أخبار المركز

ميناء تشابهار:

هل تنجح الهند في تعزيز نفوذها في آسيا الوسطى؟

31 مايو، 2024


أبرم وزير الشحن الهندي سارباناندا سوناوال، في 13 مايو 2024، مع وزير التنمية الحضرية الإيراني، مهرداد بازرباش، اتفاقاً مدته 10 سنوات لتطوير وتشغيل ميناء تشابهار الإيراني، الذي يقع على مياه المحيط الهندي. 

وقد لاقى الاتفاق زخماً واسعاً، لما قد ينتج عنه من تأثيرات تتعلق بمستقبل النفوذ الهندي في آسيا الوسطى، وتداعيات ذلك على نفوذ الصين والأطراف الأخرى في المنطقة، لذلك فقد فتح الاتفاق العديد من التساؤلات حول اتجاهات الطموح الهندي في آسيا الوسطى، وأهدافها من الاتفاق، فضلاً عن التداعيات المحتملة له. 

أبعاد التوقيت: 

تزامن الاتفاق مع العديد من الأبعاد؛ التي يمكن تناول أبرزها فيما يلي:

1- انتخابات مهمة: يتزامن الاتفاق مع الانتخابات العامة في الهند، والتي دخلت في يوم توقيع الاتفاق المرحلة الرابعة، وتُشير التحليلات إلى أن من شأن تلك الانتخابات أن تؤثر في سياسات الهند الخارجية والداخلية؛ إذ اعتبر البعض أن سفر وزير الشحن الهندي في هذا التوقيت الحاسم في الانتخابات، يعكس أهمية الاتفاق والميناء بالنسبة للهند؛ خاصة وأنه كان قيد الإعداد منذ عدة سنوات.

2- نمو اقتصادي داعم: يرجح البعض بأن الهند تملك نمواً اقتصادياً داعماً لسياساتها الخارجية، ولاسيما وأنها تقف على أعتاب انطلاقة اقتصادية قوية يراها بعض المحللين بأنها "الصين الجديدة"؛ إذ تفوقت الهند على الصين باعتبارها أسرع الاقتصادات الكبرى نمواً في العالم، فمن المرجح أن تتمكن الهند من الحفاظ على نمو اقتصادي حقيقي يتجاوز 6% سنوياً خلال الفترة المتبقية من هذا العقد، وتحتل الهند حالياً خامس أكبر اقتصاد في العالم من حيث القيمة الاسمية للدولار، وثالث أكبر اقتصاد من حيث الناتج المحلي الإجمالي، فيما بلغ متوسط الاستثمار في الهند نحو 30% من الناتج المحلي الإجمالي على مدى السنوات القليلة الماضية، بما يشير إلى أنها تملك مجالاً كبيراً لزيادة الاستثمارات الداخلية والخارجية. 

3- تحذير أمريكي: بعد الاتفاق، وجهت واشنطن على لسان نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية فيدانت باتيل، تحذيراً للشركات الهندية بفرض عقوبات إذا استثمرت في إيران، مؤكداً أن العقوبات الأمريكية على إيران لا تزال قائمة، وهناك خطر محتمل لفرض عقوبات على أية صفقات تجارية مع إيران، كما قال فيدانت، أن بلاده قد تدعو الحكومة الهندية للتعليق على أهداف سياستها الخارجية فيما يتعلق بميناء تشابهار وكذلك علاقتها الثنائية مع إيران. 

تحركات هندية:

تصاعد الطموح الهندي في آسيا الوسطى؛ الأمر الذي أفرز تحركات هندية متعددة، وعلى أصعدة مختلفة تجاه المنطقة، وأبرزها ما يلي:

1- استراتيجية وطنية: بلورت الهند عام 2022 استراتيجية وطنية تجاه آسيا الوسطى، تمخض عنها عقد أول اجتماع افتراضي بينها وبين دول آسيا الوسطى الخمس على مستوى رؤساء الجمهورية، وركز الاجتماع بالأساس على التعاون التجاري ومكافحة الإرهاب والتطرف في المنطقة، فعلى مدى العقد الماضي، عملت الهند على تطوير استراتيجية تعتمد على المشاركة المكثفة والدبلوماسية النشطة في آسيا الوسطى، وذلك بعد إطلاقها عام 2012 لمبادرة "ربط آسيا الوسطى" بهدف تعزيز العلاقات بينهما. 

