أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)

تداعيات الإنكار:

هل تؤدي أزمة كورونا لعزل " بولسونارو" في البرازيل؟

07 يونيو، 2020


تُمثِّل قدرة قادة دول العالم على الإدارة الفعَّالة للأزمات المختلفة، محدِّدًا رئيسيًا لبقائهم في السلطة، وعاملًا حاكمًا لمستوى التأييد الشعبي لهم. ومع تفشي وباء كورونا المستجد "كوفيد–19"، يسعي قادة الدول لاتخاذ إجراءات سريعة ومنسقة لمواجهة الوباء، مع العمل في الوقت نفسه على التقليل من تداعياته السلبية على الاقتصاد.

ومثلما ساهمت الإدارة الجيدة لأزمة كورونا في تعزيز شرعية العديد من قادة العالم، فقد كانت هذه الأزمة كاشفةً عن العديد من أوجه القصور في أنماط استجابة بعض القادة لها؛ الأمر الذي كان له انعكاسات واضحة على مستوى ثقة المجتمع بقدرتهم على احتواء الوباء. وفي هذا السياق، يطرح نمط إدارة الرئيس البرازيلي "جايير بولسونارو" لأزمة كورونا، العديد من التساؤلات حول مدى مسؤولية هذا النمط عن وقوع مئات الآلاف من الضحايا في البرازيل من جراء الإصابة بفيروس كورونا، وانعكاسات طريقة تعامل بولسونارو مع الأزمة على مستقبله السياسي. 

تعثر إدارة الأزمة:

تقدَّمت البرازيل، مؤخرًا، على فرنسا، لتصبح في المركز الرابع، بين الدول التي سجَّلت أعلى معدَّلات وفيَات من جراء فيروس كورونا في العالم، بعدما سجَّلت أكثر من 32 ألف حالة وفاة، وأكثر من نصف مليون إصابة، لتصبح الثانية عالميًّا من حيث عدد الإصابات بالفيروس بعد الولايات المتحدة. وفي بلد يزيد عدد سكانه عن 200 مليون نسمة، يخشى الكثيرون أن يكون الوضع أسوأ مما توحي به الأرقام الرسمية. وتُعتبَر الإدارة الضعيفة للرئيس بولسونارو للأزمة، مسؤولة بدرجة رئيسية عن تفشي الفيروس في البرازيل على نطاق واسع. ومن أبرز مظاهر هذه الإدارة ما يلي:

1– إنكار المخاطر الصحية: تحدى الرئيس البرازيلي الإجماع العالمي حول كيفية معالجة أزمة كورونا. وبخلاف توصيف منظمة الصحة العالمية لفيروس كورونا باعتباره "جائحة عالمية"، قلل بولسونارو من مخاطر الفيروس؛ حيث وصفه بـ "الإنفلونزا البسيطة"، وظل يهمل في جولاته الميدانية إجراءات الوقاية، وظهر كثيرًا من دون أقنعة واقية أو قفازات. 

وشارك بولسونارو في احتجاجات ضد إجراءات الإغلاق، منتهكًا قواعد التباعد الاجتماعي، كما لم يتردد في مصافحة الناس، بالإضافة إلى استضافته حفلات في أوج انتشار الوباء؛ ما دفع العديد من خبراء الصحة إلى تحميل الرئيس المسؤولية عن حالات الوفاة الناجمة عن الإصابة بفيروس كورونا.

2– رفض تقديم اعتذار: كان رد بولسونارو الأخير على سؤال أحد الصحفيين حول عدد الوفيات في البرازيل، لافتًا للنظر بشكل خاص في قسوته؛ إذ لم يُبدِ أي مشاعر حزن مع سقوط آلاف الضحايا من البرازيليين. وبعد تجاوز أعداد الوفيات من جراء الفيروس خمسة آلاف وفاة، قال بولسونارو للصحفيين: "ماذا إذن؟! ماذا تريد مني أن أفعل؟! آسف، لكن ليس بوسعي أن أصنع المعجزات".

