أخبار المركز
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)
  • إيمان الشعراوي تكتب: (الفجوة الرقمية: حدود استفادة إفريقيا من قمة فرنسا للذكاء الاصطناعي 2025)
  • حسين معلوم يكتب: (تفاؤل حذر: هل تشكل الانتخابات المحلية فرصة لحلحلة المسار الليبي؟)
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)

فرص وتحديات:

كيف سيتأثر الاقتصاد التركي بالأزمة الروسية – الأوكرانية؟

29 مارس، 2022


فرض التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا منذ فبراير الماضي تحديات جديدة أمام الاقتصاد التركي، تتضمن تصاعد الضغوط التضخمية وارتفاع عجز الحساب الجاري، وسط زيادة فاتورة واردات الطاقة والسلع الغذائية، فضلاً عن تباطؤ نمو بعض القطاعات الصناعية مثل المنسوجات والأغذية، مما قد يسفر عن تباطؤ النمو الاقتصادي في هذا العام. 

وعلى الجانب الآخر، وفي ظل الموقف المتوازن لأنقرة في ظل الأزمة، وتجنب الانخراط في فرض عقوبات اقتصادية على روسيا، ستتمكن الأولى من الحفاظ على إمدادات النفط والغاز الروسية من دون تأثر، كما يرجح أن تلعب تركيا دور الوسيط التجاري بين روسيا والغرب، مما يشكل فرصاً محتملة أجل دعم اقتصادها.

تحديات اقتصادية: 

فرضت الأزمة الروسية – الأوكرانية عدداً من التحديات أمام الاقتصاد التركي، وذلك على النحو التالي:

1- تباطؤ النمو الاقتصادي: يهدد الغزو الروسي لأوكرانيا بتعميق الأزمة الاقتصادية في تركيا، في ظل ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء وتعطيل حركة التجارة مع روسيا وأوكرانيا. ومن شأن الأزمة أن تُسهم في تقويض خطط تعزيز النمو الاقتصادي القائم على زيادة الصادرات. 

2- ارتفاع التضخم: كانت أسعار الوقود والمواد الغذائية مرتفعة بالفعل في تركيا، فقد بلغ معدل التضخم نسبة 54.4% في فبراير 2022. وشهدت أسعار السلع الأساسية مزيداً من الارتفاع عقب الأزمة. ويحسب الاقتصاديون، فإنه مع كل ارتفاع بمقدار 10 دولارات في سعر النفط، يميل التضخم في تركيا للارتفاع بـ 1.5%. ولذا، يُرجح بنك "جولد مان ساكس" أن يبقى معدل التضخم في تركيا فوق مستوى الـ 60% معظم فترات عام 2022.

3- تأخر تعافي القطاع السياحي: مثّل السياح القادمين من كل روسيا وأوكرانيا حوالي 27% من إجمالي السياح الوافدين إلى تركيا عام 2021، وبعدد 4.7 مليون و2.1 مليون على التوالي ويمثلون معاً حصة تقدر بحوالي 15% من الإيرادات السياحية التركية. وبلا شك، ستؤدي الأزمة الروسية – الأوكرانية لتثبيط الآمال بشأن تعافي قطاع السياحة التركي، حيث أدت إلى توقف الحجوزات السياحية من روسيا وأوكرانيا، بالإضافة إلى تراجُع الحجوزات من الدول الأوروبية الأخرى.

ويتمثل أسوأ السيناريوهات في أن تؤدي الأزمة الراهنة لخسارة تركيا لعائدات سياحية تتراوح بين 5 – 6 مليارات دولار، وقد ترتفع هذه الخسائر إلى 10 مليارات دولار، إذا ما تمَّ حساب التأثير المضاعف للسياحة على بعض الأنشطة الاقتصادية الأخرى. 

