مع الانخفاض الكبير في أسعار النفط قبل أكثر من سنتين، مورست ضغوط كبيرة على دول مجلس التعاون الخليجي لخفض الإنتاج من أجل رفع الأسعار، إلا أن دول المجلس قاومت هذه الضغوط على اعتبار أن منطقها يقول، إن تخفيض إنتاج منظمة «أوبك» سيؤدي إلى زيادة إنتاج البلدان من خارج المنظمة، وهو ما سيساهم في تراجع حصة «أوبك»، خصوصاً أن البلدان غير الأعضاء رفضت في ذلك الوقت التعاون لخفض الإنتاج. هذه الرؤية الخليجية الصائبة أرغمت الدول من خارج المنظمة على التعاون والاتفاق لخفض إنتاج النفط بعد أن شعرت بحجم التراجع في عائداتها، وأنها لا تملك قوة التحمل التي تتمتع بها دول الخليج بفضل أفضلية أوضاعها المالية. لقد أدت هذه الاستراتيجية الخليجية الناجحة إلى تضاعف أسعار النفط لتقفز من 27 دولاراً للبرميل إلى ما فوق الخمسين بعد اتفاق خفض الإنتاج بين البلدان من داخل وخارج منظمة «أوبك»، والذي تسري فعاليته حتى شهر يونيو المقبل، وهو ما زاد من العائدات النفطية لمجموع هذه البلدان.
أما الاستراتيجية الحالية لدول المجلس، فتكمن في المحافظة على المكاسب التي تحققت ومقاومة الضغوط مرة أخرى الداعية إلى العمل على رفع أسعار النفط لمستويات عالية، فوصول الأسعار إلى ما فوق 70 دولاراً للبرميل سيؤدي إلى طفرة في إنتاج النفط الصخري، وهو ما سيؤدي بدوره إلى تهاوي الأسعار مرة أخرى. وتقوم السياسة النفطية الخليجية على المحافظة على أسعار للنفط تتراوح ما بين 55 و65 دولاراً للبرميل، مما سيحقق زيادة مقبولة في إنتاج النفط الصخري تتناسب وارتفاع متوسط الطلب السنوي العالمي على النفط، في الوقت الذي يتعين على دول «أوبك» أن تراجع مستويات الإنتاج وحصص التوزيع لديها، وفقاً لمعدل الطلب في الأسواق الدولية والأوضاع الاقتصادية العالمية. هذا الفهم الخليجي الصحيح جاء نتيجة لتراكم سنوات من الخبرة والدراية بتقلبات ودهاليز أسواق النفط والاعتدال في معالجة تقلبات الأسعار، وهو ما قاد إلى تحقيق مكاسب مهمة، ولو ترك الأمر لأهواء الدول المتطرفة، كإيران وفنزويلا لاستمرت عملية انهيار الأسعار ولتكبدت البلدان المصدرة كافة للنفط خسائر جسيمة لا يمكن تعويضها.
وتركز الاستراتيجية الخليجية حالياً كذلك على المحافظة على استقرار الإنتاج والأسعار، وتبني زيادات إنتاج تدريجية تتناسب وأوضاع السوق من جهة وحالة الاقتصاد الدولي من جهة أخرى، وهي تتمحور حول مراجعة القرار الجماعي بين الدول المصدرة من أعضاء «أوبك» خارجها في شهر يونيو المقبل، مع المحافظة على معادلة العرض والطلب لاستقرار أسعار النفط عند المستويات المطلوبة ضمن هذه الاستراتيجية.
المهم تلتزم الدول المتطرفة بالاتفاق، فإيران التي استثنيت من الاتفاق الأخير حتى تصل إلى مستوى حصتها في «أوبك» تهدد من جديد بزيادة إنتاجها، وهو ما يعني انهيار الاتفاق، في حين تشير لجنة مراقبة السوق المشكلة في إطار «أوبك» إلى التزام بقية المنتجين الأعضاء وغير الأعضاء باتفاق تخفيض الإنتاج عند المستويات المتفق عليها.
وإذا نجحت الدول كافة في تجاوز الخلافات، والتزمت خفض الإنتاج أو تحديده، فإن الاستراتيجية الخليجية ستؤدي إلى زيادة ملحوظة في عائدات النفط في العام الجاري 2017، مقارنة بالعام الماضي 2016، مما سيترك آثاراً إيجابية على الأوضاع المالية والاقتصادية، ويقلص كثيراً من العجوزات في الموازنات السنوية للبلدان المنتجة. لذلك تشكل القيادة الخليجية لـ«أوبك» وللسياسات النفطية للبلدان المصدرة بشكل عام أهمية بالغة لاستقرار الأسواق وللمحافظة على أسعار عادلة للبرميل، وهو ما يقدم خدمة كبيرة للاقتصاد العالمي، بما فيه مصلحة البلدان المنتجة والمستوردة للنفط على حد سواء.
*نقلا عن صحيفة الاتحاد