وخلال الشهر الماضي، صرح بولسونارو: "هل يموت الناس؟ أوه، نعم، أشعر بهم. أشعر بهم. ولكن سيكون هناك المزيد من الناس يموتون، والكثير الكثير، إذا تم تدمير الاقتصاد بإجراءات الإغلاق التي فرضها المحافظون"، وهو ما يكشف عن الأولوية القصوى التي أعطاها الرئيس بولسونارو للاعتبارات الاقتصادية على حساب صحة البرازيليين. وفي هذا الإطار، يرى البعض أن الرئيس بولسونارو يضع مصالحه الشخصية في المقدمة، ويسعى في حال تمكنه من خوض الانتخابات الرئاسية القادمة المقررة في عام 2202، إلى تحميل حكام الولايات المسؤولية عن تردي الوضع الاقتصادي في البلاد.

3– الصدام مع وزراء الصحة: رغم أن البرازيل قد أصبحت واحدة من أحدث بؤر انتشار الوباء في العالم، وبدلًا عن التعاون لمواجهة الأزمة؛ يتصارع السياسيون فيما بينهم. وقد استقال اثنان من وزراء الصحة في البرازيل خلال أقل من شهر؛ حيث قام الرئيس بولسونارو بإقالة وزير الصحة "هنريك مانديتا" بسبب حثه المواطنين على الالتزام بالتباعد الاجتماعي والبقاء في المنازل. 

أما وزير الصحة "نيلسون تيش" الذي تولى المنصب خلفًا لمانديتا، فقد استقال بعد أقل من شهر من توليه المنصب، اعتراضًا على قرار بولسونارو إعادة فتح الأندية الصحية ومحال تصفيف الشعر النسائية في ظل الأوضاع الحالية في البلاد، بجانب رفضه الدعوة لاستخدام عقار هيدروكسي كلوروكين على نطاق أوسع كعلاج لأعراض الفيروس؛ وذلك على خلاف موقف الرئيس البرازيلي. وتُسهم هذه الأوضاع في تقويض استجابة المسؤولين الصحيين للأزمة الخطيرة التي تواجهها البلاد.

4– خلافات مع حكام الولايات: نبَّه العديد من حكام الولايات ورؤساء البلديات، الرئيس البرازيلي إلى أن نظام الصحة العامة يوشك على بلوغ قدرته القصوى على الاستيعاب، وقد فرضت معظم الولايات البرازيلية إجراءات احترازية لمواجهة جائحة كورونا، وإن كان بعضها قد بدأ أو أعلن عن قرب بدء تخفيف هذه التدابير.

وتعود قرارات الحجر والحظر المنزلي، في الأساس، إلى حكام الولايات والمدن البرازيلية، ولا يمكن للرئيس البرازيلي إلغاء هذا القرار بموجب حكم قضائي من المحكمة العليا بالبلاد. ويفسر ذلك الصدام المستمر بين حكام الولايات والرئيس بولسونارو المُعارِض لإجراءات الإغلاق بدعوى أن لها تداعيات كارثية على اقتصاد البلاد. ويسعى بولسونارو إلى إعادة فتح الأعمال التجارية لدعم الاقتصاد، ويؤيد دعوات أنصاره إلى تنظيم التظاهرات والاحتجاجات للمطالبة بإنهاء إغلاق البلاد.

5– الضغط على السلطتين التشريعية والقضائية: شارك الرئيس بولسونارو في عدد من المسيرات التي نظمها أنصاره ضد المحكمة العليا والكونجرس، في ظل محاولتهما الحد من انتهاكات الرئيس، وقد تصادمت المؤسستان مع بولسونارو بشأن موقفه وأسلوب تعامله مع تفشي فيروس كورونا في البلاد. وطالب بعض المتظاهرين بتدخل عسكري وإغلاق البرلمان والمحكمة العليا. وفي ظل هذا المناخ السياسي المتوتر، حض ستة وزراء دفاع برازيليون سابقون، القوات المسلحة على إدانة الدعوات الخاصة بالتدخل العسكري؛ وذلك بعد 30 عامًا من الديمقراطية.