2- تعاون اقتصادي رقمي: في إطار سعي الهند الحثيث لتعزيز علاقاتها الاقتصادية الرقمية مع آسيا الوسطى، اقترحت في أكتوبر 2023، وخلال الاجتماع الثاني لمستشاري الأمن القومي للهند وآسيا الوسطى وأمناء مجالس الأمن في كازاخستان، إنشاء أنظمة دفع رقمية بينها وبين دول آسيا الوسطى؛ بما سيعزز بشكل كبير الروابط التجارية، ويفيد حركة السياحة بينهما.

3- تنسيق أمني: ثمّة تنسيق أمني مهم بين الهند وآسيا الوسطى، فقد عُقد الاجتماع الثاني لمستشاري الأمن القومي بين الهند ومجموعة دول آسيا الوسطى الخمس في 17 أكتوبر 2023، وذلك على خلفية إنشاء أمانة عامة بين الهند وآسيا الوسطى في نيودلهي؛ تهدف لدراسة وتنسيق الجهود الأمنية بينهما، وتم إنشاء تلك الأمانة العامة بعد القمة الهندية المركزية الأولى في 27 يناير 2022.

4- قوة ناعمة: تزايدت قوة الهند الناعمة في آسيا الوسطى خلال الفترة الماضية، مُستغلةً العوامل الثقافية والتعليمية والديمغرافية بينها وبين دول آسيا الوسطى، ومن بين وسائل تلك القوة التأثير في الشباب؛ فقد استضافت وزارة شؤون الشباب في الهند النسخة الثانية من منتدى شباب الهند وآسيا الوسطى(YDP)  خلال الفترة من 6 إلى 12 مارس 2024، وذلك بعد نجاح النسخة الأولى، ويُعد المنتدى فرصة مثالية لشباب آسيا الوسطى والهند لتعزيز التفاهم المتبادل والعلاقات الاجتماعية والثقافية؛ إذ يتيح للوفد الشبابي فرصة لاكتشاف التراث الثقافي الغني للهند، والالتقاء بكبار الشخصيات والمؤسسات البحثية الرائدة والشركات الهندية. 

أهداف الهند: 

تتطلع الهند من وراء توقيع الاتفاق مع إيران إلى تحقيق العديد من الأهداف، والتي يتجلى أبرزها فيما يلي:

1- مواجهة النفوذ الصيني: باعتباره البوابة الذهبية التي تربط الدول الواقعة على طول المحيط الهندي بآسيا الوسطى والقوقاز؛ يمكن لميناء تشابهار أن يُسهم في تعزيز فرص الهند لمواجهة النفوذ الإقليمي المتنامي للصين داخل آسيا الوسطى؛ إذ سيُسهم الميناء في زيادة موازنة الهند لمبادرة الحزام والطريق الصينية، ولاسيما وأن البعض يرى أن التنافس بين ميناء تشابهار الإيراني وميناء جوادر الباكستاني، يأتي في إطار المنافسة بين الهند والصين في الوصول شمالاً وجنوباً، ليس هذا فحسب، فإن الهند من خلال الاتفاق تسير على خطى منافسة الصين عبر الاستثمار في موانئ دول أجنبية، ولاسيما وأنها تمكنت خلال الفترة الماضية أيضاً من تأمين حصص في موانئ إيران وسريلانكا وميانمار ودول أخرى، كما تتطلع إلى الاستثمار بميناء في الفلبين .

2- بوابة لأفغانستان وآسيا الوسطى: تنظر الهند إلى ميناء تشابهار الإيراني على أنه بوابة إلى أفغانستان غير الساحلية ومنطقة آسيا الوسطى؛ إذ أعلن وزير الشؤون الخارجية أس جايشانكار، أن الميناء سيفتح اتصالات جديدة بين بلاده وآسيا الوسطى، كما سيُعزز الروابط بينهما، ولاسيما الروابط التجارية والاقتصادية؛ مما قد يرجح كفة الهند في خريطة النفوذ في آسيا الوسطى، فخطط الربط والنقل من بين آليات الفوز في لعبة التنافس على المنطقة.

