أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

الفرصة الثانية:

استراتيجية أوروبية جديدة للتدخل في ليبيا

31 يوليو، 2016


إعداد: ناهد شعلان

قد يخطئ الأوروبيون في التعامل مع ليبيا باعتبارها فقط مصدر تهديد، سواء فيما يتعلق بالإرهاب أو الهجرة غير الشرعية، ولكن بدلاً من ذلك يتعين على الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه مساعدة حكومة الوفاق الوطني الليبية لمعالجة الأزمة الاقتصادية في البلاد، وتكثيف المصالحة بين الفصائل المختلفة، وتطوير أداء المؤسسات التمثيلية في الدولة، بالإضافة إلى الضغط على حلفاء أوروبا في منطقة الشرق الأوسط لتجنيب ليبيا أي تفاعلات أو مخاطر قد تغذي العنف والانقسام في البلاد.

ويمثل ما سبق أبرز ما تضمنه تقرير أصدره المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية بعنوان: "التدخل الأفضل: الفرصة الثانية لأوروبا في ليبيا"، والذي أعده "ماتيا توالدو" Mattia Toaldo، زميل بارز في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.

كيف يتم التدخل العسكري في ليبيا؟

منذ عام 2015 يتحدث الإعلام الغربي والمسؤولون الرسميون عن ضرورة التدخل العسكري في ليبيا من أجل مواجهة تنظيم "داعش"، بيد أن قرار مجلس الأمن رقم 2259 ألزم الدول بعدم تقديم أي نوع من المساعدة العسكرية إلا بناءً على طلب رسمي موجه من الحكومة الليبية الشرعية. وتثبت الوقائع وجوداً للقوات الأمريكية والبريطانية والفرنسية والإيطالية على الأراضي الليبية، ولكن لا يمكن توسيع نطاق عمل هذه القوات إلا إذا كانت تساهم بشكل فعَّال في محاربة الإرهاب.

وفي ديسمبر الماضي، نجحت المفاوضات المنعقدة تحت مظلة الأمم المتحدة في إبرام اتفاق سياسي تمخض عنه تشكيل مجلس رئاسي من تسعة أعضاء، وحكومة وفاق وطني برئاسة فايز السراج مقرها طرابلس، وهو ما قد يفتح باباً جديداً للتعاون بين ليبيا وأوروبا. وفي هذا الإطار، يطالب الكاتب الأوروبيين بعدم إثقال الحكومة الليبية بمتطلبات غير واقعية، مثل محاربة "داعش" ومكافحة الهجرة غير الشرعية، قبل أن يتم دعمها سياسياً.

البحث عن "بشمركة ليبية"

هناك الكثير من عمليات التدخل العسكري الأمريكية والأوروبية التي تتم في إطار غير رسمي عن طريق التعاون مع عدد من الجماعات المسلحة الليبية. ونتج عن ذلك اعتقاد هذه الجماعات بإمكانية تمتعها بمجموعة من المزايا كتلك التي تتمتع بها قوات البشمركة العراقية، مثل الحصول على الأسلحة أو الاعتراف بسيطرتها على بعض الأراضي الليبية.

ومن ناحية أخرى، يؤكد الكاتب أن الضغط الأمريكي والأوروبي المستمر على الحكومة الليبية من أجل السماح لهم بالتدخل العسكري، قد أغفل أمرين مهمين، أولهما مواجهة المجلس الرئاسي الليبي وحكومة السراج اتهامات من قِبل معارضيهم بأنهم مجرد دمية في يد الغرب من أجل إضفاء الشرعية على تدخله في ليبيا. وثانيهما أن التدخل العسكري يتطلب إعادة هيكلة القطاع الأمني الليبي، والحصول على تدريبات من قوات خارجية من أجل مواجهة "داعش".

وحسب التقرير، فإن أفضل طريقة لمواجهة "داعش" في ليبيا هي إيجاد حكومة وحدة قوية وقادرة على التعاون مع الدول الأوروبية من أجل استقرار الأوضاع الليبية، ودحض الخطر عن أوروبا.

تكثيف الجهود السياسية

مما لا شك فيه أن ثمة حاجة للقوة العسكرية لمحاربة "داعش" في ليبيا، غير أنه لا يمكن أيضاً الاستغناء عن الإجراءات السياسية التي تهدف إلى تطوير قطاع الأمن الليبي، والذي يعني بالضرورة تغيير هيكل السلطة، ما سيؤثر على الدور الذي تلعبه بعض القوى الإقليمية في ليبيا. ويدعو الكاتب الولايات المتحدة والقوى الأوروبية إلى أن تجعل تدخلها العسكري في ليبيا متماشياً مع دعمها السياسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية، وتحقيق مكاسب عن طريق الآتي:

1- استمرار التعاون على المستويات الرفيعة من خلال أدوات مختلفة، مثل مجموعة الدعم الدولية لليبيا التي أسستها الولايات المتحدة والقوى الإقليمية في روما في ديسمبر 2015، وضرورة التنسيق بين الجهود الأمريكية والأوروبية حتى لا يحدث تعارض.