سياقات سياسية ضاغطة:

من المُرجَّح أن يكون لطريقة تعامل الرئيس بولسونارو مع أزمة كورونا، تداعيات مهمة على مستقبله السياسي، في ظل بروز بعض المؤشرات الدالة على تصاعد الضغوط السياسية والشعبية التي يواجهها؛ وذلك على النحو التالي:

1– تعالي الأصوات المعارِضة: إن محاولات بولسونارو المستمرة للتهوين من وباء كورونا في البرازيل، أضرَّت بشعبيته لدى الناخبين، وحولت حلفاء سياسيين سابقين ضده. ومؤخرًا، أصدرت بعض الشخصيات البرازيلية من تياري اليسار واليمين على السواء، بيانًا أعلنت فيه أن ثلثي البرازيليين يريدون حكومة تحترم الدستور، كما يريدون أن يشعروا "بالفرح والفخر لكونهم برازيليين مرة أخرى". ونشر الحقوقيون من جميع أنحاء البلاد بيانًا في الصحف البرازيلية الرائدة يطالبون فيه القوات المسلحة باحترام الديمقراطية.

وفي الوقت نفسه، يسعى حزب العمال المعارِض إلى تقديم طلب رسمي إلى الكونجرس للبدء في إجراءات عزل الرئيس بولسونارو، مبررًا ذلك بفشله في التعامل مع أزمة كورونا. ويؤكد حزب العمال أن بولسونارو ليس قادرًا ولا مؤهًلا لإدارة البلاد؛ حيث فشل في حماية الشعب البرازيلي.

2– تصاعد الرفض الشعبي: نمت حالة من عدم الرضا عن الرئيس بولسونارو بين أوساط البرازيليين خلال الشهر الماضي، ووفقًا لمسح أجرته مؤسسة Datafolha يومي 25 و26 مايو الماضي، رأى 43% من البرازيليين أن الحكومة سيئة أو سيئة للغاية، مقارنةً بـ 38% في الاستطلاع الذي أجري في 27 أبريل الماضي. وإن ظلت نسبة المؤيدين للحكومة مستقرة، عند 33% في كلا الاستطلاعين. ويواجه بولسونارو انتقادات متصاعدة لتراخيه في التعامل مع الوباء، وقد سُمع دوي طَرْق المحتجين الذين تظاهروا بالطرق على الأواني في عدد من المدن البرازيلية، مرددين هتافات: "ارحل يا بولسونارو".

وشهدت مدينة ساو باولو، نهاية مايو الماضي، تظاهرة قام بها عدة مئات من المواطنين، وهي أكبر مسيرة شوارع مناهضة لبولسونارو منذ شهور، وردد العديد من المتظاهرين: "الديمقراطية!". وفي الوقت نفسه، تجمَّع مئات الأشخاص، الشهر الماضي، أمام قصر حكومة ولاية ريو دي جانيرو للاحتجاج على أعمال العنف والقتل التي ارتكبتها الشرطة بحق السود في الأحياء الفقيرة بالولاية.

3– مزاعم التدخل السياسي: سمحت المحكمة العليا للنيابة العامة، بالبدء في التحقيق في مزاعم التدخل السياسي للرئيس بولسونارو. وجاءت هذه الخطوة، عقب إعلان "سيرجيو مورو" وزير العدل البرازيلي، استقالته في أبريل الماضي. ويزيد رحيل العضو الأكثر شعبيةً في حكومة بولسونارو، من الضغوط على الرئيس البرازيلي الذي يواجه الآن تحقيقًا جنائيًّا في مزاعم مورو بالعمل على تعيين رئيس جديد للشرطة الفيدرالية يمده بتقارير ومعلومات مخابراتية، وهي المزاعم التي يمكن أن تؤدي إلى عزل الرئيس البرازيلي.

