دفعت التهديدات الأمنية التي تعرضت لها صناعة الطيران في الشرق الأوسط خلال الفترة الماضية بعض الدول إلى فرض مزيد من القيود على حركة المسافرين من المنطقة إليها. ففي 6 مارس 2017، منعت الولايات المتحدة الأمريكية مواطني ست دول هي إيران وليبيا وسوريا والصومال والسودان واليمن من دخول أراضيها لمدة 90 يومًا. وفي الشهر ذاته، أصدرت السلطات الأمريكية والبريطانية قرارًا بحظر حمل أجهزة الكمبيوتر المحمولة واللوحية على متن الرحلات الجوية القادمة إليها من عدة دول في المنطقة.
وفي الواقع، فإن المخاوف السابقة تأتي في سياق تصاعد تهديدات التنظيمات الإرهابية لحركة النقل الجوي في منطقة الشرق الأوسط وخارجها. ففي غضون الأشهر الماضية، شهدت المنطقة عددًا من الحوادث الإرهابية التي طالت بعض المطارات وخطوط النقل الجوي في المنطقة وأوروبا وعلى رأسها سقوط الطائرة الروسية بشبه جزيرة سيناء في أكتوبر 2015، وتفجيري مطار بروكسل في مارس 2016 ومطار أتاتورك في يونيو من العام نفسه، وهى الحوادث التي أعلن تنظيم "داعش" مسئوليته عنها.
وقد بدأت بعض الاتجاهات في الإشارة إلى أن صناعة الطيران باتت إحدى الأهداف الرئيسية للتنظيمات الإرهابية داخل منطقة الشرق الأوسط وخارجها، ولا سيما أن الحوادث السابقة كشفت عن أن هذه التنظيمات نجحت في تطوير أدواتها اللوجستية لاختراق وتنفيذ عملياتها داخل المطارات وخطوط النقل الجوي. وربما لم يقتصر الأمر على هذه التكتيكات الهجومية، وإنما امتد أيضًا لتطوير القدرات الهجومية الخاصة باستخدام الطائرات من دون طيار "الدرونز" في المعارك العسكرية، وبما قد يفرض مخاطر متزايدة بشأن أمن المجال الجوي.
وفي ظل المخاوف السابقة، فإن القوى الغربية ستتجه، على ما يبدو، نحو فرض مزيد من القيود على حركة السفر من منطقة الشرق الأوسط إليها، وهو ما بات يتطلب من دول المنطقة زيادة الاستثمارات في مجال أمن المطارات بالإضافة إلى رفع مستوى التعاون الأمني مع تلك القوى بشأن تأمين حركة النقل الجوي، والذي ربما لا يشمل فقط تعزيز التكنولوجيا الغربية في التأمين، وإنما يتضمن أيضًا تبادل المعلومات حول المسافرين وتوظيف الخبرات الغربية في هذا الشأن.
دلالات عديدة:
على مدار الأشهر الماضية، شهدت صناعة الطيران في منطقة الشرق الأوسط وأوروبا أيضًا العديد من الحوادث الإرهابية. فقد نفذت عناصر تابعة لتنظيم "داعش" تفجيرين في مطار بروكسل في مارس 2016 ومطار أتاتورك بعد ذلك بثلاثة أشهر، فيما تعرضت إحدى الطائرات المتجهة من الصومال إلى جيبوتي لتفجير من قبل حركة "شباب المجاهدين" في فبراير من العام ذاته.
وتطرح هذه الحوادث السابقة العديد من الدلالات الخاصة بالأهداف المستقبلية للتنظيمات الإرهابية وقدراتها الهجومية واللوجستية. تتمثل الأولى، في تزايد دوافع هذه التنظيمات لاستهداف المطارات وخطوط النقل الجوي، حيث باتت هدفًا جاذبًا لها من أجل إحداث أكبر قدر من الأضرار المادية وزيادة المخاوف الأمنية الإقليمية والدولية.
في حين تنصرف الثانية، إلى أن هذه النوعية من العمليات الإرهابية لا تستهدف الطائرات فقط، وإنما تمتد أيضًا إلى المطارات بشكل عام. أما الثالثة، فتتصل باتجاه هذه التنظيمات نحو تطوير أدواتها اللوجستية والهجومية لتنفيذ هجماتها ضد المطارات والطائرات، حيث أشارت تقديرات أمنية عديدة إلى أن هذه التنظيمات باتت لديها القدرة على إخفاء المتفجرات داخل الأجهزة الإلكترونية.
