أخبار المركز
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)
  • إيمان الشعراوي تكتب: (الفجوة الرقمية: حدود استفادة إفريقيا من قمة فرنسا للذكاء الاصطناعي 2025)
  • حسين معلوم يكتب: (تفاؤل حذر: هل تشكل الانتخابات المحلية فرصة لحلحلة المسار الليبي؟)
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)

فاعلية منخفضة:

لماذا لن يغير الهجوم الثلاثي سلوك نظام الأسد؟

14 أبريل، 2018


ظهرت الضربة العسكرية التي وجّهتها الولايات المُتحدة، بالتعاون مع كُلٍّ من فرنسا والمملكة المُتحدة، للمواقع العسكرية السورية، وكأنها خارج السياق التقليدي لانعزالية الولايات المُتحدة عن المجريات السورية، إلا بالحد الأدنى الذي حددته الاستراتيجية الأمريكية لنفسها للانخراط في المسألة السورية، والذي تمثّل في قيادتها جهود التحالف الدولي لمحاربة تنظيم "داعش"، وتشكيل مظلة لهيمنة قوات سوريا الديمقراطية على منطقة شرق الفرات.

وعلى الرغم من اتساع نطاق الهجوم الأخير نسبيًّا مقارنة بالهجوم السابق في أبريل 2017، فإنه من غير المرجح أن يؤدي إلى تغيرات جوهرية في معادلات التوازن الحاكمة للأوضاع الراهنة في سوريا.

سياقات انسحابية: 

خلال الشهور الستة الأخيرة، كان ثمة ثلاث ظواهر سياسية مُحيطة بالأوضاع في سوريا، تُشير كُل واحدةٍ منها إلى أن الحضور والدور السياسي والعسكري الأمريكي -وحتى الأوروبي والغربي عمومًا- قد وصل إلى الحد الأدنى من الفاعلية:

1- التوافق الروسي – الإيراني – التركي: أضحت روسيا وإيران وتُركيا، هي وحدة التنسيق السياسي واللوجستي والأمني المركزية والفعالة، وحتى الوحيدة، في شتى الملفات السياسية والعسكرية في سوريا، خصوصًا تلك المتعلقة منها بالتوافق على مناطق النفوذ وتبادل المنافع وغض النظر المُتبادل.

وقد بدأ هذا التنسيق الثلاثي مُنذ السماح لتُركيا باحتلال مدينة جرابلس والإقليم الجُغرافي المُحيط بها قبل أكثر من عام، لقطع الطريق أمام تأسس "الممر الكُردي" في كامل الشمال السوري، مقابل قطعها للإمدادات العسكرية واللوجستية عن مقاتلي المُعارضة السورية شرق حلب، واستمر ذلك التنسيق الثلاثي بين هذه الدول، إلى أن صارت هذه القوى تعتقد أنها الفاعل الوحيد في المسألة السورية، وصارت تتناغم فيما بينها إلى درجةٍ تتبادل فيها مناطق السيطرة، كما جرى مؤخرًا في كُلٍّ من الغوطة وعفرين، دون أي اعتبار للحضور والنفوذ الأمريكي.

2- الانسحاب الأمريكي من سوريا: أعلنت الولايات المتحدة قبيل الهجوم الأخير الانسحاب الكُليّ من المسألة السورية، دون أية رؤية أو استراتيجية لمرحلة ما بعد "داعش"، أو مرحلة "ما بعد الحرب". ففي حين كانت إدارة الرئيس "أوباما" تنخرط في المسألة السورية في حدود ملف مكافحة الإرهاب، والضغط باتجاه دفع الأطراف المتحاربة للجلوس على طاولة المفاوضات؛ فإن الإدارة الجديدة لم تحدد لنفسها أية استراتيجية ذات مضمون وثبات.