وقد سبق أن أقال بولسونارو رئيس الشرطة الفيدرالية "ماورسيو فاليكسو" أحد حلفاء وزير العدل المستقيل، دون إبداء أسباب الإقالة، ليعين "ألكسندر راماجيم" رئيسًا جديدًا للشرطة، بعدما كان يشغل منصب الرئيس السابق لوكالة المخابرات البرازيلية. وترتبط هذه الأزمة بمواجهة اثنين من أبناء بولسونارو تحقيقات في مزاعم فساد؛ لذلك يتهم المعارضون الرئيس البرازيلي بالسعي إلى حماية عائلته عن طريق إسناد مسؤولية إدارة الشرطة الفيدرالية إلى حليف له.

4– تفاقم الأزمة الاقتصادية: يتوقع صندوق النقد الدولي أن ينكمش الاقتصاد البرازيلي أكثر من 5% في عام 2020. وسيؤدي ذلك بدوره إلى تضخم عجز الميزانية إلى ما يقرب من 10% من الناتج المحلي الإجمالي، كما فقد نحو 12.8 مليون شخص وظائفهم في الفترة بين فبراير وأبريل الماضي، وبلغ معدل البطالة 12.6%، وإن كان التأثير الاقتصادي للفيروس أكبر على العمال من ذوي الدخل المنخفض والمهاجرين والنساء. ومن شأن تفاقم الأزمة الاقتصادية في أكبر اقتصاد بأمريكا اللاتينية أن تزيد الأصوات المعارِضة للرئيس البرازيلي، وربما تؤجج الاحتجاجات الشعبية ضده.

تكلفة سياسية مرتفعة:

يواجه الرئيس البرازيلي معضلة حقيقية قد تضر بمستقبله السياسي مع تفشي الوباء الذي دمر الاقتصاد البرازيلي وذهب بأرواح آلاف المواطنين؛ ما أجبره على الاعتماد على مؤيديه من اليمين في الشوارع، والضباط العسكريين في حكومته، ويحاول في الوقت نفسه، تكوين تحالف داعم له داخل الكونجرس؛ حيث تشير بعض التقارير إلى أن بولسونارو بدأ يوزع المناصب الحكومية على مجموعة من أحزاب يمين الوسط أطلق عليها اسم "Centrao"، على أمل إقامة جدار حماية ضد أي محاولة للإطاحة به منصبه.

ومع ذلك، فالنظام السياسي البرازيلي مجزأ للغاية؛ حيث يشغل 22 حزبًا مقاعد في الكونجرس. وحتى إذا نجح بولسونارو في تكوين تحالف داعم له، فلا يزال بإمكان الحلفاء الجدد التخلي عن الرئيس، كما فعلوا مع الرئيسة السابقة "ديلما روسيف" في إجراءات المساءلة الأخيرة في البرازيل قبل أربع سنوات.

وجميعها أمور تجعل من الصعب على بولسونارو التصدي بحسم للدعوات المتزايدة بين الخصوم إلى مساءلته والتحقيق معه في مزاعم إعاقة العدالة وإساءة استخدام السلطة، خاصةً أنه إذا رأت المحكمة العليا وثلثا مجلس النواب في الكونجرس، وجاهة التهم المحتملة، فسيتم تعليق ممارسة بولسونارو مهام منصبه، ويمكن أن تجري محاكمته أمام المحكمة العليا.

ومع ذلك، فإن قاعدة بولسونارو الانتخابية، التي تضم المسيحيين الإنجيليين وقطاع الزراعة؛ لا تزال قوية. وبالإضافة إلى ذلك، يشغل القادة العسكريون تسعة من بين 22 منصبًا وزاريًّا في حكومة بولسونارو، ويبدو أنهم يمثلون حاجزًا قويًّا ريما يحميه من مخاطر العزل، خاصةً مع الدعوات التي أطلقها بعض مؤيديه بضرورة التدخل العسكري.

وربما ينجو الرئيس البرازيلي من محاولة العزل، لكن شعبيته سوف تتداعى، خاصةً أن الوضع في البرازيل خطير للغاية في الوقت الحالي، في ظل تداخل الأزمة الصحية مع الأزمات السياسية والاقتصادية الشديدة الخطورة، وهو ما يمكن أن يتسبب في أزمة إنسانية حادة في أكبر دول أمريكا اللاتينية.