بينما ترتبط الرابعة، باعتماد تنظيم "داعش" في تطوير قدراته الهجومية على استخدام الطائرات من دون طيار "الدرونز"، حيث أسس، في يناير 2017، ما يسمى بـ"وحدة مجاهدي الدرونز" كوسيلة جديدة لتعويض فقدان الكثير من مقاتليه منذ بدء معركة الموصل في أكتوبر 2016. وقد بدأ التنظيم في استخدام "الدرونز" في استهداف القوات والمنشآت العراقية منذ بدء تلك المعركة، وهو ما بات يثير قلقًا واضحًا إزاء إمكانية استخدام التنظيمات الإرهابية لـ"الدرونز" في تهديد المجال الجوي والطائرات.
اتجاهات مختلفة:
دفعت هذه التطورات السابقة بعض القوى الدولية والإقليمية إلى اتخاذ خطوات إجرائية عديدة للتعامل معها، ويتمثل أبرزها في:
1- تصاعد القيود: على ضوء التهديدات التي تواجهها صناعة الطيران، لجأت السلطات الأمريكية نحو فرض قيود على حركة السفر من بعض دول الشرق الأوسط إلى الولايات المتحدة. وفي هذا السياق، أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في 6 مارس الجاري، أمرًا تنفيذيًا معدلا يقضي بحظر دخول مواطني ست دول هي إيران وليبيا وسوريا والصومال والسودان واليمن من الدخول إلى الولايات المتحدة لمدة 90 يومًا. وقد استثنى القرار العراق بعد أن كانت ضمن القائمة السابقة التي تضمنها أمر تنفيذي صدر في يناير الماضي. وبجانب الإجراء السابق، حظرت الولايات المتحدة وبريطانيا، في 21 مارس الجاري، على ركاب بعض خطوط النقل الجوي المتجهة من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حمل أجهزة الكمبيوتر المحمولة والأجهزة اللوحية وغيرها من الأجهزة الإلكترونية الكبيرة في الطائرات بسبب مخاوف مرتبطة بالإرهاب.
2- استثمارات أمنية: يبدو أن ارتفاع حدة المخاوف المتعلقة بتزايد استهداف صناعة الطيران من قبل التنظيمات الإرهابية، سوف يساهم في تحفيز الاستثمار في مجالات الملاحة الجوية والمطارات خلال الفترة المقبلة. ففي غضون السنوات الخمس الماضية، أنفقت مطارات الشرق الأوسط نحو 70 مليار دولار على تقنية المعلومات بجانب أمن المطارات من أجل تعزيز تدابيرها الأمنية.
ولكن ربما لن تصبح المبالغ السابقة كافية لتقليص حدة التهديدات الإرهابية، ولذلك من المتوقع أن تستمر دول الإقليم في زيادة إنفاقها على تطوير وتحديث المنظومة الأمنية الخاصة بصناعة الطيران، وذلك على غرار مصر التي ضخت، حسب تصريحات وزير الطيران شريف فتحي في نوفمبر 2016، ما يقارب 42 مليون دولار من أجل تطوير الأنظمة الأمنية والتدريب الخاصة بالمطارات.
3- تبادل المعلومات: ربما لا يقتصر التعاون بين دول منطقة الشرق الأوسط في الفترة المقبلة على تبادل الخبرات التكنولوجية والفنية من أجل تعزيز الإجراءات الأمنية، فحسب توقعات الخبراء في صناعة أمن المطارات، فإن هذه الدول سوف تتجه نحو رفع مستوى التعاون في تبادل المعلومات حول المسافرين، وربما تشدد السلطات المحلية في تلك الدول من إجراءاتها الخاصة بالفحوص الأمنية للعاملين بالمطارات وشركات النقل الجوي.
تأثيرات محتملة:
على الرغم من التحديات المتعلقة بالإرهاب في السنوات الماضية، إلا أن توقعات الاتحاد الدولي للنقل الجوي (أياتا) جاءت متفائلة للغاية بشأن حركة النقل الجوي من منطقة الشرق الأوسط. ففي أكتوبر 2016، توقع الاتحاد أن يشهد عدد الركاب بمنطقة الشرق الأوسط نموًا بنسبة 4.8% خلال الفترة من عام 2015 وحتى عام 2035، ليبلغ إجمالي عدد الركاب بالمنطقة 414 مليون راكب بنهاية هذه الفترة.
لكن ذلك لا ينفي أن صناعة الطيران بمنطقة الشرق الأوسط تتعرض لضغوط وقيود داخلية وخارجية عديدة قد تتصاعد في الفترة المقبلة، وهو ما قد يفقد بعض مطارات الشرق الأوسط وخطوط النقل الجوي جاذبيتها، وربما يعرقل الخطط الطموحة لكثير من دول الشرق الأوسط التي تسعى إلى تعزيز إيراداتها من تطوير مطاراتها وأساطيلها الجوية، بشكل بات يفرض عليها رفع مستوى التعاون فيما بينها، لمواجهة التحديات التي يفرضها استهداف التنظيمات الإرهابية لتلك الصناعة.