2- تواصل الضغط على الأطراف الإقليمية لعدم التدخل في ليبيا، ومعالجة مسببات العنف والجمود السياسي، وضرورة مساعدة بعثة الأمم المتحدة الخاصة في ليبيا من أجل تخطي العقبات الراهنة وتفعيل الاتفاق السياسي الليبي.

3- قيام الاتحاد الأوروبي وأعضائه بمساعدة ليبيا في التغلب على عوامل الفوضى، وأهمها على الإطلاق العنصر الاقتصادي.

ثلاثة مخاطر متشابكة في ليبيا

يتطرق التقرير إلى معاناة ليبيا من ثلاثة مخاطر متشابكة، وهي ما يلي:

1- الأزمة الاقتصادية والإنسانية:

تعاني ليبيا، التي كانت قبل سنوات قليلة واحدة من أغنى الدول في أفريقيا، أزمة اقتصادية وإنسانية طاحنة، حيث يحتاج أكثر من 40% من الشعب الليبي إلى مساعدات إنسانية، بالإضافة إلى عجز في الموازنة العامة؛ إذ يُتوقع أن يصل هذا العجر إلى 54% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول نهاية السنة المالية لعام 2016. كما انخفض الاحتياطي النقدي الأجنبي في ليبيا من 100 مليار دولار في عام 2014 ليُقدر حالياً بنحو 50 مليار دولار.

وحسب التقرير، يرجع العجز في الموازنة الليبية إلى كثرة الإنفاق الحكومي على القطاع العسكري والأمني، وزيادة المرتبات من 24% إلى 40% من إجمالي الإنفاق بين عامي 2012 و2013، فضلاً عن انخفاض إنتاج البترول في البلاد.

كما تعاني ليبيا، كذلك، أزمة سيولة مالية حادة، في ظل عدم ثقة السكان في البنوك، وارتفاع معدلات التضخم، ونمو القطاع الاقتصادي غير الرسمي.

وبالتالي، فإن مواجهة الأزمة الإنسانية وأزمة السيولة المالية أصبحت من أهم أولويات الحكومة الليبية بقيادة السراج من أجل الحصول على تأييد شعبي.

2- صعود تنظيم "داعش":

استطاع تنظيم "داعش" تثبيت أقدامه في ليبيا في عام 2014 وبناء قاعدته الأولى في مدينة درنة شرق البلاد، وإيجاد منطقة تحت سيطرته في مدينة سرت. ولكن في المقابل، لم ينجح التنظيم الإرهابي في تحقيق نجاحات سياسية وسط جموع الشعب الليبي، حيث تم طرده من مدن أساسية مثل بنغازي بفضل المجموعات المسلحة المحلية. غير أن تعثر حكومة الوفاق الوطني في دفع المرتبات قد يعطي فرصة لتنظيم "داعش" لاستقطاب عدد من الليبيين، لذلك يتوجب على الليبيين والأوروبيين صياغة استراتيجية فعَّالة لمواجهة هذا الخطر الداعشي.

3- الهجرة غير الشرعية:

باتت عملية الهجرة غير الشرعية من أكثر عوامل القلق بالنسبة للأوروبيين. وفي هذا الصدد، ثمة مجموعة من الحقائق يجب أن تُبنى عليها السياسات، ومنها زيادة عدد المهاجرين من 60 ألفاً في عام 2012 إلى 170 ألفاً في عام 2014، وهذا العدد قابل للزيادة. كما أن ليبيا كانت دائماً محطة عبور المهاجرين إلى أوروبا، وتعد الأوضاع في ليبيا أحد الأسباب الرئيسية وراء الهجرة إلى أوروبا.

استراتيجية أوروبية جديدة

نظراً للوضع الفوضوي وانعدام الأمن في ليبيا، كان من الطبيعي أن تكون الاستراتيجية الغربية في ليبيا قائمة بالأساس على البعد الأمني، غير أن الكاتب يرى أن هذه الاستراتيجية أثبتت فشلها، وهو ما يتطلب تبني استراتيجية أخرى جديدة تقوم على المحاور الخمسة التالية:

1- الاقتصاد أولاً:

أ- مساعدة حكومة السراج على تخطي أزمة السيولة النقدية عن طريق دعم البنك المركزي الليبي لإعادة الثقة لدى المواطنين لإيداع أموالهم في البنوك مرة أخرى، فضلاً عن تحرير بعض الأصول الليبية التي تم تجميدها.