يُضاف إلى ذلك أن قرارات وتوجهات إدارة "ترامب" بدت وكأنها غير متجانسة، وغير مُتفق عليها بين مُختلف المؤسسات الأمريكية، خصوصًا وزارتي الدفاع والخارجية من طرف، والرئاسة من طرفٍ آخر. فبعد معركتي منبج والرقة اللتين اعتُبِرتا ذروة الانخراط الأمريكي في الملف السوري، وبعد تصريحات وزارتي الدفاع والخارجية الأمريكية بأن الجهد العسكري الأمريكي سيتحول إلى جُهد دبلوماسي وتنموي في كامل منطقة شرق الفرات، حيث تنتشر العشرات من القواعد العسكرية الأمريكية، وتخصيص مبالغ مالية ضخمة لبناء القوات العسكرية المحلية المُتحالفة مع الولايات المُتحدة وإعادة الإعمار؛ أعلن الرئيس الأمريكي فجأة أن بلاده سوف تسحب قواتها من سوريا في القريب العاجل!.

وتسبب ذلك في أزمة ثقة عميقة داخل أوساط حُلفاء الولايات المُتحدة المحليين، بالذات قوات سوريا الديمقراطية. ذلك الأمر الذي ترافق مع تجميد الرئاسة الأمريكية مبلغ مائتي مليون دولار كانت مُخصصة للمناطق السورية المُدمرة، وأوقفت عمل وحدات التنسيق الاستخباراتي الأمريكية في تُركيا والتي تقوم برعاية فصائل المُعارضة السورية.

وكانت الولايات المُتحدة قد منعت النِظام السوري، أو أية قوة إقليمية، أو حتى دولية، من بسط سيطرتها على منطقة شرق الفرات التي صارت موعودة لأن تتحول بالتقادم إلى "النموذج الأمريكي البديل" لباقي المناطق السورية. ووصل هذا الانخراط إلى درجة قيام الطائرات الأمريكية بقصف قوات النِظام السوري والميليشيات الرديفة له، بما في ذلك تشكيلات المُرتزقة الروس، حينما حاولت التقدم نحو شرق الفرات، وقد كانت هذه المنطقة السورية الوحيدة التي خرجت من سُلطة التنظيمات الإرهابية، ولم تستطع قوات النِظام السورية إعادة هيمنتها عليها.

3- تراجع فاعلية مسار جنيف: فَقَدَت كُلٌّ من الولايات المُتحدة والدول الغربية ثقلها في المسألة السورية، لا سيما فيما يخص "مسار جنيف" الذي كان يُشكل مركز الرؤية الأمريكية-الأوروبية لما يجب أن يحدث في سوريا، وقد حدث هذا بشكل تدريجي مُنذ صيف عام 2013، حينما تراجعت إدارة الرئيس "أوباما" عن توجيه أية ضربة عسكرية عقابية للنِظام السوري، لاستخدامه الأسلحة الكيماوية بشكلٍ واسع في غوطة دمشق وقتئذ.

ومُنذ ذلك الحين، تراجع النفوذ الأمريكي والأوروبي، وتحول مسار جنيف إلى ما يُشبه الاجتماعات الدورية التي يتبادل فيها ممثلو المعارضة والنِظام السوري الاتهامات، دون أن تنجح في تحريك أي ملفٍ، أو إحداث أي تحرك يذكر من "منطقة الصفر". 

وفي هذا السياق، قامت كلٌّ من إيران وتُركيا -برعاية روسية- ببناء مسار الأستانة الذي انقلب من منصة لإيجاد حل سياسي للمسألة السورية، إلى صالة مُغلقة لعقد الصفقات الأمنية والعسكرية وتبادل المصالح بين هذه القوى.

مبادئ أساسية:

على الرغم من السياسة الانعزالية التي اتّبعتها الولايات المتحدة في سوريا، كان هناك مبدآن حافظت عليهما الولايات المُتحدة بدرجات متفاوتة:

1- عدم الاعتراف بشرعية نظام الأسد: وتتمثل هذه السياسة في عدم التعامل مع النِظام السوري كسُلطة حُكم شرعية تمامًا، بل الاستمرار في التشكيك في شرعيته، واتهامه بارتكاب العشرات من المجازر بحق شعبه، وتحميله مسئولية ما وصلت إليه سوريا. وصحيح أن الولايات المُتحدة لم تقم بتوفير السياقات اللازمة لإسقاط النِظام السوري حسب هدفها المعلن، لكنها في المُقابل لم تقم بإعادة دمجه في النظام الدولي من جديد، مثلما فعلت الإدارات الأمريكية السابقة بعد عام 2005، حينما عاد نِظام الأسد إلى المنظومة الدولة كقوة حُكمٍ شرعية لسوريا بعد اتهامه باغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق "رفيق الحريري".