3- التفوق على باكستان: يُعد ميناء تشابهار هو الطريق الموازي لميناء جوادر الباكستاني، لذلك وحال تشغيله بكامل طاقته، فإنه سيُتيح للهند التفوق على باكستان وتقويض قدرة ميناء جوادر في باكستان على الوصول إلى دول آسيا الوسطى؛ إذ سيسمح الميناء للهند بإخراج باكستان من حلقة الشحن والنقل إلى آسيا الوسطى وأفغانستان، كما قد يؤدي لاستبعادها من مبادرة الحزام والطريق الصينية. 

4- الرد على تقلص الدور الهندي في المالديف: قد تهدف الهند أيضاً من الاتفاق، إلى الرد على تقلص النفوذ الهندي في جزر المالديف، بعد فوز حزب "المؤتمر الوطني الشعبي" في الانتخابات التشريعية التي أجريت في 21 إبريل 2024، فهو الحزب المؤيد لرئيس البلاد محمد مويزو، المعروف بتحالفه مع الصين، والذي يتوقع الخبراء بأن يسعى بعد الانتخابات إلى زيادة تقليص الوجود الهندي في البلاد، واستبدال الوجود العسكري الهندي بالصيني. 

5- تعزيز القدرات اللوجستية: تسعى الهند من الاتفاق إلى تعزيز قدراتها اللوجستية وتوسيع طرقها التجارية ليس فقط إلى آسيا الوسطى بل إلى العالم كله، من خلال تعزيز مكانتها في سلسلة التوريد العالمية والقطاع البحري حول العالم؛ إذ يتعين على التجارة مع آسيا الوسطى أن تتحرك في طريق طويل للغاية عبر الصين؛ مما يؤدي إلى ارتفاع التكلفة، ولكن في ظل الاتفاق؛ من المتوقع أن تؤدي حركة البضائع عبر هذا الميناء إلى توفير التكلفة بنسبة 30% وتوفير وقت النقل بنسبة 40%، بما يضمن نقلاً دولياً سريعاً وبتكلفة تنافسية، إذ يُعد ميناء تشابهار أساسياً لتعزيز تجارة الهند مع أوروبا، وتعبيد طرق الشحن والإمداد العالمي بينهما. 

6- مكاسب اقتصادية: لا تملك الهند سوى 0.5% من التجارة الخارجية لدول آسيا الوسطى الخمس البالغة 238 مليار دولار؛ إذ تبلغ التجارة بين الهند ومجموعة دول آسيا الوسطى نحو مليار دولار فقط، في حين بلغ حجم التجارة الصينية مع هذه الدول نحو 90 مليار دولار، لذلك تسعى الهند من خلال الميناء إلى زيادة مكاسبها الاقتصادية واقتناص نصيب أكبر من حجم التجارة الخارجية لآسيا الوسطى، فقد يحقق استثمار شركة (IPGL) (India Ports Global Limited) البالغ 370 مليون دولار، في تطوير البنية التحتية للموانئ ومعداتها؛ منافع اقتصادية عديدة أبرزها زيادة قدرة مناولة البضائع في الميناء، وخلق فرص عمل جديدة في المنطقة، وتسهيل التجارة بين الهند وإيران وأفغانستان وآسيا الوسطى. 

7- وسيلة تحوّط: جاء قرار الهند لخوض أول تجربة لها في إدارة ميناء في الخارج، كوسيلة للتحوط من الأزمات الدولية والإقليمية التي قد تقف كحجر عثرة أمام مساعيها للتوسع الاقتصادي، فعدم الاستقرار الذي يسود منطقة الشرق الأوسط قد يؤثر بكل تأكيد في خطة الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط. 