4- تباطؤ حركة التجارة الخارجية: من المتوقع أن تؤدي الأزمة لتباطؤ الصادرات التركية لكل من روسيا وأوكرانيا، لاسيما في ظروف الحرب والاختناقات اللوجستية، مع غلق بعض موانئ البحر الأسود. ومن المحتمل أن تكون صادرات المنسوجات، والمصنوعات الجلدية الأكثر تأثراً بسبب الأزمة. ومع بداية الحرب، توقف الصادرات التركية تماماً إلى أوكرانيا، بينما انخفضت الصادرات التركية للسوق الروسي بنحو النصف. 

وفي العام الماضي، بلغ حجم التبادل التجاري بين تركيا وروسيا نحو 34.8 مليار دولار، وهي تشكل ما نسبته 2.6% و10.7% من إجمالي الصادرات والواردات التركية على الترتيب. فيما بلغ حجم التبادل التجاري مع أوكرانيا 7.4 مليار دولار عام 2021، بنسبة 1.3% و1.7% من إجمالي الصادرات والواردات التركية على التوالي.


5- ارتفاع فاتورة واردات الطاقة: سيؤدي الارتفاع الحاد في أسعار النفط والغاز الطبيعي الناجم عن الحرب الأوكرانية إلى زيادة فاتورة الواردات التركية من الطاقة. وتشير التقديرات إلى أن كل ارتفاع لأسعار خام برنت بـ 10 دولارات، سينجم عنه زيادة فاتورة الواردات التركية من الطاقة بما يصل إلى 6 مليارات دولار. ويشار إلى أن روسيا حافظت على إمداداتها من النفط والغاز لتركيا دون انقطاع رغم الأزمة، ويأتي هذا في ظل حفاظ أنقرة على موقف متوازن من طرفي الصراع، وتجنبها الانخراط في فرض عقوبات عليها.  

6- ارتفاع عجز الحساب الجاري: من المتوقع حدوث اتساع في عجز الحساب الجاري في ظل تباطؤ نمو الصادرات التركية، فضلاً عن ارتفاع فاتورة بعض الواردات خاصة الطاقة والغذاء. وقد سجل العجز الجاري أعلى مستواه عند 7.1 مليار دولار في يناير 2022، وفقاً لبيانات البنك المركزي التركي، وهو مرشح لمزيد من الارتفاع بعد الحرب الأوكرانية. 

وقد ضاعف بنك "جي بي مورجان" من توقعاته لعجز الحساب الجاري في تركيا إلى 2.5% كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2022، بدلاً من 1.5%، وذلك في ضوء تأثيرات الحرب على الاقتصاد التركي.

7- تأثيرات سلبية على الصناعة: كان القطاع الصناعي التركي استرد معظم طاقته الإنتاجية بعد جائحة كورونا، على الرغم من أنه تأثر منذ بداية العام بأزمة انقطاع إمدادات الغاز الإيراني لتركيا. وقد أظهرت نتائج مؤشر مدراء المشتريات لشهر فبراير 2022، والذي سجل 50.4 نقطة، تباطؤ الإنتاج للشهر الثالث على التوالي، وانخفاض الطلبات الجديدة للشهر الخامس على التوالي. 

ويبدو أن الغزو الروسي لأوكرانيا سيتسبب في زيادة معاناة القطاع الصناعي، في ظل ارتفاع تكاليف مدخلات الإنتاج، وتباطؤ المبيعات، خاصة بالنسبة للصناعات التالية:

‌أ- صناعة المنسوجات: تمثل روسيا وأوكرانيا معاً أحد أهم الأسواق الرئيسية لتصريف الإنتاج التركي من المنسوجات. وتشير التقديرات إلى أن الأزمة قد تسببت في إلغاء طلبات من الملابس تجاوزت قيمتها 200 مليون دولار خلال الأسبوع الأخير من شهر فبراير 2022، ومن ثم فإن استمرار حالة الحرب بين روسيا وأوكرانيا يُنذر بتفاقم الخسائر التي قد يواجهها المصنعون في هذا القطاع.