2- دعم الانخراط الإسرائيلي في سوريا: شجعت الولايات المُتحدة قيام إسرائيل بتوجيه ضربات دورية لمراكز وقواعد عسكرية تابعة للنِّظام السوري، خاصة تلك التي يُشَكُّ في خضوعها لسيطرة قوات الحرس الثوري الإيراني وميليشيات حزب الله اللبناني، وذلك لرغبتها في إيجاد نوع من التوازن بين القوى الإقليمية، وهو ما يتحقق بعدم السماح لإيران ببسط نفوذها المُطلق على سوريا، حتى لا تندلع نزاعات إقليمية، وربُما دولية، مُستقبلًا.

تداعيات الهجوم:

مثّلت الضربة الأمريكية فعلًا استثنائيًّا ضمن سياسة "الانعزالية" التي تنتهجها الولايات المتحدة في سوريا منذ فترة طويلة، وجاءت هذه الضربة محدودة وقصيرة من حيث المدة الزمنية، وكأنها عقاب مخفف كردة فعل لا بُدّ منها على الضربة الكيماوية الأخيرة. وبقول أكثر مباشرة، فإن الضربة أقرب ما تكون إلى "رفع الحرج" عن القوى الدولية، لا سيما الولايات المُتحدة كقوة دولية مسئولة مباشرة عن الأمن والسلام الدوليين، حيث لا بُد لها من أن تقوم بردة فعلٍ ما، أيًّا كانت، تجاه السلوك "الأرعن واللا مُبالي" للنِظام السوري، ويمكن القول إن ذلك الطابع المخفف للضربة الأمريكية سيؤدي إلى مجموعة من التداعيات، وذلك فيما يلي:

1- عدم تغير سلوك النظام السوري: سيبقى نظام الأسد على نهجه التقليدي، سواء من حيث استعمال كافة منظومات التسلح والتكتيكات تجاه المناطق غير الخاضعة لسيطرته، أو من خلال التشدد تجاه عملية التسوية السياسية، واتهام القوى السورية المعارضة بالخيانة والعمالة، وتضييق نطاق العملية السياسية.

2- استمرار التنسيق الإيراني-الروسي: ستواصل روسيا رعايتها للنِّظام السوري، وتقديم الدعم الجوي لقواته لإعادة سيطرتها على باقي المناطق الخارجة عن سيطرته، وحمايته سياسيًّا في مجلس الأمن. وستستمر إيران في دعم النِظام السوري ميدانيًّا، من خِلال العشرات من الميليشيات الرديفة للجيش السوري، وتقديم كُل أشكال الدعم اللوجستي لقواته على الأرض.

3- الابتزاز التركي للولايات المتحدة: لن تغير تركيا سياستها في ابتزاز المناطق المحمية أمريكيًّا شرق الفرات، وعدم قبولها بالعروض الأمريكية التي تسعى لإقامة منطقة نفوذ أمريكية-كُردية هُناك، مع مراعاة مصالح الأمن القومي التُركي.

ختامًا، يُرجَّح ألا تتغير توازنات القوى السياسية والعسكرية في سوريا إلا أذا حدث أمرٌ واحد فحسب، هو استمرار الضربات بشكلٍ دوري بصورة تؤثر على البنى العسكرية والأمنية التحتية للنِظام السوري، وتبعث برسائل واضحة للقوى الإقليمية، وحتى الدولية، بأن استمرار الأوضاع الراهنة في سوريا قد بات ماسًّا بالأمن والسلم الدوليين، ومصالح ونفوذ ودور الولايات المُتحدة في الشرق الأوسط.