أخبار المركز
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)

ارتباك أمريكي!

استمرار الدعم الفرنسي لديبي الابن رغم الانقلاب الفاشل في تشاد

13 يناير، 2023


أعلنت الحكومة التشادية، في 5 يناير 2022، تمكنها من إحباط محاولة انقلابية فاشلة، قامت بها مجموعة من الضباط العسكريين، كانت تستهدف زعزعة الاستقرار وتقويض النظام الدستوري في البلاد، لافتةً إلى أنه تم فتح تحقيق للكشف عن أبعاد هذه المحاولة.

محاولة انقلابية فاشلة:

تواجه تشاد اضطرابات أمنية متزايدة، في ظل رفض المعارضة السياسية والمسلحة لمخرجات الحوار الوطني الشامل، الذي قضي في أكتوبر 2022 بتمديد المرحلة الانتقالية لمدة عامين إضافيين، وتسمية رئيس المجلس العسكري الانتقالي الحاكم، محمد إدريس ديبي، رئيساً انتقالياً في البلاد. وعلى الرغم من تمكن القوات الحكومية من قمع احتجاجات المعارضة، فإن نجامينا لا تزال تواجه اضطرابات داخلية واضحة، وهو ما تجسد في إعلان الحكومة التشادية عن تمكنها من إحباط محاولة انقلابية فاشلة، والتي يمكن عرض أبعادها على النحو التالي:

1- محاولة لزعزعة الاستقرار: أعلن وزير الاتصالات والمتحدث باسم الحكومة التشادية، عزيز محمد صالح، أن هناك 11 ضابطاً كانوا يدبرون للإطاحة بالسلطة الحاكمة في تشاد، وأن هذه المحاولة كان يقودها رئيس المنظمة التشادية لحقوق الإنسان، بحر الدين بردي تارجيو، لافتاً إلى إلقاء الأجهزة الأمنية القبض على المتورطين في هذه المحاولة، في ديسمبر 2022، ومشيراً إلى أن الأجهزة الأمنية ضبطت معدات عسكرية وأجهزة إرسال كان المتهمون يخططون لاستخدامها.

وتجدر الإشارة إلى أن السلطات التشادية سبق وأن حكمت على بحر الدين تارجيو، في فبراير 2021، بالسجن لمدة ثلاث سنوات، في إطار الاتهامات التي وُجهت إليه آنذاك بمحاولة تقويض النظام الدستوري بعد الكتابات التي نشرها تارجيو ضد الرئيس السابق، إدريس ديبي، وتلويحه بأن الأخير بات مريضاً وغير قادر على القيام بمهام رئاسة الدولة.

2- تشكيك في الإعلان: أكد البيان الصادر عن الحكومة التشادية أن المتورطين في المحاولة الانقلابية تم إلقاء القبض عليهم، وترحيلهم إلى سجن شديد الحراسة في "كورو تورو" بشمال البلاد، في انتظار استكمال التحقيقات القضائية، بيد أن البيان لم ينشر أي تفاصيل تتعلق بالمحاولة الانقلابية المزعومة، وما إذا كان المتورطون فيها كانوا قد بدؤوا في اتخاذ خطوات فعلية للانقلاب، أم أن هذه المحاولة كانت لا تزال في طور التخطيط.

وأثار توقيت إعلان نجامينا عن هذه المحاولة تساؤلات عدة، خاصة أن البيان الحكومي أشار إلى إحباط المحاولة الانقلابية الفاشلة في 8 ديسمبر 2022، وهو ما يعني أن الإعلان عنها تأخر قرابة الشهر من توقيت المحاولة. وعزت تقديرات هذا التأجيل إلى القمة الأفريقية – الأمريكية التي شارك فيها ديبي الابن، في منتصف ديسمبر 2022، بينما ذهبت تقديرات أخرى إلى التشكيك في الرواية الصادرة عن الحكومة التشادية بشأن المحاولة الانقلابية، خاصةً أن السلطات هناك عمدت إلى التكتم على عدة محاولات انقلابية سابقة، استهدفت الإطاحة بالمجلس العسكري الحاكم، لذا لم تستبعد هذه التقديرات أن تعمد نجامينا إلى توظيف هذه المحاولة لزيادة القمع ضد قوى المعارضة، أو التخلص من بعض الأجنحة المناوئة للسلطة الحالية داخل المؤسسة العسكرية.