‌ب- الصناعات الغذائية: تشير التقديرات إلى أن الأزمة الراهنة من شأنها التأثير سلباً على الصناعات الغذائية، حيث من المتوقع حدوث نقص جزئي في بعض السلع الزراعية الاستراتيجية والتي تستوردها تركيا من روسيا وأوكرانيا، والتي تعتمد عليها الصناعات الغذائية التركية.

وتحصل تركيا على 80% من وارداتها من الحبوب من روسيا وأوكرانيا في عام 2021، كما يُشكل البلدان حوالي 70% من الواردات التركية من زيت عباد الشمس. وقد تسببت الحرب في اختناقات لوجستية في تصدير زيت عباد الشمس الخام إلى تركيا، مما دفع لصعود أسعاره محلياً بشكل كبير. 

وسيتوقف تجاوز تبعات تلك الأزمة على الصناعات الغذائية التركية على إمكانية إيجاد أنقرة موردين إضافيين لاستيراد القمح والزيوت وغيرها من السلع الزراعية.

فرص محتملة:

 منذ بداية الحرب الأوكرانية، حافظت تركيا على موقف متوازن بين طرفي الصراع، مع تجنب فرض أية عقوبات على روسيا، وعقدت أول محادثات بين وزيري الخارجية الروسي ونظيره الأوكراني في مدينة أنطاليا التركية، فضلاً عن إجراء اتصالات مكثفة مع الرئيس الروسي بوتين لتهدئة الأزمة، وهو ما تحاول أنقرة استثماره اقتصادياً وذلك على النحو التالي:

1- الحفاظ على إمدادات الطاقة الروسية: يأتي موقف أنقرة مدفوعاً برغبتها في الحفاظ على علاقتها الاقتصادية مع روسيا، ودعم استمرار إمدادات النفط والغاز والسلع الغذائية للسوق التركي، ومن ثم تجنب البحث عن بدائل أخرى بتكاليف مرتفعة.

2- لعب دور الوسيط التجاري: تشير بعض الترجيحات إلى أن الموقف المتوازن لتركيا تستثمره شركاتها، من خلال الاضطلاع بدور الوسيط التجاري بين روسيا والغرب، أي استيراد السلع الروسية عبر سوق ثالث وهو السوق التركي.

3- جذب الاستثمارات الهاربة من روسيا: يمثل انسحاب العديد من الشركات الأمريكية والأوروبية من روسيا بعد فرض عقوبات غربية عليها، فرصة لتركيا لجذب تلك الشركات، ونقل بعض مقارها وأنشطتها لتركيا، غير أن الإجراءات الحكومية الروسية بتقييد خروج الاستثمارات الأجنبية قد تحد من هذا العامل بشكل كبير. 

ويُلاحظ أنه في حال تمكنت تركيا من جذب هذه الاستثمارات، فإن ذلك من شأنه أن يُسهم في تعزيز تدفقات الاستثمار لأجنبي المباشر إلى تركيا، والتي سجلت صافي تدفق للداخل بلغ 516 مليون دولار في يناير 2022، وفقاً لبيانات البنك المركزي التركي.

4- تعزيز الدور كمعبر للغاز الطبيعي: تحاول تركيا استغلال الحرب الأوكرانية في إعادة التأكيد على دورها كمعبر آمن لنقل تدفقات الغاز من آسيا الوسطى وشرق المتوسط إلى القارة الأوروبية وقد بحثت أنقرة مع الجانب الإسرائيلي بعد اندلاع الحرب الأوكرانية إمكانية مد خط أنابيب يربط بين أوروبا وإسرائيل مروراً بتركيا، وذلك رغم ما يكتنفه تنفيذ الخط من تحديات جيوسياسية واقتصادية مختلفة. 

وفي المحصلة النهائية، يمكن القول إن الحرب الأوكرانية ستفرض أعباء جديدة على الاقتصاد التركي في المدى القصير، خاصة مع ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، وهو الأمر الذي سيسفر عن تباطؤ النمو الاقتصادي، وهو ما قد يفوق التأثير الإيجابي للفرص التي تتيحها الأزمة للاقتصاد التركي.