سعى تنظيم "القاعدة" إلى استغلال حلول الذكرى السابعة عشر لأحداث 11 سبتمبر 2001 لتأكيد بقاءه وقدرته على تصدُر خريطة التنظيمات الإرهابية على مستوى العالم. ويبدو أنه يحاول من خلال ذلك التعتيم على التحديات العديدة التي يواجهها في المرحلة الحالية، والتي ربما تؤدي في النهاية إلى تراجع نفوذه على المديين المتوسط والبعيد. ومن هنا لا يمكن استبعاد أن تكون المخاوف التي أبدتها قيادات عديدة في "القاعدة" من تراجع نفوذه هى المتغير الأساسي الذي دفع أيمن الظواهري إلى زيادة الرسائل الإعلامية التي يوجهها إلى كوادر وعناصر التنظيم إلى جانب التنظيمات الأخرى، خاصة المنافسة منها، فضلاً عن القوى الدولية والإقليمية المعنية بالحرب ضده.
واللافت في هذا السياق، هو أن ذلك يختلف عن ما كان يحدث خلال الأعوام السابقة، التي كانت تشهد ظهورًا محدودًا نسبيًا للظواهري يقتصر على التعليق على بعض الأحداث، بهدف إثبات أنه على قيد الحياة ويتابع ويتفاعل مع مجريات تلك الأحداث، على نحو يطرح تساؤلات عديدة حول دلالات تزايد تلك الرسائل، لا سيما وأنها قد جاءت في وقت تشهد فيه المنطقة العديد من المتغيرات الهامة التي لا تبدو تأثيراتها هينة، مثل تراجع نفوذ التنظيمات الموالية لـ"القاعدة" في سوريا، على خلفية الترتيبات الأمنية والسياسية الجديدة التي تمت صياغتها في الفترة الماضية.
دلالات هامة:
تطرح الرسائل المتعددة التي وجهها أيمن الظواهري إلى الأطراف المختلفة خلال الشهور الأخيرة دلالات عديدة يتمثل أبرزها في:
1- احتواء التراجع: تمثل تلك الرسائل محاولة من جانب الظواهري لتعويض الانحسار والتراجع الذي يواجهه تنظيم "القاعدة" في سوريا (جبهة النصرة سابقًا) في ظل التقدم الملحوظ لقوات النظام السوري التي ما زالت تتحفز للتدخل العسكري في إدلب رغم التفاهمات التي توصلت إليها كل من روسيا وتركيا بالتنسيق مع إيران وآخرها اتفاق سوتشي الذي أبرمته موسكو وأنقرة في 17 سبتمبر 2018، والذي قضى بإقامة منطقة منزوعة السلاح بعمق يتراوح بين 15 و20 كيلومتر، وإبعاد جميع التنظيمات الراديكالية عن تلك المنطقة، وسحب الدبابات وقذائف الصواريخ ومدافع الهاون الخاصة بالأطراف المتقاتلة منها في مهلة أقصاها 10 من الشهر الجاري. وقد بدأت التنظيمات الإرهابية والمسلحة في سحب أسلحتها من تلك المنطقة بالفعل قبل انتهاء المهلة المحددة.
ومن هنا، أشارت اتجاهات عديدة إلى أن الظواهري سعى من خلال تلك الرسائل إلى تشجيع كوادر وعناصر التنظيم المتواجدين في سوريا على مواجهة الضغوط التي يتعرضون لها، حتى لا يتجه بعضهم إلى الانشقاق عن التنظيم والانضمام إلى تنظيمات أخرى إرهابية ومسلحة موجودة بالمنطقة.
2- ترسيخ الدور: لا يمكن استبعاد أن تكون تلك الرسائل مرتبطة بمحاولات الظواهري تكريس دوره باعتباره زعيم التنظيم الإرهابي الذي يضع نفسه في المرتبة الأولى في قائمة التنظيمات الإرهابية على مستوى العالم، وهو ما يكتسب أهمية خاصة من جانب "القاعدة"، في ظل تصاعد حدة التنافس بينه وبين التنظيمات الأخرى، وفي مقدمتها تنظيم "داعش"، على نحو بدا جليًا في الانتقادات التي يوجهها إلى الأخير وقياداته والتي تكشف عن اتساع نطاق الخلافات الأيديولوجية بين الظواهري وأبو بكر البغدادي.
ومع ذلك، فإن ثمة اتجاهات ترى أن ترسيخ الدور لا يرتبط فقط بالتنافس المستمر بين "القاعدة" و"داعش" وإنما يتعلق أيضًا بالتوازنات الداخلية في التنظيم الأول، حيث لا يبدو أن محاولات بعض القيادات الفرعية داخل "القاعدة" لتعزيز نفوذها يتوافق مع رؤية الظواهري لموقعه داخل التنظيم.
ومن هنا، يمكن تفسير أسباب حرص الظواهري على دعم تأسيس تنظيم "حراس الدين" الموالي له داخل سوريا، بعد الخطوات التي اتخذتها "جبهة النصرة" التي قامت بتغيير اسمها إلى "جبهة فتح الشام" ثم إلى "هيئة تحرير الشام" بعد انضمامها إلى الائتلاف الذي تكون من عدة تنظيمات إرهابية، حيث لا يمكن فصل ذلك عن مخاوف عديدة أبدتها قيادات داخل التنظيم الرئيسي من احتمالات اتجاه أبو محمد الجولاني قائد "جبهة النصرة" إلى الانشقاق عن التنظيم والانفراد بقيادة "الجبهة" بمفرده.
وقد أعلنت 6 مجموعات، في 6 سبتمبر الفائت، انشقاقها عن "جبهة النصرة" وانضمامها إلى تنظيم "حراس الدين" الذي يضم كوادر وعناصر أبدت رفضها في السابق للسياسة التي تتبناها "الجبهة" للتعامل مع التطورات الميدانية التي تشهدها سوريا.
3- مواصلة التنافس: يسعى الظواهري عبر تلك الرسائل إلى تعزيز قدرة التنظيم على استقطاب أكبر عدد من العناصر الإرهابية، خاصة في ظل التراجع الملحوظ في نشاط ونفوذ "داعش" في المناطق التي كان يسيطر عليها في الفترة الماضية. وانطلاقًا من ذلك، يمكن تفسير حرص الظواهري على دعم بعض التنظيمات الإرهابية مثل حركة "شباب المجاهدين" في الصومال وجماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" في الساحل والصحراء.
4- اختلال التوازن: تكشف تلك عن أن التطورات التي طرأت على الساحة الإقليمية فرضت خيارات محدودة أمام قيادة التنظيم، على نحو ساهم في تراجع تأثيرها على التنظيمات الفرعية، لا سيما في ظل النفوذ المتصاعد لقيادات فروع التنظيم مثل الجولاني وعبد الملك درودكال وقاسم الريمى. ويتزايد تأثير هذا المتغير في ضوء الثقل الذي تحظى به الفروع داخل التنظيم الذي اعتمد عليها بشكل رئيسي خلال الفترة الماضية.
وعلى ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن تزايد تلك الرسائل خلال المرحلة الحالية يشير، في الغالب، إلى تصاعد حدة الضغوط التي يتعرض لها التنظيم، وتراجع قدرته على احتواء تداعياتها، التي يمكن أن تصل إلى حد تعزيز احتمالات اتجاه بعض المجموعات الفرعية والقيادات إلى الانشقاق من أجل تكوين تنظيمات منافسة أو الانضمام إلى تنظيمات قائمة بالفعل.