تداعيات مُحتملة: 

قد يتمخض عن الاتفاق العديد من التداعيات بالنسبة للهند، ويتمثل أبرزها فيما يلي:

1- توطيد العلاقات الهندية الإيرانية: قد يمثل اتفاق الميناء، نقطة تحول وفصلاً جديداً من العلاقات الهندية الإيرانية، خاصة في مجال التعاون التجاري والاقتصادي، فضلاً عن تسهيل التعاون الاستراتيجي بينهما، فقد أكد وزير الخارجية الإيراني الراحل حسين أمير عبداللهيان، أن الاتفاق يبرهن على التعاون طويل الأمد بين بلاده والهند، فيما أكدت الهند أن طهران ليست صديقة جديدة، ولكن الاتفاق سيوطد العلاقات الثنائية بينهما، وقد تتم ترجمة ذلك من خلال إطلاق شركة شحن مشتركة بين الشركات الإيرانية والهندية؛ اقترحها وزير الطرق والتنمية الحضرية الإيراني. 

2- تقارب هندي روسي: من المرجح أن يُسهم اتفاق الميناء بين الهند وإيران في التقارب بين الهند وروسيا، فبالإضافة إلى العلاقات الوثيقة بين روسيا وإيران، توجد خطط لربط ميناء تشابهار بممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب (INSTC) الذي يربط الهند بروسيا عبر إيران، كما قد يكون الميناء وسيلة من وسائل موسكو لتفادي وتقويض تأثير العقوبات الغربية فيها، ولاسيما وأنها تتبنى خلال الفترة الأخيرة طرقاً تجارية جديدة إلى آسيا.

سيناريوهات مُستقبلية: 

بالنظر إلى المعطيات المتعلقة بالمشروع، يمكن الوقوف على أبرز السيناريوهات المتعلقة به على النحو التالي: 

1. السيناريو الأول: توقف المشروع بسبب العقوبات الأمريكية: يُرجح هذا السيناريو أن تفرض واشنطن عقوبات على الهند، باعتبارها أحد الأطراف التي تتعاون مع إيران، والخاضعة لعقوبات كبيرة من جانب واشنطن، وقد تؤدي تلك العقوبات إلى تقييد تطوير الميناء وحركة التجارة المتوقعة فيه؛ ما يحول دون إتمامه واستفادة الطرفين منه.

2. السيناريو الثاني: خيار أمريكي جديد وتنفيذ المشروع: يرى هذا السيناريو أن تتخذ واشنطن خياراً جديداً في التعامل مع الهند، وذلك ليس فقط لإصرار صناع السياسة في الهند على إيجاد طرق للتعامل مع التصعيد الأمريكي المحتمل، بل لخيارات السياسة الخارجية التي تتسم بالتقارب بين البلدين خلال الفترة الماضية.

3. السيناريو الثالث: إعفاء الميناء من العقوبات وإتمام المشروع: يرجح هذا السيناريو، إعفاء الميناء من العقوبات الأمريكية، وذلك على غرار ما قامت به واشنطن في عام 2018، من إعفاء لعمليات الميناء من العقوبات للسماح بتدفق البضائع والوقود إلى أفغانستان، كما يرجح هذا السيناريو، أن يتم إتمام المشروع، من خلال تجاوز الهند للتهديد الأمريكي كما حدث عند شرائها 5 وحدات من نظام الدفاع الجوي الصاروخي "أس-400" من روسيا، على الرغم من تحذير واشنطن، ولاسيما وأن الهند لم تصدر حتى الآن أي بيان رداً على تحذير واشنطن.

وفي التقدير، يمكن القول إنه في ضوء معطيات الموقف الراهن بشأن اتفاق مشروع ميناء تشابهار بين الهند وإيران، فإن السيناريو الأقرب يتمثل في مساعي الهند الحثيثة لإتمام المشروع بكامل طاقته، من خلال تجاوز التهديد الأمريكي بفرض عقوبات، وذلك لما له من حوافز ومكاسب كبرى ستحققها الهند، ولاسيما فيما يخص تعزيز نفوذها في منطقة آسيا الوسطى؛ إذ من المرجح أن يحفز الميناء التدفقات التجارية والتكامل الاقتصادي ليس فقط في جميع أنحاء المنطقة، بل خارج المنطقة؛ فقد تسهم الاتفاقية في زيادة الاستثمارات وتشجع الدول الأخرى على النظر إلى الميناء كبديل عملي لطرق التجارة التقليدية.