أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)

الرابحون والخاسرون من مسار بريطانيا الاقتصادي

28 أبريل، 2017


بإعلان رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي إجراء انتخابات عامة في بريطانيا في 8 حزيران (يونيو) المقبل، تتخذ المملكة المتحدة خطوة أقرب إلى جعل الخروج من الاتحاد الأوروبي حقيقة واقعة. ومن المرجح أن تعزز الانتخابات موقف حزب المحافظين وتؤكد أنه يتمتع بتأييد شعبي واسع، وهو ما سيحظى بدعم واسع النطاق لسياسات الحزب بما في ذلك خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وهذا من شأنه أن يسهّل على الحكومة برئاسة ماي تبرير السياسات التي تتشكل لإعداد بريطانيا لمستقبل ما بعد الاتحاد الأوروبي.

على رغم أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ليست أولوية عالية بالنسبة الى المملكة المتحدة في الوقت الحالي، مع توجيه معظم اهتمام الحكومة إلى القضايا المتعلقة بالعلاقة مع الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن الأمن الداخلي، فإن خروج بريطانيا من الاتحاد سيكون له تأثير مباشر على علاقاتها مع منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ومن المرجح أن يعزز خروج بريطانيا العلاقات الاقتصادية مع دول الخليج، لكنه سيضعف اهتمام المملكة المتحدة الاقتصادي ببلدان أخرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

بعد توطيد موقف حزب المحافظين داخل البرلمان من خلال الانتخابات القادمة، سيتم تحضير المملكة المتحدة للخروج من السوق الأوروبية الموحدة، مما سيفقدها أكبر شريك تجاري وهو الاتحاد الأوروبي. ولذا تسعى الحكومة البريطانية إلى الاستعاضة عن سوق الاتحاد الأوروبي من خلال تكريس علاقات اقتصادية جديدة مع دول خارج أوروبا، وعلى رأسها الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي. وقد صاغت تيريزا ماي مصطلح «بريطانيا العالمية» لتقديم المملكة المتحدة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي باعتبارها ذات رؤية خارجية أوسع من تلك التي تتمتع بها ضمن حدود الاتحاد الأوروبي. لكن دراسة مسار السياسات الاقتصادية تجاه منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تشير الى أن علاقات بريطانيا المستقبلية مع هذه المنطقة لن تتحسن بالضرورة في شكل عام.

منذ وصول الحكومة البريطانية الجديدة إلى السلطة قبل أقل من عام، بذلت جهوداً متضافرة لتوسيع العلاقات التجارية والاستثمارية مع دول مجلس التعاون الخليجي. واستقبلت قطر ست زيارات وزارية من المملكة المتحدة خلال هذه الفترة، في حين استضافت الإمارات العربية المتحدة في عام 2017 وحده خمس زيارات من هذا القبيل حتى الآن. دول الخليج حالياً هي في موقف قوي للمساومة مع الحكومة البريطانية وتهتم بإبرام اتفاقية التجارة الحرة مع المملكة المتحدة حين خروجها من الاتحاد الأوروبي.

الشرق الأوسط هو بالفعل سوق مهمة للمملكة المتحدة، حيث بلغت قيمة الصادرات البريطانية إلى المنطقة 18 بليون دولار سنوياً، في حين أن الاستثمار من الشرق الأوسط في المملكة المتحدة كان 4 بلايين دولار في عام 2016 وحده. وقد زادت التجارة بين المملكة المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي بنسبة 185 في المئة بين عامي 1999 و 2015. وعلى مدى السنوات العشر الماضية، أصبحت شركة «شل» أكبر مستثمر أجنبي في قطر، حيث استثمرت نحو 21 بليون دولار في صناعة النفط القطرية. قطر، من ناحية أخرى، هي أحد المستثمرين الرئيسيين في العقارات التجارية في المملكة المتحدة.