ترنح نظام ديبي:

أثارت العديد من التقديرات شكوكاً بشأن قدرة محمد إدريس ديبي (كاكا) على الاستمرار في السلطة، وذلك على الرغم من سيطرته على السلطة لحين إجراء الانتخابات الرئاسية المرتقبة في نهاية 2024، وذلك في أعقاب مقتل والده، إدريس ديبي، في أبريل 2021، بسبب التحديات التي يواجهها ديبي، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:

1- تصاعد المعارضة الداخلية: شهدت الأشهر الأخيرة تنامياً ملفتاً في تصعيد المعارضة السياسية في تشاد ضد المجلس العسكري الحاكم. وكانت المعارضة نظمت، في أكتوبر 2022، احتجاجات واسعة في العاصمة نجامينا، بيد أن السلطات التشادية عمدت إلى التضييق عليها معتبرة أنها تشكل عصياناً مسلحاً، واستخدمت العنف في التعامل مع المتظاهرين، وهو ما أسفر عن مقتل نحو 50 شخصاً، فضلاً عن اعتقالها المئات من المتظاهرين.

ويبدو أن تصعيد المعارضة بدأ يثير تخوف السلطات في نجامينا، خاصةً إذا ما عمدت حركات المعارضة المسلحة إلى توظيف هذا التصعيد لإعادة شن هجمات جديدة ضد الحكومة التشادية، وهو ما انعكس في تصريحات رئيس الوزراء الانتقالي، صالح كبزابو، والذي لم يستبعد احتمالية تجدد محاولات التمرد من قبل الحركات المسلحة، مؤكداً أن الحكومة تسعى حالياً للتواصل مع الحركات غير الموقعة على اتفاق الدوحة للسلام، لإيجاد توافقات تحول دون استئناف الصراع المسلح مرة أخرى.

2- محاولات انقلابية متكررة: أشارت العديد من التقارير المحلية في تشاد إلى أنه منذ تولى المجلس العسكري الحاكم السلطة، برئاسة ديبي، في أبريل 2021، شهدت البلاد عدة محاولات انقلابية، استهدفت الإطاحة بالمجلس الحاكم وإنهاء سيطرة آل ديبي على السلطة، بيد أن المجلس العسكري عمد إلى التكتم على هذه المحاولات، لتجنب توظيف هذه المحاولات من قبل المعارضة الداخلية للضغط على السلطة الحاكمة.

3- انقسامات داخل أسرة ديبي: انضم زعيم اتحاد قوى المقاومة، تيمان إرديمي، للحوار الوطني الشامل الذي نظمته السلطات التشادية في أكتوبر 2022، إذ يعد إرديمي أحد أبرز قادة مجموعات المعارضة المسلحة التي استهدفت الإطاحة بنظام ديبي، كما يرتبط بعلاقة قرابة مع أسرة آل ديبي، بيد أن هناك أجنحة أخرى داخل الأسرة الحاكمة لا تزال تعارض استمرارية ديبي الابن في السلطة، وهو ما انعكس في إشارة تقارير إلى أن أحد المسؤولين العسكريين الفرنسيين نظم مؤخراً لقاءً مع جنرالات عسكريين من أسرة آل ديبي، وحذرهم من دعم أي محاولة تستهدف الإطاحة بمحمد ديبي.

مسارات محتملة:

في إطار الاضطرابات السياسية والأمنية التي تشهدها تشاد في الآونة الأخيرة، هناك جملة من المسارات المحتملة التي ربما تفرض نفسها على المشهد في نجامينا خلال المرحلة المقبلة، ويمكن عرضها على النحو التالي:

1- تكرار المحاولات الانقلابية: لا يستبعد أن تشهد الفترة المقبلة تكرار محاولات الانقلاب العسكري في تشاد، للإطاحة بمحمد ديبي، ووضع نهاية لسيطرة أسرته على السلطة، وربما يدعم هذا الطرح تنامي السخط داخل النخبة العسكرية في الجيش التشادي، في ظل اتجاه ديبي الابن للدفع بالمقربين منه على رأس المؤسسة العسكرية.