ب- يتعين على الحكومات الأوروبية النظر في فرض قيود على الإنفاق الليبي على الرواتب، خصوصاً في قطاع الأمن، لمساعدة البنك المركزي الليبي والحكومة على التصدي للمطالب المالية المتزايدة، وترشيد الإنفاق.

ج- مواجهة المشاكل التي تعيق إنتاج البترول، من أجل حل أزمة عجز الموازنة العامة، وتخفيف الضغط على الاحتياطي الليبي من النقد الأجنبي. ومن ثم، يتعين على حكومة السراج التوصل إلى اتفاق مع مدينة الزنتان التي تتحكم في إنتاج البترول، وهو ما قد يحتاج إلى وساطة خارجية.

د- تبني سياسة اقتصادية متفق عليها، فقد عمل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي على إيجاد نوع من التوافق بين الحكومات الليبية السابقة بشأن الميزانية. وقد نتج عن ذلك إبرام اتفاق في مدينة اسطنبول في عام 2015، حيث سُمح للبنك المركزي الليبي بالسيطرة على الإنفاق العام في البلاد. والآن، ينبغي على الاتحاد الأوروبي، بالتنسيق مع المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، دعم اللجنة الاقتصادية للمجلس الرئاسي الليبي من أجل تخطي الأزمة الاقتصادية.

2- حل أزمة المصالحة والمؤسسية:

أ- ضرورة الدفع بالاتفاق السياسي الليبي عبر مجلس النواب، حيث إن الشرعية الكاملة للاتفاق وحكومة الوفاق لن تتم إلا عن طريق البرلمان. لذلك يجب على الاتحاد الأوروبي أن يضغط في هذا الاتجاه.

ب- في ظل فشل المؤسسات السياسية الليبية الحالية في تمثيل العديد من القوى المحلية في البلاد، ثمة مقترح بتكوين هيئة تضم جميع النواب ورؤساء البلديات.

ج- مساعدة حكومة الوحدة في التوافق مع شرق ليبيا، ويمكن للاتحاد الأوروبي، بمساعدة البعثة الأممية الخاصة في ليبيا، دعم المجلس الرئاسي في هذا الشأن.   

3- الضغط السياسي عالي المستوى:

أ- التنسيق مع دول إقليمية، مثل مصر، لضمان التزامها بدعم حكومة الوفاق الوطني الليبية بقيادة فايز السراج.

ب- منع تنامي المؤسسات الموازية للدولة، خاصةُ في شرق ليبيا، ومنعها من طباعة الأوراق المالية أو بيع المنتجات البترولية.

ج- فرض عقوبات على كل من يدعم التجارة غير الشرعية للأسلحة والبترول في ليبيا.

 4- تطوير قطاع الأمن:

أ- دعم القيادة العسكرية المشتركة التي شكلها المجلس الرئاسي الليبي لمواجهة "داعش"، وهي خطوة ضرورية لضمان سيطرة جهة واحدة على العمليات العسكرية وتنظيمها.

ب- رفع الحظر عن الأسلحة اللازمة لمحاربة "داعش"، مع وجود مجموعة من الضمانات الإقليمية والدولية حتى لا تقع هذه الأسلحة في أيدي الجماعات الإرهابية والمتطرفة.

ج- تبني سياسة دفاعية وأمنية موحدة للاتحاد الأوروبي من أجل تدريب الشرطة الليبية، وإصلاح وإعادة بناء قطاع الأمن في البلاد.

5- معالجة أزمة الهجرة واللاجئين:  

أ- إعادة النظر في "عملية صوفيا البحرية" لمكافحة الهجرة غير النظامية عبر ليبيا، وإعطاء دور أكبر للحكومة الليبية للمساعدة في هذا الأمر.

ب- حماية حقوق اللاجئين والمهاجرين داخل ليبيا عن طريق تفعيل دور المؤسسات الدولية المعنية.

ج - الضغط على السلطات الليبية للتصديق على اتفاقية جنيف من أجل ضمان حقوق اللاجئين، وهو ما يتيح للاتحاد الأوروبي التعامل مع ليبيا وفق قواعد القانون الدولي.


* عرض مُوجز لتقرير بعنوان: "التدخل للأفضل: الفرصة الثانية لأوروبا في ليبيا"، والصادر في مايو 2016 عن المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.

المصدر:

Mattia Toaldo, Intervening Better: Europe's Second Chance in Libya, (London: European Council on Foreign Relations, May 2016).