وعززت هذه البنية التحتية الاقتصادية القوية الثقة في اقتصاد المملكة المتحدة من قبل المستثمرين في الشرق الأوسط والتي تسارعت عكس التيار. فبعد استفتاء الاتحاد الأوروبي عام 2016، خفض المشترون من جميع أنحاء العالم إنفاقهم على العقارات التجارية في المملكة المتحدة، باستثناء أولئك المشترين من الشرق الأوسط. فقد شهد الربع الأخير من عام 2016 أن 24 في المئة من عمليات الاستحواذ على العقارات البريطانية من الخارج تأتي من مستثمرين من الشرق الأوسط، مقارنة مع 10 في المئة فقط للفترة نفسها من العام السابق. وفي بعض النواحي، ساعدت نتائج الاستفتاء المستثمرين العرب، اذ تراجعت قيمة الجنيه الاسترليني في شكل ملحوظ في أعقابه، والذي تزامن أيضاً مع ارتفاع أسعار النفط.

وتشجع الحكومة البريطانية بنشاط هذا المسار. في آذار (مارس) الماضي استضافت المملكة المتحدة مؤتمراً تجارياً واستثمارياً بين قطر والمملكة المتحدة قال فيه ليام فوكس، وزير الدولة البريطاني للتجارة الدولية، إن المملكة المتحدة «ستضاعف التمويل المتاح من الصادرات البريطانية لدعم التجارة مع قطر إلى 4.5 بليون جنيه إسترليني. وسيكون ذلك مبلغاً إضافياً قدره 2.25 بليون جنيه استرليني لدعم الشركات البريطانية المصدرة إلى قطر، وللمشترين القطريين في القطاعين العام والخاص».

كما تأثرت بورصة لندن في شكل سلبي نتيجة الاستفتاء، حيث لا تزال الأموال من الاكتتاب العام الأولي أقل بكثير مما كانت عليه في العامين الماضيين. ومع وجود أربعين شركة من الشرق الأوسط مدرجة في بورصة لندن، تحاول البورصة جذب المزيد من المستثمرين من المنطقة. وحين ذهبت تيريزا ماي إلى المملكة العربية السعودية، رافقها الرئيس التنفيذي لمجموعة البورصة البريطانية لمحاولة جذب جزء من الاكتتاب العالمي المخطط لمجموعة «أرامكو» السعودية إلى بورصة لندن، والذي يتوقع أن يكون أكبر اكتتاب في العالم.

في حين أن التطورات المذكورة أعلاه ستكون موضع ترحيب من قبل دول مجلس التعاون الخليجي، فإن التركيز على التجارة والاستثمار مع دول مجلس التعاون ذات الموارد الاقتصادية الغزيرة يعني أن المملكة المتحدة ستكون أقل اهتماماً في دعم تلك الدول في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تعتبر حالتها الاقتصادية ضعيفة بالمقارنة. تونس مثال على ذلك. إنها بلد يتعافى اقتصاده ولكن ببطء.

كانت هناك صفقات بين المملكة المتحدة وتونس لدعم أجهزة الأمن التونسية في مكافحة الإرهاب، ولكن المملكة المتحدة لا تفعل ما يكفي لمساعدة تونس لمواجهة مشكلاتها الاقتصادية، في حين أن الاقتصاد هو المحرك الرئيسي وراء الإرهاب في تونس.

وتواصل المملكة المتحدة التحذيرات من السفر إلى تونس «باستثناء الرحلات الضرورية»، على رغم أن تونس لم تشهد هجوماً إرهابياً منذ أكثر من عام، مع وقوع هجمات أكثر في الدول الأوروبية أكثر مما وقع منها في تونس على مدى العامين الماضيين. إن التحذير من السفر لم يضرّ فقط بقطاع السياحة في تونس - ففي بعض المناطق تعد السياحة المصدر الرئيسي للدخل – ولكنه أدى ايضاً إلى إخافة المستثمرين الأجانب الذين بدأوا ينظرون إلى تونس على أنها سوق عالية الأخطار.

بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، من الأرجح أن المملكة المتحدة سوف لا ترغب في توجيه مواردها إلى البلدان التي لا تعتبر أولوية اقتصادية، وهنا ما يربحه الخليج ولكن بقية البلاد العربية ستخسره للأسف إلا اذا أعادت المملكة المتحدة النظر في نموذجها الاقتصادي.

*نقلا عن صحيفة الحياة