وكان آخر هذه الممارسات قيام كاكا بتعيين صديقه المقرب، إدريس يوسف بوي، في إدارة المكتب المدني بمؤسسة الرئاسة، في مطلع يناير 2023، كما قامت السلطات التشادية مؤخراً بترقية العميد توم هيري أبكر، ذي الـ17 عاماً، إلى رتبة جنرال، فضلاً عن إصدار ديبي عدة قرارات بترقية القيادات العسكرية القريبة منه، وهو ما أثار شكوكاً بشأن مدى تقبل جنرالات المؤسسة العسكرية لهذه الممارسات، الأمر الذي قد يفاقم حدة السخط الداخلي في المؤسسة العسكرية ويسرع من محاولة الانقلاب على نظام ديبي الابن.

2- محورية الدور الفرنسي: لا يزال الدور الفرنسي يشكل العامل الحاسم في دعم نظام ديبي، الأب والابن، للاستمرار في السلطة، فلطالما دعمت باريس نظام إدريس ديبي، وحالت دون سقوطه عدة مرات من قبل حركات المعارضة المسلحة التي سعت مراراً للإطاحة به، كما تدعم باريس حالياً نظام محمد ديبي، وتعمل على تعزيز نفوذه لتأمين مصالحها في الساحل، حيث باتت تشاد تشكل إحدى أبرز ركائز الاستراتيجية الفرنسية في المنطقة، وفي هذا السياق، ترجح بعض التقديرات أن يتمكن المجلس العسكري الحاكم حالياً من الاستمرار في السلطة والتصدي لمحاولة الإطاحة به طالما استمر الدعم الفرنسي لنظام ديبي.

3- موقف أمريكي مرتبك: أشارت تقارير إلى تمكن زعيم المعارضة التشادي ورئيس حزب "المتحولين"، سوكسيه ماسارا، من الهروب إلى خارج البلاد، وأنه وصل إلى الولايات المتحدة في زيارة يستهدف من خلالها، العضو في ائتلاف "واكت تاما" المعارض، إقناع واشنطن بالتدخل لدفع فرنسا للتخلي عن دعمها لنظام ديبي الابن، مقابل تأمين المصالح الغربية في نجامينا حال الإطاحة بهذا النظام.

فقد تدخل الدبلوماسيون الأمريكيون في نجامينا لتهريب زعيم المعارضة التشادية خارج البلاد، في ظل الملاحقات الأمنية التي كانت تستهدفه، وذلك في عملية عرفت باسم "عملية موسى"، حيث تم نقل الأخير من خلال مركبات السفارة الأمريكية في نجامينا إلى الحدود الكاميرونية. ويلاحظ أن التحركات الأمريكية الحالية في تشاد تعكس حالة من التخبط، فبالتوازي مع تهريب ماسارا، كان الرئيس الأمريكي، جو بايدن، يستقبل ديبي خلال القمة الأفريقية – الأمريكية.

وفي حين تشير تقديرات إلى احتمالية أن تتمكن قوى المعارضة من إقناع واشنطن بتغيير موقفها الداعم للسلطات في نجامينا، أو على الأقل دفعها إلى تبني موقف حيادي، لإتاحة الفرصة أمام قوى المعارضة للتصعيد ضد المجلس العسكري الحاكم، فإن هناك تقديرات أخرى أشارت إلى أن الولايات المتحدة لا تزال تعتمد على تشاد بشكل رئيسي في جهود مكافحة الإرهاب في الساحل، وهو ما وضح في دعوة محمد ديبي لحضور القمة الأفريقية – الأمريكية.

وفي الختام، بات الدعم الغربي لنظام ديبي في تشاد يمثل إشكالية كبرى لتحركاتها وحضورها في القارة الأفريقية، فمن ناحية، يهدد استمرار الدعم الأمريكي والفرنسي لديبي الابن باحتمالية تقويض الصورة التقليدية للغرب باعتباره مدافعاً عن حقوق الإنسان والديمقراطية، ومن ناحية أخرى، قد يؤدي تغاضي القوى الغربية عن غضب المعارضة في تشاد إلى زيادة فرص تصاعد العنف والاضطرابات السياسية والأمنية هناك.