنافسة الائتلاف الحاكم الحالي الذي خلّف نتائج سلبية على أكثر من مستوى، والتقدم بقوائم انتخابية قادرة على سحب البساط من تحت أرجل الأحزاب الحاكمة"، مضيفًا: "إن حزب المسار الديمقراطي الاجتماعي قد انخرط في ثلاث مبادرات سياسية واجتماعية لتجاوز التجارب السلبية السابقة وعدم التفريط في هذه الفرصة التاريخية الجديدة".
وهنا تجدر الإشارة إلى أن حزب المسار الديمقراطي انضم إلى مبادرة "قادرون" التي تضم عددًا من الأحزاب بينها الحزب الجمهوري بزعامة عصام الشابي، وحزب المستقبل الذي يتزعمه الطاهر بن حسين المنشق عن حزب النداء، وحزب الحركة الديمقراطية الذي يرأسه أحمد الشابي أحد الوجوه السياسية المعارضة لنظام الرئيس السابق بن علي. كما انخرط حزب المسار الديمقراطي في مبادرة "مواطنون" التي تضم شخصيات سياسية مستقلة، وتفاعل أيضًا مع مبادرة "نشارك" التي رفضت مقترحًا حول تعديل القانون الانتخابي.
ائتلاف فضفاض:
6- الهزائم الميدانية للأجنحة العسكرية للمعارضة: وينطبق ذلك جليًا على المعارضة السورية بعد انشغالها بخلافاتها الداخلية ومكاسبها المادية وتعرض الفصائل العسكرية لهزائم على الأرض في مواجهة الجيش النظامي. ولعل من أبرزها الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة الذي تأسس في عام 2012، وحظى بدعم من الجيش السوري الحر. وفي نهاية المطاف، لم ينجح الائتلاف في توحيد المعارضة، لا سيما بعد تراجع الدعم المحلي والإقليمي والدولي.
ومن ثم، فشلت محاولة الائتلاف في القيام بدور "الحكومة في المنفى"، لا سيما مع تعثر تحقيق الأهداف المعلنة للائتلاف، المتمثلة في إسقاط نظام بشار الأسد ورموزه، وتفكيك الأجهزة الأمنية، وتوحيد الجيش السوري الحر ودعمه، ورفض الحوار والتفاوض مع حكومة الأسد. ومن الواضح أن ثمة تغيرًا كبيرًا حدث خلال السنوات الثلاث ونصف الماضية لصالح نظام الأسد، بشكل دفع بعض الدول إلى إعادة فتح قنوات تواصل معه.
متاهة التغيير:
خلاصة القول، إن أطراف المعارضة السياسية المنضوية تحت لواء مسمى تنسيقية "التغيير" أو "الحريات والانتقال الديمقراطي" أو "قوى الثورة" أو "التحالف الوطني الانتخابي"، تواجه تحديات لا أول لها من آخر، وأبرزها تباين الرؤى والتصورات لأطراف التنسيقية، وخاصة حول مسائل الانتخابات المقبلة، وربما اقتصارها عليها، بخلاف الانشغال بكيفية إسقاط بعض النظم القائمة دون التفكير في الخيارات البديلة وسبل التعامل مع تعقيدات المراحل الانتقالية، على نحو أثر ويؤثر على مسارها ومستقبلها.